عُقدة المرأة عند العسكر

سعد الدين ابراهيم في السبت ٣١ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

اختارت مجلة «تايم» العالمية شخصية «المُحتج» العربى لتكون شخصية عام ٢٠١١. ولم تُسم المجلة العتيدة هذا المُحتج تحديداً، لأنه كان يمكن أن يكون المصرى خالد سعيد، الذى مات أثناء تعذيب رجال البوليس المصرى له فى الإسكندرية، أو التونسى محمد بوعزيزى، الذى أحرق نفسه فى مكان عام احتجاجاً على مُلاحقة أحد أفراد الشرطة التونسية له لدفع إتاوة يومية، وهو البائع المُتجول، الذى كان قد تخرّج فى الجامعة، ولم يجد عملاً آخر فى ظل نظام المُستبد الفاسد زين العابدين بن على، وفجّرت الواقعة ثورة شعبية عارمة، لم تهدأ إلا باستقالة الرئيس التونسى من منصبه بعد ٢٣ عاماً.

وفى غضون ثلاثة أسابيع من تلك الثورة انفجرت الثورة المصرية، التى اقتلعت مُستبداً عربياً آخر هو حسنى مُبارك، بعد حُكم استمر ثلاثين عاماً. ثم لحقت البحرين، واليمن، وليبيا، وسوريا، بكل من تونس ومصر. وقتل الثوار الليبيون مُستبدهم، مُعمر القذافى، الذى كان قد جثم على صدورهم اثنين وأربعين عاماً (١٩٦٩/٢٠١١)، ولكن بعد أن أغرق بلاده فى بحر من دماء حرب أهلية، دامت عدة شهور، وراح ضحيتها ما يقرب من خمسين ألف ليبى. وهو المُسلسل الذى تكرر فى اليمن، قبل أن يرحل مُستبدها، على عبدالله صالح، الذى جثم على صدر شعبه ٣٣ عاماً، ويتكرر فى سوريا التى ما زالت حربها الأهلية مُشتعلة عند كتابة هذه السطور فى أواخر عام ٢٠١١. ونحن لا يُخالجنا شك فى أن نهاية آل الأسد ستكون مُشابهة لنهاية القذافى، مهما استمر عناد بشّار، وأشقائه، وأخوالهم من آل مخلوف، ومن طائفة العلويين التى ينتمون إليها.

لقد أبلت بنات وأبناء الشعوب العربية بلاء حسناً فى كل الثورات العربية الست، التى أبهرت العالم، فأطلق عليها مُجتمعة تعبير «الربيع العربى للديمقراطية».

ونتوقف هنا عند دور المرأة العربية تحديداً. فمنذ اليوم الأول لكل من هذه الثورات، كانت النساء العربيات جنباً إلى جنب مع الرجال. وسقط منهن شهيدات مثلما سقط من الرجال. ويُحاول الرجال، خاصة من التيار الإسلامى، أن يهضموا حق النساء، ويُعيدوهن إلى الاختباء وراء «الحجاب». وحين رفضت بعضهن، وتمردن، وجد غُلاة الإسلاميين لهم حُلفاء مُخلصين بين رجال المؤسسة العسكرية. فمن هذه المؤسسة رجال شُرفاء يفخر بهم شعب مصر كُله، ولكن منهم أيضاً من لا يزالون يحملون أفكاراً مُتخلفة، عموماً، وعن المرأة خصوصاً.

أما ثالثة الأثافى، فهى غسيل المُخ لبعض «الأخوات المُسلمات» على أيدى العقيدة التى تلقينها فى صفوف «الجماعة». فقد أوردت صحيفة «المصرى اليوم» (الجُمعة ٢٣/١٢/٢٠١١) تصريحات لبعض الأخوات يُبررن فيها تقاعسهن عن المُشاركة فى مليونية «حرائر مصر» احتجاجاً على ما تعرضت له إحداهن من تمزيق ملابسها ومُحاولة كشف عوراتها، عقاباً لها على التظاهر احتجاجاً على «حُكم العسكر»، حيث جاء فى تلك التصريحات أن تلك المرأة الضحية «ليست مِنا!» إذ كيف تكون منهن وهى ترتدى ملابس عصرية، وغطاء صدر داخلياً أزرق. فيا للتفاهة، وعار عليهن.

وخلال القرن التاسع عشر، استمرت معارك المرأة من أجل المُساواة الكاملة، ليس فقط فى التعليم، ولكن أيضاً فى بقية الحقوق الاجتماعية والسياسية. وقد أنصفها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حيث أقرّ هذه الحقوق، وعيّن أول وزيرة فى تاريخ مصر، وهى الدكتورة حكمت أبوزيد، وزيرة للشؤون الاجتماعية. واستمرت المسيرة فى عهد الرئيسين السادات ومُبارك، فأصبح للمرأة حصة معلومة فى مقاعد المجالس المُنتخبة - المحلية والبرلمانية.

ولكن هذه المسيرة المظفرة للمرأة المصرية أصابها الانتكاس بعد الطفرة النفطية.

لقد كانت تلك الطفرة من طيبات حرب أكتوبر ١٩٧٣، التى خاضتها مصر وسوريا، ضد الاحتلال الإسرائيلى، وأدت إلى مُضاعفة إيرادات البُلدان المُنتجة للنفط أربعة أمثال خلال عام واحد. وهو ما أدى بدوره إلى تنفيذ مشروعات تنموية طموحة، استدعت استقدام ملايين العُمال والخُبراء المصريين.

وخلال العقود الأربعة التالية توجّه ما لا يقل عن ثلاثين مليون مصرى للعمل فى السعودية وبُلدان الخليج الأخرى، وتعرض من ذهب منهم إلى السعودية لعمليات الدعوة والتلقين الوهابية، فعادوا بأفكار ومُمارسات مُتشددة، يُطلق عليها «سلفية»، وهو اللفظ الأكثر قبولاً فى مصر من لفظ «الوهابية». فلهذه الأخيرة مع مصر تاريخ دموى طويل، يعود إلى عهد محمد على باشا، الذى أرسل أحد أبنائه، وهو طوسون، على رأس حملة لتأديب الحركة الوهابية، التى كانت قد تمردت على حُكم السُلطان العثمانى.

ومنذ ذلك التاريخ، والحركة الوهابية، التوأم لأسرة آل سعود، تسعى للانتقام، ووجدت ضالتها المنشودة فى تلك الملايين المصرية التى ذهبت إلى الجزيرة العربية وعادت مُحملة بالمُعتقدات والمُمارسات الوهابية المُتشددة، من إطلاق اللحى وإطالة الجلباب وتحجيب، ثم تنقيب النساء.

ولكن الأدهى من هذا وذاك هو ما أصاب المؤسسة العسكرية من ارتداد. لقد كانت تلك المؤسسة هى قاطرة «الحداثة» فى مصر، منذ عهد محمد على، الذى أرسل خيرة أبنائها لتلقى تعليمهم وتدريبهم فى إيطاليا وفرنسا والنمسا، قبل قرنين.. وكان ضمن برامج الحداثة هذه مدارس للبنات وتشغيل النساء فى المصانع التى استحدثها محمد على.

ولكن ها هى نفس المؤسسة تقع فريسة للتخلف الصحراوى الوافد، وتعامل حرائر مصر مُعاملة الجوارى والسبايا. فعار عليهم إلى يوم الدين.

وعلى الله قصد السبيل

اجمالي القراءات 10721