المغالطة التي أكّد عبرها الفقهاء مسألة جهل الرسول الكريم القراءة و الكتابة هي تفسيرهم لقوله تعالى : ]وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت 48 ، خارج النّص القرآني ، فالآية لا تنكر أن الرسول كان يعلم [ القراءة ] في قوله : ]وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ [، فالمقصود من مفردة : ]تَتْلُواْ[ليس [ تقرأ ] بل [ تتّبع ] ، و منها قوله تعالى : ]أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [البقرة 44 ، و في قوله تعالى : ]وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [، المعنى هنا يؤكّد كون الرسول يعرف [ الكتابة ] كون الهاء في قوله : ]تَخُطُّهُ [على الكتاب عائدةً على الرسول ، كما أن الإتّهام الذي يقول به المشركون كونه خطّ القرآن بيديه و ينفيه القرآن هنا ، سيكون دونما معنى و لا طائل من إنكاره أصلاً إذا كان الرسول حقيقةً لا يعرف الكتابة ، فالمشركون يقولون أن الرسول كتب القرآن [ بيمينه ] ، و اليمين في النّص القرآني تأتي بمعنى الإرداة المستقلّة لصاحبها : ]وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى [طه 17 ، ]وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة 159 ، فيكون السياق المقصود من الآية داخل التراكم المعرفي عبر النّص نفسه ، (1) أن القرآن ليس نسخاً من الكتب الأخرى و تقليداً لها لأن الرسول لم يكن كتابيّاً إ إذ أنّه : ]أُمِّيَّ [، و على جانبٍ آخر (2)ليس نصّاً من تأليف الرسول يخطّه بيديه دونما مصدرّ آخر أو مرجعيّةٍ يرتكز إليها ، و لهذا السبب ]لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [، وهم من لديهم معرفةٌ و علمٌ بالكتاب ، غير مؤمنين به : ]وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ [غافر78 ، ]أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف 173 :
[ الآية ] |
[ المعنى ] |
|
]وَمَا كُنتَ [ |
يا محّمّد رسول الله ما كنت . |
|
]تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ [ |
تتّبع الإنجيل أو التوراة و تسير على نهجها . |
|
]وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [ |
و لست تكتب القرآن بيديك من تلقاء نفسك دونما مصدرٍ آخر . |
|
]إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [ |
و هذا يثير الريبة لدى من لديهم علمٌ بالكتاب و اتّبعوا الباطل . |
|
دائماً [ السياق ] يحمل دلالة الكلمة و معنى النّص الذي يختفي خلف هذا السياق ، ففي قوله تعالى مثلاً : ]أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية 17 ، انطلق جلّ المفسّرون في المسير نحو الحديث عن كون الآية تتحدّث عن خلق [ الإبل / النوق أو الجمال ] ، وفق قراءةٍ للمعنى المعجمي للكلمة لا غير ، دون إدخال الكلمة في السياق الذي يوصل الى معاني أخرى ، فالآية تتحدّث عن خلق الله لمنظومةٍ كونيّةٍ متّصلةٍ ، السماء ، الجبال و الأرض : ]وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية 18- 20 ، و نلاحظ أن السياق فقد معناه و تسلسل الحديث غير متّصل بالقفز في الحديث عن [ الإبل/الجمال ] تم [ السماوات ] و العودة الى [ الأرض ] و [ الجبال ] ، لنكتشف أن المقصود بالإبل هنا هو ما يوجد في السماوات ، لا ما يسير على الأرض ، وهي [ السحب ] و السحب المحمّلة بالمياه تسمّى [ إبلاً ] ، بحيث تكون [ السحب/السماوات ] وحدة متّصلة بسياق يحوي وحدّة متّصلةً أخرى [ الأرض/الجبال ]، و في صورةٍ أخرى يأتي سياق ذكر [ الحديد ] في قوله تعالى : ]قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً [الإسراء 50 ، و الذي ذهب المفسرّون الى تفسير التحدّي الإلهي للكفار من يتحدّون [ البعث ] و ينكرونه: ]وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً [الإسراء 49 ، كون المعنى هو : [ ... كونوا شديدي القوة و الصلابة كالحجر و الحديد ] ، يبقى تفسيراً فارغاً لا معنى له ، كمن يفسّر الماء بالماء ، السؤال الحقيقي هو ما السر في ذكر [ الحجارة ] تليها [ الحديد ] في آيةٍ واحدةٍ تتضمّن [ التحدّي ] في تحوّل البشر الى ما استطاعوا من الأشياء ، فإن الله معيدٌ خلقهم : ]فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الإسراء 51 ، فهل المقصود هو التشبيه بالشدّة و القسوة الكامنة في مادة الحجر و الحديد ، أم أن القصد أكبر من هذا التحدّي ؟ .
الإجابة ترد في النّص ، فالثنائيّة الواردة بين قطبين اثنين أحدهما [ الحجارة ] و هو من أكثر عناصر [ الأرض ] و مكوّناتها انتشاراً ، محتوياً كل المعادن الممكنة في الأرض ، و القطب الآخر [ الحديد] بسبب كون الأخير ليس عنصراً يشترك وبقية المعادن في أصلالمنشأ الأرضي : ]وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَفِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد 25 ، الحديد هو معدنٌ يتأثر بالأكسدة كعنصرٍ فلزّي يصعب وجوده في حالة نقاءٍ كيميائيٍ ، كونه غريباً على كوكب الأرض ، و التحدّي في الآية في سورة الإسراء يأتي بمعنى : [ ... كونوا ما استطعتم من مكوّنات الأرض أو مكوّنات الفضاء خارج الأرض ، فإنّكم لمبعوثون ] ، و في قوله تعالى :]فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر 2 ، و الذي نفهم منه أن الله ربط بين الصلاة و النحر ، لجأ المفسّرون كعادتهم في تفسيرٍ شبيه بأحجيةٍ للكلمات التقاطعة ، تلك التي لا رابط بين كلماتها سوى التشابه من الخارج ، لجأ الفقهاء مسرعين نحو الاستعجال في وضع المعاني غير المرتبطة ، و التفسيرات العشوائيّة ، و قالوا أن المقصود من النحر هو [ الذبيحة ] لعيد النحر ، رغم إصرارهم و القول بأن ذبيحة العيد ليست فرضاً بل هي سنّةٌ غير ملزمة عن الرسول الكريم ، و هو ما يناقض تفسير الآية بالأساس ، و حصر التفسير بأمر [ النحر ] بالنحر الوارد في فريضة [ الحج ] لا غير ينافي عموم الحديث في سورة الكوثر، لكنّهم تجاهلوا نصف الآية الآول فالقول بأن المقصد هو الذبيحة ، قولٌ بوجوب الذبح في كل مرّةٍ يصلّي فيها الإنسان ، و هو ما ينفيه المنطق و السورة التي تتكوّن فقط من ثلاث آيات في خطابٍ خاصٍ عام في آنٍ واحدٍ ، بل أن [ فاء ] التعقيب التي وصلت بين [ الكوثر ] و [ صلّ ] ، تضعنا أمام معاني أخرى ضمن سياقٍ عامٍ للآية خارج الفهم المُعجمي لكلماتها ، فالكوثر هو كثير الكثير ، و الله أعطى الرسول الكريم [ القرآن ] لا غير ، و الذي هو : ]قُرْآنٌ كَرِيمٌ [الواقعة77 ، حيث ترد بصيغة الماضي ]أَعْطَيْنَاكَ [، و الصلاة لا تكون إلا بالقرآن : ]فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمّل 20، و في سورة المزّمل تحديداً نقرأ السياق العام بتفاصيله التي يمكن ربطها بسورة الكوثر ، فالأمر [ انحر ] يقصد به نحر الليل أي : [ إتمامه إلى آخره ] ، حيث رُبط النحر بالصلاة : ]إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ [المزمّل 20، لنصل إلى سياق متّسق بالتصاعد في التعبير نحو غاية الوصول الى فاعليّة النّص عبر تجميع معانيه للوصول الى فكرةٍ واحدةٍ متّحدة الأطراف ، غير مشتّتةٍ في تفسيراتٍ لا ورائيّةٍ تعزل النص و حديثه الموجّه الى الناس عن واقع الناس :
|
الآية |
[تفسير ميسّر ] |
[تفسير دلالة ] |
]إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [ |
إنا أعطيناك أيها النبي الخير الكثير في الدنيا والآخرة , ومن ذلك نهر الكوثر في الجنة. |
إنّا اعطيناك القرآن يا أيّها النبي [خاص]/ الإنسان [عام]، القرآن الكريم ، كثير الكثير لا ينضب . |
|
]فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [ |
فأخلص لربك صلاتك كلها , واذبح ذبيحتك له وعلى اسمه وحده. |
[ الفاء ] تفيد تعقيب الصلاة على الكوثر ، بعقد الصلة بالصلاة و التدبّر و [ نحر ] الليل الى آخره . |
|
]إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ |
إن مبغضك ومبغض ما جئت به من الهدى , هو المنقطع أثره , المقطوع من كل خير . |
من يقول بأن منهجك [ القرآن ] ناقص ، هو الذي ينقصه المنهاج و السبيل السوي . |
و الكوثر عند [ الشيعة ] هي فاطمة الزهراء ، و هذه قراءةٌ اخرى ، إذ أن إخراج الكلمة من سياقها داخل النّص لا يتمّ إلا لخدمة فكرة مسبقة ، أو للوصول لنتائج جاهزةٍ تخدم أيديولوجيا سياسيّة ، أو نظرةً لاهوتيّةً و منها تحوير معنى مفردة [ نظر ] و سياقاتها المختلفة خارج السياق القرآني للوصول الى نتائج تم قولبة أحاديث منسوبة للرسول كي تتلائم و هذا الفهم المقلوب ، ففي قوله تعالى : ]وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة 22 - 23 ، اتّجه المفسرون في مذهب السنّة بالقول بأن الآية تتحدث عن [ رؤيا ] الله في الجنّة داعمين تأويلهم هذا بحديثٍ تم [ اختلاقه ] بل و تم تشويه صورة الله فيه ، الله الذي ]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى 11 ، يقول [ ابن حنبل ] في مسنده ان الرسول الكريم قال : [ ... رأيت ربّي تبارك و تعالى ] ، و يقول [ البخاري ] في باب الصراط جسر جهنم عبر حديثٍ يؤكد التفسيرالقائل بحقيقة رؤيا الله يوم القيامة و التي يستند عليها التأويل المقتطف للآية المشار إليها في سورة القيامة : [... قال الناس : يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ ، فقال : هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب ، قالوا : لا يا رسول الله ، قال : هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ، قالوا : لا يا رسول الله ، قال : فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك ، يجمع الله الناس ، فيقول : من كان يعبد شيئاً فليتَّبعه ، فيتبع من كان يعبد الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر ، ويتَّبع من كان يعبد الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا أتانا ربنا عرفناه ، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا فيتبعونه ، و يضرب جسر جهنم ... ] ، و هذا الحديث مردودٌ عليه رغم أنف صحّة السند و نجاته من مقصلة الجرح و التعديل الوهميّة من عدمه ، فالقول بأن الله سيأتي بصورةٍ [ لا نعلمها ] و أخرى [ نعلمها ] هو لغط و تدليسٌ ظاهر ، فالله : ]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [، أمّا قوله تعالى : ]وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة 22 – 23، فإن النّص القرآني هنا يفسّر نفسه بنفسه على طريقين إثنين كما يقول المعتزلة ، الأول سياق ذكر كلمة [ نظر ] و تصريفاتها المختلفة داخل النّص نفسه بمعنى [ منتظر ] : ]وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ [النمل 35 ، ]قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ [الأعراف 15 ، ]فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ [الشعراء 203 ، ]فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ [الدخان 29 ، و الطريق الثاني يأتي في سياق سورة القيامة نفسها ، حيث تستمر في تقابلٍ لتشبيهٍ مناظرٍ آخر في الآيتن التاليتين مباشرة : ]وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ، تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ [القيامة 24- 25 :
[ النّص ] |
[المعنى ] |
[ النّص ] |
[ النظير ] |
]وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ [ |
مستبشرة |
]وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ [ |
متشائمة |
]إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [ |
تتظر خيراً |
]تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ [ |
تتوقّع سوأً |