فقه الحديث غير صالح لكل زمان ومكان

أيمـــن اللمـــع في الأحد ٢٢ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

     من إنجازات الفقهاء المعاصرين أنهم، استطاعوا فعلا ترويج تسمية تصفهم بفقهاء الإسلام الوسطي!
مصطلح الإسلام الوسطي، تسمية بحد ذاتها تستطيع أن توحي لك بوجود إسلام متطرف! وهذا لوحده يعد إقرارا بإسلامية الأفكار المتطرفة، في دلالة واضحة تبين مدى جهل أصحاب هذه الدعوة.
ما يعرف الآن بالفقه المعاصر، هو في حقيقته ليس إلا نفس الفقه القديم، لكنه قد أظهر نفسه بثوب عصري، من خلال منهجية انتقائية في اختياره لما يتوافق معه من الحديث.
((لعبته كانت ولا تزال في الأحاديث المنسوبة للرسول))
ففي عصر معاهدات حقوق الإنسان، لا يتم اعتماد نفس الأحاديث التي تبناها السلطان القاهر في العصور الوسطى، لتدعيم حكمه وضرب المعارضين.
اليوم بات على السلطان أن يوقع -مرغما- على بعض الاتفاقيات، لذا أصبح على فقهاء الحديث الإسراع في البحث عن كل ما يتفق مع هذا الموقف الجديد، وتأويل ما يستطيعون ثم إهمال البقية.
هذا الفقه لا يعيش بعيدا عن دائرة السلطان، فالسلطان نفسه يحتاج إلى هؤلاء الفقهاء، لأنه بحاجة لمن يشرع له الحكم الفردي المطلق، وهم بحاجة ماسة لموائده، لكي يبقوا عاطلين عن العمل.
بما أن السلطان الآن في موقف حرج، ولا يسمح له إلا أن يخضع لإرادة غربية، كان على الفقه بالتالي، أن يتقبل هذا الوضع، فيخرج نفسه من القشور القديمة ويظهر للعالم بشكل عصري، ومتوافق مع الحريات الغربية، بل وكان عليه أيضا أن يهاجم البقية -ممن لم يتقبلوا الوضع الجديد- ويتهمهم بالفكر المتطرف، والإرهابي والمعادي للإنسانية... وبما أنه لا يستطيع مجابهتهم على أرض الواقع، فقد بارك جدا يد القمع التي مدها السلطان عليهم.
لا يستطيع مواجهتهم لما يجد في نفسه من عجز أمامهم، لأنه سيفضح أمر منهجه الإنتقائي، فكل ما في يده هي (بعض) الأحاديث، في مقابل الفقه السلفي الكلي، الذي يجابهه بكامل الأحاديث، حلوها ومرها، وطبعا مرها أكثر. المنهج الإنتقائي مستعد أن يتغافل أو ينكر أحاديث موجودة حتى في كتاب البخاري نفسه، فقط لأنها لا تتفق مع موقفه.
اليوم بات على فقه الحديث المتلون، مواجهة أكبر أزمة في تاريخ نشأته، منذ الأمويين، حيث أن ثقافة (الإدارة الجماعية) قد هب ريحها من جديد، وبات واضحا للعيان أن حكم الفرد الإقطاعي، خاسر على طول الخط .
 الإفتراض القائل بأن فقه الحديث قادر على تجاوز هذه المرحلة، هو افتراض مخطئ جدا، بالقدر الذي يفترض أن زمن السيف والعبودية سيعود.
 هذه المرة لن تنجح محاولاته في تغيير قشوره، حتى وإن حاول نزع جلده كلياً، والسبب يعود لأن فقه الحديث قد تم تفصيله خصيصا، لكي يقنع الناس بأن خير حكم على الأرض هو حكم بني أمية القبلي. 
ولولا أنه استطاع إقناعهم بمساعدة من سيوف ومنجنيقات بني أمية أنفسهم، لما كتب له أن يعيش أربعة عشر قرناً.1
فقه الحديث يستطيع فقط أن يعيش تحت الحكم الإقطاعي، ويستطيع أن يتحمل ظلم فرعون نفسه، لكنه أبدا لن يستطيع أن يعيش ويتكاثر في ظل سلطة يملكها الناس بأنفسهم، لأن فرصته في الكلام تأتي من خلال إسكات الناس.
الفقهاء- وكما قيل عنهم- ليسو كالنحويين يصوبون كلام الناس، بل يحرمون الناس من حقهم في الكلام.
 في سلطة يملكها الناس، سيعرف الجميع بأن رجال الفقه يترزقون ببيع الكلام، لإشغال الناس عن واقعهم وعن فقرهم وعن جهلهم، بحجة أن التقصير عن أداء شعائر العبادات هو السبب لما يحل بهم، فيتم توجيه أنظار الناس للزاوية الخاطئة، بعيدا عن أخطاء النظام الإداري الحاكم، وحتى لايكتشفون أن  فقرهم وتخلفهم هو النتيجة وليس السبب، وأنها الترجمة الحرفية للفشل الإداري المتمثل في الحكم الإقطاعي.  
 
أظن بأن وقت الفقه الذي يتكلم نيابة عن الناس، قد شارف على النهاية، واقترب دور الساكتين بالكلام.
 
                   ____________________________
(1): كما ذكر في كتاب أسد الغابة ، وفتح الباري ، ولدى المؤرخين وفي وصف (وقعة الحرة) في ذي الحجة سنة ثلاث وستين، كيف استبيحت فيها المدينة المنورة ((لثلاثة أيام))، وكيف انتشر القتل والسلب والاغتصاب لرجال ونساء الصحابة، ثم  زحف الجيش إلى مكة المكرمة وقصفها بالمنجنيق، بعد حصارها أكثر من شهرين.

 

اجمالي القراءات 16014