من حكمة الرئيس إلى حكمة «العسكرى

ابراهيم عيسى في الأربعاء ١٨ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

لا أحد اتعظ بأن مبارك تتم محاكمته الآن!

بل فى ذات الساعات التى يترافع فيها ممثل النيابة ضد مبارك، وفى ذات التوقيت الذى يعلو فيه صوت دفاع الشهداء ضد مبارك، إذا بالمجلس العسكرى وجنرالاته لا يتعظون وكأن المشهد لا يخصهم، وإذا بالحكم والحكومة لا تتعظ كأن الموضوع لا يعنيها، وإذا بالمنافقين الأفاقين ماسحى أحذية السلطة هم أنفسهم بذات النشاط والهمة، وكأن صاحب الحذاء الأكبر والأطول الذى جلسوا تحت نعليه لا تتم محاكمته الآن!

نفس التدليس ونفس النفاق من ذات الأحزاب وذات الشخصيات المؤجرة ونفس مقدمى البرامج وكتبة المقالات!

تحول فقط الأمر من حكمة الرئيس إلى حكمة المجلس العسكرى!

من الرئيس خط أحمر إلى المشير خط أحمر!

من الوقوف مع الرئيس ضد أعداء الوطن والأصابع الخارجية إلى الوقوف مع «العسكرى» ضد أعداء الوطن والأصابع الخارجية!

من الرئيس رمز الاستقرار وصمام الأمان إلى «العسكرى» رمز الاستقرار وصمام الأمان.

من الرئيس الذى هو رمز للبلد ولا يجب إهانته ولا المس به إلى المجلس العسكرى الذى هو رمز للبلد ولا يجب إهانته ولا المس به.

نفس الأكاذيب ونفس الكذابين لا نستثنى منهم أحدا.

لكنها للغرابة ما زالت مستمرة بنجاح ساحق وتحظى برواج فى صحف وشاشات الكذب والتضليل!

ولا يزال معنا نظام الحكم الذى ثرنا ضده، فهو الآن فى يد جنرالات العسكر وأفاقى الإعلام ومنافقى السياسة، وفى المشهد كذلك جماعة الإخوان التى لا أتصور أنها قادرة على أن تبرأ سريعا من منهج الجماعة المحظورة فى التعامل مع السلطة، ولعل بعض قياداتها لا يزالون لا يصدقون أنهم خارج السجن والحظر وأنهم أحرار لدرجة أنهم ليسوا فى حاجة إلى صفقات مع أى سيد، حيث يبدو أن الجماعة لم تستوعب بعد أنها يمكن أن تحيا أخيرا من دون سيد فى القصر الملكى، أو سيد فى القصر الجمهورى، أو سيد فى المجلس العسكرى!

لهؤلاء جميعا (ولقارئى العاقل) أهديه مقالى الذى كتبته فى 20 يناير 2011، أى قبل الثورة بخمسة أيام ونشرته فى موقع «الدستور الأصلى» يومها وقد سمعت عنوانه عدة مئات من المرات وأنا فى قلب الميدان يوم مظاهرات 25 يناير (حيث كان بعضهم يجلس تحت مقعد مبارك ومباحث أمنه حتى حينها، والبعض الآخر مختبئ فى مكتبه مستخف بما كنا نفعله يومها).

المقال كان بعنوان «عارضوا الرئيس!».

«سيبوا حكومة نظيف فى حالها.

اتركوا وزير الداخلية وحلوا عنه بلا نقد ولا معارضة ولا رفض ولا مطالبة بالإقالة.

سيبوا أحمد عز فى حاله.

الإخوة الجامدون قوى والغاضبون جدا من الحكومة ونظيف والحزب الوطنى وأحمد عز والداخلية وعمايلها ويهاجمونهم بقوة وبقسوة، هل ممكن تراعوا ربنا وتهاجموا المسؤول الحقيقى والوحيد.

عنوانه فى قصر العروبة أو شرم الشيخ.

ليس نظيف ولا العادلى ولا أحمد عز، ليس هؤلاء من زوروا الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والبرلمانية ولا هم الذين احتكروا الحكم أو السلطة قبلهم، كان هناك رؤساء وزراء ووزراء داخلية وكمال الشاذلى!

يتغير الجميع ويبقى مبارك.

الرئيس هو المسؤول والفاعل، فاذهبوا حتى معبده وادخلوا إلى مكمنه وهاجموا سياسته هو، وليس أى أحد آخر.

لا كفرنا ولا قلينا أدبنا ولا تجاوزنا حين نقول إن مشكلة مصر فى رئيسها وإن ثلاثين عاما من الحكم كفاية جدا، خصوصا أنه لا حكم رشيد ولا ناجح.

وحتى لو كان ناجحا فشر اليابان ورشيدا فشر السويد، فلا مكان لرئيس جمهورية مدى الحياة.

يتم تزوير الانتخابات منذ تولى الرئيس مبارك الحكم ويوم كان أحمد عز طالبا فى الجامعة مشغولا بالمذاكرة وأحدث موضة شبابية لتصفيف الشعر والعزف فى فرقته الموسيقية، فلماذا يكون عز هو المستهدف بالهجوم!

الحزب الوطنى يحتكر الحكم عبر تزوير سافر وسافل للانتخابات منذ نشأته ومن يوم تأسيسه حين كان حسنى مبارك نائبا للرئيس يتحدث عن حكمة وعظمة الرئيس السادات وقراراته، ووقتها كانت أحزاب المعارضة (الآن بعضها أعوان وأبواق مبارك) تهاجم الرئيس السادات هكذا عينا بعين ووجها لوجه ولم تكن المعارضة أليفة لطيفة خفيفة يديرها كما يديرها هذه الأيام أمناء شرطة فى ائتلاف ثلاثى أو على أربع!

منذ ثلاثين عاما ومن يوم تولى مبارك الحكم والمعارضة الأليفة تحترف رمى التهم على كمال الشاذلى رحمه الله، يوم كان ملء السمع والبصر، وتحميله مسؤولية ما يجرى فى الحياة السياسية، بينما الرجل مثل أحمد عز تماما مخلص فى تنفيذ تعليمات وتوجيهات رئيسه!

هل يتصور عاقل واحد أو حتى شخص عنده ربع طاير إن أحمد عز مثلا يتصرف منفردا بنفسه ويدير بذاته وكأن الرئيس لا يعرف ولا يعلم.

أولا لا حاجة لبلد أو لشعب رئيسه لا يعرف، وإذا كان الرئيس مبارك لا يعرف أن الانتخابات مزورة وأن الفساد يدير البلد، فالحاجة إلى تغييره أهم مليون مرة مما إذا كان يعرف.

ثانيا فى مصر تحديدا الرئيس يعرف كل شىء، فلا أحد يملك أن يقرر أمرا أو ينفذ قرارا دون ختم موافقة الرئيس.

الرئيس مبارك سيترشح للولاية السادسة وسيبدأ مرحلة ما بعد الثلاثين عاما فى الحكم، وهى فرصة ممتازة لكى تعارضه المعارضة وتتخلى عن هذا الضعف فى مواجهته، فالمؤكد أن مبارك كان سيصبح رئيسا أفضل لو كانت هناك معارضة لا تشارك فى تأليهه ونفاقه بل تخاصمه وتهاجمه وترفض سياسته وتدينه شأن أى معارضة فى الدنيا، لكن المعارضة على طريقة (عاش الرئيس ويسقط أحمد عز، عاش الرئيس ويرحل العادلى) معارضة رخيصة جدا».

بعد عام من الثورة لا تزال المعارضة الرخيصة مستمرة من الشخصيات والتيارات الأكثر رخصا.

اجمالي القراءات 8847