الإنسانية هي فردوس الحق والخير والجمال في العالم، ومن أهم صفاتها قدرتها على أن تفرز جانباً ما قد ينبت داخلها من حشائش ضارة، ريثما تحرقها أشعة الشمس، حتى لو تم ذلك بعد حين نحسبه بعيداً، فالأخلاق وكل القيم النبيلة في الحياة هي ابتكارات إنسانية محضة، اكتشفها الإنسان عبر مسيرته الحضارية، بحيث يعد التراجع عنها ردة للسقوط في هاوية الوحشية البدائية، وقد انتحلها من انتحل عبر التاريخ تحت مسميات الأيديولوجيا أو الدوجما، رغم أن هذه تفرغ الإنسان من إنسانيته، لتعتقله في قوالب تدعي أنها الأفضل، وقد تكون كذلك بالفعل لأي كائن بخلاف الإنسان الذي حرره عقله من التشيؤ والحيوانية، فالقولبة والتنميط مهما بدا للبعض رائعاً هو سحق لإنسانية الإنسان الفرد الفريد ويوم يفقد هذه الفرادة يصير شيئاً أو سائمة في قطيع أغنام.
ما تحتاجه شعوب منطقة الشرق الكبير أولاً وربما أخيراً أيضاً هو دواء يعيد لها إنسانيتها التي افتقدتها لدهور يصعب حصرها أو تحديدها، فلو استعرضنا تاريخ المنطقة سيسهل علينا اكتشاف أن هذه الشعوب تعرضت لتيارات فكرية عطلت نموها الثقافي الإنساني، وأبقتها رغم تسلل التقدم الحضاري المادي إلى بعض أركانها أسيرة ثقافة القبيلة الأبوية، حيث يبقى الإنسان فيها أسير الانتماء الجمعي، الذي يحدد له المعايير التي يرى بموجبها ذاته والعالم المحيط، فيستشعر نفسه حجراً في ركام ضخم من الأحجار المتماثلة، وليس ذاتهاً مستقلة تستحق الاعتزاز والرعاية والاحترام، فهذه القيم كلها في نظره تبقى حكراً على الذات الجمعية، التي هي القبيلة أو الجماعة العرقية أو الدينية أو حتى الدولة القومية، أو تختزل في شخص من يقوم بوظيفة الأب البطريرك، بغض النظر عن تسمية منصبه التي تختلف باختلاف الأحوال.
هكذا وفي الوقت الذي تطورت وتعاظمت المفاهيم الإنسانية لدى كثير من الشعوب، نجد أن الأمر في منطقة الشرق الكبير لم يتوقف عند حد تعطل مثل هذا التطور، بل حدث أن أدت الظروف الاقتصادية بمختلف تبايناتها بالمنطقة إلى توافر المقومات لنجاح هجمة ارتداد، استطاعت تجريف المخزون الثقافي والسيكولوجي الإنساني لدى الشعوب، فلقد تواجدت الشعوب المطحونة بالفقر الناتج عن الفشل الاقتصادي وندرة الموارد، وما يترتب على ذلك من حالة فقدان للأمل وكفران بالعدالة وبالحياة، بجانب مراكز الثروة الريعية لدى أقوام هم الأدني تحضراً في سلم الرقي الإنساني، فكان تدفق الثروة من الأعلى للأدني، مصحوباً بتجريف هائل للقيم الحضارية والإنسانية لدى الشعوب التي تصادف أنها الأكثر فقراً ومدنية في ذات الوقت.
نشهد الآن في مصر ذلك الحوار المأساوي لردود الأفعال على الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في حق المتظاهرين، ولا يندهش من يدرك حالة تجريف الإنسانية في مصر مما يسمع ويقرأ حول تركز النقاش بين المدافعين والناقدين للمتظاهرين عما إذا كانوا ثواراً بالفعل أم بلطجية، كما لو أن البلطجية ليسوا بشراً لهم ذات الحقوق الإنسانية المكفولة للجميع، ولن يدهش الواعي كذلك حين يقرأ لكاتبة مثل "لميس جابر" وهي تدعي الحزن على حرق مركز علمي، وتنادي في نفس الوقت بسقوط حقوق الإنسان غيرة على حمايته، وكأن العلم والثقافة التي تفهمها هذه السيدة منبتة الصلة بفائدة صحائف العلم والثقافة الوحيدة، وهي أن تنقل الإنسان من حالته البدائية الوحشية إلى مرتبة إنسان، لكن هل يصدق أحد أن من تقول مثل هذا الكلام حزينة بالفعل على صحائف علم وثقافة، أم أنها التجارة بالكلمات قادت صاحبتها للتورط بدلاً من أن تصنع لها مجداً زائفاً تتوق إليه على حساب الدهماء والسذج؟!!
جاءني في إيميل هذا التساؤل: من الذي عرَّي الآخر. . الجيش أم الفتاة التي انتهك الجنود عرضها على أرض ميدان التحرير؟!!. . الحقيقة أننا قد تعرينا جميعاً، وظهر للعيان هزال الوازع الإنساني في سلوكياتنا وثقافتنا.
هكذا أيضاً وجدنا أقدم شعوب المنطقة وأكثرهم تحضراً ومدنية كالشعب المصري، وقد صار يختلف فيما بينه وبين بعضه البعض على أوليات حياتية بسيطة غاية في البساطة، مثل تحيات "صباح الخير" و"مساء الخير" و"كل سنة وأنت طيب"، وبقدر بساطة وربما سطحية هذه الملحوظة، إلا أنها تعني بذات القدر أن الشعب المصري قد قارب الوصول إلى حضيض الإنسانية، وأنه قد تحول إلى شعب مسكين وتائه في دنيا لا يمتلك مقومات الحياة فيها.
وجدنا كذلك العجب في انتخابات البرلمان، مع الفوز الكاسح لمن يجاهرون ويتباهون بعدائهم لمواطنيهم غير المسلمين، ويعدون الناس بعقوبات الرجم وقطع الأرجل والأيادي من خلاف، وبدلاً من أن يجنوا جزاء ذلك هزيمة وبيلة، نجدهم يكتسحون كل من عداهم، ليصيروا وصيف الجناح الظلامي اللا إنساني الأقدم!!
بادرني صديقي المسلم بالتليفون قائلاً: ألا يقول السلفيون أن من يعيِّد على المسيحيين في أعيادهم يكون كافراً وفاسقاً؟. . قلت له بلى. . قال: كل سنة وأنت طيب!!. . الأمر أساساً دعابة، لكنها دعابة سوداء ومأساوية، أن نجد شعباً حياته عبارة عن سلاسل لا تنتهي من المشاكل، بداية من توافر مياه الشرب النقية، مروراً بمشاكل العلاج والتعليم والإسكان وصولاً للحرية السياسية والاجتماعية، ثم ينشغل هذا الشعب بمناقشة حكم الدين فيمن يهنئ أخوة الوطن من غير دينه بأعيادهم!!
المفقود هنا ليس الوعي بصحيح الدين، ولا بصحيح المنطق في التعامل بين أبناء الوطن الواحد والمجتمع الواحد، فالمفقود الحقيقي هو استشعار الفرد بإنسانيته الذاتية، بانتمائه إلى جنس من المخلوقات هو الإنسان، وأن هذا الإنسان قد سار رحلة طويلة منذ فجر تاريخه، راكم خلالها قيماً وفهماً لذاته وللكون، وجعلته تلك التراكمات يدعي وقوفه سيداً على قمة الكائنات الحية، وأن فقدانه لقيمه ومفاهيمه الإنسانية يعني سقوطه من حالق، ليتمرغ في وحل الأرض مع الحشرات والقوارض والزواحف!!
عاتبني صديق على تكراري الحديث عن المحبة في الآونة الأخيرة، باعتبارها ضعفاً في الوقت الراهن، أمام هجمة البغضاء والكراهية التي تتعالى الآن في الساحة المصرية. . نعم المحبة والإنسانية ضعف ولو ظاهري في مواجهة ذئاب متعطشة للدماء، لكن ما حيلتي وأنا لا أملك إلا أن أكون إنساناً، ولا أزمع أو أقبل أن أتحول لحيوان، حتى لو أدى ذلك لزيادة قدرتي على المواجهة أياً كانت حيويتها؟. . أن أموت إنساناً أفضل بما لا يقاس، من أن أعيش وحشاً بدائياً يقاتل وحوشاً أجبروه على هذا التردي!!
الحقيقة هي أن شياطين الكراهية في عداء مع أنفسهم، وبالتالي فالمشكلة الأساسية ليست بينهم وبين الآخر الذي يكرهونه ويحرضون ضده، لذا علينا أن نبحث كيفية علاجهم ليتصالحوا مع أنفسهم أولاً، عندها لن يكون بينهم وبين أي آخر عداء أو كراهية. . مواجهة الكراهية بالكراهية لا تطفئ نارها، ولكن تزيدها اشتعالاً، فالحب والإنسانية هو الوسيلة الوحيدة للقضاء على الكراهية. . حب الحياة والتمتع بمواطن الجمال فيها هو المقدمة الضرورية لإقناع هؤلاء بحب الآخر الذي يشيطنونه بالتكفير، ويريدون التقرب للإله بسفك دمه، فلو أحبوا الحياة لابد وأن يتمدد ذلك الحب ليشمل حتى حيوانات مثل الكلب والخنزير التي يتصورونها نجسة ودنسة، ولسنا ببعيدين عن تلك الحملة الشعواء التي قاموا بشنها على الخنازير في غمرة موجة "انفلونزا الخنازير"، وقد رأيناهم يهتكون بغل أجساد تلك الكائنات المسكينة، وكأنهم يخوضون ضدها حرباً مقدسة!!
ما نحتاجه بإلحاح الآن ليس نظام حكم رئاسي أو برلماني، وليس كلمات ميتة على صحيفة نسميها دستوراً، نحتاج بداية لعودة الإنسانية المفقودة، أو الإنسانية التي لم تستشعرها أو تعيش بموجبها شعوبنا يوماً، وإنما كانت بالأكثر مجبرة على التصرف بلياقة خوفاً من قبضة حكم مستبدة، ومتى انفكت من تلك القبضة أو ضعفت كما حدث في أواخر عصر مبارك، ظهرت نوازعها وأخلاقها على حقيقتها الوحشية مجردة من كل رتوش.
إذا لم نكن ممن يرون الحل في عودة الاستبداد، لتعود معه الحياة في ظل القمع، ويعود معه أيضاً استمرار تجريف الإنسانية، بانضمام المزيد من المصريين إلى قطعان الوحوش الآدمية، فليس أمامنا إلا أن نراهن على الشعب المصري العريق، لكن هل يكفي ما تبقى من مخزون الحب والسلام في قلوب المصريين، لوقف طوفان التجريف اللا إنساني، ولزراعة أو استزراع حب الحياة والإنسانية في القلوب التي أعمتها الكراهية؟!!
ما تحتاجه شعوب منطقة الشرق الكبير أولاً وربما أخيراً أيضاً هو دواء يعيد لها إنسانيتها التي افتقدتها لدهور يصعب حصرها أو تحديدها، فلو استعرضنا تاريخ المنطقة سيسهل علينا اكتشاف أن هذه الشعوب تعرضت لتيارات فكرية عطلت نموها الثقافي الإنساني، وأبقتها رغم تسلل التقدم الحضاري المادي إلى بعض أركانها أسيرة ثقافة القبيلة الأبوية، حيث يبقى الإنسان فيها أسير الانتماء الجمعي، الذي يحدد له المعايير التي يرى بموجبها ذاته والعالم المحيط، فيستشعر نفسه حجراً في ركام ضخم من الأحجار المتماثلة، وليس ذاتهاً مستقلة تستحق الاعتزاز والرعاية والاحترام، فهذه القيم كلها في نظره تبقى حكراً على الذات الجمعية، التي هي القبيلة أو الجماعة العرقية أو الدينية أو حتى الدولة القومية، أو تختزل في شخص من يقوم بوظيفة الأب البطريرك، بغض النظر عن تسمية منصبه التي تختلف باختلاف الأحوال.
هكذا وفي الوقت الذي تطورت وتعاظمت المفاهيم الإنسانية لدى كثير من الشعوب، نجد أن الأمر في منطقة الشرق الكبير لم يتوقف عند حد تعطل مثل هذا التطور، بل حدث أن أدت الظروف الاقتصادية بمختلف تبايناتها بالمنطقة إلى توافر المقومات لنجاح هجمة ارتداد، استطاعت تجريف المخزون الثقافي والسيكولوجي الإنساني لدى الشعوب، فلقد تواجدت الشعوب المطحونة بالفقر الناتج عن الفشل الاقتصادي وندرة الموارد، وما يترتب على ذلك من حالة فقدان للأمل وكفران بالعدالة وبالحياة، بجانب مراكز الثروة الريعية لدى أقوام هم الأدني تحضراً في سلم الرقي الإنساني، فكان تدفق الثروة من الأعلى للأدني، مصحوباً بتجريف هائل للقيم الحضارية والإنسانية لدى الشعوب التي تصادف أنها الأكثر فقراً ومدنية في ذات الوقت.
نشهد الآن في مصر ذلك الحوار المأساوي لردود الأفعال على الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في حق المتظاهرين، ولا يندهش من يدرك حالة تجريف الإنسانية في مصر مما يسمع ويقرأ حول تركز النقاش بين المدافعين والناقدين للمتظاهرين عما إذا كانوا ثواراً بالفعل أم بلطجية، كما لو أن البلطجية ليسوا بشراً لهم ذات الحقوق الإنسانية المكفولة للجميع، ولن يدهش الواعي كذلك حين يقرأ لكاتبة مثل "لميس جابر" وهي تدعي الحزن على حرق مركز علمي، وتنادي في نفس الوقت بسقوط حقوق الإنسان غيرة على حمايته، وكأن العلم والثقافة التي تفهمها هذه السيدة منبتة الصلة بفائدة صحائف العلم والثقافة الوحيدة، وهي أن تنقل الإنسان من حالته البدائية الوحشية إلى مرتبة إنسان، لكن هل يصدق أحد أن من تقول مثل هذا الكلام حزينة بالفعل على صحائف علم وثقافة، أم أنها التجارة بالكلمات قادت صاحبتها للتورط بدلاً من أن تصنع لها مجداً زائفاً تتوق إليه على حساب الدهماء والسذج؟!!
جاءني في إيميل هذا التساؤل: من الذي عرَّي الآخر. . الجيش أم الفتاة التي انتهك الجنود عرضها على أرض ميدان التحرير؟!!. . الحقيقة أننا قد تعرينا جميعاً، وظهر للعيان هزال الوازع الإنساني في سلوكياتنا وثقافتنا.
هكذا أيضاً وجدنا أقدم شعوب المنطقة وأكثرهم تحضراً ومدنية كالشعب المصري، وقد صار يختلف فيما بينه وبين بعضه البعض على أوليات حياتية بسيطة غاية في البساطة، مثل تحيات "صباح الخير" و"مساء الخير" و"كل سنة وأنت طيب"، وبقدر بساطة وربما سطحية هذه الملحوظة، إلا أنها تعني بذات القدر أن الشعب المصري قد قارب الوصول إلى حضيض الإنسانية، وأنه قد تحول إلى شعب مسكين وتائه في دنيا لا يمتلك مقومات الحياة فيها.
وجدنا كذلك العجب في انتخابات البرلمان، مع الفوز الكاسح لمن يجاهرون ويتباهون بعدائهم لمواطنيهم غير المسلمين، ويعدون الناس بعقوبات الرجم وقطع الأرجل والأيادي من خلاف، وبدلاً من أن يجنوا جزاء ذلك هزيمة وبيلة، نجدهم يكتسحون كل من عداهم، ليصيروا وصيف الجناح الظلامي اللا إنساني الأقدم!!
بادرني صديقي المسلم بالتليفون قائلاً: ألا يقول السلفيون أن من يعيِّد على المسيحيين في أعيادهم يكون كافراً وفاسقاً؟. . قلت له بلى. . قال: كل سنة وأنت طيب!!. . الأمر أساساً دعابة، لكنها دعابة سوداء ومأساوية، أن نجد شعباً حياته عبارة عن سلاسل لا تنتهي من المشاكل، بداية من توافر مياه الشرب النقية، مروراً بمشاكل العلاج والتعليم والإسكان وصولاً للحرية السياسية والاجتماعية، ثم ينشغل هذا الشعب بمناقشة حكم الدين فيمن يهنئ أخوة الوطن من غير دينه بأعيادهم!!
المفقود هنا ليس الوعي بصحيح الدين، ولا بصحيح المنطق في التعامل بين أبناء الوطن الواحد والمجتمع الواحد، فالمفقود الحقيقي هو استشعار الفرد بإنسانيته الذاتية، بانتمائه إلى جنس من المخلوقات هو الإنسان، وأن هذا الإنسان قد سار رحلة طويلة منذ فجر تاريخه، راكم خلالها قيماً وفهماً لذاته وللكون، وجعلته تلك التراكمات يدعي وقوفه سيداً على قمة الكائنات الحية، وأن فقدانه لقيمه ومفاهيمه الإنسانية يعني سقوطه من حالق، ليتمرغ في وحل الأرض مع الحشرات والقوارض والزواحف!!
عاتبني صديق على تكراري الحديث عن المحبة في الآونة الأخيرة، باعتبارها ضعفاً في الوقت الراهن، أمام هجمة البغضاء والكراهية التي تتعالى الآن في الساحة المصرية. . نعم المحبة والإنسانية ضعف ولو ظاهري في مواجهة ذئاب متعطشة للدماء، لكن ما حيلتي وأنا لا أملك إلا أن أكون إنساناً، ولا أزمع أو أقبل أن أتحول لحيوان، حتى لو أدى ذلك لزيادة قدرتي على المواجهة أياً كانت حيويتها؟. . أن أموت إنساناً أفضل بما لا يقاس، من أن أعيش وحشاً بدائياً يقاتل وحوشاً أجبروه على هذا التردي!!
الحقيقة هي أن شياطين الكراهية في عداء مع أنفسهم، وبالتالي فالمشكلة الأساسية ليست بينهم وبين الآخر الذي يكرهونه ويحرضون ضده، لذا علينا أن نبحث كيفية علاجهم ليتصالحوا مع أنفسهم أولاً، عندها لن يكون بينهم وبين أي آخر عداء أو كراهية. . مواجهة الكراهية بالكراهية لا تطفئ نارها، ولكن تزيدها اشتعالاً، فالحب والإنسانية هو الوسيلة الوحيدة للقضاء على الكراهية. . حب الحياة والتمتع بمواطن الجمال فيها هو المقدمة الضرورية لإقناع هؤلاء بحب الآخر الذي يشيطنونه بالتكفير، ويريدون التقرب للإله بسفك دمه، فلو أحبوا الحياة لابد وأن يتمدد ذلك الحب ليشمل حتى حيوانات مثل الكلب والخنزير التي يتصورونها نجسة ودنسة، ولسنا ببعيدين عن تلك الحملة الشعواء التي قاموا بشنها على الخنازير في غمرة موجة "انفلونزا الخنازير"، وقد رأيناهم يهتكون بغل أجساد تلك الكائنات المسكينة، وكأنهم يخوضون ضدها حرباً مقدسة!!
ما نحتاجه بإلحاح الآن ليس نظام حكم رئاسي أو برلماني، وليس كلمات ميتة على صحيفة نسميها دستوراً، نحتاج بداية لعودة الإنسانية المفقودة، أو الإنسانية التي لم تستشعرها أو تعيش بموجبها شعوبنا يوماً، وإنما كانت بالأكثر مجبرة على التصرف بلياقة خوفاً من قبضة حكم مستبدة، ومتى انفكت من تلك القبضة أو ضعفت كما حدث في أواخر عصر مبارك، ظهرت نوازعها وأخلاقها على حقيقتها الوحشية مجردة من كل رتوش.
إذا لم نكن ممن يرون الحل في عودة الاستبداد، لتعود معه الحياة في ظل القمع، ويعود معه أيضاً استمرار تجريف الإنسانية، بانضمام المزيد من المصريين إلى قطعان الوحوش الآدمية، فليس أمامنا إلا أن نراهن على الشعب المصري العريق، لكن هل يكفي ما تبقى من مخزون الحب والسلام في قلوب المصريين، لوقف طوفان التجريف اللا إنساني، ولزراعة أو استزراع حب الحياة والإنسانية في القلوب التي أعمتها الكراهية؟!!