الجاهلية سلوك هابط وليس عدم المعرفة
لقد شاع بين الناس على الصعيد الأدبي والمعيشي استخدام كلمة ( الجهل) مقابل وضد كلمة (العلم)، وعدّوا أن كلمة (الجهل ) تدل على انتفاء العلم .
والدارس لدلالة كلمة (جهل ) يجد أنها لا تدل على انتفاء العلم عن من يتصف بالجهل ، فممكن أن يكون الإنسان عالماً ، ومع ذلك يتصف بالجهل !!.
فعلى ماذا تدل كلمة ( الجهل ) ؟
قال تعالى :
1- ( أفحكم الجاهلية يبغون ) المائدة 50
2- ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) الفرقان 63
3- ( قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) البقرة 67
4- ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) الأعراف 199
لنقوم بتحليل دلالة أصوات أحرف كلمة ( جهل ) :
ج : صوت يدل على جهد وشدة .
ه : صوت يدل على تأرجح خفيف .
ل: صوت يدل على حركة متصلة لازمة بطيئة .
ومجموع الأصوات مع بعضها في ترتيب كلمة ( جهل ) تدل على :
جهد وشدة يقوم الإنسان بها في تأرجح خفيف بين الأمور بحركة متصلة لازمة بطيئة .
ومن هذا الوجه أطلق العرب على أداة تحريك الجمر كلمة ( مَجْهَل ) لتحقق به صفة الجهد والأرجحة والحركة المتصلة اللازمة البطيئة . فتكون دلالة كلمة ( جهل ) مرتبطة بالسلوك وليس بالمعلومات والمعرفة . فممكن أن يصدر سلوكٌ من الإنسان خلاف الحق أو الصواب مع علمه بمخالفته للحق ، فلا نقول : إنه لا يعلم . وإنما نقول : إنه جاهل .
فالجاهلية ليست فترة زمنية مضت ، وإنما هي منهج في التفكير ينبثق سلوك منه ، فيكون السلوك مرآة وثمرة لهذا الفكر الجاهلي. قال تعالى :[أفحكم الجاهلية يبغون ] بمعنى: أفحكم طريقة ومنهج المخالفين للحق والصواب يريدون أن يحكموا به. وقال: [ ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ] .
فالجاهلية الأولى : هي المرحلة التي عاشها الإنسان نفسه إذا كان في بدء حياته جاهليا، ومن ثم انخلع منها إلى مرحلة الحق والعلم والصواب ، أو المرحلة الماضية التي عاشها الآباء،فتكون الجاهلية الثانية: هي مرحلة انتكاسية في الإنسان إلى الجاهلية الأولى على مستوى الفرد أو المجتمع .
فكلمة ( الجهل ) صفة ذم وقدح. نحو قولنا : إنك امرؤ فيك جاهلية . أو قولنا : يالك من رجل جاهل . وذلك إذا صدر منه سلوك منافي للحق والعلم والصواب .
قال الشاعر الجاهلي :
ألا لا يجهلن أحد علينا ...... فنجهل فوق جهل الجاهلينا !!!!....
فانتفاء العلم يكون عن السلوك ، وليس من الإنسان نفسه .لذا الجاهلية لم تنته وتختف من الوجود ، بل مازالت قائمة في دول ومجتمعات بكاملها ، تقوم بالحكم بها ، وتدعوا إليها، وتصدرها إلى المجتمعات الأخرى بقوة الإعلام والاقتصاد والسلاح بأسماء كثيرة وصور مختلفة ، نحو مفهوم الديمقراطية : الذي يدل في حقيقته على تداول السلطة بين الأقوياء المستبدين لاستعباد الشعوب . ومفهوم حرية الرأي والتعبير الإباحي : الذي يهتك مقدسات الآخرين ، ويزرع العداوة والبغضاء بين الناس ، ويدفعهم إلى التناحر والحروب فيما بينهم .
هذه هي الجاهلية الثانية بقيادة الفراعنة والهامانات والقوارين الجدد ، الذين يشكلون مع بعضهم مثلث الإجرام .
قال تعالى :[ إني أعظك أن تكون من الجاهلين ] وقال : [ خذ العفو وأْمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ] .