بوادر أزمة تركيّة أميركيّة بسبب "إبادة الارمن"

في الجمعة ٠٥ - مارس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً


بوادر أزمة تركيّة أميركيّة بسبب "إبادة الارمن"

GMT 23:30:00 2010 الجمعة 5 مارس



وزير الخارجية التركي داود اوغلو

واشنطن، يرفان:  أقرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الاميركي أمس الخميس قراراً يعتمد عبارة الابادة لوصف المجازر التي لحقت بالارمن في ظل السلطنة العثمانية ما دفع تركيا على الفور الى استدعاء سفيرها في واشنطن للتشاور. وعلى الرغم من معارضة البيت الابيض وانقرة للتصويت، تبنى 22 من اصل 23 عضوا في اللجنة القرار الرمزي الذي يمهد لطرح القرار للتصويت امام المجلس باكمله.

ونوهت ارمينيا الجمعة بتبني اللجنة قراراً يعتمد "الابادة" في وصف المذابح بحق الارمن معتبرة انه تقدم في النضال من اجل حقوق الانسان. وقال وزير الخارجية الارمني ادوارد نالبديان في بيان "اننا نرحب كثيرا بالقرار". واضاف "انه دليل اضافي على تمسك الشعب الاميركي بالقيم الانسانية العالمية وخطوة هامة نحو تفادي الجرائم ضد الانسانية".

ويدعو القرار الذي ليست له صفة القانون الرئيس الاميركي الى استخدام كلمة "الابادة" لوصف "التصفية المنهجية والمتعمدة لمليون ونصف مليون ارمني" في عهد السلطنة العثمانية بين 1915 و1923. وردت تركيا التي حذرت من العواقب الخطيرة لمثل هذا القرار على العلاقات الثنائية بادانته واستدعاء سفيرها.

واعلن بيان حكومي في انقرة مساء الخميس "اننا ندين هذا القرار الذي يتهم الامة التركية بجريمة لم ترتكبها". واضاف "على اثر هذا التطور، تم استدعاء سفيرنا في واشنطن نامق تان الى انقرة للتشاور". وقال الرئيس التركي عبدالله غول تعليقا على القرار انه "ليست له اي قيمة في نظر الشعب التركي". واضاف ان "تركيا ليست مسؤولة عن العواقب السلبية التي يمكن ان تنجم عنه في مختلف المجالات".

وقبيل التصويت، حثت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب على عدم التصويت على القرار لما سيكون له من اثر على مسيرة المصالحة بين تركيا وارمينيا. وقالت كلينتون للصحافيين في كوستا ريكا "لا نعتقد ان الكونغرس باكمله سيتخذ موقفا او عليه ان يتخذ موقفا بشأن القرار".

متظاهرون ضد مجاز الارمن أمام فندق بيفرلي هيلتون في لوس انجليس في عام 2009

وادانت الولايات المتحدة على الدوام المجازر التي تعرض لها الارمن بين 1915 و1918 لكنها تجنبت استخدام عبارة "الابادة" لوصف ذلك حرصا على عدم توتير علاقاتها مع تركيا العضو في حلف شمال الاطلسي والحليف الرئيسي في الشرق الاوسط.  وقال المتحدث باسم مجلس الامن القومي مايك هامر في بيان ان كلينتون اتصلت الاربعاء برئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب هاورد بيرمان لمحاولة اقناعه بعدم التصويت على القرار.

وقال المتحدث باسم الخارجية الاميركية فيليب كراولي للصحافيين ان الولايات المتحدة ملتزمة "باعتراف عادل وصريح بالوقائع المرتبطة بالاحداث التاريخية لعام 1915". ولكنه قال بشأن القرار، "نحن قلقون بشأن تاثيره المحتمل على العلاقات مع الدول المعنية". واضاف "نعتقد ان عملية التطبيع هي الالية المناسبة لمعالجة هذه المسائل. سنواصل العمل بصورة جدية، بكثير من الجدية على هذا الامر".

وضاعفت انقرة الضغوط للحؤول دون تمرير القرار. واتصل الرئيس التركي عبد الله غول مساء الاربعاء بنظيره الاميركي باراك اوباما لبحث هذه المسألة، فيما حض وزير خارجيته احمد داود اوغلو النواب الاميركيين على رفض القرار.

وصرح داود اوغلو في انقرة "اتخذنا خطوات بالغة الاهمية باتجاه تطبيع كامل في القوقاز. ينبغي تجنب زعزعة هذه الجهود"، في اشارة الى عملية التطبيع الحساسة للعلاقات التركية الارمنية. وتدعم واشنطن بقوة عملية تطبيع العلاقات بين تركيا وارمينيا بعد عقود من العداوة، ووقع البلدان في تشرين الاول/اكتوبر اتفاقا لاقامة علاقات دبلوماسية وفتح الحدود.

وتوعد اوباما خلال حملته الانتخابية بانه سيعترف بالمجازر التي تعرض لها الارمن باعتبارها ابادة لكنه اثار استياء الارمن الاميركيين عندما اغفل استخدام العبارة في رسالة بمناسبة احياء ذكرى الضحايا العام الفائت.

وقال هامر ان اوباما اعرب للرئيس التركي عبدالله غول الاربعاء عن "تثمينه للجهود التي يقوم بها هو ورئيس الوزراء (رجب طيب) اردوغان بهدف تطبيع العلاقات بين تركيا وارمينيا وشدد على ضرورة الاسراع في تصديق البروتوكولات".

وفي هذه الاثناء، وصف بيرمان في كلمة قبل تصويت اللجنة صباح الخميس تركيا بانها "حليف حيوي ووفي بكل معنى الكلمة للولايات المتحدة في منطقة مضطربة". ولكنه اضاف ان "لا شيء يبرر تجاهل تركيا حقيقة الابادة الارمنية". واضاف "يتعين على كل امة ان تتصالح في مرحلة ما مع تاريخها. وهذا كل ما نطلبه من تركيا"، قبل ان يحث النواب على تبني القرار.

ومارس الارمن ضغوطا من اجل اعتبار المجازر وعمليات الترحيل التي تعرضوا لها بين 1915 و1917 ابادة، حيث ادت بحسبهم الى مقتل اكثر من مليون ونصف مليون في صفوفهم. غير ان تركيا تعترف يمقتل 300 الى 500 الف فحسب، لا بسبب حملة تصفية، بل بسبب ما قالت انها الفوضى التي سادت في السنوات الاخيرة من حياة الامبراطورية العثمانية.

وترفض تركيا قطعا مفهوم الابادة الذي اقرته فرنسا وكندا والبرلمان الاوروبي. واعتبرت الحكومة التركية ان القرار دليل على "انعدام الرؤية الاستراتيجية" لدى النواب الاميركيين في حين تعمل واشنطن وانقره، الحليفان في حلف شمال الاطلسي "معا على جملة من القضايا".

واضافت في بيانها مساء الخميس "لدينا مخاوف جدية من ان يعود هذا النص (..) بالضرر على العلاقات التركية الاميركية ويكبح جهود تطبيع العلاقات التركية الارمنية". وكررت انقرة تاكيد موقفها الذي يعتبر انه ينبغي ان يتولى مؤرخون دراسة المجازر التي تعرض لها الارمن على اساس المعلومات الموثقة والوثائق المحددة. وقال البيان ان "تدخل السياسيين في مجال عمل المؤرخين يترك دائما اثارا سلبية".

وكانت تركيا استدعت سفيرها في واشنطن في 2007 عندما وافقت اللجنة البرلمانية عينها على قرار مماثل. وفي ذلك الوقت حال الرئيس جورج بوش دون طرح النص للتصويت على كامل الكونغرس.

اذربيجان تندد باعتراف لجنة في مجلس النواب الاميركي ب"الابادة" الارمنية

وفي سياق متصل، انتقدت اذربيجان الجمعة تصويت احدى لجان مجلس النواب الاميركي على قرار يصف المجازر التي استهدفت الارمن ابان السلطنة العثمانية، بأنها "ابادة"، ورأت ان هذه المسألة هي من اختصاص المؤرخين وليس السياسيين. وقال علي حسنوف مستشار الرئيس الاذربيجاني الهام علييف لوكالة فرانس برس، ان "هذا القرار الاحادي الجانب تمت الموافقة عليه بضغط من اعضاء الكونغرس المؤيدين للارمن. وهو يخالف مصالح الولايات المتحدة ومصالح الشعب الاميركي".

واضاف حسنوف "نأمل الا يوافق مجلس النواب على هذا القرار. خلال الحرب العالمية الاولى، مني كثير من الاشخاص وعدد كبير من الدول بخسائر، لكن المؤرخين هم الذين يعالجون هذه المسائل وليس الكونغرس الاميركي". واذربيجان شريك في مشاريع في مجال الطاقة تحظى بدعم الولايات المتحدة في بحر قزوين وحليف قريب لتركيا. وتخوض نزاعا مع ارمينيا في شأن منطقة ناغورني قره باخ. ولم تتوصل باكو ويريفان الى الاتفاق على وضع هذه المنطقة بعدما خاص البلدان حربا اسفرت عن 30 الف قتيل بين 1988 و1994.

ويدعو النص الذي لا يتمتع بمفعول قانون، الرئيس الاميركي الى ان "يصف بشكل دقيق التصفية المنهجية والمتعمدة لمليون و500 الف ارمني، بانها ابادة". ولا تعترف تركيا سوى بمقتل 300 الى 500 الف ارمني سقطوا ليس في حملة ابادة بل خلال الفوضى التي عمت السنوات الاخيرة من عهد السلطة العثمانية. وهي ترفض وصف ذلك بانه "ابادة"، العبارة التي اقرتها فرنسا وكندا والبرلمان الاوروبي.

 

 

اجمالي القراءات 4256