المجلس العسكرى فشل فى إدارة البلاد لدرجة أنه لا يعرف أنه فشل!
هى مناسبة فى غاية الأهمية أن نتعلم فى ما هو قادم أن لا يتولى قيادة جيشنا أبدا رجل فوق الستين من عمره، ولا يبقى فى مقعده يوما واحدا بعد الستين، ولا يستمر فى مسؤوليته مدة تسمح له بأن يعتقد أنه مخلد فى مكانه!
نحتاج إلى أن لا يعتقد هذا القائد أن البطء والإنكار والتجاهل حكمة يجب أن نحييها فيه، أو ضبط نفس يجب أن نشكره عليه، بل تكون الاستجابة المخلصة السريعة الصادقة.
فما نراه من صمت وشلل المجلس العسكرى عن رد الفعل تجاه خروج ملايين المصريين يطالبون بتسليمه السلطة للمدنيين فورا، إنما هو رد فعل الثامنة والسبعين على طاقة شعب فى الثلاثين من عمره!
المذهل أن المجلس العسكرى فشل فى إدارة البلاد لدرجة أنه لا يعرف أنه فشل! لقد أثبت جنرالات المجلس العسكرى أنهم بالفعل جنرالات مبارك واختياره السليم الوجيه، وأنه أبقى عليهم لأنه يعرفهم جيدا فهم مثله وهم معه وهم تلاميذه، وقد مد لهم فى خدمتهم وفوق سن معاشهم فهم مخلصوه حتى لو أجبرهم الثوار على غير ما رضوا وبغير ما اتفقوا، إلا أنهم رجاله المختارون بعنايته ورعايته فى مستوى سياسته وعلى قدر مواهبه المحدودة وبكفاءته السياسية الضحلة!
ما الذى ينتظره المجلس العسكرى؟
ينتظر أن يهدأ الشارع ويعود الملايين إلى بيوتهم وأن ينحصر الوضع فى اعتصامات مئات فى الميدان ويشغل عليهم آلة الكذب والتضليل وسخافات جهل تصريحات لواءاته ورقاعة منافقيه فى الهجوم على أنبل من فى مصر، حراس الثورة وحماة الحلم.
ينتظر المجلس العسكرى أن يحتوى الإخوان المسلمون الموقفَ بخطب وبيانات وغسيل سمعة فى البرلمان يمتص الطاقة ويبرد السخونة!
ينتظر أن يختلف السلفيون مع الليبراليين فيدخلوا فى عركة عكّ جديدة من قبيل رمى تهم الكفر على الليبراليين ورمى تهم التخلف والإرهاب على السلفيين ويسعد «العسكرى» بانشغالهم عنه!
ينتظر «العسكرى» دور الإخوان فى الصفقة، فها هو ذا قد برَّ بنصيبه وفعل ما اتفق عليه وهو إجهاض الثورة وتحويلها إلى عمل إصلاحى جزئى ليس فيه إلا انتخابات حرة غير ديمقراطية تجرى بناء على نظام انتخابى معقد ومركب وملعوب فى أساسه، يأتى بأحزاب دينية سمح لها بالظهور رغم مخالفتها أبسط قواعد والتزامات الإعلان الدستورى فى طرمخة من جنرالات «العسكرى» فاضحة وفادحة لكنها محسوبة ومطلوبة، كما جرى بالضبط فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات حينما تصور أن إطلاقه الحرية للتيار الدينى للعمل فى الشارع بدعم ورعاية من الدولة كفيل بضرب نشاط وحركة وفكر اليسار والناصريين المزعجين للسادات وقتها والمعارضين لسياسته فى التحول عن منهج عبد الناصر، وقد فعلها السادات فعلا وتمكن من تصفية العمل اليسارى والقومى، ولكن الثمن كان أن تمرد عليه النمر الذى رباه فى حديقة منزله والتهمه فى اغتيال المنصة الشهير. لكن لأن الجنرالات فى المجلس العسكرى لا يعرفون تاريخهم ولا يقرؤون الكتب ولا يفهمون فى السياسة ولا يدركون خريطة الشارع ولا الواقع ولا يبتكرون بل هم من مدرسة نفِّذ واتظلم، وتمام يا افندم، ففعلوا نفس ما فعل السادات، تحالفوا مع الإخوان كى يخلصوا من العيال بتاعة التحرير وقوى الثورة الحرة!
الصفقة التى عقدها العسكر مع الإخوان أتت ربحها الأول للإخوان، فقد سيطروا على مجلس الشعب، بقى إذن أن ينفذوا جانبهم من الصفقة وهو ما بدؤوا به فعلا فى منظر مخزٍ فى التحرير، حيث تحول جهد مئات من شبابهم إلى حماية منصة الإخوان من أى تدخل أو تداخل من الثوار وغاب هذا المشهد الالتحامى المنصهر بين الجميع فى الثمانية عشر يوما فى يناير 2011، أما الآن فى يناير 2012 فالإخوان منعزلون وعازلون بين الثورة و«العسكرى»، حماة ورعاة للعسكر ضد الثورة، لم يشاركوا فى مسيرات ولا رفعوا شعارات ضد العسكر بل كانوا أشبه بمندوبى رئيس الجمهورية فى سرادق العزاء أو مناسبات تسليم الكأس والميداليات للفائزين بالبطولة، حضور بارد وبروتوكولى وممثلون لغيرهم!
لم ينجح الإخوان فى إجهاض مظاهرات 25 يناير ولا جمعة الغضب الثانية ولم يستطيعوا استنزافها ولا تحويل مسارها رغم جهودهم الحثيثة مع إعلام ماسبيرو ومندوبى المجلس العسكرى من مقدمى برامج وضيوف فى الفضائيات الخاصة، بل فشل الإخوان أمام حلفائهم تماما فى هذه النقطة، لكن بقى أنهم مضطرون إلى إتمام صفقتهم كذلك بالموافقة على استمرار «العسكرى» حتى شهر يونيو، ربما كى يستعد الإخوان لاستلام التركة فهى ثقيلة وهم مش قدها خالص دلوقتى وعايزين حد يلبسها بدلا عنهم سواء حكومة جنزورى أو مجلس عسكرى أو رئيس ييجى يشيل والإخوان يعملوا فيها كانوا بيصلوا الضهر وماكانوش هنا. إذن بنود الصفقة:
١- إجهاض الإخوان أى مشروعات لتسليم السلطة حتى يونيو.
٢- الاتفاق على اسم مرشح رئاسى محل ثقة العسكر والإخوان، مهمته سماع الكلام.
٣- دسّ مواد على الدستور تضمن حماية للعسكر وميزانيتهم وحصانة للمشير والفريق واللواءات من أعضاء «العسكرى» من أى مساءلة أو محاسبة.
ما نستطيع أن نؤكده طبقا لملايين المصريين فى الشوارع والميادين لحظة نداء الثورة أن هذه الصفقة المشبوهة لن تنجح، بل سيدفع الطرفان ثمنها غاليا!
تريد أن تتأكد، تأمل الميدان لتعرف وانتظر وسترى!