بسم الله الرحمن الرحيم
هل يعقل أن يصح هذا التعبير؟
إن أسرعكم إلى التشنج والغضب عند الله هو أتقاكم؟
مقال ورد في شريط الأخبار بموقغ أهل القرءان في يوم الجمعة 10 فيفري 2012، عن غضب كثير من النشطاء على موقع التواصل الإجتمـــــــاعي " لفيس بوك " نصه :
غضب الكثير من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك لـ"فيديو يظهر سفير ليبيا الجديد "أبو بكر المصراتي" في المملكة المغربية وذلك أثناء تقديم أوراق اعتماده لدى العاهل المغربي بالركوع أمامه .وقال أحد النشطاء معلقا على الفيديو :إن الشعوب الحرة ترفض مثل هذه الطقوس الغير سوية التي تدل على عبودية البشر للبشر ..كما طالب النشطاء من العاهل المغربي عدم إلزام الزوار القيام بمثل هذه
التصرفات "البروتوكولية " القذرة. لأن الركوع لا يصح إلا لله وحده ومن يفعل لغير الله فهو في حكم وضع المخلوق مساويا للخالق وهذا إشراك بالله وكفر.
( انتهى النص ) .
-----------------------------------------------
* لما قرأت هذا الخبر خطرت أمامي مباشرة عدة خواطر وتساؤلات ، ومنها :
* الآية القرءانية رقم 04 في سورة يوسف : ( إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين .).
ثم بعدها، جاء دور آية أخرى مزدحمة، ومزاحمة السابقة وهي الآية رقم 99 ومعها 100 في نفس السورة : ( فلما دخلوا على يوسف ءاوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله ءامنين ورفع أبويه على العرش وخروا له سجّداوقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي ... ).
* وفوجئت بسلسلة آخرى من ءايات ، يبدو أنها ذات صلة بموضوع الإنحناء والركوع والسجود، أي انحناء الإنسان لأخيه الإنسان، وركوع الإنسان ، بل لسجود الإنسان أمام ولأخيه العبد المخلوق، أو لسجود مخلوق لمخلوق آخر.ومنها ما يلي:
*الآية رقم 34 بسورة البقرة : ( .. وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدمفسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين .) .
* الآية رقم 11 بسورة الأعراف: ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكةاسجدوا لآدم فسجدوا...) .
* الآيتان رقم 28 +29 بسورة الحجر: (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) .
*الآية 50 في سورة الكهف: ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ... ).
وكما هو معروف فإن هناك كثيرا من ءايات أخرى آمرة المخلوق ليسجد لمخلوق آخر.
* ولنتأمل منظرا جليلا وجميلا ، معبرا، وهو ذلكالمشهد حيث يوسف ( عليه السلام ) وأمامه إخوته عندما خرّوا له سُجّدا وهو يقرّ لوالده قائلا له : ( وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي... )
100 سورة يوسف.
* وهؤلاء الإخوة، إخوة يوسف ، عندما خروا لأخيهم سجدا ، هل يعقل أن يفهم منهم أنهم سجدوا لأخيهم سجودا فيه مسحة أو ذرة من شك في الله أو شرك ؟ أو اتخاذ أخيهم الإنسان المخلوق مثلهم، وليا من دون الله ؟ أو اتخاذه مقربا أو مؤيدا أو نصيرا ؟ أم هم - وهم في حالة السجود لأخيهم - قد تحولوا إلى أولئك الناس الذين يتخذون من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله- ؟ أم هم يبتغون عنده العزة، أم هم يظنون أن لأخيهم قدرة على أي ضرر أو جلب أي نفع لهم ؟
* ثم أيعقل أن نتصور أن يوسف(عليه السلام) يقبل أن يفعل به ذلك؟ لو كان في ذلك مثقال ذرة من غرور بله شـــرك بالله ؟
* وما دام الله صرح في حديثه المنزل قائلا: ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرءان وإن كنت من قبله لمن الغافلين ) الآية 3 –سورة يوسف. فلا يعقل أن يبقى أدنى مجال للشك في أن سجود الإخوة لأخيهم هو سجود برئ ونظيف . أما إذا تمكن منا الشيطان واعتدى علينا نحن، وجعلنا نتصور ولو من بعيد أن مشهد يوسف –عليه السلام –وإخوته خارين أمامه سجدا، لو تصورنا أن في ذلك المشهد شيئا من الشرك،نعم لو أخطأنا مثل هذا الخطإ الفادح ، فإن ذلك يعني من حيث ندري أو لا ندري أننا نتهم يوسف –عليه السلام - ، بل وأكثر من ذلك ، فإننا نكون مفترين على إخوته ومتهمين إياهم باقترافهم جريمة ثانية، ثم هم منها بريئون براءة الذئب من دم يوسف.
* ألا يكون سجود الإخوة لأخيهم مجرد تعبير برئ نزيه عادل اعترافا منهم بما حبا الله أخاهم –عليه السلام – من تمكين في الأرض ، وما تعلمه من تأويل الأحاديث وما أتاه الله من حكم وعلم جزاء كونه من المحسنين، واعتراف الله الرحمان الرحيم بأن عبده –عليه السلام–هو من المخلصين، وأنه من الصادقين، وأنهم حيوه بتلك التحية تعبيرا منهم وتقديرا له لما آثره الله وأكسبه من عظيم وجليل وجميل الخلق ؟.
* ألا يكون الصواب في الفهم هو : أن ما لا يرضاه لنا الله هو أن نتخذ غيره وليا أو نصيرا أو وسيطا أو نطمع في شفاعة أي مخلوق ؟
* ألا تكون هناك صور أو مواقف لا يرضاها الله لنا على الرغم من أننا، وحتى لو أننا لا نركع ولا نسجد فيها لأحد ولا ننحني، ومع ذلك نكون اتخذناه في قرارة نفسنا وليا أو وسيطا أو نصيرا أو شفيعا ؟ وذلك يعني أن الله يعلم ما تخفي الصدور . وما دام الله كذلك ، والحمد لله على ذلك ، فإن الإنحناء أو الركوع أو السجود الممقوت الفاسق العاصي هو انحناء وركوع وسجود ما تخفي الصدور من نوايا واعتقاد وليس ما تظهره المشاهد .
* ثم لنتأمل هذه الآيتين رقم 28 و 29 في سورة ءال عمران لعلها تساعد في مزيد من توضيح وتأويل: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنينومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهمتقـة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله.... ).
* ثم لنرجع إلى ذلك اليوم المشهود، حيث اصطف الملائكة واستمعوا إلى أمر ربهم ، فنفذوا وسجدوا لآدم . أيعقل أن يذهب بنا خيالنا ونشك في أنهم في سجودهم ، ومهما كان نوع السجود أو شكله أو طبيعته، أنشُكّ في أن سجودهم ذلك لمخلوق مثلهم يحمل مسحة أو ذرة من الشرك ؟
* ثم إن هناك تساؤلا آخر لا يقل أهمية :
فالله تعالى عندما أخبرنا بأنه هو وملائكته يصلون على النبي، مع الملاحظة أنه لم يخبرنا بأنهم يصلون ويسلمون بل يصلون عليه، وعندما أمرنا نحن بأن نصلي عليه وزاد في أمره لنا أن نسلّم تسليما، ألا يكون لهذا الإخبار ولهذا الأمر صلة ما، أو إشارة أو تلميح ما، ولو من بعيد بأن تنفيذنا للأمر وأن صلاتنا عليه تكون وتتحقق عندما نعترف نحن بأن النبي،ذلك الإنسان الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق قد حباه الله العزيز الودود وأيده في تحمل المسؤولية العظمى التبليغية والقيام بالمهمة على أحسن وجه.
وعليه، ألا تكون صلاتنا عليه هي بمثابة استحسان لما قام به ومدح لما يتميز به من خلق عظيم، وتعبيرعن تهانينا الخالصة له، وأخيرا تعبيرا عن إقرارنا بأننا نسلم بأننا مصدقون بأنه رسول من الله ونسلم تسليما بفحوى الحديث الذي جاء به من عند ربه . وأخيرا ألا يكون كل هذا الإحترام لشخص النبي وهذا المدح وهذه التهاني وهذا التسليم بما جاء به ، ألا يكون ذلك كله نوعا من سجود له ؟
* لنتصور شخصا يزعم ويدعي أنه شهم أبيّ ذو عزة نفس، بزعم وبدعي بأنه لا ينحني ، ولا يركع ولا يسجد إلا لله الواحد القهار ... فهذا حتما جميل وخلق عظيم . ولكن في نفس الوقت فإن هذا الشهم الأبي ، من الذين يؤمنون ويعتقدون ويصرحون ويتغنون بالقول الذي يقول : إن النبي هو الذي ترجى شفاعته !?
ألا يخشى هذا الإنسان أن يكون اتخذ من دون الله وليا ونصيرا وشفيعا ؟ ألا يكون سجوده ذلك سجود اعتقاد وسجود عصيان وفسوق ؟
وإذالم يكن هذا التأويل المتواضع مصيباً، فتلك هي المصيبة، لأننا سنكون ملمحين أو مقرين بأن هناك إشكالية عظمى ذات حجم وثقل في حاجة ما إلى حلّ .