كراهية الثورة بالتصويت!

ابراهيم عيسى في الخميس ٢٩ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

عندما كنا نرفض الستة شهور التى كان يطلبها الرئيس السابق لاستكمال فترته الرئاسية، فلأننا كنا نعرف أن الثورة يمكن تخريبها بطريقة مبارك ونظامه خلال هذه الشهور الستة التى ستكون مسرحا لكل الحيل التى تسهم فى إجهاض مطالب المظاهرات، والحقيقة أن كل ما كان سيفعله مبارك فعله المجلس العسكرى فى الستة شهور نفسها من تخوين المعارضين واتهامات للقوى الثورية وطعن فى شباب الثورة وإطلاق مأجورى النظام فى الإعلام الحكومى والخاص ومستشارى الشؤون المعنوية فى نهش لحم الثورة وكذلك عبر إجراءات للتحايل والالتفاف والمراوغة وإفراغ الثورة من أى معنى للتغيير الجذرى الحقيقى، ثم اللعب بورقة الفوضى الأمنية ثم الفتن الطائفية، وكل هذه الأساليب التى ما كان مبارك يتورع عن استخدامها بكل عنف وقسوة خلال الستة شهور، وقد التزم بها المجلس العسكرى كأنها العقيدة، رغم إلحاحه -الذى لم يعد يصدقه أحد- أنه يحب الثورة ويؤيدها ويدعمها.

حتى الآن لا يزال لدىّ بصيص من أمل أن يكون ما فعله المجلس العسكرى ليس خطة مبارك، ولكن خطوات أملاها على المجلس فشلهم السياسى المريع، وما زلت أتصور أن هناك عددا محدودا بين جنرالات المجلس يرى فى الثورة حدثا عظيما لمصر، لكن الغالب الأعظم من جنرالات هذا المجلس ضد الثورة بالمعنى الحرفى للكلمة. المجلس العسكرى الذى لا يضم بالمناسبة تسعة عشر عضوا، بل أكثر من ذلك عددا، ولعله وصل إلى ضعف هذا العدد فعلا ولا أدرى من أين جاء رقم تسعتاشر الذى يردده أغلبنا حين الكلام عن عضوية المجلس، هذا المجلس -وهذه نقطة غاية فى الأهمية والمركزية وتوضح الكثير مما خفى أو أُخفِىَ- يتخذ قراراته بالأغلبية، بمعنى أنه يتم مناقشة الموضوع المطروح لاتخاذ قرار فيه، والمناقشة فى الأغلب طويلة ومجهدة، ثم يتم طرح التصويت على القرار، والذى تستقر عليه الأغلبية يتم تنفيذه، والمشير نفسه يمثل صوتا واحدا كأى عضو، ولم يحدث أن انقسم التصويت حتى يحسم صوت المشير كفة أى القرارين!

هذه الطريقة التى تبدو ديمقراطية تحمل وراءها روح الارتجال والرغبة فى إرضاء الجميع وليست التزاما بمعطيات ومقدمات ونتائج ودراسة كل الأبعاد، بل القصة كلها تحمل آثار المشاعر والأحاسيس لدى هؤلاء الجنرالات الذين هم كبار السن وأبناء نظام مبارك ومحافظون تقليديون وعدائيون للتغيير ومعظمهم واقع تماما تحت دعاية الحزب الوطنى المنحل وإعلام الحكومة الذى صب معلوماته فى عقولهم سنين طويلة، وهو ما يفسر العداء الغريب لشباب الثورة وللدكتور محمد البرادعى وللمنظمات الحقوقية، وهو ما يشرح أيضا لماذا كل ما يفعله جنرالات مبارك هو ما كان يفعله حرفيا حسنى مبارك باستثناء توريث الحكم، وكأن عيب مبارك فقط من وجهة نظرهم كان تأثره بزوجته وابنه وليس سياساته وقراراته ومواقفه!

لهذا يبدو أن الموافقة على استمرار المجلس العسكرى حتى يونيو القادم محفوفة بكل المخاطر التى تهدد عملية الانتقال السلمى للسلطة، لأنه:

أولا بات واضحا أن ولاء العسكرى ليس للثورة، مع احترامى لكل الجنرالات الأفاضل والمحترمين حقيقة الذين يتصورون أنهم ينفذون مطالب الثورة، وهم أشبه بالأخسرين أعمالا الذين يجهضون الثورة ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.

ثانيا لأن كل القوى المضادة للثورة فى منتهى النشاط والفاعلية لضربها.

ثالثا أن المدهش أن كل من كان يؤيد الإبقاء على مبارك ستة شهور هم أنفسهم من يؤيد الإبقاء على «العسكرى» ستة شهور، سواء من منافقى النظام السابق أو من الأحزاب والتيارات السياسية الأليفة المتربية فى حضن النظام أو هذه الشخصيات العامة التى قفز بعضها ليترشح للرئاسة ليمنح لنفسه دورا فى زحام البلد السياسى، وهو ما يعطى دليلا جازما على أن من أراد منكم وضع المسمار الأخير فى نعش ثورة يناير فليؤيد «العسكرى» حتى يونيو.

رابعا لأن المجلس العسكرى لا يتوقف عن الفشل الذى أرهق البلاد ويتخذ قرارات مذهلة فى عوارها السياسى، ثم لأن عقيدته هى الثبات والجمود والإنكار وعدم الاعتراف بالخطأ فإنه يصمم على فشله، والأدهى أنه يسميه نجاحا، فما الذى يضمن أن البلد لن تشهد مصائب أخرى وبلاوى أكثر ومصادمات نتيجة ما سيفعله فشل «العسكرى» فينا خصوصا أنه بدأ بمنتهى الركاكة فى التحذير من مؤامرات ومشاريع وخطط لإحراق مصر وتقسيمها أيضا وبالمرة فى ذكرى الثورة؟ وهل هناك عاقل رشيد يصدق هذا البله الاستراتيجى الذى أتحفنا به مصدر محسوب على «العسكرى» للوكالة الرسمية، كأنه بالفعل نفس عبث نظام مبارك وغثه؟

طبعا تسمع وتقرأ خزعبلات من نوعية: وماذا نفعل عندما يعود الجيش إلى ثكناته؟ وماذا نفعل من غير المجلس العسكرى؟ وأن عودة الجيش إلى معسكراته الآن دعوة إلى هدم الدولة… كل هذا الهراء الفارغ الفاحش فى جهله الذى يصدقه كثير من المصريين الطيبين بينما بجانبنا بلد اسمه تونس عاد الجيش فيه إلى ثكناته منذ اليوم الأول، لهذا نجحت الثورة ونجحت البلد فلم يدخل فى الارتجال والعشوائية والفوضى والجهل ولعب العيال وعجز العواجيز ونخربة كارهى الثورة ونزلاء العباسية!

فإذا ببعض الجنرالات عندما يسمعون هذه الحجة يردون بكل بساطة: إن مصر ليست تونس!

ألم أقل لكم إنهم توأم مبارك؟

اجمالي القراءات 9706