في هذا الجزء سوف نتعرف على كيف تم استعداد شجرة الدر والسلطان الصالح وقواد الجيش لملاقاة الصليبيين وكيف تمت السيطرة على تمرد قواد الجيش ومؤامرة المماليك وهى في مهدها.
فالعسكر دائما ما يتمردون لأنهم في السلطة دائما ما يطمحون .
التاريخ دائما ما يعيد نفسه ونستفيد منه العبر.
فما حدث بالأمس البعيد مع الوزير فخر الدين وتمرد الجيش المصري بقواده المماليك يؤكد لنا هذه المقولة (أن التاريخ دائما ما يعيد نفسه )، وكأنها قد أصبحت صفة أساسية في قيادات الجيش المصري بالتمرد على قائدهم الأعلى والقيام بانقلاب عسكري واستيلائهم على السلطة إن سنحت لهم الفرصة بذلك
فالعسكر دائما ما يتمردون لأنهم في السلطة ما يطمحون ويطمعون
كانت هذه مقدمة للمقال الذي يوضح حال الجيش المصري في الوقت الذي كانت فيه مصر دولة مملوكية تحت سيطرة المماليك .
كنا قد توقفنا في المقال السابق عن الأخبار السيئة التي أتت للسلطان الصالح عندما كانت ترتاب شجرة الدر في إخلاص رؤساء الأمراء المماليك وخشيت قيام الصليبيين بهجوم مباشر من دمياط مدفوعين بنجاحهم السهل ، وربما يكون من الأفضل التفاوض معهم وعرض التنازل عن بيت المقدس مقابل رحيلهم عن دمياط ، كما سبق أن فعل والد الصالح قبل ذلك بعشرين عاماً. إذ من الأفضل أن يخسروا المدينة المقدسة على أن يحتل الفرنجة جزءا من مصر مهما كان صغيرا.
وكانت هذه النصيحة قاسية على الصالح فقد كان يكره المسيحيين وكان قد استولى بنفسه ثانية على بيت المقدس بعد اعتلائه العرش، ولكنه أصغى إليها ووافق في النهاية على أن يرسل رسالة إلى لويس يبلغه فيها العرض رسمياً .
وكانت الإجابة قد جاءت من الملك لويس بالنفي وأن الملك لويس لن يساوم مع من اعتبرهم كفاراُ واستشاط الصالح غضباً .
وجاءت أنباء سيئة في أعقاب الأنباء السيئة .
ما الذى يريده الثوار؟ إنهم يريدون الحرب فقد برموا من طول الانتظار وعدم مهاجمة العدو . وكانو ا بلا قائد ولهذا بحثوا في أماكن الاستفادة من ضعف الصالح وأن يشبعوا طموحهم وطمعهم في السلطة . وكان قيام ثورة في القصر بغية التخلص من السلطان وزوجته وابنه الصغير، في أثناء غياب توران شاه ووجدوه بعيدا عن البلاد، يترك الباب مفتوحا أمام قائد جديد ليظهر من بينهم ويستولى على السلطة ويعلن نفسه سلطانا . وكان الموقف حرجا للغاية.
وكان ينبغي على الصالح أن يتصرف بسرعة ولكنه كان بين
نارين . فان هو سحق الثوار بقسوة ، كما كان يحب أن يفعل ،فلسوف يفقد بذلك مماليكه الممتازين وأحسن ضباط
وجنود الجيش . وكان هناك حل آخر لوضع نهاية للثورة التى بدأت تتجمع وربما كانت شجرة الدر هى التي أرشدته اليه .
وذلك أن يشتري الثوار إلى جانبه . وكوفيء أولا فخر الدين لولائه وذلك بإعادته إلى وظيفته كقائد للجيش وبعد ذلك ، وبمساعدة شجرة الدر ، ألبسوا الرجل المريض ملابسه السلطانية ، وجلس في قاعة الأستقبال ليستقبل زعماء الأمراء وليكافئهم على إخلاصهم وذلك بأن يخلع على كل منهم كسوة رسمية وكانت تقوم عند العرب مقام النيشان ، وهدايا ثمينة من الجياد والذهب الأسلحة .
وكاد المجهود أن يقتله ،ولكن الحيلة نجحت . لقد أخبر الصالح المماليك بأنه قد أسند القيادة مرة ثانية إلى الأمير فخر الدين وأنه ينبغي عليهم أن يتركوا المعسكر ويسرعـوا باقصى ما يستطيعونه من سرعة إلى مدينة المنصورة التى تقع على بعد بضعة أميال من دمياط .
وأنه بجب ألاحتفاظ بالمنصورة بأي ثمن .
وهذه نبذة مختصرة عن مدينة المنصورة
إن أسمها مشتق من النصر ، وبناها وأطلق عليها هذا الإسم السلطان الكامل والد الصالح ، في مكان أنتصاره على الحملة الصليبية الخامسة . وعلاوة على ذلك فقد كانت تعتبر خط الدفاع الأمامي لمدينة القاهرة بالرغم من وقوعها على بعد أميال كثيرة منها.
وقد انصرفوا من حضرة السلطان ، يقودهم عملاق شركسي أبيض البشرة أزرق العينين يدعى بيبرس ، بعد أن أقسموا بطاعة السلطان وتصميمهم على الدفاع عن المنصورة وأنهم لن يمكنوا الصلبيين من المرور . وهكذا تم القضاء على مؤامرة المماليك وهي في المهد .
وعندما بدأت مياه النيل تتلون باللون البنى وتخطلت مياهه بالغرين وأرتفع إلى مسـتوى الفيـضان على الأراضي ، وضع الجيش المصري الخطط ونظم وسائل الدفاع عن المنصورة . وقد أقام المماليك معسكرهم شمالي المدينة إلى جانب القناة الموجودة الآن والتي تسمى (( البحر الصغير )) والتي كانت تفصل دمياط عن المجرى الرئيسي للنيل وهو الطريق الموصـل إلى المنصورة ومن ثم إلى القاهرة . وأسرع رئيس حجاب القصر وكبير الأغوات ، جمال الدين محسن على رأس حاشية السلطان ليعد القصر السلطاني ، على واجهة النهر شمالي المنصورة ، لإستقبالهم . وكان لابد من أنقضاء ثلاثة شـهور قبل أن يهبط النهر ويستطيع الفرنجة التحرك من دمياط .
واليوم يجد الزائر الذي يصل إلى المنصورة أنها إحدى مدن الدلتا الهادئة.
ومنذ أكثر من سبعمائة عام مضت وقفت احدى الشخصيات الرئيسية
في هذه الرواية المليئة بالقلق والعنف ،وراء شيش نوافذ الحريم بالقصر السلطاني الذي كان يقوم في مواجهة النهر خارج المدينة القديمة المحاطة بالأسوار ، وهي تراقب مياه الفيضان المرتفعة وقد أخذ تصفو بعد أن ترسب الغرين منها،وأخذت تهدأ من جديد ،وأخذت شواطئ النهر الخضراء تظهر أمام العين .
وكلما أخذت المياه في الهبوط كان قلقها يزداد . فقد جاء الجواسيس بأخبار تقول بأن الأخ الثالث لملك فرنسا ، الأمير الفونسو أمير بواتو ، قد وصل إلى دمياط ومعه كثير من السفن والرجال ليعزز قوة الصليبيين . وكان الوقت آنذاك نهاية شهر أكتوبر وأصبح النيل على وشك الهبوط لدرجة تسمح لهم ببدء حملتهم . وكانت شجرة الدر تعرف أن ذلك السكون غير الحقيقي الذي فرضته فترة الإنتظار يمكن أن يتبدد في أي لحظة ، ومع ذلك كان من الواضح أن زوجها لن يعيش طويلاً ، وهو وحده الذي كانت سلطته الملكية كافية لإيقاف المماليك الطموحين المتمردين عند حدهم . وفي الحقيقة ، كان بقاؤه حياً حتى الآن معجزة حقيقتها أرادته الحديدية .
وكانت تعرف أنه على مسافة بضعة أميال شمالي المنصورة
على شواطىء البحر الصغير، كان رجال الجيش المصرى قد اعتادواعلى حياه أضعفت من روحهم العسكرية وعاشوا حياة لا يمكن أن تسمى حياة عسكرية.
فقد دأب الأقوياء من أمثال بيبرس وأيبك على أن يحضرو الى خيامهم الفخمة ، الكثير من مظاهر الترف واللهو التي كانو قد تعودوا عليها في القاهرة. وبالرغم من أن فرقهم الموسيقية الخاصة من قاعي الطبول الصغيرة والكبيرة ونافخي المزمار والأبواق كانت اصواتها تدوي بالنداءات العسكرية بشكل واضح ، وبالرغم من أنهم كانوا يمضون بعض الوقت في التدريبات العسكرية مثل المبارزة ورمي السهام فإنهم كانوا يفضلون عليها لعب البولو وصيد الغزلان بالصقور في الصحراء، وكانوا قد أخذوا يتعودون كثيراً على الحياة السهلة المريحة.
ومن المؤكد حسب ما هو ثابت عنهم أيضاً أنهم كانوا يحافظون على نظم دينهم بآداء فريضة الصلاة خمس مرات في اليوم ، وأنهم كانوا يؤمون المسجد لصلاة الجمعة ، ولكنهم ايضاً كانوا يأخذون حماماتهم التركية حيث يقوم العبيد بتدليكهم ، وكانوا يلبسون الأردية الحريرية التي تعطر بماء الورد ، والأحزمة والعمائم المرصعة بالجواهر كما كانوا يضمخون لحاهم بالمسك ، أما هؤلاء التي كانت لحاهم قد وخطها المشيب مثل القائد فخر الدين ، فإنهم كانوا يصبغونها بالحناء باللون الأحمر.فحياتهم بهذا الشكل لا يمكن أن نسميها حياة معسكرات حقيقية . وكانوا قد هدأت ثائرتهم بإسناد القيادة إلى فخر الدين ولكنه كان يتحتم عليه أن يخفي عنهم كيف كان السلطان مريضاً بشكل ميئوس منه.
ولنا تعليق على ذلك فالصلاة بنص الآية القرآنية الكريمة تنهى عن الفحشاء والمنكرفهل مع الخمور والرقص وكم الجواري الذي لا يعد ولا يحصى يكون النهى عن الفحشاء والمنكر {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }العنكبوت45. فقد نهى ديننا الحنيف عن تلك الحياة المليئة باللهو ووسائل الترف التي كثيرا ما كانت تختلط بشرب الخمور من قناني النبيذ النفيسة وهم يشاهدون الراقصات والجواري الحسان عن يمينهم وشمالهم ولا وقت لديهم لمعرفة من يتضررون جوعا ولا لإصلاح حال الأمة.
والسؤال الذي يفرض نفسه أهذه هى دولة الخلافة التي يريد السلفية إرجاعها لنا ؟ وعودة المرأة المصرية لعصر الحريم وتعليبها داخل خيمة إن أرادت الخروج للصرورة القسوى ؟
وعودة للمقال
وقد قال فخر الدين لشجرة الدر بأنه عندما يتأكد تماما من
أخلاص القواد فإنه سوف يقودهم في هجوم مباغت على الصليبين قبل أن يكون لدى العدو فرصة لمقابلة ذلك الهجوم، لكنه لم يجرؤ على ذالك .
أما بالنسبة لما سوف يحدث عندما يموت الصالح... فان التفكير في ذالك كان سابقاً لأوانه . وكان وجه السخرية في الموقف يتلخص في
أن كلا الجانبين كان يعمل على كسب وقت غير متنبه إلي
ضعف الآخر. وقد بقى كل من المسلمين و الصليبين في مراكزهم مترددون بدلا من المبادأة الجريئة بهجوم
عندما سمح بذالك هبوط مياه الفيضان . وكيفما كان الأمر فقد
أتضح الأمر في معسكر الفرنجة أنه من الخطر عليهم أن يتباطئوا أكثر من ذلك . فقد كانت كميات الطعام قد أخذت في النقصان وبازدياد عدد من يجب إطعامهم من رجال الأمدادات الجديدة ، فإن الموفق كان يزداد خطورة . كما أن حرارة ورطوبة الصيف قد أخذت تضعف من قوى أبناء الشمال وأخذ المرض يحصدهم ويموت بعض منهم في كل يوم .
ودعا الملك لويس إلى المؤتمر من إخواته النبلاء والفرسان الصليبيين .
وقد تقدم بيتر أمير بريتاني بخطة كان يعضدها نبلاء أوترمير ، المملكة الصليبية ــ بساحل الشام ــ وكانت تلك الخطة بمباغتة الجيش المصري ، والتقدم نحو الإسكندرية بدلا من المنصورة وبذلك يخطون الخطوة الأولى نحو القاهرة ، لأن المسلمون سيتوقعون من الصليبيين أن يسيروا في الطريق الذي سلكته الحملة الصليبية السابقة في سنة 1219. ويتقدمون في ذلك الطريق دون أن يتبادر إلى أذهانهم خطة الاستيلاء على الإسكندرية ، ولو إنهم اتبعوا تلك الخطة ونجحوا في المباغتة بها لأصبح كل ساحل البحر الأبيض المصري ملكا لهم، ولأصبحت السيطرة على البحر بين أيديهم.
ولاشك أن التفكير في هذه الخطة ملئ بالحيطة والدهاء .
ولكن الأمير روبير سيد أرتوا أخا الملك لويس المندفع في آرائه عارض الخطة .
أن الهدف يجب أن يكون القاهرة . وقد قال (( لنحطم رأس الحية )) وقد اتفق معه أخوه الملك لويس في الرأي . وأستقر الرأي على أتباع طريق الحملة الصليبية السابقة وعبور البحر الصغير ثم التقدم نحو المنصورة .
وبدأت الأستعدادات في الحال . وتهلل لويس الذي كان ثائرا غاضبا للتأخر في الأشتباك مع المسلمين . ولكن زوجته الشابة مرجيت أميرة بروفانس كانت تساعد في الأستعداد للحرب ، وهي منقبضة أنقلب . لقد كانت حاملا وكان الجو يؤذي صحتها ولسوف تكون أكثر أمناً لو أنها عادت إلى عكا أو قبرص لتنتظر هناك نتائج الحملة ، ولكنها رفضت أن تغادر دمياط في الوقت الذي كان فيه زوجها التي تحبه على أرض مصرية . وكان لويس عنيداً عندما كان يريد ذلك .
ولكن مرجريت كانت عنيدة أيضاً . وقد نالت بغيتها وبقيت في دمياط وكان كل ما يسطتيع أن يعمله لويس من أجل سلامتها هو أن يضعها تحت رعاية بطريرك بيت القدس
الذى صاحب الحملة الصليبية ليشد من أزرالمحاربين
وفي منتصف شهر نوفمبر كان كل شىء معدا. وقد ودع لويس ،ومرجريت اللذان كنا يتبادلان الحب بعضهما البعض . وفي الصباح الباكر من يوم 20 نوفمبر خرج لويس من دمياط على رأس الحملة الصليبية السادسة على الطريق الجنوبي قاصدا المنصورة .
وبعد ثلاثة أيام ، وفي يوم نوفمبرسنة 1249 على وجه التحديد ، ودع زوجان آخران ــ كانا يتبادلان الحب ــ بعضهما البعض الوداع الآخير .
فقد أنتهت آلام السلطان الصالح ولفظ آخر أنفاسه الأخيرة بين ذراعي شجرة الدر . ولم يكن هناك أحد آخر حاضراً هذا الوداع . لقد سهرت عليه ورعته وحدها منذ رجع إلى مصر . وقد أشتد عليه المرض ،وكانت آخرلحظاته ملكا لها وحدها . ونحن لا نعرف شيئاً عن أفكارها ومشاعرها فهي خافية عنا ولم ينقلها إلينا أحد كما سكت صوتها إلى الأبد . وما من شك باعتبار أنها المسلمة ،قد تمتمت بآيات القرآن ترحماً عليه ، لكن ماعاد ذلك فإن ما نعرفه هو ما علمته بالفعل ، وعلى خيالنا أن يقتنع بذلك .
لقد فقدت شجرة الدر زوجها ، ولكن مصر فقدت سلطاناً في ساعة شدتها . ها هم الصليبيون غادروا معسكرهم في دمياط وكان جيشهم يسير متقدماً زحفة وفد أبلغها الجواسيس أن الجيش الصليبي كان يتألف من الألوف من المحاربين تحت قيادة قائد يحبونه ويجلونه كقديس وكانوا مستعدين للموت من أجله إلى آخر رجل فيهم
فلو عرف الفرنجة أن سلطان المسلمين الذي كانوا يخشونه لزدادوا جرأة و وحشية في هجومهم ، ولو عرف المماليك ذلك لنشبت بينهم حرب أهلية وينتهي أمر مصر .
ووضعت شجرة الدر كمرأة أحزانها جانباً وأخذت تفكر . فكرت قبل كل شئ فيمن يتولى السلطنة . وكان زوجها قد ارجأ تسمية ولي عهده ، على خلاف العادة التي كانت متبعة في العالم الإسلامي بأن يسمى السلطان ولي عهده في حياته وكان ذلك راجعا إلى أنه كان يحتقر أبنه تروان شاه ولا يثق فيه .
أما ابنها خليل فهو مجرد طفل . ولكن بالرغم من سوء أخلاق توران شاة - وكانت تشارك زوجها في هذا الرأي - فقد كان واجبها واضحاً . كان هو الوارث الطبيعي لعرش والده . وكان ينبغي عليها أن ترسل أحد رجالها سورية سراً وترجو من توران شاة الحضور في الحال ليستولي على حقه في تولي العرش فقد كان على الأقل من سلالة صلاح الدين الكبير ولسوف يرضى به المماليك سلطاناً عليهم دون جدال .
ومهما يكن فإن الأمر سيستغرق ليتسلم الرسالة ويعود إلى القاهرة وقد يستغرق الأمر شهرين أوثلاثة ... وربما أكثر من ذلك إذا كان عاكفاً على الشراب . فهل يمكن أن تتفادى الكارثة قبل ذلك ؟.
وإذا حدث وتسربت الأخبار ... ولابد أنها أرتجفت قليلاً عندما تطرقت أفكارها بشكل لا إرادي ذكرى الكابوس القاتم ، ذكرى المذبحة والنهب والعبودية التي أتت أعقاب المعتدين الفاتحين الذين كانت تغلي دماؤهم بالتعصب والغيظ تلك المآسي التي أخرجتها من بلادها كلا يجب ألا يلاقى خليل هذا المصير ولاحتى أهل مصر الأبرياء ، شعبها الآن . يجب أن تخفى خبر موت الصالح إلى أن يصل توران شاة ليتولى عرشه .
ولكن كيف يكون ذلك ؟ من ذا الذي تستطيع أن تثق به ؟
وكان ينبغي أن يعرف ذلك كبير حجاب القصر وكبير الأغوات جمال الدين محسن إذا من المستحيل إخفاء موت الصالح عنه . ولكنها كانت متأكدة من أنه يعرف مدى أعتماده على مساعدة رجال القصر وسوف يحفظ السر لمصلحته الخاصة على أي حال . ثم إنها كانت لا تستطيع أبداً أن تشك في ولاء فخر الدين وسوف يسلم في الحال بأهمية هذه الخطوة الفاعلة .
كان يجب عليها أن ترسل في الحال رسولاً ليحضره من معسكره . وكان من الضروري أن يحمل هذا الرسول رسالة ممضاة ومختومة بخاتم السلطان وألا فإنه لا يمكن لفخر الدين أن يأتي إلى القصر ويترك الجيش في هذا الوقت الحرج من الحرب .
وكان ينبغي أن يقوم شخص ما بتقليد إمضاء الصالح ، ويعد الوثائق الرسمية وهناك شخص واحد فقط هو الذي يستطيع ذلك وهو الطواشي الرقيق سهيل ،الذي غالباً ما كان يتولى منصب السكرتير الخاص للسلطان في أثناء مرضه وكان يمكن أن تشتري خدماته لها . فهل هناك شخص آخر لتشركه السر ؟ كلا فإنه كلما قل عدد من يعرف السر كان ذلك أفضل وأكثرأمناً .
لقد برهنت شجرة الدر في حياتها أن النضال مهمة المرأة مثلما هي مهمة الرجل في الدفاع عن بلادها وعن كرامتها وحقوقها ، ويجب علينا كمصريات وكمسلمات أن نحذوا حذوها هى ومثيلاتها التي ذكرهن التاريخ وذكرهن القرآن الكريم لنا كمثل وقدوة يجب الاقتداء بهن ، فقد قادت شجرة الدرالبلاد بقدرة عالية و بحكمة نادرة و بتبصر حكيم و كانت أقوى امرأة شهدها العصر الاسلامي و قال عنها الكتاب: لم تكن شجرة الدر بالملاك المعطر و لا بالمرأة التي تخلبها الزينة و تحجبها عن الحقيقة , و انما كان لها عقل يدبر و يفكر و يقدر , قادت معركة المنصورة الخالدة في أحلك الظروف, و حققت النصر الساحق على الأعداء , إنها امرأة تستحق التقدير و الثناء , دخلت التاريخ من أوسع أبوابه.
وفي المقال القادم إن شاء الله نعالى سوف نكمل باقي أحداث الحملة الصليبية وكيف كانت نهايتها