[ وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ]
الطاقة والاستطاعة
[يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يُطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ..] البقرة 183-184-185
يوجد ثلاثة تفاسير قد تم اعتمادها في التراث لجملة (وعلى الذين يُُُطيقونه فدية طعام مسكين) وكل تفسير اعتمده مجموعة من العلماء مع وصف التفسير الآخر بالمرجوح .
لنر ما مدى صحة هذه التفاسير من خلال مناقشتها ودراستها بشكل أصولي ومنهجي :
التفسير الأول :
قال العلماء : إن كلمة (يُطيقون) بمعنى يستطيعون وبالتالي فالنص يتكلم عن الذين يقدرون على الصيام ولكن لا يريدون الصيام فرخص الله لهم الإفطار بشرط أن يقوموا بالفدية عن هذا الإفطار وهي إطعام مسكين عن كل يوم يتم إفطاره كحد أدنى ، وعندما وصلوا إلى النص الذي يلي هذا النص وهو (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) البقرة 185 شعروا بوجود التناقض بين النصين وكعادتهم عندما لا يستطيعون فهم النص أو التوفيق بينه وبين نص آخر يفزعون إلى عملية نسخ أحدهما بمرجحات عقلية حسب ما وصلت إليه دراستهم القاصرة ، وهذا ما فعلوه تماما في مسألتنا تلك . (وعلى الذين ُيطيقونه ) وبالتالي بطل حكمها .
تعالوا لنناقش هذا الرأي بهدوء وموضوعية من خلال تحليل وتفكيك النص المعني بالدراسة ومقارنته برأيهم فكرة تلو الأخرى :
أول فكرة في النص :( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ) تقرر بشكل واضح وجوب الصيام مطلقا دون تحديد بشهر معين على المؤمنين ، وبالتالي يبطل قولهم إن النص ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن .....) هو في تشريع الصيام كحكم وإنما هو نص في تحديد وتوقيت زمن الصيام ، فالنص الأول (كُتِبَ عليكم الصيام ) تكليف وأمر ، والنص الثاني ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ... فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) تحديد وتوقيت زمن الصيام ، وإذا كان الأمر كذلك يبطل قولهم بالنسخ ناهيك عن أن ادعائهم للنسخ من أساسه باطل حسب أصول النسخ التي تم اعتمادها من قبل العلماء الذين يقولون بوجود النسخ في النص القرآني وهي أن النسخ لا يكون إ لا لآية كاملة فلا يصح نسخ كلمة أو جزء من آية لقوله تعالى :( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها...) البقرة106 وذلك على افتراض وجود النسخ .
الفكرة الثانية : النص أوجب الصيام على المؤمنين ورخص بالإفطار لذوي العذر والحاجة فذكر منهم المريض والمسافر وطالبهم بالصيام بعد زوال العذر والحاجة ، وبعد ذلك ذكر ( وعلى الذين يُطيقونه فدية طعام مسكين) وحسب سياق النص ابتداء من وجوب الصيام وذكر العذر والحاجة للإفطار يجب أن تكون دلالة ( يُطيقونه ) هي عذر وحاجة تدفع الإنسان إلى الإفطار ، وهذا لا يستقيم مع التفسير بأن ( يُطيقونه) بمعنى يقدرون أو يستطيعون عليه لأنه تناقض مع إيجاب الصيام ابتداء على المؤمنين ، فكيف يوجب الله الصيام ثم يرخص في تركه للقادر عليه فمن المعلوم أن التكليف موجه للعاقل القادر والرخصة في الشرع دائما للمعذور وليس للقادر المستطيع .إذن لا يصح التشريع بالأمر والوجوب ابتداء وإنهاء ذلك الأمر بالتخيير في الفعل ، فهذا تناقض صريح في فهم النص ، مما يؤكد بطلان تفسيرهم لكلمة (يُطيقون) بمعنى يقدرون أو يستطيعون .
التفسير الثاني :
قال بعض العلماء : إن كلمة (يُطيقونه) بمعنى يستطيعون ويقدرون على الصيام ، والنص أوجب ابتداء الصيام على المستطيع ورخص للمريض أو المسافر الإفطار مما يؤكد أن كلمة (يُطيقونه) ليست هي حكما منفرداً عن المسافر أو المريض وإنما هي راجعة لهما بمعنى أن المريض أو المسافر الذي يستطيع الصيام ولكنه لا يريد ذلك فلا مانع له من الإفطار وعليه أن يقوم بالفدية عن إفطاره بإطعام عن كل يوم مسكيناً كحد أدنى . وهذا الرأي في الحقيقة هو جزء من الرأي الأول ، إذ وافقه في تفسير كلمة (يُطيقونه) بمعنى يقدرون أو يستطيعون ، ولكنه رفض فكرة النسخ وبرفضه للنسخ اضطر لإرجاع كلمة (يُطيقونه) للمريض والمسافر لأن الأصل في الحكم أن المستطيع على الصيام واجب عليه الصوم ابتداءً في صدر النص ( كتب عليكم الصيام ) فلا مناص للهروب من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه وهو تفسير كلمة (يُطيقون) بمعنى يقدرون أو يستطيعون إلا بإرجاعها للمريض أو المسافر حتى يستقيم تأويل النص قدر الاستطاعة ،هكذا ظنوا وعند التأمل في هذا التأويل نجده تأويلاً تلفيقياً غير متما سك منطقياً مع دلالة النص ونظمه بشكل كلي وإليك البيان :
أولا: يجب الإقرار أن الصيام واجب على المستطيع، وقد تم تكليفه بذلك ابتداءً في صدر النص ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ).
ثانياً : قد رخص الشارع الإفطار للمريض والمسافر، وعندما يذكر الشارع شيئاً ولا يحدده بصورة يعني ذلك نسبية وتحرك هذا المفهوم صورياً حسب العرف الاجتماعي الزمكاني، بمعنى أن المرض والسفر مفهومان خاضعان لعامل الزمان والمكان فما يعده المجتمع مرضاً أو سفراً يكون هو المقصود بالحكم في هذا الزمكان بالنسبة للرخصة ، وما ينفي عنه المرض والسفر لا يكون رخصة ، فليس خروج الإنسان من بيته لمكان عمله سفراً وقد تبلغ المسافة بضع عشرات الكيلو مترات أي أضعاف ما كان يعد في مجتمع النبوة سفراً ، وكذلك المرض يخضع لعامل المعرفة والمقدرة ، فالطبيب هو الذي يحدد إن كان هذا المرض يبيح الإفطار أو لا ،فالإنسان المصاب بقدمه بجرح أو التهاب وما شابه ذلك لايعد مرضاً يترتب عليه إباحة الإفطار له.
إذاً المريض أو المسافر لهما حكمان :
الأول: وجوب الإفطار إذا علما أن الصيام سوف يهلكهما من منطلق حفظ الصحة التي هي مقصد شرعي .
الثاني: الرخصة في الإفطار وهي تعني التخيير ما بين الإفطار أو الصوم مع الميل والندب نحو الإفطار لأن الإنسان ما ينبغي أن يصبح عالة على الآخرين أثناء قيامه بعبادته ، فالعبادة التي تجعلك عالة يسقط حكم وجوبها مباشرة لتحقيق المقصد الشرعي وهو فاعلية الإنسان في الحياة الدنيا وقيامه بمنصب الخلافة .
فإذا أرجعنا كلمة ( يُطيقونه) للمسافر أو المريض و فسرناها بقدرة كلاهما على الصيام مع إرادة الإفطار من قبلهما وقعنا في مغالطة كبيرة وهي :
أولا: كيف يرخص للمسافر أو المريض الذي لا يستطيع الصيام بالإفطار ويؤمر بالقضاء بعد زوال العلة، بينما الذي يستطيع الصيام منهما وأحب أن يفطر يؤمر فقط بالفدية دون القضاء ؟!
ثانياً: إن تفسير (يُطيقونه) بمعنى يستطيعونه هو أمر موجود ضمناً في الحكم الأول ، فمن المعلوم أن الإنسان عندما يرخص له في ترك واجب عليه يتضمن هذا الحكم إباحة فعل الواجب ضمنا كونه الأصل ، وصراحة في تركه إذا أراد فله حق التصرف بين الفعل والترك . فالذهاب بتأويل (يُطيقونه) إلى المسافر أو المريض هو عبث وتكرار لا مبرر له .
ثالثاً: إن تأويل كلمة (يُطيقونه) بمعنى يستطيعون خطأ لغة وسوف نبين ذلك لا حقاً .
رابعاً : إذا افترضنا أن كلمة (يُطيقون) تدل على الاستطاعة كما يقولون لوجب أن يعود الحكم إلى أصله وهو وجوب الصيام على المستطيع وما ينبغي أن يكون حكمه الفدية لأن ذلك عبث ومنافي للحكمة من التشريع إذ يصبح الأمر على الشكل التالي :
يجب عليكم أيها الناس أن تصوموا فإن لم تريدوا الصيام فادفعوا فدية. فهذا الكلام فيه مغالطة وهي وجود التخيير بعد أمر الوجوب مما يعني تناقض هذا النص وعدم إحكامه . ولو كان المقصود التخيير وجب أن يأتي بصيغة الأمر بالصيام أو الفدية معطوفين على بعض مباشرة .
الرأي الثالث :
رأي منسوب إلى مجتمع الصحابة وعلى رأسهم عبدالله بن عباس إذ قال إن المقصود بجملة (وعلى الذين يُطيقونه فدية طعام مسكين ) هو الشيخ الكبير والمرأة المرضعة أو الحامل وما شابه ذلك ، وعندما قام العلماء بدراسة هذا الرأي لمعرفة كيف وصل إليه ابن عباس انطلقوا ابتداء من أن كلمة (يُطيقون) تعني يستطيعون وبالتالي يجب تقدير كلمة ( لا) قبل فعل (يُطيقون) ضرورة حتى يستقيم المعنى الذي وصل إليه ابن عباس وتصبح الآية بمعنى (لا يُطيقون) وبذلك العمل ظنوا انهم أضفوا على تفسير ابن عباس التماسك المنطقي لدلالة النص وخاصة أنهم وجدوا بعض الآثار التي تفسر الآية باستخدام كلمة (لا يُطيقون) لدلالة كلمة (يُطيقون ) واستمر هذا الخطأ إلى زماننا المعاصر ، ويكفي دليلاً على خطأ هذا التقدير هو التحريف في التأويل من فعل مثبت إلى فعل منفي وهذا عمل غوغائي وقبيح ؟! .
الملاحظ في التفاسير الثلاثة أنهم مشتركون ومتفقون على أن دلالة كلمة (يُطيقون) هي يستطيعون وبعد ذلك ذهب كل واحد بمنحى وعد رأيه صوابا والآخر خطأ.
لنر الآن تأويل النص بما يوافق الأصول وينسجم مع المعقول ، ويضفي على النص صفة المصداقية والصلاحية ، وينفي عنه صفة الحشو والعبث .
إن كلمة (يُطيقون) بضم الياء من الفعل الماضي الرباعي (أطاق ) الذي هو بدوره من كلمة (طوق) وهذه الكلمة تدل أحرفها الثلاثة على :
(ط) تدل على دفع وسط .
(و) تدل على ضم ممتد .
(ق) تدل على قطع شديد .
فإذا جمعنا هذه الأحرف الثلاثة مع بعضها بترتيب (طوق) دلت على قوة كامنة مجتمعة منتهية عند حد معين . ومن هذا الوجه سمى العلماء ما يحيط بالشيء حبسا ومنعاً لما بداخله (طوق) كونه قوة اجتمعت على نفسها من خلال التقاء طرفيها وأفادت حبس ومنع ما جعل الطوق عليه .
وقال تعالى: (سيُطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) 180 آل عمران وسميت القوة الكامنة في الإنسان (الطاقة) ومن هذا الوجه جاء قوله تعالى (ربنا ولاتحملنا ما لا طاقة لنا به) البقرة 286 أي ما يحصل من أحداث تقع مسئوليتها علينا اجعلها ابتداءً يا رب ضمن مستوى الطاقة التي نملكها كبشر، وقد يقول قائل : إن هذا تحصيل حاصل لأن الله عالم وعادل وحكيم وبالتالي فهو لا يحمل الإنسان فوق استطاعته فنقول له: هناك فرق بين (الطاقة) و(الاستطاعة). فالطاقة كما ذكرت آنفا هي القوة الكامنة في الإنسان التي يستخدمها ويستهلكها في الاستطاعة على الشيء لأن الاستطاعة هي المقدرة على فعل الشيء سواء أكان ذلك ضمن طاقة الإنسان أم استهلك طاقته وبذل جهداً فوق طاقته لحصول الشيء فهو في النهاية استطاع فعل المطلوب منه ، ومن هذا الوجه جاء قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) فالمطلوب هو بذل الجهد ولو أدى إلى تجاوز الطاقة فاصبروا لتحقيق المطلوب وهو(ترهبون به عدوالله ).
فإذا عرض على الإنسان القيام بعمل مهم ومصيري ما ينبغي النظر إليه من منطلق (الطاقة) فقط ، لأن (الطاقة) قد لا تكفي أو تنفذ، وإنما النظر إليه من (الاستطاعة) فبهذه النظرة يستطيع أن يقوم بالعمل مستخدما الطاقة القصوى ويمدها بطاقة أخرى وهي الحرص والصبر والحزم والإصرار على تنفيذ العمل على أرض الواقع . ولا شك أن هذا العمل متعب ومضني لذلك جاء الدعاء (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) أي ما نتعرض له من أحداث تقع ضمن مسئوليتنا اجعلها ضمن طاقتنا وبالتالي نستطيع فعلها بيسر وسهولة . ومثال على الطاقة والاستطاعة هو قيام الإنسان بالصيام دون طعام أو شراب لمدة ثلاثة أيام متتالية فهذا الصيام هو ضمن طاقة الإنسان ويستطيع فعله ، أما إذا تجاوز هذه الأيام الثلاثة يكون الأمر خرج عن طاقته ولكنه يصمد ويستطيع فعله بشق الأنفس ، وهكذا ينجح ويفوز كل أبطال العالم في مختلف أنواع الرياضة فالفرق بينهم هو من يستطيع أن يصمد هذه اللحظات بعد انتهاء الطاقة منه فيفوز ويصبح بطلاً فهو استطاع على فعل ذلك ولكن بشق الأنفس مستهلكاً كامل طاقته الكامنة ودعمها بإصراره وصبره على الفوز .
وبعد معرفة الفرق بين (الطاقة) و(الاستطاعة) يتبين لنا خطأ رأي المفسرين عند ما قالوا : إن (يُطيقون) بمعنى يستطيعون فماذا تدل كلمة (يُطيقون) في النص المذكور بعد معرفة دلالتها لغة ؟
لمعرفة دلالة كلمة (يُطيقون) لابد من التفريق بين :
1- الفعل الماضي الرباعي (أطاق) الذي يكون مضارعه (يُطيقون) بضم الياء .
2- والفعل الماضي الثلاثي (طاق) الذي يكون مضارعه (يَطيقون) بفتح الياء .
نقول: طاق القوم الحرب . ونقول : أطاق القوم الحرب. فما الفرق بين الدلالتين :
نجد أن فعل (طاق) يدل على أن الأمر المعني كان ضمن إمكانية القوة في القوم ولم يبذلوا أي جهد فوق طاقتهم . بخلاف فعل (أطاق) فإنه يدل على قيام القوم ببذل جهد فوق طاقتهم الكامنة ليصبروا على الحرب . والنص المعني في الدراسة استخدم فعل المضارع (يُطيقون) بضم الياء وهو من الفعل الماضي الرباعي (أطاق) المبدوء بهمزة التعدي ، مما يدل على أن المقصود هو الناس الذين يكون الصيام بالنسبة إليهم فوق طاقتهم الكامنة وهم بحاجة لبذل الجهد والصبر حتى يستطيعوا الصيام ، فهؤلاء رخص الله عز وجل لهم الإفطار وذلك من تمام رحمته و حكمته وإرادته اليسر للناس ، ومن هذا الوجه كان تفسير ابن عباس رضي الله عنه أن المقصود هو الشيخ الكبير والمرأة المرضعة والحامل وما شابه ذلك من ذوي الأعمال الشاقة صحيح موافق لسياق النص ونظمه دلالة . ولو جاء فعل المضارع في النص (يطيقون) بفتح الياء الذي أصله الماضي الثلاثي ( طاق) لكان أيضا خطأ تفسير العلماء السابق لأن فعل (يطيق) دلالته تختلف عن دلالة فعل (يستطيع) فمن يطيق الأمر قطعا هو يستطيع عليه ، بخلاف من يستطيع على الأمر فلا يشترط له أن
يطيقه فممكن أن ينجح في القيام بالعمل دون امتلاك الطاقة الكافية وذلك بإصراره وصبره وحزمه .
وكذلك خطأ أيضا من خلال نظم النص لأن النص ابتداء أمر بالصيام ، والأمر بالفعل دائما مرتبط بالاستطاعة فإذا كان الإنسان يطيق شيئا فهو قطعا يستطيعه فإذا جاء النص بفعل (يطيقونه) بفتح الياء يصير على الشكل التالي ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) بمعنى وعلى الذين يملكون القوة الكافية للصيام وبالتالي يستطيعون الصيام دون حرج أو جهد زائد ولم يريدوا أن يصوموا فلا مانع من ذلك وعليهم فدية طعام مسكين عن كل يوم يفطرونه، وإذا أخذ النص هذا المعنى تناقض مع أوله (كتب عليكم الصيام ) فكيف يجتمع الأمر بالقيام بعمل ما وبالوقت نفسه ينتهي النص بالتخيير بين فعله وتركه لنفس المكلف مع انتفاء الأعذار عنه، وما قدره العلماء من وجود حرف (لا) قبل فعل (يطيقونه) في النص خطأ فاحش وتقول على الله ما لم يقل بل هو تحريف في النص عن طريق التأويل ولو كان غير مقصود منهم ولكنه عمل شنيع ما ينبغي الوقوع به .
ولو افترضنا أن في النص حذف لحرف (لا) لوجب أن يأتي الفعل (يطيقون) مفتوح الياء حتى يقترب من معنى الاستطاعة الذي قالوا به ومع ذلك لو جاء فعل (يطيقون) مفتوح الياء لا ستغنى عن حرف (لا) حسب تفسيرهم ، وإذا بقي فعل (يطيقون) كما هو مضمومً الياء وقدرنا وجود حرف (لا) قبله لتناقض مع تفسيرهم إذ يصبح وعلى الذين لا يصابون بالضيق والحرج والتعب فدية طعام مسكين !! . وما ذكرته يؤكد خطأ تفسير كلمة (الطاقة) بالاستطاعة ، ويؤكد أن فعل (أطاق) ومنه (يُطيقون) دلالته غير فعل (طاق) ومنه(يطيقون) بفتح الياء .
أما دلالة (وسع) من قوله تعالى : (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) البقرة286 فهي كلمة تدل على ضم واجتماع الشيء وحصره أو وضعه في مكان معين . ومن هذا الوجه يكون تكليف الله عز وجل للإنسان بالأعمال إنما هو حسب سعة نفسه وذلك يبدأ من فعل (طاق) إلى فعل (أطاق) فكلاهما داخلان في وسع الإنسان فعله.