الثورة .. صراع الليبراليين و الإسلاميين

شادي طلعت في الخميس ٠١ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

قد أكون غير راضي عن إكتساح الإخوان المسلمين و السلفيين لإنتخابات مجلس الشعب في مرحلتها الأولى و التي إنتهت يوم 29 نوفمبر2011، و لست بمفردي إنتابني هذا الشعور و لكنه شعور عم كل من لم ينتمي إلى إلى تيار الإسلام السياسي، و لكن و بعد إنتهاء المرحلة الأولى تعالت أصوات كثيرة تحلل سب فوز التيار الإسلامي بالإنتخابات فهناك من يقول أن أمير قطر هو من أعطى الإخوان إشارة البدأ في المشاركة في الثورة و طمأنهم بأن أمريكا لن تعاديهم ! و تعالت أصوات أخرى تقول أن سبب ما حدث هو إنشقاق التيار الليبرالي على نفسه، و أخرى تقول أن السعودية و ملكها المرتعش من قيام ثورة في الجزيرة العربية هي من كانت وراء مئات الملايين التي ينفقها السلفيين، و تحليلات كثيرة ليس لها نهاية فالصدمة كانت كبيرة لليبراليين، و بعيداً عن الصدمة دعونا نبحث عن الحقيقة.

لقد كنت مشاركاً بالثورة منذ بدايتها يوم 25 يناير، و خرجت مع المتظاهرين منذ البدأ مرددين الشعب يريد إسقاط النظام، و لم يكن من بيننا الإخوان أو السلفيين، حتى كان يوم 28 يناير إنضم الإخوان إلى المظاهرات، و أحجم السلفيين عن المشاركة نظراً لأن الدين في عقيدتهم الخاصة يحرم المظاهرات و الخروج عن الحاكم بخلاف الإسلام عند الإخوان ! في النهاية أشعل الليبراليون الثورة، ثم سلموها لكل من الإخوان والسلفيين ! فهل علينا أن نخشى من كل ما هو إسلامي ؟ و هل المسلمين هم الإخوان و السلفيين فقط ؟ إن الإسلام هو دين السماحة و اليسر، دين فيه الكثير من التفسيرات و الإختلافات و هذا ليس بحرام أو خطأ لا سمح الله، و لكن في الإختلاف رحمة و الدين كما قلنا يسر لا عسر و كل مسلم قادر على أن يختار ما يراه صواباً من الأحكام المتعلقة بالحياة الشخصية أو الحياة العامة، و إذا ما نظرنا إلى التيارات الإسلامية فإننا سنقسمها أولاً/ إلى شيعة و سنة، ثم ننظر إلى كل مجموعة على حده فالشيعة ستة طوائف و السنة أربعة مذاهب ! كما يتخللها الوهابيون و الإخوان و السلفيين و أيضاً يتخللها الجماعات الإسلامية، و الجماعات الإسلامية تنقسم إلى الجماعة الإسلامية و جماعة الجهاد و غيرهم، و أريد أن أتوقف إلى عند رؤية تيارات الإسلام السياسي لليبرالية و الديمقراطية، فالسلفيون و الإخوان يرون أن الليبرالية خلاعة و كفر ! كما يرى السلفيون الديمقراطية كفر أيضاً، وقد صرح بذلك أحمد الشحات زعيم السلفيين بالإسكندرية ! و لكن لجماعة الجهاد المعروفة و الشهيرة بإستخدامها القوة في عصر مبارك، و التي لا يستطيع أحد أن يزايد على إسلامها رؤية أخرى فهي ترى أن الإسلام قد سبق الغرب في الليبرالية، و هي رؤية متطورة حضارية على الليبراليين أن يحترموها و أن يتعاملوا معها إذ أن أكثر التيارات الإسلامية تشدداً لا تتعارض مع الليبرالية، أي أنها ليست خلاعة أو حراماً لا سمح الله، من هذه النظرة الموضوعية أستطيع أن أقول أن أرقى التيارات الإسلامية فكراً هو تيار الجهاد الإسلامي و لكنه للأسف رفض المشاركة السياسية و تفرغ للدعوة بعد نجاح الثورة، معتبراً أن الطاغية قد زال و أن دورهم في الجهاد لا بد له و أن يتوقف، و رأوا أن التفرغ للدعوة هو الواجب الآن، و الواقع أني كنت أتمنى مشاركة جماعة الجهاد في السياسية، و لكني في النهاية أعود و أقول أن الدين لا يجب أن يدنس بالسياسة فتحية إلى جماعة الجهاد الإسلامية.

أعود  مرة أخرى إلى الثورة و تسلسل أحداثها، و أنا أريد أن أكون حيادياً و أنا أرصد حقائق قد لا يغفر لي التاريخ إن حاولت تزيفها، لقد كانت الثورة في بدايتها مجرد مظاهرات لا أكثر قبل يوم 28 يناير، و جميعنا يذكر تصريحات هيلاري كلينتون بأن التقارير الأمريكية تؤكد أن النظام في مصر مستقر ! إلا أن يوم 28 يناير غير من خريطة السياسة المحلية و العالمية، فقد إنتفض الشعب إنتفاضة لم تقدر عليها جحافل النظام البائد المخلوع، و بعد نزول الإخوان إلى الميدان بدأت إسرائيل في دعمها لنظام مبارك و طالب رئيس وزرائها الرئيس الأمريكي أوباما بأن يساند مبارك حتى لا يأتي الإخوان إلى الحكم فيمثلوا خطراً على المصالح الأمريكية و الإسرائيلية، و بالفعل إنساق أوباما إلى نصائح إسرائيل و كان داعماً لمبارك في بداية الثورة، إلا أن الشعب فرض إرادته في النهاية و أجبر العالم كله على أن يتضامن معه، و لكن بقيت أمريكا في هواجسها من خطر مجيئ الإخوان، و تنبأ الإخوان بخطورة الموقف نظراً لوجودهم في المشهد الثوري، فأعلنوا أنهم لا يريدون رئاسة الجمهورية في حال نجحت الثورة، و لكن رد الساسة أن الإخوان لا يريدون الرئاسة لأنهم يبحثون عن الأغلبية في مجلس الشعب، فرد الإخوان أنهم لا يريدون أغلبية في مجلس الشعب، و تخلل كل ذلك وساطات و لقاءات جمع بعضها بين الإخوان و الأمريكان، حتى تم خلع مبارك ثم بدأت المباحثات الإخوانية الأمريكية منها ما كان في الخفاء و منها ما كان في العلن، و علينا أن نعلم جميعاً أن أمريكا لا تبحث إلا عن مصالحها حتى و لو كانت مع الشيطان، فهي ليست ضد الإخوان أو السلفيين إذا ما وصلوا إلى الحكم طالما حققوا لها مصالحها، و أكبر دليل على ذلك هو علاقة أمريكا بالسعودية و خاصة العائلة الحاكمة التي تقدم لأمريكا كافة الضمانات من أجل نيلالرضا الأمريكي و لا ننسى أن بريطانيا هي من زرعت عائلة آل سعود و ساندتها !

بعد القضاء على مبارك و أعوانه إنشغل الشعب في إنجازه العظيم فلم يكن مصدقاً نفسه أنه قضى على الطاغية في 18 يوماً فقط، و لكن في ظل إنشغال الشعب بإنتصاره كان المسرح السياسي مليئ بالممثلين، إسلاميون و ليبراليون و شيوعيون و ناصريون و قوميون، و لم ينتبه الشعب إلى الفاسدين من المعارضة السياسية مثلما إنتبه إلى فلول الحزب الوطني المنحل ! فعلى سبيل المثال بعض من يعدون الآن من رجال الثورة و أبطالها هم أشخاص ذنوبهم قد تتخطى ذنوب الفلول ! فقد رأينا تحالفاً قوياً بين حزب الوفد و الإخوان المسلمين و لم ينقضي هذا التحالف إلا قبيل الإنتخابات بفترة وجيزة، ما أريد قوله أن الكثيرين من رموز المعارضة سواء أكانت إسلامية أم ليبرالية كانوا على علاقة وطيدة بالنظام البائد و جميعهم تشوب ثرواتهم الطائلة علامات إستفهام كثيرة فعلى سبيل المثال لا الحصر :

 - د السيد البدوي كانت تربطه علاقة وطيدة برئيس مباحث أمن الدولة اللواء حسن عبد الرحمن، و كلاهما شريك في شركة ميديا لاين ! 

- خيرت الشاطر و حسن مالك و كلاهما من الإخوان  شركاء لأحد المتهمين في موقعة الجمل و هو أحمد شيحة صاحب متجر ماركاتو الشهير بمدينة نصر !

أحمد الفضالي رئيس حزب السلام هو إبن شقيقة أحمد عمر هاشم ! أحد أضلاع النظام السابق.

- عمرو الليثي هو إبن ممدوح الليثي و هو أحد أضلاع الفساد، بخلاف أن عمرو الليثي كان من ضمن الإعلاميين اللذين حاولوا إجهاض الثورة كما أنه كان عضو بارز بالحزب الوطني ! 

- لميس الحديدي كانت المنسقة الإعلامية لحملة مبارك في غنتخابات الرئاسة عام 2005!

لم أشأ ذكر هذه الأسماء للتشهير بها لا سمح الله، و إن كان الإنتساب للنظام البائد أمر من العار بطبيعة الحال، و لكني أريد آخذكم إلى إتجاه آخر، كان سبباً في تشتت التيار الليبرالي، فمن تم ذكرهم منهم من هو إسلامي و منهم من هو ليبرالي و آفة الليبراليين بعد رحيل النظام أنهم شعروا بالخوف من الإسلاميين و أنهم هم الأقرب للسلطة فحاولوا جاهدين أن يتقربوا منهم لعدة أسباب أهمها أن يبتعدوا بتاريخهم الملوث بالنظام البائد عن الأعين لفترة حتى يهدأ الثوار عنهم ، و السبب الآخر ليحافظوا على مكتسباتهم من النظام البائد في ظل النظام القادم الجديد، و بما أن هؤلاء الليبراليون يملكون ما لا يملكه غيرهم من الليبراليين من مال و إعلام ! كان لهم التأثير السلبي الأكبر على التيار الليبرالي بأكمله.

أما إنتخابات مجلس الشعب و حصول الإخوان و السلفيين على أعلى الأصوات فهذا يعود لما ذكرناه آنفاً كما يعود لأسباب أخرى منها :

أولاً/ أن المجلس العسكري فجأة و بدون مقدمات وجد نفسه في سدة الحكم، و هو لا علاقة له بالسياسة ! و نظراً لمعلوماته السطحية عنها آثر أن يتعامل مع الإخوان المسلمين على أساس أنهم القوة الأكثر تنظيماً.

ثانياً/ وجد المجلس العسكري أن تطهير الثورة من الممكن أن يطوله فعقد مع الإخوان إتفاقات مجملها أن يسلم السلطة إليهم بشرط أن يضمنوا له عدم المساس بأي فساد داخل المؤسسة العسكرية.

ثالثاً/ قام المجلس العسكري بتزكية الإخوان المسلمين عند الأمريكان، و كان له دور كبير في طمأنة أمريكا على مصالحها في حال وصول الإخوان إلى الحكم، و فعل ما كان مبارك و أعوانه يروجون له بأن الإخوان هم القوة المنظمة الوحيدة في مصر.

رابعاً/ قام المجلس العسكري بإبداع شئ ليس له وجود في العالم كله و هو جعل أعضاء مجلس الشعب مشكلين من ثلث فردي و ثلثين من القوائم النسبية ! و سبب هذه الطريقة الإبداعية و الجديدة، أنها تسمح للقائمين على العملية الإنتخابية بمساحات واسعة للتلاعب بالنتيجة النهائية.

بقي أن نطرح سؤالاً هاماً و هو متعلق بالإخوان المسلمين و السلفيين، و السؤال هو/  هل نجاح كلا التيارين الإسلاميين في إنتخابات مجلس الشعب ذكاء منهما أم خطأ سياسي ؟

و حتى نجيب على مثل هذا السؤال علينا أن ننظر إلى الأوضاع التي تمر بها البلاد في الوقت الراهن، فالأوضاع السياسية متوترة و ليست ثابتة و لن تثبت قبل مرور 10 سنوات على الأقل، و هذا أمر طبيعي لدولة جديدة خرجت تواً من رحم ثورة، أما الأوضاع الإقتصادية فهي في أسوأ حالاتها في ظل غياب الشفافية و تهريب رؤس الأموال، بقي لنا الأوضاع الإجتماعية و هي لا تختلف عما سبقها، فالناس في مصر قد ضاق بهم الحال و الشعب قرر أن يجرب كل شئ من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار إلا أنه إختار أن يبدأ بالإسلاميين، و هنا نستطيع القول أن دخول الإسلاميين حلبة الصراع بكل ما أوتوا من قوة خطأ سياسي كبير، قد لا تغفره لهم الأجيال القادمة من الإسلاميين، لأنهم قرروا أن يخوضوا التجربة في أحلك ظروفها، و لكن الشعب لا يعرف الأعذار و إن لم يحقق الإسلاميون للشعب الطمأنينة و السكينة و الحياة الرغدة كما وعدوا فإنهم سيسقطون من حسابات الشعب لفترة ستكون بالطويلة و ليست بالقصيرة، و لكم كنت أراهن على ذكائهم الذي كنت أعتقده بديهي إلا أن تعطشهم للسلطة جعلهم ينسون قواعد اللعبة فما السياسة إلا لعبة بحاجة إلى التفكير و التكتيك إذا ما أراد أي طرف فيها أن يفوز.

من هنا أقول لكل شخص لا ينتمي لتيار الإسلام السياسي و يخشى على نفسه من المرحلة القادمة، أقول له لا تخشى شيئاً و لا تنزعج فمجلس الشعب القادم سيكون أعضاؤه هم الأسوأ على مدار تاريخنا الحديث، لأنهم سيفشلون، و ذلك ليس تقليلاً من شأنهم و لكن لأن اللعبة في مستواها الأخير الآن، و اللاعبون لم يتدربوا إلا على المستوى الأول و بتواضع.

و بنظرة أعم على اللعبة السياسية نجد طرف قد غاب عن الساحة السياسية فترة، ثم عاد قبيل الإنتخابات بفترة وجيزة إنهم الأقباط أو المسيحيون، فبعد خلع النظام البائد أعلن المسيحيون عن أنفسهم في البداية و إرتفع صوتهم إلا أنه مالبث أن غاب مرة أخرى ! و المشكلة تكمن في أن العديد من قيادات السياسة من المسيحيين أغلبهم خارج البلاد و الواقع أنهم الأكثر حمية و نشاطاً، و الواقع أيضاً أنهم جميعاً مخلصون لوطنهم الأم مصر مثل كميل حليم و مدحت قلادة على سبيل المثال لا الحصر، بينما بعض القيادات المسيحية بالداخل قد تنهال عليها عروض سخية إسلامية ! و لكنها في النهاية لا تحقق نفعاً عاماً للقطاع المسيحي إذ أن نفعها يكون فقط للشخوص ! و ها نحن نرى أن نائب رئيس حزب الحرية و العدالة هو أحد الكهنة المسيحيين ! لقد دخل الرجل حزب الحرية و العدالة ليعطية شرعية شعبية و أرضاً لولاه ما كان الإخوان سيحصلون عليها، و ها نحن نرى أيمن نور الليبرالي يذهب إلى الإخوان مهرولاً ساحباً معه قطاع كبير من الليبراليين و من المسيحيين أيضاً لينزلوا تحت مظلة قائمة الحرية و العدالة و شعاره (نحمل الخير لمصر) لا أريد أن أخون ليبرالي أو مسيحي عمل ضد مدنية الدولة عن طريق تضامنه مع التيار الإسلامي، إلا أن التاريخ لن يغفر لهم ما فعلوه.

في النهاية :

سيظل الصراع بين الليبراليين و الإسلاميين قائماً إلى مدى طويل و سيكون أشبه بصراع الثوار مع جحافل النظام البائد، عبارة عن معارك بها كر و فر، إلا أن السؤال الذي إجابته ستكون عندكم أنتم .. الليبراليون و الإسلاميون ، من منهما يشُبه بجحافل النظام البائد و من منهما يشُبه بالثوار.

أقول قولي هذا و أستغفرو الله لي و لكم

شادي طلعت

 

اجمالي القراءات 9459