إبراهيم عيسى يكتب اللعب مع الوطن
في
الأربعاء ٢٤ - فبراير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
حاكم عربى حالى يعرف عنه الجميع أنه يلعب القمار، هو شأن كل الحكام العرب.. حاكم مطلق لا ينافسه أحد، ولا يناقشه شخص، ولا يسائله أحد عن ثروته وماله وأمواله، ولا يمكن التفريق بين مال الدولة وماله الشخصي.. لا يلعب الحاكم القمار فى محافل بلده العامة قطعاً، بل يدعو بعضاً من أهم اللاعبين لقصره، أو يسافر هو فى رحلات كثيرة للخارج حيث يلعب فى عدة عواصم أوروبية تخصص بعض أهم قاعات قمارها لهذا الحاكم وشلة المقامرين الذين يلعبون معه..
المشكلة أن الحاكم يخسر ويخسر كثيراً، ولا يكف عن اللعب حتى إن شعبه قد سلم بحق حاكمه فى لعب القمار كما يحلو له، ولكن بشرط أن يعلِّمه أحد اللعب وأن يجيد اللعب، لا أن يصبح حاكماً فاشلاً ولاعب قمار أكثر فشلا.. هذا الحاكم المؤله فى بلده، يذكرك بالملك فاروق المسكين ملك مصر والسودان وانجلترا إن أمكن.. فقد ظلمنا الرجل الذى كان يلعب القمار بمنتهى الشفافية أمام شعبه فى نادى السيارات وفى الأوبرج، بل وكان يخسر أمام باشاوات وتجار يلاعبون الملك بمنتهى الجسارة، بل ويكسبون منه نقوداً وأموالاً.. ولما كان البعض ينافقون رجال يوليو 1952 الذين خلعوا الملك فيقولون إنه أضاع ثروة البلد فى لعب القمار لا يلتفتون لهذه الخاصية العظيمة والنبيلة فى الملك فاروق فمعنى أنه أضاع مالاً على موائد القمار أنه كان يخسر وهذا أمر لو تعلمون عظيم.. ملك مصر يخسر فى اللعب فهذا معناه أنه كان يلعب لعباً نظيفاً وحراً ويتسم بالشفافية والمساواة، بل ويخسر الملك من رعاياه ومواطنيه، فهذا وأيم الله قمة الديمقراطية، فلقد عشنا وشفنا بعد الملك فاروق رؤساء مصر لا يخسرون أبداً إذا لعبوا..
صحيح أن هناك صورة شهيرة للرئيس جمال عبدالناصر وهو يلعب لعبته الأثيرة الشطرنج، لكن عمرنا ما شفنا فى الصورة بيلاعب مين، كذلك لم يذكر لنا التاريخ لاعبين بعينهم بارزوا عبدالناصر فى الشطرنج لكن أغلب الظن أنه لم يخسر مباراة مع أحد، فمن الذى يملك جرأة هزيمة الزعيم عبدالناصر وقتها؟.. ثم نعرف جميعاً أن الرئيس حسنى مبارك لم يخسر يوماً فى مباراة إسكواش لعبها مع أحد (أظنه لأسباب صحية وسنية توقف عن اللعب الآن)..
ومن الوقائع التى تملأ الحياة السياسية فى مصر، أن شخصيات مشهورة تتباهى بأنها لعبت مع الرئيس مباريات اسكواش لكنها كلها تبتسم وتقول إن الرئيس كسبهم طبعاً، وطبعاً هى مفتاح التعامل مع الرئيس المصرى الذى لا يمكن أن ينهزم فى لعبة، فقراراته الحكيمة ورؤيته الثاقبة وكل مقولات النفاق المأثورة فى عصر مبارك تحاول تمجيد الرئيس وتقديسه، ومن ثم تتضاءل أمامه مصر كلها، ويتحول هو إلى الفذ الأعظم الذى لا يمكن حتى أن يخسر مباراة.. وقد وعينا جميعاً منذ منتصف التسعينيات على الدورات الكروية الرمضانية التى كان يشارك فيها فريق مكون من علاء وجمال مبارك وآخرين يدخلون به البطولة الرمضانية أمام فطاحل الأهلى والزمالك، والغريب أنه فى كل سنة كان فريق علاء وجمال مبارك يفوز بكأس البطولة، ويا سبحان الله كان جمال يحصل على كأس أحسن لاعب.. وربما صدَّق الرجل فانتقل من اللعب فى الملعب إلى اللعب فى الوطن!