الله نور السموات والأرض
المراقب لصفات الله ، ووصفه لنفسه في كتابه الكريم ، وعبر استعراض لأسماءه الحسنى والتي وردت في الذكر الحكيم ، سوف يجد أن أحدها هو صفة بل وإسم النور.
فمن المتيقن فيه أنه إذا التقت الصفات والأسماء في مصطلح واحد، تكون ذات الله العلية.
ومسألتنا تلتقي فيها صفة ووصف ( النور ) بالإسم النوراني ( النور ).
وهنا يجب الإقرار بتنزيه الإسم عن المثلية، وكذا تنزيه الوصف عن الإدراك، فسبحان الله عما يصفون.
لكن الله، ورحمة منه بضعفنا البشري، وقلة حيلتنا فى الإدراك، وضمور المساحة المعرفية التي نتحرك في داخلها، أيضا قلة علمنا، صار يضرب لنا الأمثال تلو الأمثال ، وذلك لتقريب الحقائق، وتبسيط المفاهيم.
{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) } سورة النور
في هذه الآية الكريمة، يعطي لنا الله المثل ( ولله المثل الأعلى ) بشئ من عالمنا ، نستطيع أن نحسه ونتلمسه ، ونراه بأعيننا ومن حولنا ، ونقيسه بقياساتنا، حتى يتسنى لنا أن نحيط بأبعاد المثل المضروب، وبنسبـيتـنا المحدودة في الحكم على الأشياء ، سوف يصل إلى مداركنا - لمن أذن له الرحمن بذلك – بعض المفاهيم على قدر ما تستوعبه عقولنا، وتدركه قلوبنا ، ويطمئن إليه وجداننا.
كانت لهذه المقدمة، والتي استطالت قليلا، ضرورة حتمية، ذلك لأن التجريد الفلسفي سوف يخرجها من قالبها الإيماني، ويتجه بنا إلى العلوم التجريبية، بقوانينها القاصرة، وافتراضاتها المتعثرة، وتهويماتها العابرة.
ما أرمي إليه، هو أن النور ..والذي ورد في الآية، لن نستطيع أن نضع له تعريفا، ولا أن نحدد له توصيفا ، وجل ما نستطيع أن نقدمه هو التقريب النسبي لأحد الأشياء الموجودة في عوالمنا، ألا وهو الضوء، والذى نراه من مصادره الطبيعية والمسخرة بقدرة الله لنا نحن البشر، مثل الشمس والقمر والنجوم، أو منبعثاً من مصادرصناعية متعددة ابتدعها الإنسان، لتعينه على أيامه.
هذا الضوء، والذي ارتضيناه بديلا - غيرمكتمل للمضاهاه، وقصور في معناه - يمكن لنا أن نضع له من القوانين والتي تقيس انكساراته وحيوده، وانتشاره وشتاته، وتجميعه وتفريقه، وفق نظريتين لا ثالث لهما حتى حينه.
أولهما : تتحدث عن طبيعة انتشار وانتقال الضوء في موجات ترددية.
ثانيهما : تقول بأن الضوء هو عبارة عن جسيمات دقيقة الحجم وخفيفة الوزن
( فوتونات ) تتحرك بسرعات كبيرة، ويكمن فيها أسلوب إنتقال الطاقة.
ولسنا في مجال الفصل بينهما، خاصة وأننا نميل بالكلية نحو الرأي الأول، حيث يتوافق ذلك وما ذهبنا إليه من إختلاف مستويات التردد والتي تفصل بين الحيويات المختلفة، بل تفصل بين الموت والحياة ذاتها، فكل له مداه الترددي الخاص به، ويتحرك ضمن حدود القوانين الفاعلة والمتفاعلة في مداه الترددي.
فقد سبق وأن أشرنا فيما سلف من الحديث، أن كل منا يعيش - في هذه الدنيا - في حيز ترددي نحنف فيه ( أي نتحرك بين الحد الأعلى والحد الأدنى لحيز التردد )، وكذا كل الحيويات بل والجوامد، وتشاركنا التواجد في هذا الوجود مخلوقات ذات طبيعة مختلفة سواء أكان ذلك في مادة الخلق وبالتالي في الحيز الترددي أو كان ذلك في طبيعة القوانين الحاكمة لكل حيز ترددي.
وسبق أن أشرنا أيضا، إلى أن الروح والتي هي من أمر الله، تكمن في الصبغات الوراثية ( الجينات ) في الخلية الحية، والتي هي عبارة عن مجموعة من الأوامر التي تكفل لها آداء مهمة معينة شديدة التحديد والقطع، متزامنة الإبتداء والإنتهاء.
ومن نافلة القول الإشارة إلى أن عدد الصبغات الوراثية في الخلية البشرية الحية يصل إلى مائة وعشرون ألف ( جين ) كل منها له وظيفة محددة، وسوف أقول لمن يستهول هذه العددية، أن ( الجين ) الواحد يتركب من عدة أحماض أمينية، وتتشكل هذه الأحماض الأمينية من أربعة قواعد بروتينية أساسية، ليصل عدد هذه الأحماض الأمينية المكونة لجينات الخلية الواحدة إلى 4 جيجا حمض أميني، أي أربعة آلاف مليون حمض أميني.
ولتقريب هذه العملية للأذهان سوف نستعير مثلا من عالم الفنون، وهو عالم الرسم وخلط الألوان، فمن المعلوم أن الألوان الأساسية هي ثلاثة ألوان الأصفر والأحمر والأزرق، فإذا مزجنا بين اللون الأصفر والأحمر لنتج اللون البرتقالي، وأيضا إن مزجنا اللون الأصفر مع اللون الأزرق لحصلنا على اللون الأخضر، فإذا خلطنا اللون الأحمر واللون الأزرق فسوف يتوافر لدينا اللون البنفسجي.
هذا على إفتراض أن الخلط تم بنسبة متساوية، فلو فرضنا أن النسبة تغيرت فسوف ينتج العديد من الألوان متباينة الدرجات بين داكنة وناصعة.
ويمكن بالطبع تغيير ذلك بإضافة نسبة من اللون الثالث فنحصل على لون مختلف وهكذا نصل إلى تكوين آلاف الملايين من الألوان.
وبالمثل يحدث هذا في تكوين الأحماض الأمينية، والتي تتشكل منها الجينات.
والعجيب أن الجين يتركب من مجموعة متفاوتة التركيب والعدد بل وترتيب التراكم من الأحماض الأمينية، ولو اختلف مجرد واحد منها فقط سواء في التركيب أو في ترتيب التراكم لاختلت على الفور وظيفة هذا الجين، ولحدث تغير في طبيعة آداءه لوظيفته.
كيف يمكن إذن.. إحكام ترتيب هذه التكوينات اللانهائية ؟
والجواب يكمن في الصفة التي نتحدث عنها من اسم وصفة الله (النور)
فالنور ينتشر إنتشارا تردديا، مما يعني وجود اتصال من نوع ما عبر موجة خاصة ترددية موجهة إلى كل كيان حي ، وغير حي ، وهذه بدورها تتفرع إلى عدة ترددات فرعية، والأخيرة تتصاغر إلى مويجات أقل ، حتى نصل إلى التردد الأصغر على الإطلاق والذي يتم عن طريقه التحكم في ترتيب تكوين وتراكم الأحماض الأمينية والتي يتكون منها كل جين ، وكل ذلك متصل بالذات الإلهية ، متواصل معها عبر شبكة هائلة من الترددات.
هكذا وببساطة وعبر صفة واحدة من صفات الخالق، وتعبيرا عن واحد من أسمائه، وفي محيط الصفات الأخرى للذات العلية، وجدنا ماهية الروح وتعرفنا على طبيعتها وكونها لا تخرج عن بعضاً من أوامر الله العاملة في أطر من إسم الله المهيمن وإسم الله العزيز وإسم الله الجباروإسم الله اللطيف وباقة من الأسماء والصفات وانتهاء بإسم الله السلام.
واللافت للنظر أن هذه المعية الدائمة المستمرة في حضرة الله، كان ما كان المكان، مضى أو حضر الزمان، والتي لا تـَكـِلُ المرء إلى نفسه طرفة عين ، تعبر عنها كلمات النور
{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) }
سورة الحديد
وأيضا في كلمات الآية
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) } سورة المجادلة
كلمات لا يسع المرء حين يتلوها، إلا أن يسجد لله شكرا على كوثر نعمائه، وكيثر إنعامه، وعظيم فضله، وفيض إحسانه، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
والنقطة الثانية في هذا المبحث، أو هي واقع الأمر في تطوير مفهوم الحاكمية لإسم الله " النور " بشبكة هائلة من الترددات، والتي تتصل وتتواصل مع ما في الكون جميعه، وهيمنتها على كل الخلائق والمخلوقات من حيويات وجمادات، عاقلها وغير عاقلها، متحركها وثابتها.
والحق جل وعلا ،أشار في كتابه الكريم إلى حقيقتين نود لو نلفت الإنتباه إلى كليهما:
أولهما : هو أن لكل شئ مخلوق مواصفات تحدد معالم وسمات خاصة به ، وأيضا مواصفات أخري تحدد تزامن وقوعه، وأسلوب وخطوات تنفيذ ذلك
التخليق، بكيفية تخصه وحده في توصيف شديد الخصوصية، ولا يتكرر ذلك الإنفراد لأي أو بأي شكل آخر في الكون، وهو ما أطلق عليه الحق وصفا خاصا، فقد أسماه التقليم ( تحديد المواصفات ) ، وجعل من أدواته القلم
{ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) } سورة القلم
ثانيها : أيضا أن هذه المواصفات الدقيقة وغير المتكررة، مسجلة ومحفوظة في
كتاب خاص شديد الوضوح والبيان والقطع.
{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ
مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) } سورة الأنعام
ارجع إلى كتاب (( الكتاب والقرآن- قراءة معاصرة ))
الدكتور مهندس / محمد شحرور
الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع سورية- دمشق
نعرج بعد الإشارة إلى الحقيقتين سالفتي الذكر إلى إشارة قرآنية أخرى تلمس الموضوع والذي نحن بصدده وتظهر جلية في الآية الكريمة
{ وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)} سورة الرعد
لو نظرنا إلى صدر هذه الآية لوجدنا المقطع الأول بها هو
{ وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا..."
وواقع الأمر أن كلمة ..قُرْآَنًا.. هنا - في رأيي - لا تعني كتاب الله المسطور المقروء، لكنه يشير من طرف خفي إلى أن عملية القراءة لا تعدو أن تكون إلا ترديد لمقاطع صوتية، أو هي إصدار أصوات ذات ترددات متباينة تنبعث بكيفية خاصة، لكي تتوافق أو تتنافر مع ترددات مخلوقات أخرى ذات تردد ذاتي لكل منها، فيحدث منها تغيير الحالة والتي هي كانت عليها، وبذلك يمكن أن تسير بها الجبال، وتحركها من أماكنها .... " ...سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ..."
وقد جاء ذكر تسيير الجبال عدة مرات في كتاب الله الكريم، وأشارت كلها إلى حدوث ذلك كعلامة على اليوم الآخر، وأغلب الظن أن ذلك سوف يحدث بتسليط ترددات عالية جدا، فتحرك الجبال من أماكنها
{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) } سورة الكهف
{ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)} سورة الطور
{ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) سورة النبأ
{ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)} سورة التكوير
والجبال هنا ليست بالضرورة أن تقتصر فقط على الجبال الصخرية المعروفة، لكن جرى العرف على إعتبار أي منشأة ضخمة بمثابة جبل من البناء، ويتم الآن تحريك المباني الأثرية كتلة واحدة.، لكنها بآليات ميكانيكبة، فلا يستبعد أن تتناولها يد التغيير والتقدم التكنولوجي، فتتم هذه العملية باستخدام ترددات خاصة.
بل أن السفن الضخمة، وعابرات المحيطات، يشار إليها أنها كالأعلام ( العـَلم هو الجبل العالي )
{ وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ } سورة الشوري
{ وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24)} سورة الرحمن
وبات من المعلوم أن هذه الجبال المتحركة، بل الأحرى أن نطلق عليها المدن العائمة تعتمد في الملاحة وتحديد المواقع والسير على الأقمار الصناعية، وتتواصل معها عن طريق شبكة لا سلكية ، وكلها تعمل بأمواج ترددية مختلفة المدى والطول، مما يدخلها ضمن الموضوع والذي نحن بصدده.
كما يمكن أن توصف الأمواج المائية الضخمة، بأنها أمواج كالجبال
{ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)} سورة هود
وهنا يمكن للترددات أن تخترق هذه الموجات، وتفتتها قبل أن تصل إلى الشواطئ العامرة بالسكان والمنشآت، مما يشكل كارثة إنسانية الله وحده هو الأعلم بمدى خسائرها، وموجة التسونامي التي اجتاحت الشواطئ الأسترالية كانت قريب، وكانت خير شاهد على ما نقول.
ننتقل الآن إلى معنى آخر من معاني الجبال ألا وهي جبال البـَرَد والثلج، والتي تشكل الأنواع العائمة منها خطرا كبيرا على السفن والحاويات التي تمخر عباب البحار والمحيطات، وبتوجيه موجات ترددية لها على البعد، يمكن تقطيعها وتجزئتها إلى قطع أصغر مما يخفف من خطرها
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) } سورة النور
أيضا كان هناك مشروعا بتقطيع جبال الثلج المتراكمة من الماء العذب في منطقة القطب الجنوبي، باستخدام شعاع الليزر، ثم تعويمه وسحبه إلى البحر الأحمر فأراضي المملكة العربية السعودية، لكي يسكن هذا الجبل الثلجي في أحواض جافة ليذوب بتأثير حرارة الشمس، ويمكن استخدام الماء الناتج بعد الذوبان لإغراض الشرب وري الأراضي.
ثم وفي نهاية المطاف، نود أن نشير إلى أن تحريك الجمادات وإلى مسافات بعيدة قد أشار إليه القرآن في الآية
{ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)} سورة النمل
وهنا يشير الحق إلى استخدام تقنية خاصة أمكن بها تحويل شئ من الجمادات
( العرش ) إلى نوع من أنواع الطاقة، ثم حملت هذه الطاقة المحولة على ترددات موجية تسير بسرعة الضوء مثلها مثل أي موجات كهرومغناطيسيه أو لا سلكية، فاستغرقت عملية النقل أجزاء متناهية الصغر من الزمن تقدر بوحدة الفيمتوثانية ، ثم عادت إلى التجمع على صورتها الأصلية، وهذه العملية أصبحت الآن ممكنة من الناحية النظرية البحتة، أما الناحية العملية فوافقها النجاح المحدود وتم نقل أصيص من المرمر لكن عند استقباله فقد وجد أنه أحيل إلى كتلة حجرية غير واضحة المعالم، أيضا عند محاولة نقل أحد حيوانات التجارب، فبعد الإنتقال أحيل إلى كتلة مخاطية من الدم وأنسجة بروتينية، المهم أنه حدث نقل ويحتاج الكثير من التجارب والإتقان وتطوير التقنيات للوصول إلى النجاح الكامل.
إذن الإشارة إلى تسيير الجبال باستخدام أصوات ترددية موجية يصبح في دوائر الإمكان، ونكون بذلك قد حققنا المقطع الأول من الآية ( 31 ) من سورة الرعد.
وإلى المقطع الثاني من الآية " ...أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ..."
واقع الأمر، أن تقطيع وتقليب وتسوية الأرض حاليا خاصة في المساحات الشاسعة يستعمل فيه شعاع الليزر( المكون من تجميع وتركيز لموجات الضوء بحيث تحيلها من شعاعات مبعثرة إلى شعاع خطي مضغوط متكاثف ويكون اسقاطه على أي مسطح بمثابة نقطة ، ويمكن زيادة التكاثف الضوئي لدرجة يمكن بها إختراق المعادن وثقبها، أيضا يمكن بها إجراء الإلتصاقات واللحامات سواء في المعادن أو إثر العمليات الجراحية في الجسم البشري وشبكية العين )
أما ثالثة الأثافي، فهو الحديث عن الموتى.. " ... أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى..."
والحديث عن الموتي حديث ذو شجون، فهناك نوعين من الموتى
النوع الأول :هم موتى القلوب
ومنهم نوع .. ، يتمتع بكل مظاهر الحياة لكنهم كافرة قلوبهم.
ومنهم نوع آخر، أيضا يتمتع بكل مظاهر الحياة لكنهم قانطة قلوبهم.
وآخرين منهم، هم أحياء الظاهر أما دواخلهم فموات وظلام وسواد.
{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) } سورة الأعراف
{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} سورة الحج
النوع الثاني :هم موتى الأنفس
وهم الذين يتوفاهم الله
{ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) } سورة الزمر
ولقد وردت في القرآنلفظة الموتى سبعة عشر مرة، أربعة عشر منها تشير إلى إحياء الموتى سواء كمعجزة بصرية صاحبت أحد رسل الله، أو تلك التي تعني البعث والنشور يوم القيامة.
أما الحديث إلى الموتي والكلام معهم أو إسماعهم والتسمع منهم، فقد ورد فقط في أربعة مواقع، أولهم الآية قيد البحث،
{ وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا....."
والثلاثة الأُخر فأولهم
{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) } سورة الأنعام
وهذه الآية تأتي كنوع من أنواع التحدي للمتحججين.
أما الأخرتين فإنها إنما تشيران إلى النوع الأول من الموتى وهم موتى القلوب
{ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)} سورة النمل
{ فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) } سورة الروم
والثلاثة يختلفون في التوجهات والمقاصد عن الآية قيد البحث....!!!
المعنى الذي نود أن نلفت الإنتباه إليه، أن صدر الآية قصد البحث، تشير إلى إمكانيةوقوع ما جاء في الثلاثة مقاطع ، فقد ناقشنا فيما سلف نقطتين ألا وهما نقطة استخدام الموجات الترددية في تسيير الجبال، وكذا في تقطيع الأرض، وبقيت نقطة تكليم الموتى...!!!
فإذا ذهبنا إلى الموتى من نوع موتى القلوب، حينها تعود لفظة "..قُرْآَنًا.." والتي وردت في الآية بالقرآن إلى معناه الأصلي من كونه كتابا سماويا معجزا، وتكمن المعجزة في ذاته.
للمزيد من التفاصيل إرجع للملحوظة المرجعية المقتطعة من كتاب
(( روعة البيان من آيات الرحمن ))
المهندس / محمد عبد العزيز خليفة
الناشر : مركز يافا للدراسات والأبحاث – القاهرة – يناير 2011
ملحوظة مرجعية :
بدأ الإسلام منذ بدأ.. على يد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في تقصي عملية تغيير الفرد كل في ذاته ، بإبدال ما كان عليه من عادات وأعراف ومسلمات ، إلى معتقد جديد وعقيدة سامية ، بنوابع ذاتية وتغيرات وجدانية تحدث في النفس البشرية بمجرد استماعها لآيات الذكر الحكيم وتسمعها لها ، وفي هذا سر ديمومة بقاء المعجزة مادمت الدنيا موجودة .
فمعجزة القرآن تختلف عما سبقها من معجزات رسل الله والذين بعثوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، فكلها جاءت مشاهدة منظورة لقوم النبي والذي تجري على يديه المعجزة ، والمعجزة بهذا المفهوم تكون قهرية الإيمان ، أي هي قاهرة من يشاهدها على الإيمان برسالة النبي وكلماته ، فما هو الحال مع من لم يشاهدها ؟
أما القرآن الكريم فتقع معجزته الأولى في منطقة أخري من البناء الإنساني ، فهو جاء مسموعا ليتخلل الوجدان ويحدث التحول داخليا إلى الإيمان بوحدانية الله ذاتيا ، ومثل هذه الشخصية التي تم تبدلها دون قهر ودون إلحاح وبحرية كاملة
{ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) } سورة الكهف
مثل هذه الشخصية ، والتي انبعثت بداخلها أنوار الإيمان ، هي بذاتها التي سوف تسعى إلى التغيير وتسعى إلى البناء وتسعى إلى الأفضل، ولا يقتصرهذا التحول الوجداني الذاتي على فرد بعينه أو زمن معين ، أوجماعة محددة ، أو بقعة خاصة من بقاع الأرض ، كما وأنه لا يتوجب وجود رسول الله بنفسه ليباشر هذا التغيير وإنما الفضل كل الفضل يرجع إلى الإستماع إلى آيات القرآن بإنصات وتمعن ، أو قراءتها بتدبر وتفكر كان ما كان الشخص ، وكان ما كان الزمن . وإن شئت المزيد من التفاصيل فارجع إلى كتاب
(( تفسير القرآن الكريم بين القدامى والمحدثين ،،،)) الأستاذ جمال البنا
دار الفكر الإسلامي ،،، رقم الإيداع 17012 / 2003
كانت هذه أول ما في القرآن من دلائل المعجزة ، أما ثاني هذه الدلائل هي في
ثبات الصيغة اللغوية للنص مع حركة المحتوى
وذلك لأن ( الصيغة اللغوية) إنما تعبر عن علم الله المطلق ، وهو كمال المعرفة
أما حركة المحتوى فتشير إلى طابع النسبية في الفهم الإنساني .
وبهذا المفهوم ، فإن الكتاب ( القرآن ) لا يعد تراثا ،
إنما التراث هو الفهم النسبي للناس له في عصر من العصور.
وللمزيد إرجع إلى السفر العظيم للمؤلف الفذ الدكتور مهندس / محمد شحرور في كتابه
((الكتاب والقرآن ..قراءة معاصرة ،،،)) الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع سورية – دمشق
وهكذا تواترت آيات القرآن في البداية لتكريس هذا التكوين الإنفرادي ، والذي ما لبث أن وجهته الآيات إلى تشكل روح الفريق وإلى حتمية العمل الجماعي ، ذلك لأن عقلانية التوجيه بعدما أشبعت حاجاته الوجدانية ، أتجهت به إلى إشباع إحتياجاته الحياتية ..، فكان أن بنيت الشخصية الجماعية الراغبة في التعديل والمستحثة على التغيير ، والتي تم بها بناء الدولة على أسس حضارية ، ومقومات انسانية، فتوجب بعدها وقد تم البناء ، أن تكون هناك الدساتير المنظمة ، واللوائح المفسرة والتي تدار بها الحضارة.
إن الناس في صدر الإسلام في شبه جزيرة العرب ، تفاعلوا مع الكتاب
( القرآن ) وكان تفاعلهم هو الإحتمال الأول ، الثمرة الأولى للإسلام ، وليس الوحيد ، وليس الأخير ، وقد كان هذا التفاعل إنسانيا في محتواه ، إسلاميا قوميا في مظهره ، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بهذا التفاعل وكان لنا الأسوة الحسنة .
فالملحظ المهم أن الآيات المكية كلها جاءت لتغيير العقيدة ، وابدال الشخصية مما كانت عليه ، إلى شخصية جديدة واعدة ، ولنا أن نقف كثيرا أمام أول ما تنزل من الذكر من حث على القراءة { إقرأ } وفيها أهم مفاتيح المعرفة ، حيث لن يكون هناك تغيير إلا بالنهل من العلم المسطور وأيضا بتأمل الكون المنظور ، ومن هذا وذاك تكمل الحلقة المعرفية والتي توجد الثقة بالنفس ، للتحليق في سماوات الإبداع وانبثاق الأفكار الجديدة والمتجددة والتي بها .. وبها فقط يكون التغيير .
أما السور المدنية فجاءت كلها دستورا ينظم الحياة من زواج وطلاق وعتاق إلى إرث وملكية ومعاملات تجارية وإبرام للعقود، لتغطي بذلك كل مناحي الحياة تنظيما وتقليما ( وضع مواصفات للشئ وتعظيم أسلوب استخدامه ) ، وهذا الترتيب يتناسب مع فكرة وبديهية بناء وإدارة الحضارة .
وقد قدم الترتيب التوقيفي ، السور المدنية في أول الكتاب ، فبعدما تم بناء الشخصية المسلمة ، وبناء الدولة المتحضرة ، كانت الحاجة إلى إبراز أهمية الإلتزام باللوائح والقوانين المنظمة ، فجاءت سورة البقرة ثم آل عمران ثم النساء ثم المائدة وفي هذا إشارة إلى كيفية إدارة الحضارة التي تم إنشاؤها بالفعل.
ومما يؤكد لنا ذلك أيضا ، أن فروض العبادات جاءت متأخرة عن بداية الرسالة ، فالصلاة مثلا فرضت بالنظم الذي نؤديها به في العام العاشرللبعثة ، وفريضة الصوم فرضت في العام الثاني الهجري أي الخامس عشر للبعثة ، أما الزكاة فلم أقف على موعد محدد لفرضها لكن الثابت أنها جاءت لصيقة بالصلاة في ستة وعشرين موقعا قرآنيا من أصل إثنتين وثلاثين مرة هو عدد ظهور لفظ الزكاة في القرآن مما يشير إلى ارتباطهم زمنيا في الفرض.. ، أما فريضة الحج فجاءت كآخر فرض فرضه الله على المسلمين حيث جاء فرضه في العام التاسع الهجري ، وخرج وفد الحجيج الأول بقيادة الصدِِّيق ( أبو بكر بن أبي قحافة ) ، ولما جاء العام التالي ( العاشر الهجري ) وفيه خرج رسول الله قائدا لوفد حجيج ذاك العام ،حيث قال " خذوا عني مناسككم " ونحن وعلى هدي رسول الله ننسخ هذه المناسك - أي نجعل من صنيعة رسول الله أصل ونؤدي مثله ومثلما صنع نسخة،- وليس المعنى الساذج للنسخ والذي ينتشر في المفهوم المعرفي الإسلامي بأنه الإبدال - وكما أداها رسول الله تماما ، وتواتر عنه أنه كان يقول عندما يستفتيه أحد سائلا التخفيف " إفعل ولا حرج " تسهيلا وتهوينا على المسلمين .
هذه الحجة التي أطلق عليها ( حجة الوداع ) حيث أنه قبض بعدها بثلاثة أشهرعلى أرجح الأقوال. .
وهذا يعني أن أول فرض عبادي فرض على المسلمين جاء في العام العاشر للبعثة ، ويعني أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يتبع آيات الله المنزلة علية تباعا، كان مهموما بتغيير الشخصية الإنسانية القائمة ذاك الحين في عملية أشبه ما تكون بعملية (غسيل مخ ) متتابعة بأوامر تتـنزل من السماء.
كان في مرحلة إنشاء لشخصية جديدة آملة ، وبمجرد ما أن حدث التغيير لشخصية تلو شخصية ، فكان أن تكونت شخصية جماعية نابضة بالحياة وبالرغبة في التطور إلى الأفضل والأكمل والأحسن .
وكان يعني هذا إنشاء حضارة لشرذمات قبلية وتجميعها وصهرها ليعاد تشكيلها في صورة دولة متحضرة جاهزة للإنطلاق إلى نشر دعوة الحق والعدل والمساواة والوحدانية، أي كانت جاهزة لنشر دين الله.
(ا .هـ)
والآن عودة إلى سياق ما كنا نتحدث فيه قبل الملحوظة المرجعية :
فإذا ما نحينا موتى القلوب جانبا، فلن يبقى أمامنا غير موتى النفوس، أي إلى اللذين انتقلوا إلى العالم الآخر، أى إلى الموجودين في مرحلة الحياة البرزخية،
وهنا يكمن التساؤل...
هل يمكن أن يكون هناك قرآنا - بأي من معنييه - يمكننا أن نتواصل مع من سبقونا الوفاة ؟؟؟
ولتوضيح ما أرمي إليه سوف أعيد التساؤل ولكن بشكله التفصيلي
المعنى الأول :
هل يمكن أن يكون في كتاب الله العظيم - القرآن الكريم – آيات تتم وعن طريق قراءتها بأسلوب معين سواء أكان ذلك في تكرار آيات بذاتها وبأعداد بذاتها أن نتواصل مع موتى النفوس ؟؟؟
المعنى الثاني :
هل يمكن أن نتوصل لصناعة أجهزة تصدر أصواتا ترددية وموجات فائقة التردد
وعن طريقها نتمكن من الإستماع إلى أصوات الموتى؟
ولتناول المعنى الأول نستطيع أن نجزم أن هناك بالفعل من قراء القرآن من يملكون شفافية معينة، وروحا صافية تمكنهم من رؤية الموتى ولكن في رؤى منامية، ويتلقون منهم إشارات ومقولات محذرة منذرة أو متفائلة مبشرة، لكن هذا لا يعني ما أرمي إليه من احتمال وجود قراءات معينة لمقاطع قرآنية محددة، تكون أسلوبا لأناس عاديين، يتمكنون عن طريقها من التواصل مع الموتى ، حتى لو كان ذلك في رؤى منامية ؟
الجواب : بالقطع لا..، واقع الأمر أنه لا يوجد مثل هذا الأسلوب التهويمي لبلوغ هذا الهدف.
وطالما أجبنا على التساؤل بمعناه الأول، فقد حان الدور على المعنى الثاني منه والذي ينقسم بدوره إلى شقين :
الشق الأول :هل يمكن بتقنياتنا أن نتوصل لصناعة أجهزة تصدر أصواتا ترددية وموجات فائقة التردد نتمكن عن طريقها من التواصل مع الموتى والتكلم معهم من خلالها مثل أجهزة الهواتف المحمولة مثلا ؟؟
وجواب هذا الشق أنه يستحيل ذلك، لأن الموتى في حيز ترددي لانستطيع التوصل إليه ، هذه ناحية ، والناحية الأخرى أننا نصنع ألأجهزة والتي تسري عليها قوانين الحيز الترددي الخاص بنا نحن الأحياء، وهي بالقطع مغايرة تماما لتلك القوانين والتي هي عاملة فقط في الحيز الترددي للحياة البرزخية، فما يعمل هنا لا يعمل هناك
الشق الثاني :وفيه يتوجه السؤال على النحو التالي
هل يمكن لنا أن نصنـِّع أجهزة تصدر أصواتا ترددية، وموجات فائقة التردد نتمكن عن طريقها من التسمع لأصوات أناس قد فارقوا الحياة بأجسادهم ، لكن أصواتهم والتي صدرت عنهم في أزمانهم وأثناء حياتهم لازالت باقية في الفضاء الكوني ؟
وجواب هذا الشق أنه من الناحية النظرية ممكنة، فالأصوات التي تصدرها الحيويات المختلفة لا تندثر، بل هي سابحة في الفراغ الكوني دون تشتت أو إندثار، ويمكن بتقنيات راقية أن نعيد التقاطها، وعمل نسخة منها، ثم إعادة بثها من جديد لتتسمعها الأجيال الآنية، خاصة لو علمنا أن سرعة إنتقال الصوت في الهواء 334 متر في الثانية وهي قرابة ثلث الكيلو متر، أما سرعة تحرك الموجات اللاسلكية وهي نفسها سرعة الضوء تقترب من الثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية.
بل نذهب إلى أكثر من ذلك، ونستطيع أن ندعي وطبقا لإمكانية حدوث هذه العملية، أنه يمكن أن تتطورالأجهزة ليس للإستماع إلى أصوات من صاروا رفاتا فحسب، بل أيضا لإستعادة صورهم وإعادة رؤية الأحداث كما حدثت في زمانها، بمعنى أنه سوف يمكن استرجاع رؤية الأحداث بالصوت والصورة وكما حدثت في وقتها القديم، لكن ذلك يتوجب النجاح في الوصول إلى توليد موجات ترددية تفوق في سرعتها سرعة الضوء بمراحل كثيرة.
فإذا سلمنا فرضا بهذه النقطة وبإمكانية تحقيقها، فإن ذلك سوف يكون تفسيرا لما ذهب إليه فقهاء الشرائع الثلاث والتي تقول بالوحدانية، من انتظار عودة المسيح بن مريم فكل منها ينتظره ولكن بمفهوم مختلف، فاليهودية تنتظر ملكهم الموعود، والنصارى تنتظر مخلصهم المعهود، وبعض المسلمون يرون فيه محققا لـ أملهم المنشود، لكن تصور عودة المسيح بشحمه ولحمه، فيما يسمى بالنزول الثاني، فهو ماأستبعده تماما ، ذلك لأن الموتى لا يعودون، وإنما العودة تكون على شاكلة إستعادة أفعال وأقوال السيد المسيح باستخدام موجات ترددية فائقة السرعة.
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)سورة المؤمنون
[[ نقطة عارضة : يلح على ذهني سؤال محير ، أود من الآخذين بأقوال المرويات المنسوبة إلى رسول الله من الظنـِّيون الإجابة عليه وهو إن كان الإدعاء بالعودة الثانية للسيد المسيح يكمن في أن الغرض منها هو أنه سوف يدعو للعودة للإيمان بوحدانية الله، وذلك باتباع تعاليم الإسلام والتي وردت في القرآن الكريم ، فإن كان الأمر كذلك فلماذا لم يقولوا بعودة صاحب الدعوة ومن تنزل عليه القرآن فعلا فهو الأجدر بالعودة،(وأقصد به رسول الله محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم )
ألا يشكل ذلك سؤالا منطقيا تجدر الإجابة عليه..!! ]]
وبهذا .. تكون الإجابة على المقطع الثالث من صدر الآية قيد البحث قد تمت الإجابة عليها، وعليه تكون لفظة ..قُرْآَنًا.. الواردة إنما تعني أصواتا ترددية، يمكن بها أو عن طريقها أن تـُسيـَّر الجبال، وتـُقطـَّع الأرض، ويمكن بها استعادة أصوات الموتى،
لكن الأمر ليس على هذا النحو من البساطة، حتى لو سلمنا به من الناحية النظرية، وسلمنا بإمكانية تحقيقة من الناحيتين العملية والعلمية، فالنص القرآني في الآية
{ ... أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا....."
لم يقل النص سمعنا كلام الموتى أو إستعدنا كلام الموتي أو عرفنا ما قاله الموتى
بل قال ..كـُلـِّم..به الموتي، والصيغة تعني المفاعلة المستمرة، أي أنها تشير إلى كلام ..والكلام يختلف عن القول ( هو إدراك معنى الكلام )
والصيغة تسبب الحيرة فهي تعني أنه يمكن أن يكون هناك كلاما نستطيع أن نبلغه للموتى، ولا نسمع منهم إجابة، مثل الدعاء لهم مثلا، أو قد يعني تبادل الكلام معهم لصيغة الإستمرار في اللفظة، وهذا قد سبق وأن أشرت بإستحالته، الله أعلم...!!!
أيضا إقتصر الأمر على مجرد الكلام، ولم يتعداه إلى الصـِّور،واستعادة الأحداث
لكني أقول في النهاية أن هذا إجتهاد مني فإن أصبت فلى بإذن الله أجران، وإن أخطأت فلي أجر واحد،
و لله الأمر من قبل ومن بعد.
ملحق القرءان وقرءانا
ورد لفظ القرءان بما يعني كتاب الله المنزل (58) مرة
وورد لفظ قرءاناً (10) مرات
منها (7) مرات فيها ألصق طبيعة القرآن وأنه عربياً به
ومنها (3) مرات فيها صفات وخواص متفرقة للقرآن
أولا : قرءانا عربياً
مقدمة :
تأولت كلمة عربياً هنا على أن القرآن تنزل بلغة عربية ، بل ذهب البعض إلى إدخال هذا المعنى ضمن تعجيزات القرآن للبشر من أمة العرب، ذلك لأن بيانه وعباراته وتركيباته وأسلوبه وجمله وكلماته بل تعدى الأمر إلى أن حروفه أيضا، تدخل كلها في نطاق الإعجاز المعجز خاصة للمتحدثين من أرباب الكلمة العربية من جزالة العرض وجمال الأسلوب ودقة التعريف وعمق المعنى من المتعاملين باللغة العربية، وهذا القول وإن كان لا يبتعد كثيرا عن الحقيقة، إلا أنه واقع الأمر قول مبتور فكلمة عربيا هنا لا تقتصر على الإشارة إلى أنه جاء بلغة عربية راقية وحسب، بل تعني أيضا أنه جاء كاملا غير منقوص وليس به شائبة من عيب أو نقص أو تشويه أو خلل وهذا المعنى ينفي عن كتاب الله العنصرية وأن الله قد إختص قوماً بذاتهم- العرب - بهذا الكتاب الكريم وبدينه القويم ، فكلمة عربيا تعني روعة الكمال وتمام الجمال وحسن النسق وتواسق المعاني وتماسك البناء
وقد أشار الحق إلى ذلك المعنى حين قال في سورة الواقعة
{ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) }
ولمن أراد المزيد فعليه الرجوع إلى كتاب المعجزة الكبرى من نظم
المهندس / عدنان الرفاعي دمشق - سوريا
والآن إلى الآيات التي وردت بها صفة القرءان بوصفه عربياً
{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) } سورة يوسف
{ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)} سورة طه
{ قُرْآَنًا عَرَبِيًّاغَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) } سورة الزمر
{ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)} سورة فصلت
{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)} سورة فصلت
{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)} سورة الشورى
{ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)} سورة الزخرف
ثانيا : خواص متفرقة للقرآن :
{وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىبَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)} سورة الرعد
{ وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُلِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) سورة الإسراء
{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1)} سورة الجن
رؤية وإعداد المهندس / محمد عبد العزيز خليفة داود
إستشاري تصميم وبناء نظم معلومات الحاســـب الآلي
معهد الدراسات والبحوث الإحصائية - جامعة القاهرة