التجنيد الالزامى حرام شرعا فى الدولة الاسلامية

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٥ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة

فى باب الفتاوى فى موقعنا (أهل القرآن ) ( فاسألوا أهل الذكر ) ورد سؤال يتلمس إجابة عن موقف ذلك الجندى فى الأمن المركزى الذى إنشقّ وخلع بزته العسكرية وانضم للمتظاهرين رافضا الهجوم عليهم كما يفعل زملاؤه.ويسأل المستفتى عن حكم الخدمة العسكرية الالزامية فى الاسلام ؟ وهل إذا رفضها المسلم الملتزم يكون آثما أم لا .وقد أجبت على هذا السؤال فى مشروع (اصلاح التعليم المصرى ) الذى كان قد قدمه مركز ابن خلدون فى عامى 1998 : 1999 ، سابقا الجميع فى التنبيه على خطورة التأثير الوهابى فى مناهج التعليم . وجاء فى سياق ملامح الدولة الاسلامية أنه لا مجال فيها للتجنيد الاجبارى ، ومع الاستدلال بالقرآن إلا أن الحملة الصحفية الحكومية على المشروع أعمت الاعلام الحكومى والوهابى معا عن قراءة ما كتبناه مكتفين بالهجوم بالعناوين ، فجاء فى أحد الصحف اتهام لى بأننى أقول أن التجنيد حرام فى الاسلام . والآن وبعد مرور 12 عاما أؤكد أن التجنيد الالزامى حرام فى شريعة الاسلام . واليكم الدليل .

أولا : لا إلزام للفرد بالجهاد ،بل هو تطوع فى سبيل الله جل وعلا :

1 ـ مجال الالزام فى تشريع الاسلام هو فقط  فى حقوق البشر فى النفس والمال والعرض ، أى العقوبات التى تحفظ حقوق الناس وحقوق المجتمع البشرى . ولا مجال للالزام فى شرع الله جل وعلا فيما يخص حقوق الله جل وعلا، فى العقيدة وفى العبادات من صلاة وصيام وصدقات وحج وتسبيح وذكر لله جل وعلا وجهاد فى سبيله . كل هذا  يخصّ حق الله جل وعلا ، وهو جل وعلا وحده الذى سيحاسب الناس على عقائدهم وعباداتهم ، ولم يعط رب العزة أحدا من البشر توكيلا عنه لكى يحاسب الناس على عقائدهم وعباداتهم . والتفاصيل فى بحثنا المنشور عن حرية الرأى والفكر والعقيدة فى تشريع الاسلام ، وفى كتابنا الذى ينفى حد الردة. والقاعدة التشريعية هى قوله جل وعلا :( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ( البقرة 256 )، أى لا إكراه ولا إلزام فى كل ما يخص الدين من عقائد وعبادات ، والجهاد (فى سبيل الله) ضمن حقوق الله جل وعلا،ولا يوجد إلزام فى فريضة الجهاد ، بل هو تطوع ينال به المؤمن رضوان الله جل وعلا .

2 ـ وكان الصحابة قسمين فيما يخص التطوع فى القتال الدفاعى ، منهم المؤمنون المخلصون ومنهم المنافقون الرافضون للقتال الدفاعى المثبطون للمجاهدين ، وهو ما تجلى فى حديث رب العزة عن بعض المواقع العسكرية . ففى موقعة الأحزاب حين حاصر الأحزاب من جيوش الكافرين المدينة مدح رب العزة رسوله الذى كان قدوة حسنة، كما مدح المؤمنين المخلصين ، يقول رب العزة عنهم:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ) .بينما توالت الآيات عن المنافقين وذعرهم وهلعهم (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا )( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ). ومع ذلك فلم يتخذ النبى القائد ضدهم إجراءا ، لأن الحكم فى شأنهم لله جل وعلا،وليس للنبى محمد نفسه عليه السلام . ولأنهم وقتها كانت لا تزال أمامهم فرصة للتوبة فقد قال جل وعلا يعطيهم فرصة أخرى : (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا )( الأحزاب 12 ـ ، 18 ـ ، 21 ـ ). فالجزاء الطيب هو للصادقين المخلصين، أما المنافقون ـ وقتها ـ فأمامهم فرصة التوبة أو الاستمرار فى العصيان حتى الموت بما يعنى دخولهم النار .

3 ـ إختلف الحال بعدها ببضع سنوات، إذ كانت موقعة ذات العسرة الى اضطر فيها النبى للقتال الدفاعى الوقائى بالخروج للصحراء صيفا ليواجه المعتدين. ونزلت آيات سورة التوبة تشجب موقف المنافقين وتعلن أن مصيرهم الى النار،فقد تمسكوا بالعصيان الى نهاية المدى،     والى أن صدأت قلوبهم وران عليها ما كانوا يكسبون ، ولم يعد فيهم أمل فقد طبع الشيطان على قوبهم وزين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا . يقول جل وعلا عن رفض المنافقين للجهاد :( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ)، ولم يأت الرد من النبى باعتقالهم وعقابهم بل مجرد تبشيرهم بالنار ،فأمره رب العزة أن يقول لهم : ( قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ). كانت عقوبتهم هى الاستجابة لطلبهم ، فهم يكرهون الجهاد فى سبيل الله فكانت العقوبة هى حرمانهم مستقبلا من الاشتراك فى القتال حتى لو طلبوا ذلك ، فأمر رب العزة رسوله الكريم أن يرفض انضمامهم للجيش بعد ذلك: ( فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ)، ثم جاءت عقوبة إضافية بمنع الصلاة عليهم عند الموت فلم تعد فائدة فيهم ولم يعد هناك أمل فى هدايتهم :( وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ) (التوبة81 : 82 ).وفى المقابل فإن المؤمنين الصامدين مع النبى فى الجهاد والمحن جاءتهم البشرى فى النهاية بأن لهم الجنة : (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ( التوبة 88 ).

4 ـ لم يكن من سلطة النبى وهو القائد العسكرى والمدنى لهذه الدولة الاسلامية أن يعاقب من أعلن رفضه التجنيد ،بل قام بتثبيط المجاهدين ، بل قام بالسخرية ممن يتطوع بالمال من الفقراء . أكثر من هذا كان النبى بقلبه الكبير يستغفر لهم فمنعه رب العزة من الاستغفار لهم   فلا فائدة فيهم ، يقول جل وعلا (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )( التوبة 79 : 80 ). وأحسّ المنافقون بالخزى بعد رجوع الجيش منتصرا فاستقبلوه معتذرين بالحلف الكاذب ، فمنع الله جل وعلا التعرض لهم بسوء مكتفيا بسوء مصيرهم: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)(التوبة  94 : 96). المستفاد هنا أنه لا إلزام فى الاسلام فى تأدية فريضة الجهاد فى سبيل الله جل وعلا ، لأنه (فى سبيل الله ) أى حق من حقوق الله جل وعلا.

ثانيا : هل هناك إلزام للفرد فى سبيل الدفاع عن الوطن ( وليس فى سبيل الله جل وعلا ؟ )

1 ـ لم يكن إنتماء المنافقين الى الاسلام فرفضوا الجهاد فى سبيل الله جل وعلا. كان المفترض أن ينتموا الى وطنهم (يثرب ـ المدينة ) ومع ذلك أيضا رفضوا الدفاع عنها فى موقعة الأحزاب حين حوصرت المدينة من كل الاتجاهات،يقول جل وعلا : (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ )(الاحزاب 10 ) بل كانوا على استعداد للخضوع للاحزاب لو إحتلّ الأحزاب المدينة:(وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيرًا)( الأحزاب 14 ). وقبلها حين زحفت قريش بجيشها لتهاجم المدينة فى موقعة (أحد ) رفض المنافقون الدفاع عن وطنهم المدينة متعللين بأنهم لا يعرفون القتال:(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ )(آل عمران 167 ).( قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) أى فى سبيل العقيدة (أَوِ ادْفَعُواْ ) أى دافعوا عن الوطن ، أى إن القتال دفاعا عن الوطن هو جهاد فى سبيل الله طالما كان قتالا دفاعيا يواجه فيه الوطن هجوما باغيا من عدو ظالم . ولكن الالتباس هو فى مفهوم الوطن.

2 ـ. فالحاكم المستبد يستعبد شعبه باسم الوطن والوطنية ، وهو يستخدم جزءا من الشعب يجندهم جيشا للدفاع عن استبداده بحجة أنه (اى المستبد ) هو الوطن ، وأن من يناقشه فهو خائن للوطن ، ويستخدم جزءا آخر من الشعب ( الشرطة ) لارهاب وتعذيب أحرار الشعب.  وقد يشغل الشعب والجيش بمعارك حربية خارجية حتى لا يعلو صوت على صوت المعركة ، وحتى يتهم الأحرار بالتآمر على الوطن مع العدو الخارجى . وهى قصة مؤلمة تكررت مع عبد الناصر وصدام والقذافى . وكل ذلك حتى يحتفظ الفرد المستبد باحتكاره للسلطة والثروة . وقد درج العسكر فى مصر منذ استيلائهم على السلطة بانقلاب عام 1952 على استغلال قواتهم المسلحة ضد الشعب ، مع أنها من الشعب وينفق عليها الشعب . واستخدموا التجنيد الالزامى للشباب نوعا من استرقاق الشباب ،إذ يعاملون المجندين أسوأ معاملة، وبحجة الضبط والربط وإطاعة الأوامر يقومون بإذلال المجندين وتسخيرهم وتحقيرهم ، حتى صار معلوما مدى كراهية الجندى للضابط ،بل ربما يخرج من هذه التجربة كارها للوطن نفسه ،أو لنظام الحكم على أقل تقدير . ثم تكتمل الفاجعة بالأمن المركزى ، وهو تجنيد الشباب غير المتعلم ، والذى ننتظر من سواعده الفتية زراعة الأرض و بناء الوطن ، فإذا بهم بمئات الالوف يتم استرقاقهم ليكونوا آلة ضرب فى يد الشرطة ، تضرب بهم المتظاهرين ، وتهجم بهم على المواطنين فى بيوتهم فجرا لتعتقلهم ، وتعذّب بهم المواطنين الأحرار . جنود الأمن المركزى مجبرون على هذا وإلا فالتعذيب مصيرهم . أى أن العسكر يسترقون مئات الالوف من الشباب سنويا لارهاب وتعذيب وضرب أبناء وطنهم من المصريين لقاء دراهم معدودة،فإذا رفض المجندون تعرضوا للتنكيل والتعذيب . ولا ينسى العسكر غسيل مخ أولئك المجندين من الأمن المركزى و الشرطة العسكرية وغيرها،بإقناعهم أن ما يقومون به هو(خدمة وطنية ) و( واجب وطنى ). فالوطن هو السيد الحاكم المستبد ، وأعوانه . أما الشعب فهو رقيق ومستعبد . هذا ظلم محرم فى الاسلام ، وهو يتنافى مع قيام الدولة الاسلامية على أساس الديمقراطية المباشرة والتى تجعل الشعب هو الحاكم ، وتجعل (الحاكم ) خادما للشعب بأجر . وهذا ما أوضحناه فى أبحاث سابقة، تؤكد أن المستبد خائن لشعبه ويجب فرضا شرعيا أن يثور عليه شعبه . وبالتالى فإن من يساند الخائن الظالم فهو مثله ومعه .

ثالثا : حكم الجندى المجند

1 ـ بالنسبة للمجند فإن تجنيده الالزامى حرام من أصله ، لأنه لا إلزام فى الاسلام فى القتال فى سبيل الله أو فى سبيل الوطن ، بل هو تطوع، وفى وجود نظام حكم مستبد ظالم ـ فإنه يحرم على المسلم أن يساند الظلم ، فما بالك بمن يحمل السلاح دفاعا عنه. كما لا يجوز لأى شاب حرّ أن يرضى لنفسه بالاسترقاق تحت مسمى التجنيد، خصوصا وهو يعلم أنه لا يدافع عن الوطن أرضا وشعبا بل يدافع عن ظالم مستبد خائن للوطن وخائن للشعب . فإذا تم إكراهه على التجنيد فلن يستطيع النظام إكراهه على تعذيب وضرب الأبرياء ، فإذا أكرهوه فعليه أن يرفع سلاحه فى وجه الظالم قبل أن يوجهه الى شقيقه المصرى المظلوم فهو بذلك يمارس حقه فى الدفاع عن النفس ويمارس واجبه فى الدفاع عن الوطن وحماية المظلوم، وإن لم يستطع رفع السلاح دفاعا فعليه أن يتهرب من تلك (الخدمة ) وذلك الاسترقاق .  أما هذا الذى يستمتع بضرب المظلومين خدمة للظالم فهو حليف للظالم وعبد له ، يستوى فى ذلك إن كان جنديا فى الأمن المركزى أو أمين شرطة أو مخبرا فى البوليس أو قائدا أو ضابطا فى الجيش أو الأمن . عليهم جميعا لعنة الله جل وعلا والملائكة والناس أجمعين .

رابعا : التجنيد الطوعى فى الدولة الاسلامية

 1 ـ المعنى الاسلامى والحقيقى للوطن يشمل الأرض والانسان . الوطن (الأرض) له حدود جغرافية يعيش فيها الشعب تحت إدراة من أفراد وهيئات ونظام حكم يخدم أفراد الشعب ، وهم مختارون بالانتخاب من الشعب ، أو أصحاب خبرة أو تخصص فى الشأن أو الأمر ،أى (أولو الأمر) . الوطن (الحىّ ) هو السكان الذين يعيشون فوق الوطن الجغرافى . هذا الوطن ينقسم بالمساواة التامة على كل أفراد الوطن فردا فردا ، بغض النظر عن الدين والمذهب واللون والمستوى الاقتصادى و الاجتماعى والذكورة والأنوثة. فإذا كان عدد سكان الوطن مليون شخص فأن كل شخص من السكان هو واحد على مليون من الوطن . وبالتالى فإن وظيفة الجيش هى الدفاع عن هذا الوطن الحىّ وذاك الوطن الجغرافى ، ووظيفة الشرطة هى حماية أمن كل فرد من أفراد هذا الوطن ، ووظيفة (الحكم ) أو الادارة هى خدمة ذلك المواطن الفرد وتأمين كرامته ، والشعب من خلال ممثليه ـ فى الديمقراطية النيابية ـ أو من خلال جمعياته العمومية هو الذى يسيطر على مقاليد الأمور . ومن البداية فالنظام الحاكم يقوم على عقد بين الأفراد يعطى الأفراد بموجبه سلطة تسيير الأمور لأصحاب الشأن والاختصاص والتخصص فى خدمة المواطنين . ولهم حق اتخاذ القرارات فى مجالسهم ، وتصاغ هذه القرارات قوانين وتشريعات ، وهذه القوانين طالما تسير مع العدل وحرية المعتقد والرأى وحرية الدين وحقوق الانسان وكرامته وتيسر الأمور فهى تشريعات اسلامية .

2 ـ وبالنسبة لتنظيم موضوع التجنيد يمكن للشعب ممثلا فى مجالسه التشريعية ان يجعل التجنيد وظيفة إحترافية بأجر، ولها معاهدها المتخصصة، وتكون مفتوحة للجميع وفق تكافؤ الفرص. هنا يكون التشريع اسلاميا موافقا لشرع الله جل وعلا . أما أن يسنّ بعضهم قانونا يلزم التجنيد على الأفراد جميعا ـ فهذا ينافى تشريع الاسلام الذى لا إلزام فيه للمواطنين الأحرار إلا بالعدل والقسط، وليس من العدل أن تجبر إنسانا بريئا على فعل شىء لا يرضاه . وإذا كان رب العزة لم يفرض الجهاد والعبادات بل تركها ضمن حرية البشر ومشيئتهم فليس من حق بعض البشر أن يجبروا الآخرين على فعل شىء لا يريدونه تحت أى مبرر. كما لا يجوز صياغة قانون يوجب دفع فدية على من لا يريد التجنيد، فهذا يعنى ملكية الدولة  للفرد، إذ توجب عليه التجنيد أو أن يدفع مقابلا يحرر به من نفسه من قيد التجنيد.الدولة هى صناعة بشرية وأداة لخدمة الفرد والشعب ، وليست الاها متحكما فى الفرد والشعب . وبالتالى ليس من حق أى جهة أن تلزم الفرد بالتجنيد أو بدفع فدية أو بدلا نقديا عن التجنيد .

أخيرا  

أتمنى فى الاصلاح التشريعى المرتقب أن ينتهى ذلك الاسترقاق القائم فى مصر تحت مسمى التجنيد والخدمة العسكرية ، وأن يتحول الجيش المصرى الى جيش محترف من ضباط وجنود بالتطوع الحقيقى بأجر ومميزات تتناسب مع تضحيات المكلفين بحماية الوطن (الجغرافى ) والوطن ( الانسانى ). وأتمنى أن يتم التعامل بين الجندى و الضابط وبين رتب الضباط المختلفة على أساس الاحترام وكرامة الانسان ، وليس بتحكم الأعلى رتبة لمن هو دونه ، وخنوعه لمن هو أكبر منه. لم يعد هذا يليق . ولا ينتصر جيش يعيش أفراده بين التجبر والتكبر وبين الخضوع والخنوع.

اجمالي القراءات 41645