حكم ظهور رأس المرأة وشعرها

سامر إسلامبولي في الإثنين ١٥ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

– ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون".النور 31

هذا النص الوحيد في تشريع حدود لباس المرأة وبيان أحكام ظهور زينتها بالنسبة للرجال .

   والمدقق في النص لا يجد ذكر كلمة الرأس أو الشعر مستخدمة ، مما يؤكد ابتداءً انتفاء الدلالة القطعية على وجوب تغطية الرأس أو الشعر ، وإن عملية الاجتهاد في مسألة إخراج حكم وجوب تغطية الرأس أو الشعر من النص المذكور إنما هي نتيجة ظنية . وهذه النتيجة الظنية المختارة من جهة معينة لا تنفي احتمال صواب النتيجة الأخرى . فالدلالة الظنية للنص ملازمة له لا يرفعها عنه كثرة أقوال لرأي دون آخر ، ولا قدم أحدهما أو تطبيقه في التاريخ واشتهاره ، أو عدم وجود مخالف له في فترة زمنية طالت أو قصرت ، أو تطبيق المجتمع الأول الذي زامن نزول النص إلى غير ذلك من الأمور . فالحجة في النص القرآني بذاته وما يدل عليه [1].

 

 نقاش وتفنيد الآراء التي وصلت إلى وجوب تغطية المرأة لرأسها وشعرها .

1 – الرأي المشهور في التراث ذكر أن وجوب التغطية للرأس تم فهمه من جملة [ ولايبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ] وجملة [ وليضربن بخمرهن على جيوبهن ] إضافة إلى فهم وتطبيق المجتمع الأول الذي زامن نزول النص القرآني . وتواتر هذا التطبيق تاريخياً في كل مجتمع إلى يومنا المعاصر

ولنناقش فهم ودلالة النص القرآني كوننا معنيين بالخطاب مثلنا مثل سائر الناس سابقاً ولنا فهمنا وتفاعلنا .

   النص ينهى المرأة عن إبداء زينتها متضمنا بخطابه الأمر بالتغطية لها واستثنى من الزينة زينة ظهرت من الأولى سكت الشارع عن وجوب تغطيتها وأخرجها من دائرة الوجوب إلى دائرة المباح ، ومن المعلوم أن الشيء المباح لا يجب فعله وإنما يأخذ حكم التخيير ما بين فعله وتركه وذلك راجع لتقدير الفاعل حسب مصلحته إلاَّ إذا كان من الشؤون العامة المتعلقة بالمجتمع فيخضع هذا الإنسان في ممارسة المباح لأمر القانون منعاً أو سماحاً إو إلزاماً وهو نظام وضعي لا قداسة له قابل للتغيير مع تغير الظروف والمناسبات .

فقالوا : إن الزينة قسمان : قسم أمر الشارع بتغطيته وأطلقوا عليه اسم الزينة المخفية . وقسم آخر سمح الشارع بإظهاره وأطلقوا عليه اسم الزينة الظاهرة وذهبوا إلى تحديد دلالة كلمة الزينة إلى مكانية وهي القسم المخفي من الزينة ، والشيئية وهي مواضع الزينة الظاهرة للعيان فأعطوا الزينة الأولى المخفية حكم وجوب التغطية ، وأعطوا الزينة الظاهرة حكم إباحة الظهور .

وقاموا بتحديد مواضع الزينة الظاهرة من خلال زينة المرأة العربية التي زامنت نزول النص فرأوا أنها : كحل العينين ، وحلقة الأنف ، وقرطي الأذنين ، وموضع القلادة من النحر ، والخواتم والأساور، فوصلوا من ذلك إلى أن هذه المواضع التي هي الوجه والكفين هي المقصودة بالزينة الظاهرة المسموح بعدم تغطيتها .

وقالوا : إن الزينة المخفية هي ما سوى ذلك من مواضع الزينة في جسم المرأة نحو الخلخال وما تضعه المرأة على عضدها وصدرها وما شابه ذلك فيجب تغطيتها وعدم ظهورها .

وبما أن النص القرآني خطاب لكل الناس وصالح لكل زمان ومكان ومضمون حركته إنساني وعالمي يسقط الاستدلال بتطبيق المرأة العربية وتقييد دلالة النص بزينتها ولا بد من تفعيل النص والتعامل معه بصورة مباشرة [ يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً]الأعراف 158 .

-  إن المرأة كلها زينة عدا ( الفرج ) الذي سبق الأمر بتغطيته في قوله تعالى : [ ويحفظن فروجهن ] ويكون الحفظ ابتداء من الستر والتغطية مروراً بالطهارة المادية والصحية وانتهاء بالإحصان وذلك لأن النص متعلق بمسألة اللباس ، بخلاف النص الآخر الذي هو [ والذين هم لفروجهم حافظون ] فالحفظ يبدأ من الإحصان وينتهي بالستر والتغطية وفعل ( ظهر ) في النص غير راجع للآخرين ( للعيان ) وإنما راجع للزينة ذاتها فهي زينة ظاهرة من زينة أصل لها [ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها]

وإرجاع فعل ( ظهر ) للعيان باطل في واقع الحال لأن المرأة كلها ظاهرة للعيان وإذا كان الأمر كذلك تناقض أول النص مع آخره لأن النتيجة سوف تكون أن المرأة لا تغطي شيئاً من زينتها لظهورها كلها للعيان !! . ولو كان المعنى ما ذكروه لأتى النص بصيغة [ ما ظهر لكم ] ولم يأت بصيغة [ ما ظهر منها ]

كما أن مفهوم مواضع الزينة للمرأة متحرك ومتغير من مجتمع إلى آخر ، ومن زمن إلى آخر حسب الثقافات والتطور المعرفي . فما يكون موضعاً للزينة عند مجتمع لا يكون زينة عند مجتمع آخر وهكذا يختلف تحديد مواضع الزينة في المجتمعات الإنسانية . مما يدل على بطلان مفهوم الزينة التراثي لعدم المقدرة على تحديدها ، ولذلك طالب أصحاب هذا الرأي بتقييد فهم النص القرآني بفهم السلف ليتخلصوا من حركة محتوى النص وبهذا المطلب قاموا بإغلاق العقل وجعلوا النص القرآني قومي مرتبط بثقافة العرب في زمان ومكان محدد ، وأساءوا لإنسانية النص القرآني وعالميته فكانوا من الأسباب الرئيسة لانحطاط وتخلف المسلمين عن ركب النهضة والحضارة . أما جملة [ وليضربن بخمرهن على جيوبهن ] فقد قالوا : إن الخمار غطاء للرأس مستدلين عليه بأبيات شعر وغيره نحو :

[ قل للمليحة بالخمار الأسود ... ماذا فعلت بعابد متنسك ]

 وفاتهم أن استخدام دلالة الكلمة على احتمال واحد وصورة لها في الواقع لا ينفي صحة الاحتمالات والصور الأخرى لدلالة الكلمة . فالخمار غطاء بغض النظر عن مكان التغطية سواء أكان الرأس أم الجسم أم أشياء أخرى والنص لم يستخدم فعل الأمر بالتغطية أو الستر وإنما أتى بفعل الضرب الذي يدل على إيقاع شيء على شيء يترك فيه أثراً. نحو ضرب الأمثال, وضرب الرقاب وما شابه ذلك, كما أن النص لم يستخدم كلمة ( الرأس ) وإنما استخدم كلمة ( الجيوب ) التي هي جمع  (جيب ) وتدل على الفتحة بين شيئين . والجيب في الثياب معروف ومن هذا الوجه ذكروا أن الجيوب هي فتحة الثياب من جهة العنق ، وهذا الجيب أحد الصور والاحتمالات في الثياب . انظر إلى قوله تعالى خطاباً لموسى :

[ وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ]النمل 12

فدلالة كلمة ( جيوبهن ) هي فتحات في ثياب المرأة , أمر الشارع وشدد على عملية الضرب عليها عندما تضرب المرأة في الأرض سعياً ونشاطاً , أي عندما تريد أن تخرج إلى الحياة العامة يجب عليها التأكد من إغلاق وإحكام هذه الفتحات حتى لا يظهر من خلالها للناس ما أمر الشارع بتغطيته في الأمر السابق . بصيغة النهي عن الإبداء [ ولا يبدين زينتهن ... ] .

فأين دلالة وجوب تغطية الرأس أو الشعر في هذه الجملة [ وليضربن بخمرهن على جيوبهن ] ؟! إلاّ إذا عدّوا أن الرأس هو جيب ! ! وعلى افتراضهم ذلك لا يصح هذا الاستدلال لتصادمه مع الأمر الذي قبله إذ أتى بصيغة الحصر [لا يبدين .... إلا ما ظهر ... ] والحصر يفيد الإغلاق على ما بعده ولا يسمح بإدخال أحد في المضمون من نص آخر . فما أعطاه الشارع حكم الإباحة بصيغة الحصر لا يمكن أن يأتي نص آخر ويعطيه حكم الوجوب أو التحريم, غير أن الأمر بالضرب بالخمار على الجيوب لا يعني التغطية لغة أو منطقا رغم حصول ذلك حالاً كنتيجة لعملية الضرب, ولكن دون قصد لذلك , والمقصود من الضرب على الجيوب هو الحفظ لما بداخلها وليس لما يخرج منها !!

ولمساعدة القارئ ( رجلاً أو امرأة ) على فهم جملة [ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها] نعرض عليه معرفة فاعل ( ظهر ) في الجملة أين هو في واقع الحال ؟

من باب(أن لا بد لكل فعل من فاعل ضرورة ) .

-     هل فاعل ظهر هو ( المؤمنات ) في أول النص ؟

والجواب قطعاً بالنفي . ولو كان الفاعل هو المؤمنات لأتى النص بصيغة  (ما أظهرن ).

-     هل فاعل ظهر هو الزينة ذاتها الأولى ؟

والجواب قطعاً بالنفي . ولو كان الأمر كذلك لأتى فعل ( ظهر ) بصيغة المضارع ( تَظهر).

-  ذكر بعض النحاة أن فاعل ( ظهر ) هو ( ما ) التي بمعنى الذي (اسم موصول ) لتصير الصياغة [ إلا الذي ظهر منها ] .

ويبقى السؤال مطروحا للنقا ش والحوار أين فاعل ( ظهر ) على أرض الواقع ؟ لأن معرفة فاعل ( ظهر ) أحد مفاتيح الدخول لفهم النص .

2- الرأي الثاني وهو رأي حديث من حيث الوجود وردة  فعل على قصور رأي التراث ،  فحاول أصحابه ترميم الثغرات من خلال تحديد فاعل ( ظهر ) فقالوا : إن فاعل ظهر في الحقيقة يرجع إلى عملية خلق المرأة أصلاً وبالتالي يكون الفاعل هو الله عز وجل . ويصير النص بصيغة [ إلا ما ظهر منها خلقاً ] . وقاموا بإسقاط ذلك على واقع المرأة فوصلوا إلى أن المرأة كلها زينة من رأسها إلى أخمص قدميها ويجب أن تغطي كامل زينتها ولا تظهر منها شيئاً أبداً حتى الوجه والكفين !! وقالوا : أما جملة [ ما ظهر منها ] فهذا راجع إلى الظهور خلقاً الذي هو طول وعرض المرأة وحجمها فهذا ما سمح الشارع بتركه دون تغطية !! .

-  ورغم أن أصحاب هذا الرأي قد أصابوا في تحديد فاعل (ظهر) الذي هو الله عز وجل إلا أنهم وقعوا في مغالطة أكبر من مغالطة السلف عندما عدّوا أن الزينة الظاهرة هي أبعاد المرأة وحجمها وفاتهم أن الشرع الرباني لا يتعلق خطابه إلا بأمر ممكن التطبيق ولذلك تم استثناءه من الأمر بالتغطية مع إمكانية المرأة بتغطيته ، بخلاف الرأي المذكور  فإن أبعاد المرأة وحجمها ليس بمحل تكليف لانتفاء إمكانية المرأة من تغطية ذلك إلا إذا صارت تتجول ضمن سور من الغطاء يحيط بها من كل الجوانب ليسترها من أعين الناظرين . وهذا تشريع بما لا يطاق بل لا يستطاع بل هو عبث وهزل وأشبه بمن يبحث عن حكم فعل الأكل في القرآن فهذه الأمور هي تحصيل حاصل لا يتناولها الشارع في خطابه لأنها ليست بمحل تكليف أو حساب!.

3 – الرأي الثالث أحدث ولادة من غيره وهو أيضاً ردة فعل لقصور ما سبق من الآراء، وحاول أصحابه ترميم وسد الثغرات في الرأي السابق فقالوا : إن فاعل (ظهر ) تُرِكَ غير معلوم لعدم تحديده في الواقع بفاعل معين ، وذلك لكثرة الفاعلين وتغيرهم حسب الظروف فجملة [ ولا يبدين زينتهن ] أفادت تغطية المرأة كلها من رأسها إلى أخمص قدميها . أما جملة [ إلا ما ظهر منها ] فتدل على عفو الشارع عن ما ينكشف من زينة المرأة رغما عنها مثل تحريك الهواء لملابسها أو أثناء ممارستها لأي عمل ترتب عليه ظهور بعض زينتها من غير قصد منها . وهذا ما قصدوه بعدم تحديد فاعل (ظهر) في النص حتى يغطي كل فاعل مستجد في حياة المرأة .

   إن الرد على هذا الرأي هو الرد السابق ذاته ، فالشرع الرباني خطابه متعلق بالإمكان والمقدرة والإرادة ، ورتب على ذلك المسؤولية والحساب ، فإذا انتفت الإرادة انتفت المسؤولية والمحاسبة شرعاً إلا إذا تعلق الفعل بحقوق الناس فيجب التعويض لهم مع عدم تجريم الفاعل . لذا لا يصح أن تأخذ جملة [ إلا ما ظهر منها ] هذا المفهوم القهري واللاإرادي لأن العفو والصفح عن ذلك لا يحتاج إلى نص تشريعي لأنه تحصيل حاصل وهذا الأمر متعلق بالأمور الشخصية والجزئية أما إذا تعلق بأمر كلي مصيري فالشارع تناوله بالتشريع لأهميته وعدم قدرة الناس على تحديد المقصد منه واضطرابهم في السلوك نحو فتح حكم تحريم تناول لحم الميتة عند الضرورة . لذا من الغلط الاستدلال بهذا الموضوع وقياس حكم ظهور الزينة اللاإرادي عليه . ومن الأمور التي تدل على بطلان هذا الرأي هو مجيء فعل (ظهر ) بصيغة الماضي مما يدل على حدوث فعل الظهور وانتهاءه . ولو كان المقصد بجملة [ إلا ما ظهر منها ] ما ذكروه من فاعلين ُكثر مستجدين لوجب أن يأتي فعل (ظهر ) بصيغة المضارع المبني للمجهول ويصير [ إلا ما يُظْهَرُ منها ].

4 – اعتمد أصحاب هذا الرأي على مقاصد التشريع فقالوا :

   إن مقصد الشارع من التغطية للمرأة هو حفظ أخلاق المجتمع وقيمه وكشف رأس المرأة وشعرها يتنافى مع هذا المقصد لذا يجب تغطيته خشية الفتنة وبناء على ذلك نتساءل ما حكم ظهور رأس المرأة الصلعاء ؟ وما حكم ظهور رأس ووجه المرأة العجوز أو التي على غير حسن وجمال ؟! وهذا الرأي ينطبق عليه مقولة كلمة حق أريد بها باطل لأن مقصد الشارع من وجوب تغطية المرأة لزينتها في النص التشريعي بلا شك هو لحمايتها من الأذى الاجتماعي ، ولحماية أخلاق المجتمع وقيمه ولكن هذا لا يعطي سلطة لأحد من أن يشرع للناس ما لم يأذن الله به ،

فالحرام والحلال والواجب ما أتى في التشريع الرباني [ إن الحكم إلا لله ] الأنعام 57 وأعطى الشارع صلاحية للمجتمع أن يشرع تنظيم ممارسة دائرة المباح منعاً أو سماحاً أو إلزاماً حسب ما تقتضي المصلحة العامة [ لتحكم بين الناس بما أراك الله ]النساء 105 ومسألة تغطية الرأس والشعر من المسائل التي سكت الشارع عنها كما بينت آنفاً ، وإذا كان الأمر كذلك فعلماء الأصول قالوا: [لا تكليف إلا بشرع ] [والأصل في الأشياء ( والأفعال ) الإباحة إلا النص ]. والله عز وجل عليم بما يشرع للناس [ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ]الملك 14 [وما كان ربك نسيا ]مريم 64.

فمفهوم المقاصد يدور مع النصوص الشرعية ضمن علاقة جدلية وإلا صار مفهوم المقاصد باب لوضع تشريع لا نهاية له ويختلف من مجتمع إلى آخر في الزمن الواحد ، ويصير الدين ألعوبة بيد رجال الدين يحرمون ويحللون حسب ما يرون من مقاصد .

   فالحذر الحذر من التلاعب بالمفاهيم والخلط بينها ، والكف عن التشريع للناس مالم يشرعه الله عز وجل .

   وخلاصة النقاش كما بيّنا آنفاً هي  لا وجود لدلالة قطعية على وجوب تغطية الرأس أو الشعر في النص القرآني ، وعلى أضعف احتمال إنّ من يقول بوجوب التغطية لرأس المرأة وشعرها لا يملك برهاناً على ذلك ، وكون الأمر كما ذكرت فيجب على أصحاب رأي التغطية أن يقبلوا برأي عدم التغطية كرأي له دليله ومنطقه ويتعاملوا معه كرأي إسلامي ظني ويحترموه مثل الآراء السابقة وليس لهم إلا النقاش ورد الفكرة بالفكرة والدليل بالدليل .

     وترك الناس أحراراً في اختيارهم لما يرون أنه صواب  أو محقق لمصالحهم .

                       [ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ]البقرة111

****************************************************



[1] - راجع كتابي ( المرأة – مفاهيم ينبغي أن تصحح ) .

اجمالي القراءات 281774