بسم الله الرحمن الرحيم .
إبليس لن يحكم المدينة .
تعقيبا على نتائج االمرحلة الأولى للإنتخابات التشريعية المصرية والتى جاءت بنسبة النصف تقريبا من المقاعد البرلمانية لأصحاب التيار الدينى الإسلامى .
لا يختلف إثنان عاقلان فى مصر أو فى العالم العربى على أن السلفيين والإخوان والوهابيين (بفكرهم الدينى ) هم الخطر الحقيقى على الحياة المدنية الآمنة فى وطننا العربى الكبير ،بل وربما على العالم أجمع . فالعالم لم ينس أن تنظيمات الجهاد و القاعدة المنبثقة عنهم قد دمرت السلام والأمن العالمى بإسم الدين فى أفريقيا وأسيا وأوروبا وأمريكا .ولازال خطرهم قائم حتى يومنا هذا .. وما يزيد من هلع ورعب شعوبنا فى الوطن العربى من تيارات الإسلام السياسى أن جاءت بهم صناديق الإقتراع بأغلبية ملحوظة فى إلإنتخابات التشريعية فى بلدان الربيع العربى (تونس وليبيا ومصر ) وأُضيفت إليهم إنتخابات المملكة المغربية . وبالرغم من كل هذا فهل يصل الأمر فعلا إلى درجة الخوف والرعب والهلع ، أم أنه أقل من هذا بكثير ؟؟؟
وللإجابة على هذا التساؤل .لابد أن ندرس الواقع العربى (وسنتخذ مصر له كمثال) ،ونُحلل الظروف المحيطة بالإنتخابات ونتائجها بالأرقام ،ونرى أى نتيحة سنصل إليها .
بعد سقوط النظام البائد وخلع الرئيس مبارك و تولى مؤقتا المجلس الأعلى للقوت المسلحة حكم البلاد، بدأت المفاوضات والإتفاقات بينه وبين التيار الدينى على نصيب كل طرف منهما فى حكم مصر فيما بعد الفترة المؤقتة ،ونتج عنها سماحه بتكوين أحزاب على أُسس دينية للسلفيين والإخوان ،والسماح لبعض القتلة من أعضاء تنظيم الجهاد والتنظيمات السلفية الأخرى برئاستها (رغم مخالفته فى هذا لأبسط قوانين ممارسة العمل السياسى ) ، ثم توالت الأحداث (بناءا على رضوخ العسكر لرأى التيار الدينى ) برفض صياغة دستور للبلاد أولا ،والإكتفاء بصياغة بعض مواد إسترشادية لإدارة حكم البلاد فى الفترة الإنتقالية .نتج عنها البدأ فى إجراء إنتخابات تشريعية (رغم عدم جاهزية أحزاب وشباب الثورة لها الآن) قبل صياغة دستور للبلاد يُحدد إختصاصات كل سلطة ويكون حكما بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية .
فماذا حدث فى المرحلة الأولى من الإنتخابات التشريعية ؟
1 - صدر مرسوم بقانون لتننظيم ممارسة الحقوق السياسية كان الغرض منه تعجيز المستقلين وشباب الثورة ،ومتوسطى الحال ومنعهم من الترشح للإنتخابات البرلمانية ،وذلك بتوزيع الدوائر الإنتخابية بشكل عجيب ومُريب وغريب لا يستطيع أى مُرشح أن يقابل سكان دائرته الإنتخابية قبل الإنتخابات لقصر الفترة الزمنية قبل موعد الإنتخابات حتى لو صار اليوم 48 ساعة بدلا من 24 .فبعض الدوائر الإنتخابية يصل نصف قطرها إلى 180 كم. ومطلوب منه أن يزورها ويشرح برنامجه للناخبين على الأقل مرتين أو ثلاثة قبل يوم الإنتخاب .فكيف يستطيع ذلك المسكين المُرشح المُستقل أو عضو الأحزاب المُنشأة حديثا؟؟
2- من ناحية الإنفاق . من المُستحيل للمواطن متوسط الدخل أو الميسور جزئيا أن يُنفق على حملة إنتخابية فى دائرة متسعة هذا الإتساع . إذن هى مُفصلة ،ومُتفق عليها بين المجلس العسكرى الحاكم والتيارات الدينية بشكل يدعو إلى تضييق الخناق ،وإضاعة الفرصة على القوى السياسية الناشئة ،وإنفرادهم سويا بإقتسام الحُكم سواء علنا أو مستترا من تحت الترابيزة .
3- إستخدم التيار الدينى من الإخوان والسلفيين كل الطرق المشروعة وغير المشروعة والأخلاقية وغير الأخلاقية ، فى حث البسطاء من الناس وحضهم على التصويت للإخوان والسلفيين ،بل ومصاحبتهم حتى باب اللجان الإنتخابية ، وإستخدموا فى هذا كل ما خطر على بالهم من حيل و من رشاوى إنتخابية مفضوحة وفاجرة ،وتزوير فى اللجان الإنتخابية (عن طريق المنتقبات ) ،والتصويت أكثر من مرة ببطاقات لسيدات أخريات . ومن تواطوء بعض القضاة من ذوى الإتجاهات الإخوانية والسلفية وسماحهم للتيارات الدينية بفعل كل ما يخالف قانون الإنتخابات فى ذاك اليوم ،وعدم مساءلتهم أو القبض عليهم . وزد على هذا بعض التجاوزات فى عمليات الفرز وإضافة أرقام لبعض المرشحين من التيار الدينى لإنجاحهم فى مواجهة مرشحى المستقليين والقوى السياسية الأخرى.. ناهيك عن مليارت الخليج التى جاءتهم لإقامة إمارتهم الوهابية على أرض مصر عن طريق وصولهم للمجالس التشريعية ...ومع كل هذه التجاوزات ،وإستخدام كل ما لديهم من طاقة وسبل فى حث الناس على إنتخابهم ،والتزوير قدر الإمكان لهم .إلا أنه جاءت النتائج كالتالى ..
حصول التيار الدينى على اصوات 6 مليون ناخب . بما يعادل ثلث المرحلة الأولى تقريبا والمقدرة ب 17 مليون ونصف لم يذهب منهم للإنتخاب سوى 9.7مليون . صحيح أنهم حصلوا على اغلبية المقاعد وتقدر بنصف مقاعد المرحلة الأولى . ولكن كما رأينا فعدد من ذهب للإنتخاب حوالى النصف أو فوق النصف بقليل . . وكما قلنا أن أصحاب التيار الدينى لم يتركوا من أتباعهم أووسائلهم المشروعة وغير المشروعة إلا وإستخدموها ،ومع ذلك لم يزد عدد من صوت لهم عن ثلث القوى الإنتخابية الحقيقية ... وهذا يعنى أن قوتهم فى الشارع لا تزيد عن 20 إلى 30 % من الشعب . وهذه النسبة معروفة وثابتة تقريبا منذ عقدين من الزمان ،وفى تناقص مستمر ،صحيح النقصان غير كاف ،ولكن هذه النسبة لا تزيد .
فهل هذه النسبة مخيفة ومرعبة ؟؟؟
من وجهة نظرى لآ ثم لا ثم لا . ولكنها مقلقة ، وهذا قلق محمود وطبيعى .
ولكن ما العمل لتحجيم هذه النسبة والعمل على نقصانها ؟؟
من وجهة نظرى
.1- التيارت الدينية من السلفيين والإخوان والجماعات الإسلامية تعتمد فى عقيدتها على أفكار وثوابت تراثية ما أنزل الله بها من سلطان ،صحيح أنهم ليسوا متفقين فيما بينهم على بعضها ،ولكنهم متفقون على صحة مرجعيتها عندهم جميعا . وهذه المرجعية تعود لعصور الكذب والإفتراء على الله ورسوله ،و إتباع أقوال غلاة الفقهاء من عصورالظلام الفكرى ،عصور هجران كتاب الله جل جلاله ، وتقديمهم كتب الفقهاء والمُحدثين عليه . ومواجهة هذه الأفكار بالفكر هو الضمانة الحقيقية للخلاص منها (اى من أفكارهم ) أو تحجيمهم والعمل على تناقصهم يوما بعد يوم على أسس علمية ثابتة . وتقع هذه المُهمة فى المقام الأول على عاتق (اهل القرآن) وليس على غيرهم ،وذلك لأن مواجهتهم بالأزهر مثلا لن تُجدى ،وذلك لأن الأزهر يتفق معهم تماما فى مرجعيتهم وأفكارهم بل هو الذى يُدرسها لهم ويعيد طبعها و ينفق الملايين فى الدعاية لها وتوزيعها ،وكما أنه ليس مؤسسة وسطية كما يدعون أو كما يكذبون فيه على الناس . ولكن أهل القرآن حقا وصدقا وتوصيفا وليس مجاملة هم المؤهلون عقيديا وعلميا لتفنيد الأكاذيب الدينية للسلفيين والرد عليها و تحذير الناس منها . والحمد لله رب العالمين بفضلكم وبفضل هذا الموقع المبارك سرنا خطوات كبيرة فى هذا الإتجاه .
2- ضرورة قيام الأحزاب والقوى السياسية بدورها الحقيقى فى التوعية السياسية والنزول للشارع والتعرف على مشاكل الناس الحقيقية ومحاولة حلها ،او على الأقل المساعدة فى حلها ،والا يكونوا هم المشكلة بسلبيتهم وجلوسهم فى الغرف المكيفة والمغلقة .
3- السماح للعمل الأهلى ومؤسسات المجتمع المدنى بالقيام بعملها بسهولة ويسر وبعيدا عن تخوينهم والتآمر عليهم وإتهامهم بالعمالة والعمل على إضرار الوطن . فمؤسسات المجتمع المدنى هى الترمومتر الحقيقى لقياس وعى الناس ومشاكلها ،ومنه تبدأ دراستها ووضع الخطط والبرامج لحها وفى زيادة وعيهم السياسى والإقتصادى والإجتماعى وأحيانا الدينى .وفى زيادة تفاعلهم مع الوطن وإحساسهم بشراكتهم الحقيقة فى إصلاح أوطانهم . والأهم من هذا نزع فتيل الخوف من قلوبهم بتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم ومسئولياتهم وكيفية مطالبتهم بها دون خوف من أى مسئول .... ووبالإضافة لذلك فمؤسسات المجتمع المدنى هى التى تهتم فعليا وتُعلم الناس حقوقهم المتمشية مع حقوق الإنسان المحلية والدولية ، وتجعلهم مواطنين (عالميين) ،وقد رأينا مناداة بعض الجمعيات المدنية والحقوقية بتدويل بعض القضايا ضد النظام البائد فى آخر سنوات حكمه .فهذا راجع لثقافة حقوق الإنسان التى نادت بها جمعيات المجتمع المدنى .. والحمد لله زاد عددها وتمددت فى مصر بعد الثورة بعد سقوط جهاز أمن الدولة مع سقوط مبارك .
4- زيادة الفضائيات والبرامج التنويرية فى مصر والعالم العربى .وهذا يساعد على زيادة المعرفة السياسية والحقوقية للمواطنين . من خلال عقد المناظرات والمناقشات الحوارية الحقوقية والمدنية بين المثقفين والليبراليين وبين اصحاب التيار الدينى وهذا يككشفهم (أى السلفيين والإخوان) ويُعريهم ويفضحهم ،ويُثبت للناس أن السلفيين يعيشون عكس عقارب الساعة وخارج إطار الزمن ،ويعيشون متقوقعون فى خيام (إبن حنبل) وكهوف أبو هريرة ،ولم يُغادروها بعد ،ولا يعرفون سوى الجلباب والقميص والمسواك واللحية وحف الشوارب والحجاب والنقاب ،وربما المسبحة . وهنا أود أن أُشير إلى نقطة هامة للليبراليين وهى حرصى عليهم ألا ينجرفوا فى مناظراتهم مع اصحاب التيار الدينى إلى ارضيتهم الدينية ،لماذا ؟ لأن الليبرليين لازالوا يخشون من التقديس الدينى للصحابة والفقهاء وأقوالهم ،ولازالوا يتصورون أنها من الدين ،وهذا ما يلعب عليه السلفيين والإخوان فى مواجهتهم ،وبالتالى النتيجة تكون محسومة للسلفيين مُسبقا .. فعليهم جرهم هم إلى معسكرهم مُعسكر حقوق الإنسان وعصر المدنية والإقتصاد الحديث وثورة المعلومات والإتصالات .فستجدونهم يردون عليكم ببول البعير ورضاعة الكبير ونواقض الوضوء . وساعتها سترون حُكم الشارع عليهم أسرع مما تتخيلون ،ولكم فيما حدث لهم جراء تصريحاتهم قُبيل جولة إعادة مرحلة الإنتخابات الأولى من سقوط مدوى لكل مرشحيهم .وهذا يُثبت ويراهن على العمل على زيادة وعى الشارع وتعريفهم بحقيقة الفكر السلفى وتدينة المُزيف المزور المفترى على الله ورسوله سيساعد على القضاء على فكرهم سريعا . .
5- العمل على تكاتف ومساعدة الليبراليين والقرآنيين بعضهم لبعض ،والعمل على إيجاد وسيلة تُشعرهم أنهم فى مركب واحد ومسئوليتهم عظيمة تجاه وطنهم وشعوبهم . وإتاحة الفرصة لنشر الفكر القرآنى على مجال أكبر وأوسع من خلال الفضائيات التى يمتلكها الليبراليون ودعاة حقوق الإنسان .لأنها المضاد الحيوى الفعال للقضاء على وباء السلفية الفكرى .
6- بتضافر جهود كل أصحاب القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدنى والليبراليون والقرآنيون وصحوة الغالبية التى لم تنزل للإنتخابات والتى تقدر بالنصف تقريبا .نستطيع تحجيم المد السلفى الإخوانى الوهابى فى وطننا العربى ، و بدءا من مصر لكونها قاطرة للعلم والثقافة والوعى لعالمنا العربى كله .
7- أكرر أنكم قد رأيتم بالحسابات الواردة من اللجنة الرسمية للإنتخابات المصرية الحجم الحقيقى لأعداد وأتباع أصحاب التيار الدينى فى مصر . وهو لا يدعو للهلع والخوف والرعب ،ولكن للقلق الذى نستطيع القضاء عليه (كفكر) وليس كأفراد والعياذ بالله ، أو تحجيمه وتناقصه يوما بعد يوم ،و بعدها تستفيد الأوطان العربية من أصحابه فى التقدم وفى ترسيخ ثقافة الحرية وحقوق الإنسان وبسط نفوذ دولة القانون المدنى على ربوعه كلها والعيش فى سلام وآمان إجتماعى يقودنا للتقدم والتطور فى باقى مجالات الحياة .....