الرجم للزاني حكم توراتي تسلل إلى القرآن

سامر إسلامبولي في الإثنين ١٥ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الرجم للزاني حكم توراتي تسلل إلى القرآن

إن أول أمر ينبغي معرفته والانطلاق منه هو أن حد الرجم غير موجود في النص القرآني المحفوظ والمتلو بيننا

والسؤال الذي يطرح ذاته هو :هل نزل نص قرآني في حد الرجم سابقاً ثم انتسخ تلاوة وبقى حكماً ؟

والجواب . لم يثبت نزول نص قرآني يتناول حد الرجم أبداً ,وبالتالي فلا حاجة لدراسة مسألة النسخ له تلاوة مع بقاء حكمه ساري المفعول ، لأن مسألة النسخ للنص أو الحكم ينبغي أن تبدأ من موضوع إثبات الأمر أولاً ، وبعد ذلك ندرس هل تم نسخه أم لا ، وكيف حصل ذلك في الواقع .

وهذا الكلام نسوقه على افتراض وجود إمكانية النسخ لنص قرآني خاتمي ، أما الصواب فإن النص القرآني نص خاتمي له صفة الإنسانية والاستمرارية منذ بدء نزوله ، وبالتالي لا يصح نسخ نص متصف بهذه الصفات ، وكون الأمر كذلك فنحكم منذ البداية بنفي نزول نص قرآني يتعلق في حد الرجم ، ولو نزل لاستمر وجوده بين دفتي المصحف ما ينبغي رفعه أو نسخه بأي صورة ، لأن حصول ذلك هو نقض لصفة الخاتمية والإنسانية والعالمية للنص القرآني . إذن الرجم للزاني المحصن هو حكم توراتي تسلل إلى الفقه الإسلامي واختبأ بين ظلال التفسير للقرآن ، فأصاب القرآن تحريفاً من حيث الفقه مع استمرار الحفظ للنص من حيث المتن .

لذا ينبغي إزالة هذا الحكم التوراتي من الفقه الإسلامي حتى يُزال التحريف عن مفاهيم القرآن, وتأخذ فاعليتها في الفقه الإسلامي . أما الجلد للزاني فهو حكم قدْ نزل في القرآن ، ولم يفرق النص القرآني بين الزاني العازب ، والزاني المحصن بالزواج . قال تعالى : [الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة]النور2

فالعقوبة هي مائة جلدة بالتمام والكمال غير قابلة للزيادة أو النقصان بدليل قوله تعالى [ ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ] النور 2

والسؤال الذي يفرض ذاته على البحث هو: هل كل فاحشة زنى تستوجب حد الجلد ؟ أم يوجد فرق بين الفاحشة والزنى ؟!

فحش : كلمة تدل على السلوك القبيح والشنيع

قال تعالى : [ ولا تنكحوا مانكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا ] النساء 22

وقال : [ ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون ]النمل 54

فالفاحشة تطلق على كل من الأقوال أو الأفعال القبيحة والشنيعة نحو نكاح ما نكح الأب من النساء ، أو فعل اللواط والسحاق ، أو فعل النكاح بين رجل وامرأة بصورة غير شرعية .

إذن ليس كل فاحشة يترتب عليها إقامة حد الجلد ، وإنما هي الفاحشة المتعلقة بنكاح رجل لامرأة بصورة غير شرعية .

زنى : كلمة تدل على استمرار وجود دافع مستور يدفع الإنسان للقيام بالأمر . ومن هذا الوجه نقول : زنَّ الأمر في نفس زيد . إذا تردد في نفسه ودفعه للقيام بأمر معين .

إذاً دلالة كلمة ( زنى ) غير دلالة كلمة ( فاحشة ) والنص المتعلق بحد الجلد أتى باستخدام كلمة ( الزنى ) ولكن بصيغة اسم الفاعل [ الزانية والزاني ] ولم يستخدم صيغة الفعل منها [ زنى أو يزني ]

وهذا يدل على أن الفعل عند الإنسان قد تحول إلى صفة لازمة له ، وليس مجرد فعل حصل مرة واحدة .

فما العلاقة بين فعل الزنى والفاحشة ؟

قال تعالى : [ ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا ] الإسراء 32

ينبغي ملاحظة أمر على درجة من الأهمية في البحث ، وهو أن حكم التحريم متعلق بممارسة الفاحشة ، بينما حد الجلد متعلق بالزنى, فالزنى هو نتيجة لممارسة الفاحشة ، ولكن ليست أي فاحشة وإنما محصور في علاقة النكاح بين رجل وامرأة بصورة غير شرعية ، ولا يتناول اللواط أو السحاق لوجود نص شرعي خاص بهما وهو قوله تعالى [واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ,واللذان يأتيانها منكم فأذوهما ..] النساء 15 – 16

فالنص السابق يذكر أن الزنى هو فاحشة ، ونهى عن الاقتراب من الزنى ,وهذا الاقتراب غير الممارسة للفاحشة ، وإنما هو كل عمل متعلق بترويج وتسهيل ونشر الفاحشة في المجتمع ، فهذه الأعمال قد نهى الله عن ممارستها وتوعد من يمارسها بعذاب أليم بقوله : [إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ] النور 19

فليس كل فاحشة تسمى زنى ، بينما كل زنى هو فاحشة .

وحد الجلد مرتبط بالزنى لا بالفاحشة ، رغم أن الفاحشة حرام ولكن حسابها على الله عز وجل ، أما الفاحشة حتى تصير زنى ينبغي تحقق فيها أمرين :

الأول : وجود حالة مزمنة بالإنسان ( ذكر أو أنثى ) أدت عنده إلى الإدمان فهي تزن عليه بممارسة هذا السلوك الفاحش .

الثاني : اشتهار ذلك السلوك منه ووصفه به بين الناس كاسم فاعل له [ الزانية والزاني ] .

وإقامة حد الجلد عليهما لا تحتاج إلى أربعة شهود أو أقل أو أكثر أو رؤية الشهود لعملية الفاحشة ذاتها!! وإنما يكتفى بما عُرِفَ عنهما في المجتمع الذي يعيشان فيه من خلال سلوكهما القبيح [ دعارة ] .

أما شرط الشهادة بأربعة فهو للذين يرمون المحصنات بالفاحشة [والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ..] النور 4 وذلك لدرء عقوبة الجلد عنه( القاذف ) , وليس لإثبات الفاحشة على المرأة ,وهذا الأمر من الشارع هو لحفظ سمعة المرأة اجتماعياً من أن يساء لها . والإحصان في النص هو إحصان العفة والأخلاق , وهذا يدل على أن المرأة عديمة العفة والأخلاق لا إحصان لها , وبالتالي لا يحميها المجتمع من الأذى ومن تناول سيرتها بصورة سيئة . وهذه دلالة مفهوم المخالفة للنص , إذ الزناة لا إحصان اجتماعي لهم .

أما النص الآخر الذي يقول : [واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ,واللذان يأتيانها منكم فأذوهما ] النساء 15-16

فهو نص يتكلم عن الفاحشة بين النساء فقط [ السحاق ] بدليل استخدام كلمة [ اللاتي ] التي هي ضمير جمع للإناث ، وبدليل وجود حكم زجر وعلاج خاص بهن, وهو الإمساك في البيوت, الذي يقصد به تقليص نشاطهن الاجتماعي إلى الحد الأدنى, ويخضعن للمراقبة إلى أن يمتن أو يتعالجن من مرضهن ذلك, فيرجعن إلى فاعليتهن الاجتماعية السليمة, أما القول بنسخ النص فهو قول قبيح لأنه رد ورفض لنص قرآني ، وهو تحريف من نوع آخر للنص القرآني متمثل بتعطيل مفهومه في الواقع . وحد الجلد للزناة يختلف حسب المقام الاجتماعي لهم :

أولاً : عامة الناس وحدّهم الذي ذكره المشرع بقوله :

[ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ] النور ( 2 )

ثانياً : الطبقة المتدنية في المجتمع التي تم إحصانها بالزواج نحو الإماء والمستخدمين وما شابه ذلك . قال تعالى : [فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ..] النساء 25

فهؤلاء عقوبتهن نصف العقوبة العامة. أي خمسين جلدة فقط لا غير .

ثالثاً : الطبقة المتدنية اجتماعياً مع فقدان الإحصان [ الزواج ] .

سكت الشارع عن عقوبتهن ، ولكن حسب المقصد القرآني تكون عقوبتهن نصف عقوبة الطبقة الاجتماعية المتدنية والمحصنة بالزواج ، أي خمس وعشرون جلدة .

رابعاً : الطبقة العليا من المجتمع التي تملك قرار وزمام أمور المجتمع ومحل أسوة من قبل عامة المجتمع مثل السياسيين والمفكرين والعلماء والفقهاء وما شابه ذلك .

قال تعالى :

[يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين.] الأحزاب 30

فهؤلاء عقوبتهم مائتين جلدة بحضور طائفة من الناس حتى يتم إشهار ذلك على الملأ

هذا هو ملخص لحد الزنى في المجتمع ، وكيف يطبق بعدل على مختلف فئات المجتمع ، إذ من المعلوم أن الأمَة أو الخادمة ليست كسيدتها !!.

والشارع قد علّمنا أن نفرق في الأحكام بين الأمور المختلفة قال تعالى :

[ أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون ] القلم 35

وعلّمنا أن نأخذ بمعطيات الواقع وحيثياته ودوافعه ، وأن يكون حكمنا على ضوء المقاصد والعواقب ,وليس على الأشكال والصور ، وحض على أنسنة القانون وتجاوز العدل إلى الرحمة .

اجمالي القراءات 39836