كانت الانتخابات اليمنية الأخيرة خطوة إلى الأمام لتحقيق الحرية والديمقراطية اليمنية، ولكنها لم تكن النهاية في مسيرة الحرية والديمقراطية. فالشعب اليمني خاصة، أمامه مسيرة طويلة لكي يحقق معظم أهدافه، كما أن أمامه سنوات طويلة لكي يكمل مسيرته. فالشعب الفرنسي منذ الثورة الفرنسية 1789 وحتى الآن لم يُكمل هذه المسيرة، وما زال يسير في طريق الحرية والديمقراطية، الذي لا ينتهي.
نكبات الشعب اليمني
الشعب اليمني شعب منكوب جغرافياً، وتاريخياً، ودينياً، واجتماعياً، واقتصادياً، أكثر من أي شعب عربي آخر.
فنكبته الجغرافية متأتية من جواره لدول الخليج، التي أرغمته على المبادرة الخليجية، والتي اقتلعت علي عبد الله صالح، ولكنها أبقت على نظامه وأسرته كافة، في الحكم.
فقالت الأخبار من اليمن، أنه مع انتهاء الانتخابات الرئاسية في اليمن، وبدء عهد جديد برئيس جديد لليمن لأول مرة منذ 33 عاماً، تبقى شجرة عائلة الرئيس السابق علي عبد الله صالح في الحكم إشكالية كبرى.
فعمار محمد عبد الله صالح، مساعد مدير الأمن القومي. ونجل الأخ غير شقيق، محمد صالح الأحمر، قائد القوات الجوية. والأخ غير الشقيق، علي محسن الأحمر، قائد اللواء الأول وقائد المنطقة الشمالية والغربية في الجيش. والأخ غير الشقيق، علي صالح الأحمر، مدير مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تحوي شجرة العائلة صهر صالح، عبد الخالق القاضي، رئيس مجلس إدارة الخطوط الجوية اليمنية. ونجل شقيق صالح، توفيق صالح عبد الله الأحمر، رئيس مجلس إدارة شركة التبغ. وشقيق صهر صالح، عمر الأرحبي، مدير شركة النفط والغاز.
وتشمل الشجرة، عم زوجة صالح الرابعة، أحمد محمد الكحلاني، محافظ محافظة عدن. وعم زوج ابنة صالح، عبد الكريم إسماعيل الأرحبي، نائب رئيس الوزراء ووزير التخطيط ومدير الصندوق الاجتماعي للتنمية. وزوج ابنة صالح، خالد الأرحبي، مدير القصور الرئاسية.
هذا وتشهد اليمن حركة احتجاج تطالب بإطاحة شجرة عائلة صالح، وفي هذا السياق، نظم ضباط القوات الجوية اليمنية، مسيرة حاشدة نحو العاصمة اليمنية صنعاء، حاملين لافتات ويهتفون:
“ارحل.. ارحل”
ضد قائد القوات الجوية، وهو أخ غير شقيق لصالح.
ويقول المعارضون السياسيون والناشطون الذين يشاركون في المظاهرات، والدبلوماسيون الغربيون، إن صالح يظل في السلطة، طالما ظل أفراد عائلته. ويعني ذلك أنه لا يوجد تغيير حقيقي في دولة تواجه صراعاً قبلياً وإقليمياً.
مقادير اليمنيين
فما هي الحرية والديمقراطية التي حققها الشعب اليمني حتى الآن، من خلال المبادرة الخليجية؟
فلو كان اليمن في موقع جغرافي، بعيداً عن دول الخليج، فهل سيُنكب الشعب اليمني بالمبادرة التي أبقت على “شجرة الحنظل اليمنية” بجذورها وأغصانها، ولم (يُقصقص) غير جذع واحد من أعلاها فقط؟
والشعب اليمني منكوب تاريخياً، بعد أن حكمته أسرة الإمام يحيى حميد الدين حكماً قروسطياً ظلامياً، ضمن المملكة المتوكلية اليمنية بمباركة خليجية ودعم خليجي لمدة تزيد عن نصف قرن (1904-1962) وحجبته هذه الأسرة القروسطية التعيسة عن العالم.
والشعب اليمني منكوب دينياً من خلال سيطرة الأصولية والسلفية الدينية على مقدراته، ومن خلال مهاترات عبد المجيد الزنداني السلفي الديني المتشدد، الذي يدّعي بامتلاك علاج الايدز!
والشعب اليمني منكوب اقتصادياً بفقره وقلة موارده، رغم أنه جار الأغنياء الخليجيين، الذين يرفضون ضمَّه إلى مجلسهم التعاوني لفقره، وضيق ذات يده. ولو كانت “أسرة حميد الدين” القروسطية تحكم اليمن حتى الآن، لتمَّ ضمّ اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي بسرعة وسهولة!
الثورة على الثورة
فهل يستأهل الشعب اليمني الحرية والديمقراطية بعد كل هذا، وفيه عبد الله البردوني وعبد العزيز المقالح وغيرهما من مثقفي اليمن الكبار والعظماء؟
إن الشعب اليمني الآن بحاجة إلى ثورة على الثورة.
بحاجة إلى ثورة على المبادرة الخليجية، التي تذكرنا بحرصها على إبقاء عائلة “حميد الدين” القروسطية، متمثلة بعائلة علي عبد الله صالح.
لذا، فالثورة اليمنية ستستمر، كما استمرت ثورة 1962 ضد حكم الإمامية، وعائلة حميد الدين.