عن قريش ، البربر و سفينة نوح
بحثاً عن محمد في القرآن 15

امارير امارير في السبت ٢٨ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

إن [ تسريب ] أي [ رأي ] عبر نصًّ حديث أو روايةٍ تاريخيّةٍ منسوبةٍ للرسول يبقى أمراً له [ علّته ] ، إلا و هي الإنتصار لهذا الرأي ، ذاك المذهب أو تلك الفرقة ، لكن ما هي الغاية من رسم هذه الصورة [ الشبقة ] للرسول الكريم في نصوص السيرة و الحديث سوى التعبير عن وجهة نظر الكاتب نفسه الفقيه أو المؤرّخ الذي يُلبس الواقعة التي ينسجها [ خياله ] زيّ الحديث أو الخبر المنسوب للرسول الكريم ، فأين شرع الله في قولهم أن : [ ... جبريل أعطى الرسول قوّة أربيعن رجلاً في النكاح ] كما يرد في الطبقات و منتخب كنز العمّال ، و [ ... قوّة ثلاثين ] عند البخاري ، وأين القدوة في قولهم أن الرسول قال : [ ... حبّب لي في الحياة الدنيا الطيب و النساء ] عند السيوطي و سواه ، ثم لماذا قفز بعض المفسّرين في تفسير قوله تعالى : ]وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً [النساء 28 ، بأن المقصود أن الرجل لا يصبر على النساء تحديداً ، وكأن ]الإِنسَانُ [هو الرجل فقط ، وهو ما قال به [ الغزالي ] في كتابه الشهير إحياء علوم الدين ، وفي نفس الكتاب يرد أن من أسماه المؤرّخون [ الحسين ] حفيداً للرسول : [ ... كان منكاحا ، حتى نكح زيادة على مائتي امرأة ، وكان ربما عقد على أربع في وقت واحد ، وربما طلق أربعا في وقت واحد واستبدل بهن ] ، فما شأن هذه القصّة في [ علوم الدين ] حتّى في حال افترضنا صحّتها ،  و لماذا ترد قصّة في الطبري وكثيرٍ من كتب التاريخ النبوي تتحدّث عن زواجه بزوجةٍ أولى أسموها [ خديجة ] قالوا أنّها : [ ... سقت أباها خمراً كي يزوّجها محمّداً ] أو كما يرد في المسند عن [ ابن حنبل ] بتفاصيل أكثر ما بنصّه : [أن رسول الله‏ ‏ذكر ‏ ‏خديجة ‏ ‏وكانأبوها يرغب أن يزوجه ، فصنعت طعاماً وشراباً ، فدعت أباها وزمرا من ‏ ‏قريش ،‏ ‏فطعمواوشربوا حتى ثملوا ، فقالت ‏ ‏خديجة‏ ‏لأبيها‏ : ‏إن ‏محمد بن عبد الله‏ ‏يخطبنيفزوجني إياه ، فزوجها إياه فخلعته وألبسته حلة ، وكذلك كانوا يفعلون بالآباء ، فلما سريعنه سكره نظر فإذا هو مخلقٌ و عليه حلة فقال : ما شأني ، ما هذا ؟ ، قالت : زوجتني‏ ‏محمد بنعبد الله‏ ، ‏قال : أنا أزوج يتيم ‏ ‏أبي طالب ،‏ ‏لا لعمري ، فقالت‏ ‏خديجة‏ : ‏أماتستحي تريد أن تسفه نفسك عند ‏قريش ‏‏تخبر الناس أنك كنت سكران ، فلم تزل به حتىرضي ] ، والملاحظ في هذه القصة أو الرواية كونها خارج المنطق ، العقل بل و خارج الشريعة عبر ثلاثة أصعدة ، الأول : كون الواقعة حدثت قبل [ البعثة ] بسنواتٍ كما يقر المؤرّخون أنفسهم و الفقهاء ، مما يجعلها خارج سيرة [ الرسول ] أصلا ، بل أنّها ليست من أفعاله و أقواله أصلاً ، كونها في واقع الأمر سنّة زوجة أولى أسماها المؤرّخون [ خديجة ] ، الثاني : المسافة الزمنية التي تفصل بين [ الإمام ] صاحب [ المسند ] و زمن حدوثها يفوق [ 270 ] عاماً  مما يُسقط عنها القيمة التاريخيّة ، أمّا الأمر الثالث : وهو الأهم بل والأشد خطورةً كون الرواية تم إقحامها من قبل الإمام أو من قبل أحدٍ ما أتى بعده داخل كتابٍ أتّفق الفقهاء في كونه يحوي مصدر [ تشريعٍ ] رئيسيٍّ اسمه [ الأحاديث ] قد يسبق حتّى القرآن الكريم في مكانته عند الفقهاء الذي تركوه : ]مَهْجُوراً [، والقصّة لا تحوي داخلها إجابةً على أي سؤالٍ أو مسألةٍ تشريعيّةً كانت ، سوى كونها لغواً ولغطاً لا طائل أو فائدة تذكر من ذكره سوى التعبير عن حالةٍ أو مرحلةٍ بعينها واكبت زمن كتابة النّص لا زمن حدوثه،  إن هذه القصص والإحالات الإباحيّة و الجنسيّة ليست سوى تعبيراً عن [ النمط ] الإجتماعي السائد حين كتابة الوثيقة التاريخيّة ، و[ الوضع ] الإجتماعي المسيطر في مكانه على طريقة تفكير المجتمع و المحيط الإجتماعي بالكاتب ، بل وحتّى الحالة السياسيّة السائدة أيضاً ، إذ يرد في ذات المسند قصّةٌ لا يُفهم منها شيءٌ سوى حدّة الصراع الأيديولوجي بين الجماعات الإثنيّة والثقافيّة في نشأة الدولة الإسلاميّة ، نصّها : [ ...  من أخرج صدقة فلم يجد الا بربرياً فليردها ] ، و يرد أيضاً : [ ... جلس إلى النبي رجل فقال له رسول الله : من أين أنت ؟ ، قال :  بربري ، فقال له رسول الله : قم عني ، قال بمرفقه كذا ، فلما قام عنه أقبل علينا رسول الله ، فقال : إن الإيمان لا يجاوز حناجرهم ] ، و البربر قومٌ معروفون يسكنون في إفريقيا الشماليّة ، لم يحدث بينهم وبين ساكني نجد أو الحجاز أي إحتكاكً في تجارةٍ أو حربٍ إلا بعد أكثر من 40 عاماً من وفاة الرسول ، يرد ذكرهم في قصّة توراثيّة المنشأ لا أصل لها في القرآن ، في قصص الأنبياء لإبن كثير والتي منشأها الحقيقي خرافة طوفان نوح الذي حسب التوراة غمر الأرض جميعاً ، وهو ما لم يقل به النّص القرآني لا بالصريح ولا بالتلميح : [ ... قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا إبراهيم بن هانىء وأحمد بن حسين ابن عباد أبو العباس قالا : حدثنا محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي : حدثني أبي عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ولد لنوح : سام وحام ويافث ، فولد لسام العرب وفارس الروم والخير فيهم ، وولد ليافث : يأجوج ومأموج والترك والصقالبة  و لا خير فيهم ، وولد لحام : القبط والبربر والسودان]، خرافة الطوفان التي وردت في أكثر من [ 250 ] أسطورة عالميّة ، أسطورة السفينة التي يبلغ طولها حسب التوراة [ 300 ] ذراع قبل اختراع صناعة التسبيك ، تحوي داخلها زوجين من كل الكائنات الحيّة من حيوانات و طيور بل و نباتات ، وهذه القصّة التي ترد في القرآن دون إضافاتٍ ونحولٍ توراثيّةٍ ، حيث أن الهمّة التي تقرّها التوراة  ويؤمن بها المقلّدون من الفقهاء بجمع هذا الكم المهول من الكائنات في سفينةٍ واحدةٍ  مستحيلةٌ عبر كل التصوّرات ، حتى تصوّرات القساوسة المسيحيّين مثلا ومنهم الراهب الثيولوجي الإيطالي [ جيوردانو برونو ] الذي أحرقته الكنيسة حياً سنة 1600 م بسبب نفيه خرافة الطوفان هذه والتي نفاها العلم وأيضاً المنهج العقلاني للتفكير عبر سياقات النّص القرآني بخصوص هذه القصّة بعيداً عن العقليّة الخرافيّة الفارغة حيث لا يوجد أي إثبات علمي على سفينة نوح العملاقة هذه ، فعبر السياق القرآني [ نوح ] عليه صلاة اللهرسولٌ لقومه فقط : ]وَقَوْمَ نُوحٍلَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً [الفرقان 37 ، وبناءً عليه يكون من غير العدل إغراق بقية الأقوام في عموم الأرض بطوفانٍ ضخم كما تقول الرواية الثوراتيّة ، وعلى صعيدٍ آخر ، متّصلٍ بمسألة القيد [ التاريخي ] المجحف أو [ السيسولوجي ] الجهوي لدلالات النّص تأتي سورة [ قريش ] ، ودلالتها المحدودة في حالةٍ تاريخيّةٍ لا استمرار لها خارج المدلول التاريخي و الإثني بمعنى أن المقصد هو قبيلة القرشيّين التي ينحدر منها الرسول الكريم ، و هو تفسيرٌ يوصل الى معنىً [ أجوف ] في واقع الأمر حيث أن مدلولات الآية ضاعت مع ضياع السلالة عبر التاريخ ، تلك التي أقحمت نفسها أو أقحمها المؤرخون في تفسير معنى النّص : ]لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ، إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ [ قريش 1-4 ، فعند العودة الى المصادر التاريخيّة نفسها نكتشف أن اسم قريش أصلاً غير موجودٌ في شجرة الأنساب عند ابن هشام مثلاُ وهو من أوائل المؤرّخين ، بل أن [ قريش ] كانت موضع خلافٍ في أوساط النّسابين العرب أنفسهم ، فرغم الإتفاق الغير مجمع عليه كون أوّل من حمل الإسم هو [ فهر ] الجد المشترك لبطون القبيلة من كنانة ، إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة ، فيقول الزبيري في كتاب [ نسب قريش ] : [ ... قريش كان دليل أبناء كنانه في تجارتهم ، و كان الناس عندما يرون قوافل كنانة يقولون : جمال قريش وصلت ] , أي أن قريشٍ هذا ليس من كنانة أصلاً ، بل أن معنى اسم قريش نفسه مُختلفٌ فيه ، فمن معنى الطوطم : سمك القرش الصغير ، ومعنى : جامع الأموال والأرزاق بفضل التجارة ، والمعنى الآخر : الجامع الموحّد لمكّة ، المدافعين عليها ، يبقى كل هذا يبقى لغواً لا طائل منه ، إذ أن دلالات سياق الآية الموصل إلى المعنى الحقيقي يعزلنا عن الاستدلالات المتناقضة في كتب النسّابين و أهل السير ، فالقريش من التقرّش في مكانٍ ، و يُقصد به من تجمّع في مكانٍ لغايةٍ ما ، والإشارة في قوله تعالى : ]هَذَا الْبَيْتِ [المتّصلة بقريش / المتجمّعون ،  توصل إلى أن سياق الآية يتحدّث عن [ الحجّاج ] تحديداً ، والأكثر تأكيداً على المعنى سياق الحديث عن الرحلتين : ]رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ [، والفصلان من فصول السنّة [ الشمسيّة ] ، بينما الحّج مواقيته [ قمريّة ] : ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة 189 ، فتارةً مواقيته الصيف وتارةً أخرى مواقيته الشتاء ، أما الحديث كون الآية تقصد رحلات قريش التجاريّة تتناقض وحقائق كون [ الأمن ] لم يكن موجوداً في رحلات التجارة كما تدل السياقات التاريخيّة لواقع شبه الجزيرة ، بل أن الأمن موجود في [ البيت ] مكان تجمّع الحجّاج / القرشيّين في موسم الحج ، هو ميقات الأشهر الحرم : ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ [البقرة 217 ، ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً [المائدة 2 ، لنصل في نهاية المطاف الى معنى جديد للسّورة [ قريش ] ، بمعنى سورة [ الحجّاج ] ، المسألة إذاً لا تتعدى كونها [ تصفية حسابات ] بين الساسة ، انتحلوا خلالها شخصيّة [ المقدّس ] لتمرير مشاريع [ المدنّس ] ، كما حدث عندما انتحل أصحاب [ الأهواء ] و إدعياء [ الخرافة ] و [ الأسطورة ] ذات الشخصيّة لتمرير نظرتهم المشوّهة و الشهوانيّة  للعالم و الدين الإسلامي ، فخلقوا جبلاً يتضاعف حجمه يوماً بعد يومٍ ، يصنع صورةً لعالمٍ مقلوبٍ ، يحاولون إيهام الجميع بانّهم يقودونهم لتجاوز الصعاب في محاولةٍ لعبور الطريق ، متجاهلين حقيقة أن صعود المنحدر في هذا العالم المقلوب يوصل إلى الأسفل : ]وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً [الإسراء 45 .

اجمالي القراءات 12224