للكاتب يوسف إدريس قصة عبقرية بعنوان «أكان لابد يا لى لى أن تضيئى النور؟!»، وفيها لا يستطيع المؤذن كبت نداء الرغبة وهو يرى من مرصده العالى جسد لى لى المثير والنور يفضحه ويجسده. القصة صراع ينتصر فيه نداء الجسد فى النهاية على كل عوامل الكبت والترويض، ليخرج الشيخ متسائلاً فى النهاية بندم: «أكان لابد يا لى لى أن تضيئى النور؟»!!
تذكرت هذه القصة وأنا أشاهد فيديو الفتاة التى سحلت إلى أن تعرت، ثم وأنا أشاهد ردود الفعل التى شرّحت ملابسها من طريقة ارتداء العباءة حتى لون «الأندروير»!، حتى وصلنا إلى مليونية الحرائر التى عرفنا فيها فقط أن النساء فى مصر ينتهكن ويسحلن وأنهن مازلن يعاملن كالجوارى، وتساءلت «أكان لابد يا لى لى أن تتعرى أو بالأصح تتعرى حتى نشعر بالعار؟»!!، أكان لابد أن تتعرى حتى نعرف أن المرأة فى مصر يمارس ضدها العنف ويمسح بكرامتها البلاط تارة باسم الاستقرار الاجتماعى وتارة باسم الصيانة الدينية، مرة بحجة استقرار المجتمع وحمايته من الهياج والشهوات ونزوات الشيطان الذى يتجسد فى مشيتها ونظرتها ولفتتها وهمستها، ومرات بحجة أن يعمل الذكور فى هدوء ويركزوا فى أعمالهم، وتجلس هى فى البيت حتى تقضى على طابور البطالة الذكورى.
المجتمع الذى لا يتحرك إلا عندما يشاهد ويلمس بتلك الفجاجة التى شاهدناها فى مشهد تعرية فتاة قصر العينى مجتمع مزيف العقل ومغيب الوعى، فالمفروض أن يلمس ويشاهد انتهاك حقوق المرأة منذ زمن بعيد، ولا ينتظر أن يتجسد أمامه المشهد بكل تفاصيله المقززة، فليس ضرورياً أن تنتظر الحريق ليلتهم بيتك وأنت تعرف جيداً أنه مبنى من الخشب وأن البنزين يحيط به من كل جانب وأن أعقاب السجائر تلقى بجانبه من عابرى السبيل!!
ألم نسمع ليل نهار عمن يغسلون أدمغة النساء بأنهن الجوهرة المصونة والدرة المكنونة وهم ينادون بذبحها فى الختان الذى يطلقون عليه طهارة، ويجلسونها فى قاع النار، لأنها ناقصة عقل ودين وهى شيطان فى الإقبال والإدبار، وعندما تتعطر فهى زانية وعندما تتكلم فصوتها عورة وعندما تتحرك فهى كالكلب الأسود تقطع الصلاة، وعندما ترشح فهى مجرد وردة على اللافتة!!، ألابد أن ننتظر تعرية فتاة قصر العينى حتى نعرف أن القانون يعريها وينتهكها ويحرمها من حقوقها الأساسية، ألم نصمت عن حرمان بعضهن فى الريف من الميراث لمجرد أنهن ستات وولايا!
لماذا لم نخرج فى مظاهرات من أجل من يباع لحمهن أطفالاً إلى رجال الخليج فى إجازات الصيف بحفنة ريالات لتصبح خادمة فى الصباح وأداة متعة للكهل وأبنائه وأحفاده فى المساء!!، أكان لابد أن تتعرى الفتاة، صاحبة العباءة المشؤومة، حتى نعرف أن المرأة تنتهك آدميتها فى المواصلات وفى الفضائيات وفى البيوت والحضانات والوظائف المحجوزة مقدماً للشنبات!،
تعرية الفتاة نقطة فى آخر سطر طويل كله بذاءات وانتهاكات ضد المرأة.