يتداخل السعى البشرى فى القضاء والقدر ( الحتميات ) ، بحيث يصبح السعى بالخير أو بالشر من العوامل المسببة لحدوث الحتميات . وهذا موضوع سنتعرض له بالتفصيل فى موضوع القضاء والقدر ، ولكن نشير سريعا الى الآتى :
هناك قواعد عامة الاهية فى حدوث حتميات المصائب ، مثل حدوثها عقابا الاهيا فى الدنيا ، وهناك قواعد الاهية فى حدوث حتميات الخير مثل الوعد الالهى لمن يفعل كذا أن يجزيه الله جل وعلا فى الدنيا بكذا .
والفيصل هنا أننا لا نعلم الغيب ، وأن الغيب كله لله جل وعلا ، وأن علم الله جل وعلا بالغيب لا يؤثر فينا ، ولكن حجب الغيب علينا يجعلنا نتصرف بمشيئتنا البشرية فى السعى بالخير أو بالشر .
وبمراجعة قصة موسى ( خصوصا فى بدايتها فى سورة طه ) وبمراجعة قصة موسى مع العبد الصالح وبمراجعة سورة يوسف كلها يتضح ذلك التداخل بين العمل البشرى و القدر الالهى المسبق . ومع ذلك تبقى مسئولية الانسان على سعيه لأنه هو الذى شاء واختار بمحض ارادته ، فالقاتل سيقتل الضحية فى نفس المكان المحدد وفى نفس الوقت المحدد لموته ، ومع ذلك فهو مرتكب للجريمة باختياره ويعاقب على هذه المشيئة اساسا . وهذا أيضا مما يؤكد قفل كتاب العمل بالموت لأن الارادة والمشيئة اساس فى العمل بدليل تماثل العمل واختلاف المثوبة ، فالقتل عمل واحد ولكن هناك من يقتل قصاصا بالعدل وهناك من يقتل ظالما وهناك من يقتل فى سبيل الله جل وعلا فى القتال الدفاعى فى الاسلام. وفى كل الاحوال فالقتل لا يحرم القتيل من حياة ممتدة كانت له بل هو نهاية لحياة تم تحديد نهايتها سلفا.
ويدخل فى ذلك التداوى .ومنه الفحوصات الطبية المسبقة.
ليس بالضرورة ان ينجح التداوى فى الشفاء ، فالذى يشفى هو الله جل وعلا ( وإذا مرضت فهو يشفين ) ، فالشفاء بقدر الله جل وعلا كما أن المرض بقدره جل وعلا. والسعى البشرى بالعلاج مطلوب ـ كأحد الوسائل والأسباب ، ومنها الدعاء وتقديم الصدقات . ولكن هذا السعى المطلوب كما قلنا يرتبط مفعوله بتقدير رب العزة .