علاء الأسواني يتفوق علي نفسه - مقاله في جريدة الشروق وعليه أكثر من 520 تعليق من القراء معظمهم مؤيدون -
قولوا معايا:
البرادعي جاي جاي ..شوفوا مصر حاتحلو ازاي!
فرانسوا باسيلي
الطريقة الوحيدة لإخراج باتيستا
يعيش الدكتور جلال أمين مع زوجته الإنجليزية السيدة جان وأولاده فى بيت أنيق تحيط به حديقة جميلة بضاحية المعادى.. وفى صيف 1971 قرر الدكتور جلال أن يسافر إلى بيروت مع أسرته فى مهمة عمل لمدة عام واحد، عندئذ خطرت له فكرة أن يؤجر بيته وقد عثر بسهولة على مستأجر للبيت، رجل دبلوماسى من بنما يسمى السيد باتيستا.. وقع معه الدكتور جلال عقدا لمدة عام واحد فقط، يسكن خلاله باتيستا فى البيت على أن يتركه فى نهاية المدة.
سارت الأمور بطريقة طبيعية لكن الدكتور جلال عاد إلى مصر فى نهاية العام فوجد مفاجأة تنتظره.. لقد رفض السيد باتيستا الخروج من البيت وتعلل بأن الدكتور جلال لم يخطره بخطاب مسجل كما ينص العقد.. حاول الدكتور جلال إقناع باتيستا بأنه اتفق معه من البداية على استئجار البيت لمدة عام واحد غير قابلة للتجديد وذكره بأنه اتصل به تليفونيا قبل انقضاء المدة مما يعتبر إخطارا وديا له بأن يترك البيت، لكن باتيستا طلب مهلة وراء أخرى وظل يماطل ويراوغ، وفى النهاية أعلن بوضوح أنه لن يخرج من البيت.. اضطر الدكتور جلال إلى استئجار شقة مفروشة عاش فيها مع أسرته لكن الإحساس بالظلم ظل يثقل عليه حتى أوصله إلى حالة من الغضب العنيف.
وعشية عيد الميلاد (الكريسماس) قال الدكتور جلال لزوجته: «غدا سوف نبيت فى منزلنا» ظل الدكتور جلال طوال الليل يتصل بالمستأجر باتيستا ويغلق الخط بغير أن ينطق بكلمة واحدة.. وقد فعل ذلك عشرات المرات حتى حرم باتيستا من النوم وأرهق أعصابه تماما.. وفى ساعة مبكرة من الصباح، استأجر الدكتور جلال ثلاث عربات كارو وضع عليها حقائبه ومتاعه ثم طرق باب البيت فخرج له باتيستا. طالبه الدكتور جلال بالجلاء عن البيت فورا، تظاهر باتيستا بالموافقة واستدرج الدكتور جلال إلى الشرفة ثم قام بإغلاق الأبواب كلها من الداخل. عندئذ توجه الدكتور جلال إلى سيارته وأحضر «الكوريك» الحديدى وبدون تردد، قام بتهشيم البوابات الزجاجية للمنزل وتناثر الزجاج فأصابه بجروح جعلته ينزف حتى غطى الدم وجهه وثيابه، لكنه مع ذلك اقتحم البيت وأدخل حقائبه بدون مقاومة من باتيستا الذى أصابه الذعر مما يحدث، وجاءت زوجة الدكتور جلال وحملته إلى المستشفى حيث تم تضميد جروحه لكنه عاد من جديد إلى البيت بالضمادات على وجهه. دخل ونام على سريره وأخبر باتيستا بأن عليه أن يرحل فورا.
استدعى باتيستا شرطة النجدة وحاول ضابط الشرطة أن يحل الأمر وديا، طلب باتيستا مهلة جديدة لكن الدكتور جلال رفض وأصر على أن يترك المنزل فورا وأبدى استعداده لأن يدفع ثمن إقامة باتيستا بالكامل فى أى فندق حتى يجد سكنا آخر.. عندئذ احتج باتيستا بالعقد وأعطاه للضابط وهنا طلب الدكتور جلال رؤية العقد وأخذه من الضابط ثم مزقه إربا وألقى بقطع الورق على الأرض.. ثار الضابط على الدكتور جلال وانصرف مهددا بتصعيد الأمر إلى أعلى مستوى.. لكن الدكتور جلال (الذى مهد للمعركة باتصالات مكثفة مع كل من يعرفهم من المسئولين) لم يأبه وظل مستلقيا فى السرير بالرغم من جروحه وإحساسه بالإعياء الشديد والضمادات التى تغطى وجهه.. عندئذ، أدرك باتيستا أنه لا مفر من الاستسلام وحمل متاعه ورحل عن البيت وتركه لأصحابه.
قرأت هذه الواقعة فى كتاب رحيق العمر الذى صدر مؤخرا عن دار الشروق، وهو الجزء الثانى من السيرة الذاتية لجلال أمين التى أضاف بها إلى المكتبة العربية قطعة من الأدب الإنسانى الرفيع.. اندهشت وأنا أقرأ ما فعله الدكتور جلال مع باتيستا. أولا لأن جلال أمين واحد من أكبر وأهم المفكرين العرب، وثانيا لأننى أعرفه عن قرب، فهو صديقى وأستاذى على مدى عشرين عاما وهو بالتأكيد من أكثر من عرفت لطفا ووداعة..كيف يصل به الأمر إلى أن يتصرف على هذا النحو العنيف؟!.. السبب أن الدكتور جلال أدرك أن هذه الطريقة الوحيدة لاسترداد بيته المغتصب. لقد تكلم مع باتيستا بالود مرارا وتكرارا وأعطاه المهلة تلو الأخرى لكن باتيستا رفض أن يخرج، كما أن اللجوء إلى إجراءات التقاضى البطيئة كان كفيلا بإضاعة سنوات قبل أن يحصل جلال أمين على حقه.
لا أستطيع أن أمنع نفسى هنا من المقارنة بين ما حدث فى بيت جلال أمين وما يحدث فى مصر كلها.. فالنظام الذى يحكم مصر، تماما مثل المستأجر باتيستا، قابض على السلطة بدون وجه حق لمدة ثلاثين عاما باستعمال القمع والتزوير.. ونحن نطالب النظام منذ أعوام بأن يمنح المصريين حقهم الطبيعى فى اختيار من يحكمهم لكنه، أيضا مثل باتيستا، يطلب المهلة تلو الأخرى من أجل تنفيذ الإصلاح الديمقراطى ويماطل ويراوغ حتى يظل محتكرا للسلطة بل ويعمل على توريثها من الرئيس مبارك إلى ابنه جمال من بعده. بسبب الاستبداد والفساد، تدهورت الأحوال فى مصر حتى وصلت إلى الحضيض فى كل المجالات. ملايين المصريين يعانون من الفقر والبطالة ويعيشون فى ظروف لا تليق بالآدميين.. الإضرابات والاعتصامات تتصاعد كل يوم حتى يبدو الأمر وكأن فئات المجتمع كلها تعلن احتجاجها على ما يحدث..
السؤال: فى ظل هذا الغضب العام المتصاعد لماذا تأخر التغيير؟ الإجابة أن ما ينقص المصريين هو أن يدركوا، مثل جلال أمين، أن الحقوق لا توهب وانما تنتزع وانه فى لحظة ما، يجب على المظلوم أن يعقد العزم على انتزاع حقه مهما بذل من تضحيات. أنا لا أدعو إلى العنف لكنى أدعو إلى الضغط بكل الطرق السلمية من أجل انتزاع حقوق المصريين المهدرة. إن مصر الآن فى لحظة تحول حقيقية وهى مؤهلة للتغيير أكثر من أى وقت مضى.. ولقد أحس المصريون بأمل كبير عندما ظهر الدكتور محمد البرادعى وأعلن انضمامه إلى العمل الوطنى من أجل تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
لقد التقيت الدكتور البرادعى شخصيا فازدت إعجابا به. لمست عن قرب تواضع البرادعى وإخلاصه وتفكيره المتزن وإحساسه العميق بمعاناة المصريين.. إن ما يهم الدكتور البرادعى ليس الترشح لرئاسة الجمهورية، فهو كشخص أبعد ما يكون عن حب السلطة وهو فى وضع مهنى واجتماعى يجعله فى غنى عن ذلك.. كما أن ترشح البرادعى أو سواه لرئاسة الجمهورية فى ظل الدستور المعيب الحالى الذى يحصر المنصب بين الرئيس وأولاده، سيجعل من أى مرشح بمثابة كومبارس تافه فى مسرحية التوريث البائسة.. وهو أمر مشين لا يمكن للدكتور البرادعى أو لأى شخص يحترم نفسه أن يقبل به. إن قضية البرادعى الوحيدة هى الإصلاح وأمله أن يرى بلاده فى المكانة التى تستحقها.. ولقد أعلن منذ أيام عن إنشاء الجمعية الوطنية للتغيير ودعا المصريين جميعا للانضمام إليها. أهداف هذه الجمعية: إلغاء قانون الطوارئ وإجراء انتخابات نظيفة محترمة تحت إشراف قضائى كامل ومراقبة دولية. تعديل الدستور بشكل يتيح فرصة متكافئة وعادلة للتنافس على منصب الرئاسة..
إن الفكر الذى يدعو إليه البرادعى يعتبر الإصلاح الديمقراطى هو الطريق الوحيد للإصلاح الاقتصادى وتحقيق العدالة الاجتماعية. المفرح حقا أن شعبية الدكتور البرادعى تتزايد يوميا بطريقة غير مسبوقة. عشرات الآلاف من المصريين أعلنوا تأييدهم للبرادعى وثقتهم الكاملة فيه، وسوف تستمر حملة التوقيعات حتى تصل إلى مليون مصرى. عندئذ يجب أن ننتقل إلى مرحلة المواجهة. لم تعد هناك فائدة ولا جدوى من توسل حقوقنا عن طريق مناشدة النظام لأنه لن يستجيب ولكن.. لو أن مليون مواطن مصرى نزلوا متظاهرين فى الشوارع أو أعلنوا الإضراب العام. لو حدث ذلك، ولو مرة واحدة، فإن النظام سينصاع فورا لمطالب الشعب. إن التغيير بقدر ما هو ممكن وقريب إلا أن له ثمنا يجب أن ندفعه. لن ننتصر فى معركة التغيير إلا إذا عقدنا العزم على استرداد حقوقنا مهما تكن التضحيات.. هذه الطريقة الوحيدة لإخراج باتيستا.
الديمقراطية هى الحل.
علاء الأسواني