النفس بالنفس
رأي في القتل والقصاص والدية

Ezz Eddin Naguib في الثلاثاء ١٣ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

رأي في القتل والقصاص والدية بين المسلمين، أو بين المسلمين ومُعاهديهم

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

 

أولا- القتل الفردى:وهذا ينقسم إلى

أ- قتل عمد:وهنا يُقتل القاتل إلا لو تصدق عليه أهل القتيل وقبلوا الدية، وله عذاب أليم فى الآخرة

يقول تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) النساء

و{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (45) المائدة

 

 

ب- قتل خطأ: وهنا لا يُقتل القاتل ولكنه يُحرر رقبة مؤمنة ويدفع الدية إلى أهل القتيل

آ{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (92) النساء

 

 

ثانيا- الاقتتال الجماعى (أى أثناء معركة بين جماعتين)

تساقط فيها القتلى، فيُحسب كم حرا، وكم عبدا، وكم امرأة قتلوا من الجماعة الأولى ومن الجماعة الثانية. ومن قُتل لديه عدد أكبر يستحق الدية على الفرق بين القتلى (دية الحر ودية العبد ودية المرأة)، ولا يحق لهم بعدها الأخذ بالثأر

آ{يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (178) {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179) البقرة

ويُلاحظ أنه فى الاقتتال الجماعى خفف الله هذا الحكم علينا بقبول الدية حتى لا تتحول المذبحة إلى مذابح، وتتوقف عملية الثأر

 

والقصاصمعناه أن يُوقَّع على الجانى مثل ما جنى (أى النفس بالنفس والعين بالعين إلخ)

والقصاص من قص الأثر أى تتبعه، ومن قص القصة أى تتبع أحداثها ورواها، وفى القصاص يتم تتبع الجريمة من المجنى عليه إلى الجانى ليُعاقب بمثل ما فعل

 

وللتفصيل:

أولا: القتل العمد

أ- من قتل مؤمنا عمدا فسيعاقبه من يعلم السرائر وهو الله سبحانه بالعذاب العظيم فى جهنم

 

ب- من قتل نفسا عمدا (أيا كان القتيل ما دام ذلك ليس فى قتال)  يعاقب بالقتل حسب قاعدة النفس بالنفس (أما إيمان القتيل فهذا فى علم الله وهو الذى يُعاقب القاتل بعلمه) إلا لو تنازل أولياؤه وقبلوا الدية

 

وماذا إذا اجتمع جماعة واتفقوا على قتل شخص ما هل يُعدموا جميعا أم تُقرر لهم عقوبات أخرى؟

هنا نستعمل عقلنا، فقد حاول الذين كفروا مثل هذا مع رسولنا الكريم حتى يتفرق دمه بين القبائل ولا يُمكن القصاص من القتلة

قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} الأنفال30

وأرى أن يُقتل الجميع حتى لا يشيع القتل، وهو نفس ما استقر عليه القانون المصرى

والأمر مطروح للمناقشة وخاصة أن أمام القضاء فى مصر الآن قضية قتل فنانة لبنانية والمتهم فيها بليونير مصرى أُتهم بتحريض ضابط شرطة سابق على قتلها

 

ثانيا: القتل الخطأ

أ- القتيل مؤمن (حسب قول أهله سواء كان مسلما أو من أهل الكتاب) ومن قومنا، فيُحرر القاتل رقبة مؤمنة ويدفع الدية

 

ب- القتيل (كافر) ومن قومنا فيُعتبر كأنه من قوم بيننا وبينهم ميثاق، ويُحرر القاتل رقبة مؤمنة ويدفع الدية، فأى مُواطن غير مُسلم فى الدولة الإسلامية هو فى ذمة الدولة وتتكفل بحمايته، وقياسه هو: "وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ" فالذمة هى ميثاق بالحماية لكل المواطنين

 

جـ- القتيل مؤمن ومن قوم عدو وليس بيننا وبينهم ميثاق فيُحرر القاتل رقبة مؤمنة فقط

 

د- القتيل (أيا كان دينه) ومن قوم بينهم وبيننا ميثاق فيُحرر رقبة مؤمنة ويدفع الدية

 

هـ - أما إذا كان القاتل فقيرا، فيصوم شهرين متتابعين بدلا من فك الرقبة، ولأنه فقير والدية دين عليه يقوم بيت المال بدفعها من أموال الصدقات (فهو فى هذه الحالة فى هذه الحالة من الغارمين)

يقول تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة60

 

و- القتيل كافر ومن قوم عدو (لا أجد له عقابا فى كتاب الله) وأرى طرح الأمر للمناقشة (لأن هذا قد يُؤدى إلى عواقب سياسية تًشعل الحرب أو يُمكن الأخذ فى الاعتبار الاتفاقات الدولية تحت مظلة الأمم المتحدة فهى مواثيق)

 

ز- القتل دفاعا عن النفس: وهذه تُترك للقاضى ليفحص ملابسات الجريمة، وهل كان يُمكنه الهرب من الذى يُحاول قتله أو إصابته بجرح يُعجزه فقط بدلا من قتله، أم إنه كان مُحاصرا واضطر لقتل مُهاجمه

 

 

ثالثا: الاقتتال الجماعى

يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (178) {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179) البقرة

 

وأرى أن هذه الآية تنطبق على المعارك بين جماعات من نفس الشعب كالمعارك بين قريتين أو قبيلتين إلخ

وهنا يتم التحكيم بعد القتلى من الأحرار والنساء والعبيد، وتُحسب دياتهم، ويُؤدى الفرق فى الدية إلى الفريق الأكثر تضررا

 

أما ما يقوله الفقهاء بأن الحر لا يُقتل بالعبد أو بالمرأة فى القتل الفردى فهذا – فى رأيى – تهريج،  لأن القاعدة هى: النفس بالنفس

وبغير هذا الفهم تُصبح آية الحر بالحر والعبد بالعبد غير مفهومة تماما

 

أما الحروب فلها نُظم أخرى تُنظم مُعظمها آيات سورتى الأنفال والتوبة

 

 

فك أو تحرير الرقبة

بالطبع لم يعد هناك رق، ولكنه قد يعود فى يوم من الأيام، وهذا من الغيب

وفى الحالات السابقة وضع الله صيام شهرين متتابعين لمن لا يجد من يُحرره

ولى رأى فى فك الرقبة يُمكن تطبيقه حاليا

وهى أن يبحث الشخص عن شخص فقير ويُوفر له سبيل العيش الكريم، فمثلا يشترى له محل أو كشك ويُجهزه له بالبضائع وبذلك يحرره من ذل الفقر والحاجة، أو يُوظفه وظيفة تكفل له العيش الكريم، إلخ

والقرآن لا يضع قواعد مُفصلة إلا فى بعض الحالات التى يُريد فيها تصحيح العُرف السيئ القائم، والباقى يتركها للقواعد العامة من عُرف حسن وعدل وشورى وإحسان وضمير المسلمين

 

والقرآن فيه الحسن وفيه ما هو أحسن وفيه الأحسن، والمتقون يأخذون بالأحسن دائما

يقول تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} الزمر18

وقد فسر بعض المفسرين هذه الآية بأنهم الذين يتبعون القرآن الذى هو أحسن مما سبقه من كتب

ولكنى مع المفسرين الذين فسروه كما سبق وشرحت

ومثال ذلك القتل

فالحسن فيه هو أن يُقتل القاتل (وهذا عدل، ويشفى صدور أهل القتيل)

وأحسن منه أن يعفوا عنه أهل القتيل ويقبلوا الدية

والأحسن أن يصَّدق أهل القتيل ويتنازلوا عن الدية

انظر مقالتى: "الحسن والأحسن من أوامر الله" وهى منشورة فى الموقع

 

هذا مُلخص لما فهمته من آيات القصاص فى كتاب الله

والله أعلم

اجمالي القراءات 31403