رمز التحقق اليقيني القرآني

محمد خليفة في الخميس ٢٤ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

رمز التحقق اليقيني القرآني

 

فرضية البحث

                   يفترض الباحث أن القرآن قد بـُنى على نسق رقمي أو منظومة عددية متزنة ومتوازنة، ويفترض وجود نظام رقمي فذ ( آية رقمية حاكمة )، يـُظهر أن هناك ثمة علاقة رياضية بين الآيات المتشابهة أو الآيات التي تشير إلى موضوع بذاته، أيضا يفترض وجود علائق رياضية تشير إلى حتمية ترتيب سور القرآن الكريم على هذا النحو التوقيفي والتي هي عليه، فضلا عن وجود علاقات إحصائية في تكررات ورود الألفاظ ومدى توافقها مع ألفاظ أخرى تتوحد معها في المعنى أو تتضاد، بما يعني ضرورة وجود روابط رياضية وإحصائية، والبحث في هذا الصدد يتيح لنا إكتشاف إعجاز بنائي جديد للقرآن، كما يـُظهر الحاجة إلى وجود مرجعية رقمية تصحيحية، تتيح التثبت من النتائج المرحلية لكل خطوات البحث، كما تتيح التيقن من الوصول إلى نتائج نهائية صحيحة.


الغرض من البحث :

                           الغرض من هذا البحث، هو إظهار أن الحق وإن كان قد أخفي هذا البناء الرقمي ، وستر هذا التناغم العددي وجعله متضمنا في كلمات القرآن وآياته وسوره، إلا أنه وبفضل ومنة منه، قد أشار إلى وجود مقياس رقمي قياسي، مرجعي، نمطي، ثابت يستطيع الباحث القرآني دائما أن يلجأ إليه عند إنتهاءه من الوصول إلى إحدى العلامات أو النتائج العددية المرحلية في خطواته البحثية، ليتأكد من كونه يسير في الإتجاه الصحيح، أو هو قد توصل إلى نتائج إحصائية حقيقية، هذا المقياس الرقمي أطلقنا عليه إسماً ليناسبه ألا وهو   " رمز التحقق اليقيني القرآني "، وهذا المبحث جاء بغرض إلقاء الضوء عليه، وإماطة اللثام عن وجوده، ومناقشة طبيعة هذا التواجد ، وأسلوب هذا الوجود، وأيضا عن كيفية استخداماته التأكدية اليقينية المتعددة.

 

الفائدة المرجوة من البحث :

                                    يعتبر اكتشاف وجود رمز التحقق اليقيني القرآني، وتفعيله في الأبحاث الرقمية البنائية للقرآن، دليلا لا يقبل الجدل على أن كتاب الله تعالى هو كتاب سماوي وقد تنزل على رسول الله r.

أيضا كان في هذا الدليل المرجعي ما يضمن عدم إمكانية العبث ولو بمجرد حرف واحد من حروف القرآن، فما بالك بآياته وسوره، وتحقيقا لوعد الله تعالى بحفظه عن ومن التحريف، مِـصداقاً لقوله تعالى   
                     { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) } سورة الحجر

 

بالإضافة إلى أن هذه الدلائل الرقمية  تؤكد أيضا  لغير المؤمن   لا بكتاب الله ولا بنبوة محمد صلوات الله عليه وسلامه، وليس من فائدة ترجى معه إن سردنا عليه بعضا من آيات القرآن للتدليل على ما نقوله ضمن ما نسوقه من دلالات فهو أصلا غير مؤمن بأن هذا الكتاب هو من عند الله، أما إستخدام الأسلوب الرقمي المجرد فهي حجة دامغة ودليل لا ريب فيه على أن كتاب الله المنزل على رسوله هو يقينا قد تنزل من السماء، وقد وضع بإحكام وتفصيل لا يمكن لبشر أن يأتي بمثله، ومن حسن الفأل، أن البحـًَاثة المسلمين يجدِّون الآن، وسوف يجـدِّوا دائما لاكتشاف وتحديد هذه الروابط، بل أن بعضهم قد نجح بالفعل في التوصل إلى بعض هذه العلاقات[1] ومثل هذه الروابط.
 أرجو أن يأتي هذا المبحث بإضافة جديدة تتيح تسهيل تدبر آيات الله في كتابه المسطور، مما يخطو بنا إلى التفكر في كونه المعمور والوقوف على آيات الله في كليهما ، والله المستعان.

مقدمة :

         الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا ورسولنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أجمعين .

وبعد...

يتضح من عنوان المبحث أن هناك ثمة رمز رقمي،  هذا الرمز( الرقم )  لو نظرنا إليه مجرداً فسوف نجد أنه كم حسابي ذو طبيعة   متفردة، والرقم بهذا التعريف لا يعطي دلالة ولا يقدم معلومة وليس له هوية وهو بذلك يكون بيانا..

لكننا لو أكملنا القراءة فسوف نجد أن هناك صفة متلازمة لهذا الرقم بعثت فيه الحياة وأوردت إليه معناه وجعلت منه معلومة بأن أشارت إلى كونه رقما للتحقق، ولتكريس هذا المعنى وتعميقه في ذهن المتلقي أضيفت كلمة اليقيني .

إذن .. هو رقم ينتج عن وجوده  تأكد ، وتحقق ، تصل درجته إلى مرتبة اليقين، وكل هذا الوصف موجود في القرآن  موصول به.

 

القرآن ..    وهو كلام الله المتنزل على رسول الله r.

               وهو دستور المسلمين إلى أن تقوم الساعة  .

هذا القرآن الذي يتجلى إعجازه في ثبات نصوصه وتغير دلالاته على طول الزمان .

هذا القرآن الذي تنزل مسموعا مقروءاً في تفرد عما سبقه من آيات أبصرها الناس كل في وقته لكل رسول مع قومه .

 

كانت الآيات تأخذ شكل خوارق الطبيعة حتى يؤمن الناس - كل في زمنه و لكل رسول مع قومه - أنها من الله، أي أنه كان لابد من مشاهدة قوم الرسول بأعينهم للمعجزة التي تجري على يد نبيهم، حتى تكون أبصارهم  شاهدة عليهم،
 هذا ..إذا لم تكن الآية كافية لبدء الأيمان.

    

 النار التي لا تحرق إبراهيم ،

 والبحر الذي ينشق كالطود العظيم لموسى ،

والميت الذي يحيي على يد عيسى،

وهي كلها آيات بصرية تمت بإذن الله وعلى  يد واحد من رسله، لكنه كان دائماً  فيها خروج عن المألوف، وتتجاوز ما جرى عليه العرف، وهي بذلك آيات قهرية لمن رآها.

لكن .. القرءان ..   كتاب  !!

ولا يمكنه بحكم هذه الصفة أن يكسر قوانين الطبيعة فضلا عن أنه إنما جاء ليختم وينـــهي عــــهد الآيات الخارقة للطبيعة   ( الآيات المبصرة ).

أيضا جاء القرآن مقروءاًً مسموعاً وليس مرئياً، لذا نجد أن السمع يأتي دائما في القرآن منفرداً وهو يسبق دائما الأبصار التي تأتي دائما في صيغة الجمع.

من هنا جاءت المفارقة ..المطلوب أن يحقق القرآن الإيمان دون أن يغير قوانين الطبيعة الذي كان هو مضمون الإعجاز التقليدي والذي كان من المفروض أن يكفل الإيمان فيما سبق وقبل بعثة محمد  r.

وقد حقق القرءان هذه المعادلة بأن تحول من الطبيعة الكونية إلى الطبيعة التكوينية للإنسان..!!

 

بمعنى أن  المعجزة تحدث في النفس البشرية نفسها بحيث تتحول ذاتياً إلى الإيمان ."[2]

 

 

هذا القرءان تقوَلوا عليه

               وقالوا    أن  محمداً هو الذي كتبه ،

              وادعوا    أن  محمداً هو الذي نظمه ،

              وأشاروا  أن  محمداً هو الذي افتراه ،

              بل ذهبوا إلى أن آيات القرءان كانت تملى عليه

              وجاءت آيات القرءان تترى  لتدحض هذه الفكرة وتمحوها محواً .

 

لكن .. الكافرين لم يهدأوا ..والمنافقين لم يسكتوا .. والظالمين لم يتواروا .. والذين في قلوبهم مرض لم يخمدوا، ليس في وقت نزول القرءان فحسب لكنه أيضا بعدها وإلى أن تقوم الساعة ، ولن تعدم في أي عصر من العصور من يتبجح بصنع مطبوعة ادعوا لها اسماً (الفرقان العظيم ) وما هو بفرقان وما هو بعظيم وكله إفك وبهتان كيثر، ولن تنتهي محاولات دس زيادات ومحو كلمات وإبدال حروف في كتابنا الكريم ويكشفهم الله ويفضح غدرهم لأنه تعهد بحفظ هذا الكتاب ، فقد قال في محكم التنزيل     
          {   إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)  } سورة الحجر                    

وحقيقة الأمر أن ما يغريهم بهذه الإدعاءات كون القرآن  ـ  في حسبهم ـ   مجرد كلمات في جمل ،وجمل في سطور، ومع إقرارهم بالنظم الجميل والبيان الراقي إلا أنه في عرفهم يمكن لبليغ مفوه أن يأتي بمثله هذا إن اقتصر الأمر علي مجرد النظم ، وهيهات لهم ذلك فقد ذكر الله في كتابه الكريم

   {  أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)}
        سورة النساء

 

أما الذي لا يعرفونه أو هم يعرفونه ويغضون الطرف عنه أن القرآن ليس مجرد نظم جميل فحسب بل أن به من معجزات التشريع الكثير وآيات العلوم الكوثر فضلا عن معجزته الرئيسة وهي التحول الوجداني لقارئه ـ أو لسامعه لأول مرة ـ ببادئ ذاتي في النفس البشرية  وببارضة إيمانية ندية تهديه إلى الإيمان بوحدانية الله ثم المضي قدما في تثبيت دعائم هذا الإيمان الوليد.

وجاء العلم ببعض من عطاءات الله فيه ، وذلك بإنجاز بناء الحاسبات الإلكترونية والتي أدى استخدامها إلى إضافات هائلة إلى آيات العلم في القرآن منها الإعجاز الرقمي، والإعجاز العددي ، والإعجاز الإحصائي  ولكل منها شواهده ودلائله والتي تفيض على الإفصاح عنها في هذا المقام الضيق.[3]

 

لكن .. الجديد -  ودائما هناك جديد -  مصداقاً للآية الكريمة

{سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) } سورة فصلت

 

والجدير بالذكر أنه بعد شيوع استخدام التعاملات الرقمية ومفاتيح السر الرقمية والأقفال الإلكترونية الرقمية أن توجب وجود ضابط رقمي لتحري الصحة في استخدام هذا السيل العارم من الاستخدامات الرقمية وعدم السماح لأي تجاوز أو تزوير أو تغيير فكان أن ابتدع الفكر الإنساني وخبراء المعلوماتية ( رمز التحقق اليقيني    Check Digit)  .

 

والمثير للدهشة .. ولفتح الآه مدى الفم  أن تتواجد الإشارة إلى هذا الضابط الرقمي الفذ  في إحدى سور القرآن مترافقة مع كل البنود التي تقدم وتشرح وتوضح وتعدد وتفند سبب تواجد هذا الضابط الرقمي[4]    في إشارة صريحة وقوية وحاسمة إلى المتدبرين من البحـَّاثة في القرآن[5]    للكشف عن صورة  هذا الإعجاز الذي سوف يخرس الألسنة ويقطع دابر اللذين كفروا.

 

نسأل الله .. لنا  أن  يوفقنا في العرض  .. 

ونسأله      لكم أن  يهديكم سبل الرشاد ..

والله الموفق،،،

 

تمهيــــــد :

              جاءت  فكرة هذا المبحث حين العمل في مبحث أخر يخص ربط عبارة السبع مثاني والتي وردت في القرآن الكريم في الآية

                   {   وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ (87)  } سورة الحجر

 

وبين الإستفتاحات المقطعة المكونة من تكوينات من حروف الهجاء العربية المبنية على  الوقف والسكون والتي وردت كاستهلال  لتسع وعشرين سورة قرآنية أن تلاحظ الآتي :

 

ملحوظة 1:

              بدأت سورة النمل بالإستهلال   طس

                    {   طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) } سورة النمل

 

بهداية هذين الحرفين ( الطاء  والسين ) أجرينا عداً إحصائياً لورود كل منهما في كلمات السورة فوجد الآتي:

عدد ورود حرف " ط "  في كلمات السورة بما فيهم حرف الطاء في الإستهلالة = 27 مرة

عدد ورود حرف " س" في كلمات السورة بما فيهم حرف السين في الإستهلالة = 93  مرة

وسوف يداخلنا العجب حين نعلم أن العدد الأول  27 هو بذاته ترتيب السورة التوقيفي

أما الرقم الثاني 93  فهو عدد آيات سورة النمل !!

ظاهرة تستحق التأمل ، والوقوف عندها ، فالأمر لا يمكن أن يكون مجرد صدفة . 

 

ملحوظة 2 :

               ظهر الحرف قاف في استهلالتين لسورتين فقط

وقد بدت أولاهما في سورة " ق " باستهلالة منفردة أي حرف واحد وهو الحرف قاف

                                        {   ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (1)  }  سورة ق 

 

وهنا حين نجري عداً لتوارد هذا الحرف في السورة سوف نجد أنه جاء 57 مرة بما فيهم حرف القاف الذي ظهر في أول السورة كاستفتاح لها.

لكنا  .. سوف نلاحظ أن حرف القاف قد ظهر ثانية في استهلالة أخرى في الآيتين

                                       {حم (1) عسق (2)  } سورة الشورى 

 

ولو أجرينا نفس العد الإحصائي لتوارد نفس الحرف (القاف) في متن سورة الشورى لوجدنا أنه  57 أيضا ، ولا ننسي أن نذكر أن ذلك العد يتضمن حرف القاف الأول والذي ظهر في الإستفتاحة  

ويسمح لنا في هذا المقام أن ندهش حيث أن مجموع تكرارات حرف القاف في السورتين

هو 57 + 57  = 114

وهو بذاته عدد سور القرآن !!

ومرة أخري لا يمكن أن يتأتي ذلك بمجرد الصدفة البحتة .

 

لو ..أمعنا النظر في الملحوظتين الذي ذكرناهما آنفا فسوف نلاحظ أن ظهور الحروف المقطعة كإستهلالات لسور بذاتها إنما يشير إلى وجود ميزان رقمي محكم ، ولا يتصور عاقل أن هذه القواعد والنتائج الإحصائية والتي أشرنا إليها آنفا في كلا السورتين (ق، الشورى ) يمكن أن تكون محض صدفة، أو أنها هي بذاتها التي يمكن أن تنطبق على جميع الاستفتاحات المقطعة فكما تلاحظ أن الظاهرة الإحصائية التي ظهرت في  ( سورة   ق )  تختلف تماما عن الظاهرة الإحصائية المستخدمة في  (سورة النمل) وكذلك يكون لكل سورة بدأت باستفتاحة مقطعة قاعدة إحصائية خاصة بها ، وتجري الأبحاث الآن  على قدم وساق في محاولات للكشف عن هذه القواعد ، وأحسب أن واحداً من أسباب ظهورها على هذا النحو المتفرد إنما هو لإكمال تضبيطة عددية معينة واستكمالا لميزان إحصائي فـذ  لحكمة يعلمها الله ، مما يدلل على وجود نظام رقمي يقيني متكامل يحكم القرآن كله .

 

 والأمر لا يقتصر على هذه السور فحسب بل هو يحكم سور القرآن كلها، مما سوف يعد إثباتاً رياضياً إحصائياً علمياً مجرداً بأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من وضع بشر - فقد ادعوا أن رسول الله rهو الذي قام بنظم هذا المصحف اعتمادا على ما علـ          َمه له أحبار اليهود ورهبان النصارى ودهاقين الصابئة -  وأن القرآن محفوظ بحفظ الله

                  {    إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)  }  سورة الحجر

   

وأنه لم يتغير فيه حرف واحد مهما حاول الضالون المضلون أن يفعلوا وأن يقولوا وأن يدعوا، ولقد أورد الحق في محكم التنزيل التحدي للثقلين العاقلين المكلفين بالإتيان بمثل هذا القرآن .

 

جاء التحدي على مستوى القرآن كله وذلك ِ في الآيات

 

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)}  سورة الإسراء

وأيضا

  {  أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34)}  
       سورة الطور

 

ثم خفف التحدي إلي مجرد عشر سور

 

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)  } سورة هود

 

ثم عاد وخفف التخفيف وصار التحدي لسورة واحدة

 

  {  أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ
      صَادِقِينَ (38)}   سورة يونس

 

وأيضا

        {  وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا
           شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) } سورة البقرة

 

ونلحظ هنا أن التحدي جاء للبناء الشامل والذي يتكون من القرآن كله كسبيكة واحدة، ثم خفف هذا التحدي إلى تنظيم أبسط وهي منظومات من وحدات كاملة من حزم عشرية[6] - أي أن كلا من هذه الحزم على حدة يتكون من عشر سور-

ثم يأتي الدور على التحدي الأخف وهي (السورة) ، وهي أصغر وحدة بناء متكاملة متماسكة مترابطة، وعلينا أن نلحظ أن التحدي لم يكن ليكون بالآية [7] ، إنما جاء التحدي بالسورة ، مما يدل على أن بناء السورة لابد وأن يكون متكاملا مترابطاً ترتبط آياته برباط خاص كما ترتبط بعض آياته بمثيلاتها والتي جاءت في بناء سور أخري وتتحدث عن ذات الموضوع ، أيضا أعجاز ونهايات السور التي لابد وأن تشير بطريقة ما إلى بدايات السور التي تليها وهكذا، بل أن ترتيبها والذي نطلق عليه الترتيب التوقيفي والذي هو موقوف من عند الله

كما أشير إلى ذلك في الآية الكريمة

       {  لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ
          فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ  إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)}  سورة القيامة

    هذا الترتيب - الذي يختلف تماما عن ترتيب نزولها - له هو الأخر أسراره    الخاصة وإن شئت فانظر لقول الحق

     { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) } سورة الواقعة

 

والنجوم تأتي في اللغة العربية على ثلاثة معان :

المعني الأول للنجوم :

                          هي نجوم السماء والتي نراها في الليالي الصافية ، حيث تتراءى لنا في عشوائية جميلة غير مسبوقة ولا منظورة تمثل إبداع الخالق العظيم والذي هو يفوق نظم صائغ ماهر في ترصيع تاج قبة السماء بلوحات ناطقة من حبات الدر ولطيف اللألئ وصافي الألماس ونادر الجـُمان.

 

والقسم هنا بهذا المعنى ، يعني أن مواقع النجوم التي نراها في قبة السماء يشير إلى سر عظيم ،  فالثابت أننا لا نرى الأشياء إلا بعد سقوط الضوء المنعكس منها على شبكية عين الرائي ، حيث يتحول هذا الضوء إثر سقوطه على حلمات عصبية خاصة شديدة الحساسية لدرجات شدة الإستضاءة، وتنتشر هذه النقط  فوق الشبكية ، إلى تيار مختلف الشدة حيث يسري في العصب البصري إلى مراكز الإبصار  ليتحول هناك إلى صورة يجري مقارنتها بسرعة بالمخزَّن منها في الذاكرة البصرية ، فإن وافق ما فيها كان ذلك تثبيتاً لها، وإن جاء مغايراًً كان ذلك تحفيزاً لأجهزة الدفاع في الجسم لاتخاذ المناسب من الإجراءات للتجهز للقتال أو الهرب أو التصرف بما يلائم الموقف.

 

ويعني هذا أن مجرد رؤية النجوم - وكما اعتدنا أن نراها -  تعني أنه قد وصل إلى أعيننا بالفعل الضوء الصادر منها ذاتيا أو ذلك المنعكس منها إثر سقوط شعاع الشمس عليها ، فإن علمنا أن ضوء أقرب النجوم إلينا إنما يستغرق عدداً من السنين الضوئية[8] ، فلا أقل من نقف بعقولنا على معنى ذلك .

 

فلو فرضنا أن هناك نجما يصل إلينا ضوؤه في ثمان سنوات ضوئية ، لكان هذا يعني أن ما نراه الآن إنما هو يعبر عن موقع هذا النجم منذ ثمانية سنوات وهو بالتالي - النجم - في مكان أخر تماما غير هذا الذي تصورنا أنه به.

 

هناك أيضا بعد أخر يزيد من تعقيد تحديد موقع النجم الذي نرصده، فالثابت أن شعاع الضوء يسري في الفراغ الكوني متخذاً شكل المسار المنحني ، بينما خلق الله أعيننا لتبصر بشكل مغاير فالعين البشرية لا تري إلا ما يسقط عليها عمودياً وفي خطوط مستقيمة أي أننا نري مماس منحني سقوط الشعاع الساقط من النجم، وهذا يعني مغالطة أخرى في تقدير
 (توقع ) موقع النجم.

 

من هنا يتضح أن هناك خطأين مبينين في توقيع وتحديد مواقع النجوم  في خريطة السماء، وأن ذلك يتمشى مع الإشارة القرآنية التي تشير إلى ذلك ووردت في الآيات (75 ) & (76) من سورة الواقعة

 

المعنى الثاني للنجوم :

                          النجوم في معناها الثاني هي تلك النباتات الزاحفة والتي لا ساق لها ، أي أنها تلك النباتات التي تنتشر سطحياً مثل ( القرع ، الكوسة ، اليقطين ، الخيار ، .. الخ ) وأحسب أنه أطلق عليها هذه التسمية ذلك أن زهورها تنتشر على الفروع المنبسطة على الأرض انتشار نجوم السماء فيها، ولقد أشار الحق في لمحة قرآنية رائعة إلى كلا المعنيين في الآيتين

   {   الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)} سورة الرحمن

 

فإذا قرأنا الآية (5)  وضممنا لها الكلمة الأولى من الآية (6) وهي "والنجم " لكان هذا جمعاً للشمس والقمر والنجم وتلمس هذه القراءة المعني الأول للنجوم أي أنها إشارة لنجوم السماء ، وهو المعنى المعتاد للنجوم في أذهاننا.

أما إذا قرأنا الآية (6) بمفردها وفيها جمع بين النجم والشجر فهذه تعد توجيهاً للنظر إلى المعنى الثاني بكون النجوم هنا هي نجوم الأرض من النباتات الزاحفة.

فإذا ركزنا الضوء على هذا المعنى فلا نعلم - في حدود علمنا المحدود - ما هو المقصود من التحدي الذي تنضح به الآيتين

    {  فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)  } سورة الواقعة

 

ذلك لأن مواقع النجوم من نباتات الأرض الزاحفة لا يشكل في ظننا أي إعجاز، اللهم إلا إذا كان هذا المعنى ينصرف إلى إحصاء جميع مواقع تواجد هذه النباتات على ظهر البسيطة ، فهذا سوف يشكل بطبيعة الحال صعوبة تقترب من الاستحالة.

 

المعنى الثالث للنجوم :

 

 وهذا المعنى لن يرد إلى أذهاننا إلا إذا أكملنا قراءة ما يليها من آيات سورة الواقعة

{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)  }

 

والمعنى هنا ينصرف إلى نجوم القرآن أي إلى سوره ، هذا لأن القرآن تنزل منجماً مفرقاً على رسول الله  rوجاء الاستطراد    إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77)  ليشير بقوة إلي هذا المعنى.

وهذا يرجع بنا إلى ما سبق وأشرنا إليه آنفاً في الآية الكريمة

  {  لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)  } سورة القيامة

 

من كون الترتيب التوقيفي والذي هو عليه ترتيب سور القرآن ، أنه ولابد وفق نسق معجز وتنسيق محكم مبهر ولحكمة باطنة يعلمها الله ويدفعنا إلى التفكر والتدبر وفي دأب مستمر لمحاولة إماطة اللثام عما في هذا الترتيب من أسرار وإعجاز.

إلا أننا نود هنا أن نشير إلى لفتة قرآنية رائعة وردت في الآية (78) من سورة الواقعة

حيث أورد الحق أن القرآن الكريم محفوظ  .............        فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78)

وهذا الكتاب المكنون  .................................  لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)

 

وأحسب أن المقصود هنا في هذا المقام من عدم المس لا ينصرف  بالطبع إلينا نحن البشر ، ولا إلى ما نتداوله من مصاحف ورقية فمن المحتمل الجائز أن يمسك بأحد نسخه ممن هم ليسوا على طهارة رجالا  كانوا أم  نساء، فنحن متطهرون أي يمكن لنا أن نكون على غير طهارة ثم نتطهر بعدها بالاغتسال أو بالتيمم ، ولو كنا ذهبنا إلى ذاك المعنى لكان ذلك قدحاً في مصداقية القرآن وطعنا فيها – هذا مع تحسب المسلمين وحرصهم على طهارتهم حين الإمساك بالمصحف أو تناوله –  لذلك نقول وبالله التوفيق أن الكتاب المكنون المشار إليه في الآية الكريمة هو ذلك القرآن المستور في اللوح المحفوظ، ونحن بعلمنا المحدود لا نعلم له مكاناً ولا كيفية كتابة ولا طريقة حفظ ، هذا الكتاب في لوحه المحفوظ قد وكل به ملائكة مطهرون من الله فهم دوماً علي طهر، هؤلاء الملائكة هم فقط ودون خلق الله جميعا المسموح لهم بذلك الاقتراب وذاك المس .

 

وبعد هذا الاستعراض السريع لمعاني النجوم وتناولاتها المختلفة نعود إلى الإشارة إلى مستويات التحدي الثلاثة والتي سبق وأشرنا إليها آنفاً وهي أن يأتي الثقلين المكلفين – الإنس والجان – حتى لو اجتمعوا له بمثل هذا القرآن الذي بين أيدينا ثم عاد وخفف هذا التحدي للإتيان بعشر سور ثم خفف التخفيف بأن جعله سورة واحدة .

 

ويبرز هنا تساؤل مهم ..

ألا تعتبر مستويات التحدي الثلاثة ( مثله , عشر سور , سورة ) إشارة من الحق إلى المتدبرين المتفكرين في ترسم هذا التدرج ذاته في الوصول إلى الرابط الرقمي اليقيني ؟

 

ولمزيد من الإيضاح سوف نضيف أن التسلسل المنطقي لمستويات التحدي الثلاثة جاءت في ترتيب سور القرآن والتي احتوتها على العكس من تصاعد الترتيب التوقيفي.

فقد جاء مستوى التحدي على مستوى السورة      في سورة البقرة    وترتيبها التوقيفي  الثانيـــــة   (02)

   وأيضا في سورة يونس    وترتيبها التوقيفي   العاشــــرة  (10)

ثم جاء  مستوى التحدي على مستوى السور العشر في سورة هود
    وترتيبها التوقيفي   الحادية عـشر   (11)

وبعدها جاء مستوى التحدي للقرآن كله (مثله)      في سورة الإسراء
 وترتيبها التوقيفي  السابعة عــشر  (17)

     وأيضا          في سورة الطور   وترتيبها التوقيفي الاثنتين وخمسين   (52)

 

ألا تعتبر هذه إشارة من الحق بتتبع هذه المنهجية المتمثلة في البدء أولا وكمرحلة أولى بتركيز البحث على الوصول إلى اكتشاف الرابط الرقمي بدءا من مستوى السورة الواحدة ، ونقترح لها السور التي جاء بها هذا التحدي أي سورتي البقرة ويونس.

 

بعدها وعلى هدي الروابط الرقمية والتي سوف نقتبسها لكل سورة على حدة من المرحلة الأولى ، نستطيع وعلى نفس الوتيرة أن نستخدمها للوصول إلى الروابط الرقمية للحزم العشرية – المكون كل منها من عشر سور - مع الوضع في الاعتبار ذلك النسق الذي أشرنا إليه في تكوين الحزم العشرية في الملحوظة المرجعية في الصفحة الرابعة ، ولا يفوتنا أن ننوه على أن مستوى هذا التحدي العشري قد ظهر في السورة الحادية عشر بما يعني أنه قد سبقها الحزمة العشرية الأولى - من سورة الفاتحة إلى سورة يونس – وهي لمحة طريفة ولفتة لطيفة كان لابد من الإشارة إليها ، وبهذا نكون قد أنجزنا المرحلة الثانية .

 

ثم نأتي لثالث مستويات هذا التحدي أو هو ما يعتبر المرحلة الثالثة والأخيرة في محاولات الكشف عن أسرار الروابط الرقمية ، ألا وهو التحدي بالإتيان بمثل هذا القرآن والذي ورد في كلا السورتين (سورة الإسراء ثم سورة الطور)  لكي نستخدم ما سبق واستنبطناه من روابط رقمية للحزم العشرية من المرحلة السابقة – الثانية – في إيجاد الرابط الرقمي للقرآن كله.

 

ولنا هنا ملحظان :

أولهما :

        أن ترتيب السور التوقيفي قد وافق مستويات التدرج البحثي الثلاثة[9]    

        فقد جاءت    002023  البقرة    &   010038  يونس    لمستوى السورة

        وجـاءت    011013   هود                          لمستوي السور العشر

        كــذلك     017088  الإسراء  &  052034  الطور   لمستوى القرآن كله 

 

       أي أنها جاءت    (  002  &  010  )  ثم  (011 )  ثم  ( 017 &  052  )

 

ثانيهما :

          جاءت استفتاحات السور المشار اليها على النحو التالي :

002   سورة البقرة        {  الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)  }

 

010   سورة يونس       {   الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)  }

 

011   سورة  هود   { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)  }

 

017  سورة الإسراء    {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
                الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)  }  

 

052   سورة الطور      {  وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)  }

 

سوف نلحظ أن السورالثلاثة الأولى بدأت باستفتاحات مقطعة      الم   &    الر  &   الر

وفي عقبها جاء ذكر الكتاب .

 

ثم وفي السورة الرابعة ( سورة الإسراء ) أورد الحق ذكر تلك الرحلة الخلابة والتي إطلع فيها رسول الله rعلى ملكوت السماوات والأرض ، والملكوت  غير الملك  ، فالملك هو الشئ المحسوس الملموس الظاهر للعيان وباختصار هو كل ذلك الموجود في عالم الشهادة ، أما الملكوت فهو ذلك الشئ غير الظاهر في  الوجود مثل النظم  والقوانين والتي تسير بها الأكوان، والغيبيات الكامنة فيها ووراءها  وبالإيجاز هو عالم الغيب والذي احتفظ الله لنفسه بعلمه ، وفي ذلك إشارة إلى غيب اللوح المحفوظ وما فيه من آيات متعددة .

ولنا أن نلحظ أيضا أن عجز هذه الآية جاء باسمين من أسماء الله الحسنى وهما السميع البصير وفي ذلك إشارة إلى مفاتيح المعرفة والتي منحها الله للإنسان حين جعل له حاستي السمع والبصر.

ثم تأتي خامس هذه السور ألا وهي ( سورة الطور)  لتشير إلى كتاب مسطور .. أليس في هذا إشارة لما في القرآن المسطور من رسوخ لا يعدله رسوخ جبل الطور.

 

وبعد هذه السياحة النورانية في كتاب الله والإشارة إلي ما أسميناه الرابط الرقمي ، أو إن شئت الميزان الرقمي المحكم للقرآن ، استهداءً بما ألمحنا إليه من وجود مستويات التحدي الثلاثة ، وأيضا باستعراض المعاني الثلاثة للنجوم ، ثم العلاقة الإحصائية بين ظهور أحرف خاصة في الإستفتاحات المقطعة وبين بعض الخواص الرقمية في السور التي تبدأ بها ، فإن ذلك يمهد الطريق إلي المبحث الرئيس والهام والذي يشكل بطبيعته الحكم والفصل فيما يمكن أن تقابل الباحثين من اختلافات وحيود عما وضعه الله في كتابه.

والشئ العجيب فيما نشير إليه أن يذكر الحق في جلاء كامل المرجع الدقيق الذي يحسم ويحكم ما يمكن أن نصل إليه من نتائج ويحدد بشكل قاطع صحة أو خطأ هذا الذي حصلنا عليه ومن ثم فقد يكون قد حالفنا النجاح ،أما وإن كانت الأخرى  فلا مناص  من تكرار المحاولة تلو المحاولة حتى يأذن الله بالنجاح ، هذا المرجع الحكم هو ما نطلق عليه مصطلح  رمز التحقق اليقيني .

 

معنى رمز التحقق:

 

والسؤال الآن والذي يطرح نفسه ما هو معنى رمز ( رقم[10] ) التحقق ؟؟

                                         والجواب  هو رمز رقمي - أو عددي -  يضمن لنا أن تركيبة الأرقام المكونة لعدد معين هي تركيبة صحيحة ، إذا ما ظهرت الحاجة إلى استخدام هذا العدد لإنجاز مصلحة عينها وذلك يعني استحالة تقليده أو تزويره أو العبث به. 

                                              

                  مثال ذلك

·      الرقم القومي في بطاقات التعريف الشخـصية  .

·      أرقام بطاقات الائتمان في المصـــــــــــارف   .

·      أرقام بطاقات إعادة شحن الهاتف المحــمول   .

·      أرقام الحسابات الدائنة والمدينة في المصارف .

 

وهذا على سبيل المثال لا الحصر ، وعموما في أي تعامل مع المؤسسات التي تقدم خدمات للجماهير عن طريق البطاقات الرقمية، ولتوضيح ماهية هذا الرقم أو كيف تجري الاستفادة منه  ؟

نقول وبالله التوفيق أن هناك توليفة رقمية تحكمها روابط وعلاقات عددية علي وتيرة خاصة وطبقا لمعادلة رياضية معينة ، لكي نضمن أن يتم استخدامها على وجهها الصحيح  لأداء الخدمة المطلوبة، ولكي نفسر معاني هذه الكلمات سوف نضرب المثال  المبسط التالي :

 

 لو فرضنا أن هناك بطاقة إعادة  شحن لهاتف محمول المفروض أن تحمل التكوينة الرقمية التالية :  68243 

1)      لكن .. وقبل أن يتسلمها العميل سوف نجري عليها الإجراءات الآتية :
نجري عمليات ضرب لكل رقم على حدة  في ترتيب وروده في التكوينة

 

أي يتم ضرب الرقم الموجود في خانة الآحاد  وهو  (3)  في ترتيب الخانة الأولى وهو  (1)

وكذلك ضرب الرقم الموجود في خانة العشرات وهو( 4)  في ترتيب الخانة الثانية  وهو(2)

وهكذا ضرب الرقم الموجود في خانة المئات وهو (2)   في  ترتيب الخانة الثالثة وهو  (3)

ضرب الرقم الموجود في خانة الألوف  وهو  (8)        في ترتيب الخانة الرابعة وهو  (4)

ضرب الرقم الموجود في خانة عشرات الألوف وهو(6) في ترتيب الخانة الخامسة وهو (5)

        ويمكن بذلك وضعها على الصورة

 

ترتيب ورود الرقم في التكوينة الرقمية    1       2        3        4         5      6    

التكوينة الرقمية المفروضة                 3       4        2        8         6

 

فنحصل على  المجموع     = (3*1 )+( 4 * 2 )+( 2 * 3 )+( 8 * 4 )+( 6* 5 )

                                  =     3    +     8      +     6     +     32    +    30

                                  =     79

2)      نقسم الناتج على العدد الأولي[11]  (11 ) 

                                                فتكون نتيجة القسمة   7

         ويكون المتبقي من القسمة هو الرقم   2   وهو الذي يعنينا في موضوعنا
 

3)      يلحق هذا الرقم  (2)  بالعدد الأصلي ونختار له  أقصى يسار العدد وبذلك يكون

            العدد  قبل  الإضافة  68243

            العدد  بعد  الإضافة  268243  وهذا هو العدد الذي يسلم للعميل .

 

4)   لو فرض وحدث أي تعديل في أي رقم منها أو إبدال أي رقمين عن أماكنها أو تم إقحام  أي رقم في هذه التركيبة   .      .     فسوف يتم اكتشافها على الفور وذلك على النحو الموضح في البند التالي .

 

5)   لو فرضنا أن عميلا وعند إدخاله أرقام بطاقة إعادة الشحن والتي تحمل الأرقام سالفة الذكر في المثال السابق قام بإبدال الرقم الثاني في تركيبة الأرقام وهو الرقم (4) بالرقم الثالث منها وهو الرقم (2) ليصير الإدخال                         268423   بدلا من التركيبة الأصلية  268243

 

            ستقوم الأجهزة التي تستقبل عملية الإدخال بإجراء العمليات الحسابية طبقا لما
            ورد في البنود من 1) إلى 4)

                           i.            الناتج    =        (3*1) +(2*2)+(4*3)+(8*4)+(6*5)

            =           3     +   4   +   12  +   32  +  30

 =         81

 

                         ii.            بقسمة       81  على 11 يكون ناتج القسمة  7     ومتبقي القسمة الصحيح  4   والمفروض له أن يظهر على يسار العدد
 

                       iii.            يصير مقارنة الرقم علي يسار العدد الأصلي وهو الرقم    (2)    بالرقم   المستنتج وهو الرقم   (4)   مما يعني أن هناك خطأ   ما تم أثـناء عملية الإدخال وعليه سوف يصدر الجهاز على الفور تحذيراً بأن الأرقام غير صحيحة  فضلا أعد الإدخال.
 

وهكذا يتضح لنا أهمية وجود مثل هذا الإجراء الرقمي لضمان ثبات تناسق التوليفة الرقمية.

يسمى هذا الرقم والذي كان سبباً في تحققنا من صحة التركيبة الرقمية

                               رمز التحقق اليقيني             Check Digit

وينتفي معه وجود أي تلاعب أو إضافة أو حذف أو تزوير أو تعديل من أي نوع.

 

 

 

 

 

 

ملحوظة مهمة:

                   نود  لو نلفت الانتباه إلى أن هذا الأسلوب والذي ترسمناه  في استخراج رمز التحقق ، ليس هو بالطبع الأسلوب المستخدم في الحياة العامة، فهو أسلوب بادي السذاجة والسهولة بحيث يمكن اكتشافه والتحايل عليه وإبدال الغرض من استخدامه فبدلا من أن يكون مانعا للتلاعب يكون هو بذاته - بعد اكتشافه -  معينا لمن يشاء على التزوير وضياع الأموال على الشركات التي تقدم خدمات الاتصال ، ولا يستخدم هذا الأسلوب إلا أثناء عمليات الشرح والتدريب.

لذا تخصصت بعض مكاتب الخبرة في هذا المجال بالتحديد - أي تحديد المعادلة الرياضية التي يستنبط بها رمز التحقق-

وكذا موقعه بين أرقام العدد الأصلي  فليس شرطاً بالطبع أن يكون على يسار العدد أو على يمينه بل هو يظهر كأحد الأرقام المكونة للعدد دون تميزه بأي مميزة خاصة ، وتتقاضى مكاتب الخبرة المتخصصة في هذا المجال مبالغ فلكية في مقابل تصميم معادلات استخراج أرقام التحقق للمؤسسات التي تقدم الخدمات عبر بطاقات رقمية للمواطنين.

 

وقد يتساءل البعض أليس من الممكن أن يكون هناك عددان يتكونان من نفس الأرقام - ولكن بترتيب مختلف بالطبع - ثم يكون لهما نفس رقم التأكد ؟ 

 

وجواب ذلك السؤال أن نظرية الاحتمالات تجزم بوقوع مثل هذا الاحتمال والذي يسمى
 ( التوافقيات[12]  Synonyms  )

وهذه تمثل نقطة الضعف الأخطر في مثل هذا الصدد، وكان على مكاتب الخبرة  لكي تواجه مثل هذا العيب أن تتحايل حتى تبعد قدر الإمكان نسبة احتمال تكرار مثل هذا الأمر إلى أن تغطي أكبر مساحة من عدد  المستخدمين المتوقعين للخدمة .

 

 فمثلا لو فرضنا أن عدد المستخدمين المتوقعين للخدمة قرابة الخمسة مليون شخص، عندها يتوجب أن يبنى نظام استخراج رمز التحقق حيث لا تتعدى نسبة حدوث التوافقيات مثلا واحد في المليون، بحيث يصبح عدد المضارين من تنفيذ هذا النظام لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، لأنه كلما زادت نسبة احتمال عدم وقوع الحدث كلما تطلب ذلك تعقيدات رياضية باهظة التكاليف ، ويكون من الصعوبة بمكان أن ينتفي وقوع التوافقيات تماماً ومثل هذه الصعوبة تصل إلى حد الاستحالة.

 

خاتمة التمهيد

 

أرجو ألا أكون قد أثقلت على من يقرأ هذه الكلمات ، أو أكون قد أجهدتهم  في الدخول إلى متاهات تحاسبية ، لكن عذري في ذلك أنه لا مندوحة أمامهم   إلا الخوض معي في بحور التجريد البحت حتى يلموا ببعض أطراف هذا النوع من المعرفة ، ولكي تكون لهم القدرة على الوقوف على نظرات جديدة ومتجددة  في كتاب الله ، حيث أشرنا في التمهيد أن هناك موازين رقمية حاكمة لسور القرآن وانه يتوجب علينا البحث عنها واكتشافها ، وقد أعطانا الحق بعض مفاتيح هذه الكنوز ، وأرشدنا إلى بدايات الطريق ثم أفاض علينا وأهدانا بل وهدانا إلى مرجعية تصحيحية حاكمة لكي نرجع إليها بين الفينة والفينة كلما لاح لنا  أننا وصلنا إلى نتيجة ما  لكي نحكمها فيما وصلنا إليه ، فإن وافقت نتائجنا هذه المرجعية فبها وأنعم، وأما إن كانت الأخرى كان علينا مواصلة البحث دأباً حتى يقضي الله فينا أمراً كان مفعولا.

 

هذه المرجعية لا تعدوا إلا أن تكون رمز التحقق اليقيني القرآني ، حيث أشار الحق إليها في سورة المدثر وأردف بها المقومات التي دعت إلى تركيز الضوء على الإشارات القرآنية التي توحي بوجود رمز التحقق اليقيني القرآني أو هو أحد هذه الأرقام والرموز اليقينية التي قد توجد في القرآن لتتعانق معاً في مزيد من تثبيت عناصر الإعجاز. 

 


رمز التحقق اليقيني القرآني

 

سبق وأن أشرنا في التمهيد إلي أن ثمة إشارة إلى رمز التحقق اليقيني القرآني قد وردت في سورة المدثر.

 

فإن أمعنا النظر في السورة  وبخاصة في الآيتين  30  & 31   سوف نجد أن الآية الأولى منهما وهي الآية  ( 30 )  قد تعرضت لذكر عددية بيانية[13]  مجردة مما يعد إيذاناً لإضاءة الضوء الأحمر الوجداني لتنبهنا إلى ضرورة وجود شئ ما في هذه العددية ، وكان لفصلها في آية منفردة بمفردها يثير المزيد من علامات الاستفهام ، وهي وإن اتخذت الشكل العددي في تكوينها فهي واقع الأمر مكونة من رقمين التسعة والواحد، إلا أن التكوينة  العددية  ( تسعة عشر)  هي عبارة عن عدد أولي أي لا يقبل القسمة إلا على نفسه ، مما يعني أنه لا يمكن تحليله إلى عناصر رقمية أصغر وفي هذا إضافة لمزيد من علامات الاستفهام.

 

وللإجابة على هذه التساؤلات فتعالوا معي لنبحر سوياً في أبحر من نور في محاولة لإماطة الحجب والتي أسأل الله أن يعيننا عليها ويهدينا سواء السبيل .

والآن إلى سورة المدثر :

 

  {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)    } سورة المدثر

 

قلنا إن الآية (30) قد اختصت بذكر عددية بيانية مجردة، أما الآية التي تليها (31) فهي تبيان لهذه العددية وتوضيح لها والمدهش في الأمر أن الآية (31) ترسمت في تفنيدها لمقاصد هذا الاختيار أسلوب عرض البحث النمطي[14]   فقد  قسمت الآية إلى تسعة مقاطع، لكنها اتخذت شكل المبحث المتكامل من وجود تقديم لفرضية البحث في مقطع بادئ ، تلاه بنود موضوع البحث لتفند في خمسة من زوايا البحث الأسباب والتي من أجلها اعتمدت فرضية البحث ، ثم خاتمة البحث في مقطعين، بعدها التوصيات في مقطع أخير.

 

             

ويمكن أن نتبع التقسيم الرأسي الآتي كي تتضح فكرة التجزيئ إلى مقاطع :

 

 

 

 

 

 

 

ترتيب المقطع

 

جزئية البحث

 

نص الجملة القرآنية

المقطع  البادئ

وهي

فرضية البــــــــحث

:

{ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)}

المقطع الأول

وهي

تقديم البــــــــــحث    

:

{ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً

المقطع الثاني   

وهي

زاوية البحث الأولى   

:

وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا

المقطع الثالث   

وهي

زاوية البحث الثانية   

:

لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ

المقطع الرابع

وهي

زاوية البحث الثالثة   

:

وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا

المقطع الخامس

وهي

زاوية البحث الرابعة   

:

وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ

المقطع السادس

وهي

زاوية البحث الخامسة  

:

وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَمَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا

المقطع السابع

وهي

خاتمة البحث الأولى

:

كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ

المقطع الثامن

وهي

خاتمة البحث الثانية

:

وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ

المقطع التاسع

وهي

التوصـــــــــــــيات

:

وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)} 

 

           

 

وستناول بالتفصيل دراسة كل مقطع علي حدة .

 

المقطع البادئ :

                   فرضية البــــــــحث         :     تِسْعَةَ عَشَرَ هو أحد رموز التحقق القرآنية

 

يظهر هنا عددية بيانية مجردة  ( 19 )  لا نعرف بعد سبب ورودها على ذلك الشكل المجرد ، ولا نعرف أيضا لماذا تم فصلها في آية قائمة بذاتها ، فإذا لجأنا  إلى الموضوعات التي وردت بالسورة ، فسوف نجد أنه لم يسبقها  ما يشير من بعيد ولا من قريب إلى كونها أحد أرقام التحقق ، أما إذا أكملنا القراءة للآية التالية لوجدنا أن هناك  شيئاً يثير الانتباه - وهذا دأب القرآن في كثير من جمله –  فنجد أن تركيبة الألفاظ تترى لتعطي معاني متعددة وأشكالا متباينة للمفاهيم  الواردة،  ومن زوايا مختلفة،  وكلها صحيح - بمعنى ثبات النص مع تغير الدلالة -  حتى تتناسب مع المستويات العقلية للمتلقين في كافة العصور ، مما يتيح لكل متلقٍ أن يتقبل منها ما تستطيع أن تتحمله طاقاته العقلية وقدراته الذهنية ، وهذا مصداقاً للآية الكريمة من سورة فصلت ( 041053 )

{سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) }

 

وظهور حرف السين في أول كلمات الآية إنما يشير إلى أن الآيات المعجزات ، ستظهر تباعاً إلي اللحظة التي تسبق قيام الساعة .

فنجد أن المعنى الذي يذهب إليه الذهن عند قراءة هذه الجزئية من سورة المدثر في أول وهلة أن الحق يصف ملائكة العذاب الموكلون بسقر[15]   ويحدد عددهم، وهذا المعني في حد ذاته صحيح بل هو كامل الصحة ، لكن هذا لا ينفي وجود معنى أخر ، هو الأخر صحيح وكامل الصحة ، ولا يقدح هذا المعنى  في ذاك المعنى ، بل أنني أجزم أن ما ذهبنا إليه ونحاول أن ندلل عليه ليس هو المعنى الأخير ، وسيجيئ بعدنا من هم سيجدون في نفس هذه التركيبة اللفظية ذاتها معاني أكثر اتساعاً وأشد عمقاً، فالأمر لله من قبل ومن بعد.

 وورودها على هذا النحو الرقمي البياني - أي بيان خالص الرقمية وكما أشرنا سابقاً بأن البيان هوتركيبة من الأرقام خالصة الرقمية لايميزها أي مميز ولا يصبغها أي صبغة تحدد هويتها أو تشير إلى طبيعتها أو تبرز شخصيتها – إنما يشير إلى أنه ما سوف يستتبع من استخراج لحقائق قرآنية، إنما سيكون من ذات القبيل الرقمي – أي بيانات خالصة الرقمية – وسوف تترى الإستدلالات القرآنية والمحزمة بقيم رقمية متوازنة ومتزنة، والمحكومة بميزان رقمي بياني فذ، لتدلل على آية من آيات الله الإحصائية ، والتي وردت في هذه الآية بالذات ، وبتفرد مطلق، فسبحان الله عما يصفون. 

 

 المقطع الأول :

                    تقديم البــــــــــحث       :    وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً

 

ويظهر في هذا المقطع الكلمات

    جَعَلْنَا وجذرها    جـ    .  عـ  .    ل     &   أَصْحَابَ          وجذرها     صـ  . حـ  .   ب

   النَّار  جذرها     نـ  .  و  .  ر    &    مَلَائِكَةً        وجذرها    مـ  .  لـ .  ك

 

ويفترض وجود مباحث فرعية لكل جذر على حدة وإحصاء عدد اشتقاقاته وتخريجاته واستخداماته على مستوى القرآن كله، وذلك لكي نقف على المعنى الدقيق للاشتقاق قيد البحث ، ومن ثمَّ الاقتراب من التأويل الذي نأنس إلى أنه الأقرب إلى الصواب عما سبقه من تأويلات.

لكن ذلك سوف يتطلب مجهودات ضخمة ، ولا يستطيع فرد بمفرده أن يقوم بها وحيداً ، وإنما يوكل أمر ذلك إلى فريق متكامل، أوإلى مؤسسات ذات إمكانات جماعية .

 

لكن ما يعنينا الآن هو الرابطة العلائقية بين أصحاب النار وبين كونهم من الملائكة، وقد ورد هذا المعنى 

     {  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)  }سورة التحريم

 الشاهد أن هذا المقطع يشير إلى أن زبانية جهنم .. هم  من الملائكة  ، كما تشير الآية التي سبقت الآية قيد البحث إلى أنهم " تِسْعَةَ عَشَرَ "  أي أنهم تسعة عشر ملكا هم من الملائكة الغلاظ الشداد الذين لا يعصون  أوامر الله وأنهم يقومون بتنفيذ ما يؤمرون به

المقطع الثاني  : 

                      زاوية البحث الأول     :    وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا

يلقي النص مزيداً من الضوء على أن هذه العددية (19) سوف تكون فتنة للذين كفروا أو هي فيها فتنة للذين كفروا

والفتنة معناها الاختبار، وإنما يفتن الذهب بالنار أي يختبر بالنار التي تصهره  وتطرد الخبث منه وتبقي خالص الذهب.

والمقصود هنا أن هذه العددية سيولع بها بعض من الذين كفروا تصل بهم إلى مرحلة التقديس ومنهم طائفة البهائيين

(السنة عندهم  19  شهر , والشهر 19  يوم  هذا على سبيل المثال لا الحصر )  ، ولا يعني وجود مثل هذه الفرقة الضالة المضلة  أن نتوقف عن إمعان النظر في العددية  (19)  بل أن ظهور هذه الطائفة الكافرة ليعد دليلا على مصداقية القرآن وأنه تنبأ بظهور هذه الفئة ووصمها بالكفر .

و يحكى في الأثر أن كفار مكة حين تسامعوا بهذه الكلمات ردوا متهكمين أن تسعة عشر عدد بسيط وأنهم قادرون على مواجهتهم ، بل أن كبيرا لهم كانوا يدعوه أبا الحكم من فرط حكمته ورويته وحسن رأيه كان هذا قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم صارت كنيته أبا جهل بعد البعثة، هذا الدَّعي إدَّعى أنه وحده قادر على أن يكفيكهم بما يعني أنه بمفرده قادر على مواجهة هذا العدد تيهاً منه وعجباً بنفسه ظناً منه أن زبانية جهنم إنما هم من البشر ، أو أن حكمهم أنهم في حكم البشر، أو أن قدراتهم لا تتعدى قدرات البشر ، لكن الحق أبان أنهم من الملائكة حيث لا طاقة لبشر أن يواجه أحداً من الملائكة، وكانت هذه لفتة بأن كفار مكة افتتنوا بهذه العددية بالسخرية منها.

وهناك فتنة أخرى ، وهي تلك التي تخص بني اسرائيل ، وبالتحديد في إحدى فرقهم وهي تلك المدعاة الصابئة ، وحتى لا يختلط الأمر على القارئ فقد اعتدنا استعمال لفظ صبأ في مقام أنه خرج من الملة ، ولقد كان كفار مكة يوصمون من آمن بمحمد صلوات الله وسلامه عليه بأنه صبأ أي ترك  مِلـَّتهم التي كانوا عليها وآمن بعقيدة مغايرة كانت في حسبانهم الخروج عن الأعراف السائدة ، لكن حقيقة الأمر أن هذه الفرقة من أتباع نبي الله يحيى عليه وعلى نبينا السلام وهي إحدى فرق بني اسرائيل فقد ذكر في كتابهم المقدس
 (كنزاربا ) أي الكنز العظيم أن عدد زبانية جهنم يبلغ ستون وثلاثمائة، وأراد الحق أن يصحح هذا الإدعاء
 { إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76)  }    سورة النمل

فقد أورد الحق قطعية العدد بأنه تسعة عشر درءا للفتنة وحسما للقضية .

 

وهناك أيضا وجها آخر لهذه الفتنه ،

فالفتنة التي عرضناها هي فتنة بهذه العددية (19)  أي هي     فتنة  " به "

أما  الفتنة الأخرى والتي نومئ إليها فهي                          فتنة  " له "

 

أي أن بعضاً من الذين كفروا سوف يتعجبون بل ويعجبون من هذه الحبكة التي يرفعها إلى الذهن رمز التحقق اليقيني، وهذا التثبت المتزايد والذي يظهر تباعا في آيات قرآنية كثيرة وبشكل موسع سواء أكان في مساحة اليقين أو في عمقه،أم كان في عدد المفتونين " له " ، وهو يعتبر بذلك البادئ الإيماني أو المحفز الذي يدفع المرء إلى التفكير في القرآن

وبداية سلسلة القناعات الإيمانية التي تصل به إلى العودة إلى الحق ثم بعدها إلى الإيمان الكامل، واليقين التام .

 

المقطع الثالث   : 

 

    زاوية البحث الثانية                    :       لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ

 

 

أورد الحق أحد اشتقاقات اليقين وأضاف إليها  " لام " التعليل[16] ،  وأيضا حرف السين التي تعني الجدة والدأب في الحاضر وفي المستقبل، مما يعطي انطباعا بأن اليقين الذي سوف يرسخ في أذهان الذين أوتوا الكتاب لابد وأن يسبقه   كد وتعب وعمق في البحث ليستقر بعدها المعنى في القلب الوجداني في ثبات ينأى به عن الزحزحة.

 

إذن يشير الحق إلى أن هذه العددية (19) سوف تكون الطريق الذي يأتي باليقين للذين أوتوا الكتاب من الأمم من أصحاب شرائع السماء والذين يدينون بدين الوحدانية، (أتباع موسى ، أتباع عيسى ، وأتباع محمد عليهم جميعا صلاة الله وسلامه.

 

والجدير بالذكر أن رمز التحقق اليقيني، وكما أسلفنا عند شرحه هو  –  واقع الأمر –  الذي يأتي باليقين من كون التوليفة الرقمية لم يداخلها أي تغيير.

المقطع الرابع :

                  

             زاوية البحث الثالثة     :       وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا

 

وصلنا هنا إلى ثالث بنود عرض الموضوع ، فبعد التنبؤ بظهور فرقة كافرة تتخذ من العددية ( 19 ) منارة لها ، عرض الحق أن هذه العددية ذاتها سوف تكون السبب في تيقن أهل الملل الأخرى من كون القرآن تحكمه أدلة رقمية وتربطه إشارات عددية يستحيل بها على أي بشر أن يقوم بنظمها، وأن قائلها هو الله جل وعلا.

 

وفي هذا المقطع يزيد من مساحة اليقين أو من هؤلاء الذين سوف يشملهم الإحساس باليقين بأن أشار إلى أنه  ليس وحدهم  - الذين أوتوا الكتاب - هم من سيداخلهم اليقين بتفهم هذه الآية ، لكنهم أيضا طائفة الذين آمنوا مع رسول الله r، فإنهم سوف تجحظ أعينهم دهشة،  وتتسارع خفقات قلوبهم خشوعا،  ويتضلع وجدانهم إيماناً ، عندما ينجلي لهم أن العددية (19) إنما توضح أنه ما من حرف واحد يمكن أن يكون قد استبدل أو رفع أو أزيد  وإلا فسوف يسقطه ويكشفه رمز التحقق اليقيني القرآني والذي أشارت إليه الآية قيد البحث بأنه  ( تسعة عشر) .

هذا عن المؤمنين من الذين اتبعوا رسول الله r  لكنه يشمل أيضا الذين سوف يؤمنون من الذين أوتوا الكتاب بعدما يتكشف لهم أن ما جاء به محمد rلا يمكن إلا أن يكون من عند الله الملك الحق.

 

المقطع الخامس:

 

                          زاوية البحث الرابعة      :          وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ

 

بدأ هذا المقطع بنفي الريبة -  والتي هي من عائلة الشك أو هما يخرجان من مشكاة واحدة - وذلك لأن درجة اليقين التي نصل إليها بعد استخدامنا لرمز التحقق اليقيني تصل بنا إلى أعلى درجات اليقين ، والذي يستحيل معه تسرب الشك إلى قلوب مستقبليه .

ولسوف يعود بنا هذا إلى احتمال وقوع  (  التوافقيات   Synonyms  )  في أرقام التحقق والمصممة بفعل البشر وقلنا إن جل ما يفعله مصممو مثل هذه النظم أن يقللوا من احتمالات وقوع مثل ذلك الخطأ قدر الإمكان ، لكنا هنا أمام نظام رباني وجَعـْل إلهي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فلا مكان لريبة ولا سبيل لشك حيث لن ولا  يسمح بظهور             (التوافقياتSynonyms  ) ، وينقطع تماما احتمال ظهورها.

 

وعلينا أن نلاحظ أن الحق أورد في هذا المقطع كلمة  "  وَالْمُؤْمِنُونَ  " ،

 وأنه جل وعلا أورد في المقطع السابق كلمتي         "  الَّذِينَ آَمَنُوا  "

والفارق بينهما واضح ، حيث أن الأولى  " والمؤمنون "  قد عنيت بمن هم فعلا من المؤمنين من أتباع محمد  rويتذاكرون القرآن ويتدبرون آياته ، فهم هؤلاء الذين يتكلم عنهم وإليهم  الحق بأنهم لن تداخلهم الريبة بعد التثبت اليقيني ، هم مؤمنون حقا وصدقاً بأن هذا القرآن هو من عند الله ، لكن لا يمنع هذا الإيمان من توارد شئ ولو طفيف من الريبة وهم يودون أن تطمئن قلوبهم مثلهم في ذلك مثل أبيهم نبي الله إبراهيم إذ  قال لربه  في سورة البقرة  

 

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)}

 

أما الثانية " الذين آمنوا " فأغلب الظن أن الحق يشير هنا إلى طائفة واردة جديدة إلى حظيرة الإيمان، بأن قلوبهم قد  شغفت  حبا واشتعلت إيمانا وملأت يقينا بعدما تزلزلت عقائدهم التي كانوا عليها ، وتحطمت أصنام  أفكارهم على صخرة من جلمود رمز التحقق اليقيني .

 

المقطع السادس :

 

          زاوية البحث الخامسة  :  ٌوَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض وَالْكَافِرُونَ
                                          مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا

 

وهذه هي أخر بنود عرض حيثيات الموضوع حيث أورد الحق نوعين من الخلق

   أولهم   :    والكافرون ........  ومعلوم بطبيعة الحال سمات هذه النوعية من البشر

   ثانيهم   :  الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ

 

وهؤلاء بالمنطق المجرد من غير الكافرين أي أنهم يُحسبون على مجموعة المؤمنين ، فحقيقة الأمر أنه طالما أورد الحق نمطين من البشر أحدهم  " الكافرون " فمن البديهي أن تكون المجموعة الأخرى علي النقيض منها ، ولن نناقش هنا ما يتقوله الكافرين ، لكنا سوف يكون لنا وقفة مع هؤلاء الذين في قلوبهم مرض من المؤمنين مظهراً ، حيث من بينهم المنافقون، ويدخل معهم في هذه الزمرة المغرضون من هؤلاء الذين آمنوا أو هم يظهرون الإيمان لغرض في نفوسهم ثم ينضم إليهم المنتفعون من كونهم ظاهروا الإيمان ، أي أنهم مؤمنون في الظاهر شكلا وقلوبهم شتى ، وذلك لأن مصالحهم تنعقد عند إنكار ناصع الحق أو المكابرة فيه ، وهم يقنعون أنفسهم ويحاولوا أن يقنعوا الآخرين بأنهم هم وحدهم على الحق خوفاً على مكاسبهم أو على مكانتهم أو سلطانهم أو أوضاعهم ومراتبهم الوظيفية ، وهم لا يجهرون بالإنكار بل بالتهوين من شأن ما يعرض عليهم ليس عن علم ولا عن مقدرة على الحكم ولكن لتغطية نقوص في علومهم ، وكأن لسان حالهم يقول

  لو  فرضنا معكم  جدلا أن ما تعرضونه صحيح    فماذا بعد ...؟  وما الذي سوف يعود علينا منه...؟

هذه الفئة من البشر أخطر من الكافرين وأخطر من المنافقين ، فهي التي توقف ديناميكية الحياة وتحاول إعاقة يسر حركاتها ، وهي ضد ديمومة تواصلها، وحجر عثرة أمام تنامي تقدمها، وسد الطرق في سبل استمرارها ، وتتصدى للجديد من الفكر سواء بالمصادرة أو بالتهوين أو بالسخرية أو بتكفير صاحب الرأي ، ولقد أوردها الحق في نهاية قائمة البنود  تمشيا مع حقيقة أن البند الأخطر يأتي دائما كآخر البنود[17] .

 

 

 

المقطع السابع  :

 

                      خاتمة البحث الأولى         :     كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ

وهذا هو البند الأول من بنود خاتمة البحث، حيث يقطع الحق بالحكم القدري بأن الهداية من الله  وكذلك الضلالة [18]، لكنهما ليستا ضلالة وهداية الإيمان ، وإنما هي هداية الدلالة لأن الحق يشير إلى دليل قطعي سوف يؤدي بمن يتعامل معه وبه إلى الاهتداء إلى سر رمز التحقق القرآني ، وهي أيضا هداية المعونة لمن بدأ في ترديد هذا الخاطر في نفسه لمعاونته على الوقوف على الحقيقة والوصول إلى اليقين.

 

لكن الحق جاء بذكر الضلال أولا لأن ذلك يتناسب مع الفقرة السابقة في المقطع السادس

 

 (    وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض   )  لأنهم على ضلال، وأحسب أن ذلك يشكل تقييماً للضلال على أنه خطأ [19].. ، لكنه ليس بكفر، أو هو لا يرقى لأن ننعتهم بأنهم كافرين .

 

 المقطع الثامن   : 

 

                       خاتمة البحث الثانية      :         وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ

 

وهذا هو البند الثاني  من بنود الخاتمة ، حيث يشير الحق إلى تعدد جند الله وأنه لا يعلمها إلا هو .

وجنود الله متعددة :

                         منها ما هو ملموس  محسوس  مشاهد في عالم الشهادة ويحسب  من مـُلك الله.

                        ومنها ما هو مـعنوي  مـدسوس  مخفي عن الأبصار والبصائر في عالم الغيب وهو من ملكوت الله. 

ويدخل من هذا الباب الأخير أسلوب حساب رمز التحقق اليقيني  ، أو هو في وجوده، فبه أو عن طريق استخدامه نصل إلى اليقين بأن الله وحده هو الذي أنزل هذا القرآن .

 

فقد تضمن القرآن أرقاماً كثيرة [20]  ، وتضمن أيضا أعداداً أكثر ، ومعها نسب الكسور ، كما جرت الإشارة إلى أن ترتيب السور التوقيفي العددي لابد وأن نتوقف عنده ونتساءل ونعمل أفكارنا ونبحث، وعلاقاتها بالإستهلالات المقطعة ودلالاتها الإحصائية[21] فيما يسمى بالتوافق الرقمي مع البناء التركيبي للقرآن ، ثم تلك الحقائق والتوازنات العددية [22]  ، والتكرارات المتوازنة [23] ، كل ذلك يشير بقوة إلى ضرورة توافر نظام رقمي فذ ، تحكمه تركيبات عددية متماسكة ، وتوليفات إحصائية مترابطة ، ولقد نوه الحق إلى   ذلك ، محفزاً لنا على البحث والتنقيب، لنكتشف آياته ، وأعطى لنا من فضله وكرمه مسطرة مرجعية تبين لنا على الدوام صحة ودقة ما يمكن أن نتوصل إليه، فقد تنعم علينا بأن حدد لنا قيمة رقمية محددة كرمز للتحقق اليقيني للقرآن .      

يدلل هذا على وجود آيات إعجازية  رقمية[24] ، وآيات إعجازية عددية [25] ، وثالثة إعجازية إحصائية ، ورابعة إعجازية علائقية ، وخامسة إعجازية ترابطية، وسادسة إعجازية تصنيفية ، وكل تلك الزوايا المتعددة إنما تشير إلى واحدة من آيات العلم الإعجازية الكيثر في القرآن ، ألا يشكل هذا الذي سردناه من ترسيخ لوصف الحق بأن رمز التحقق اليقيني إنما هو يشكل واحداً من جند الله الكوثر، والتي لا يعلمها إلا هو .

 

 

المقطع التاسع  والأخير :   

         التوصــــــيات       :         وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31){

 

وورود هذا المقطع على هذه الصورة يدخلها في باب التوصيات حيث تأتي كلمة  " ذكرى " بمعنى التذكر الدائم أو هي لتحفيز البشر على دوام التذكر بأن ما سبق وعددته الآية في مقاطعها الثمانية من وجود رابط رقمي يحكم ترتيب سور القرآن ، مما يتوجب وجود حاكم رقمي تأكدي ، هو رمز التحقق اليقيني للقرآن وحدده وبينه بالعددية  ( 19 )  وهذا الرقم ما هو إلا واحداً من جند الله الكثيرة والتي لا يعلمها إلا هو ، والتي يسخرها الله لإثبات وحدانية الله ، وأن كتابه ( القرآن الكريم ) قد تنزل من عنده بكيفية معينة وبنظم خاص بحيث لا يسمح لأحد كان من كان أن يعبث به أو يغير ولو مجرد حرف واحد منه ، ويهدي الله بعضا من خلقه إلى ذلك ، كما يحجبه عن البعض الآخر ، وأن وجود مثل هذا الرقم التأكدي لا يمنع من وجود أرقام تأكدية  أخرى ، وهي تعمل جميعا في  تعانق معجز  لإبراز إعجازات القرآن الذي لا تنقضي عجائبه .

 

وعلينا أن نلاحظ أن عجز الآية يشير إلى أن هذه الدلالة المشار إليها إنما هي موجهة للبشر[26] جميعاً أي الجنس العاقل المكلف مؤمنهم وكافرهم ، موحدهم ومشركهم ، مهداهم وملحدهم ، عالمهم  وجاهلهم ، أي كل البشر وليسوا أجمعين[27]    - لأنها تستثني بعضا من قليل عن الإجماع  -  ،  لكنهم جميعا  لأنها تشير إلى الإجماع الكامل .

 

وأيضا علينا أن نلاحظ أن الله خص جنس البشر من بني آدم بهذا النوع من التذكر ، ولم يشر هنا إلى الجنس العاقل المكلف الآخر والذي يشاركنا التواجد في الوجود وهو عالم الجن[28] .

 

ملحوظة مهمة  :

                        نود لو نلفت الإنتباه إلى أن عرض شروح مقاطع الآيتين الكريمتين (30) ، (31) من سورة المدثر، كان في سبيل إلقاء الضوء على حقيقة ما إفترضناه سلفا من وجود الإشارات القرآنية التي تدل وتدلل على ما أطلقنا عليه إسم " رمز التحقق اليقيني القرآني " .

 أما الأمثلة التي تبين وتشرح بعض استخدامات هذا الرمز التحققي، وكيف يتسنى لنا أن نتيقن من صحة خطواتنا البحثية عن طريق تفعيلنا لهذا الرمز التيقني،  فقد أوردناها في ملحقات خمس وهي جاءت جد مختصرة عدداً وعدة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر، وإن كان كلٌٌ منها جدير بأن يكون - ومع المزيد من التفاصيل -  بحثا منفردا قائماً بذاته.  

 




[1]
انظر الكتاب والقرآن قراءة معاصرة د محمد شحرور &

         المعجزة الكبرى مهندس عدنان الرفاعي &

         أعمال المهندس عبد الدايم كحيل.

[2] فقرة منقولة بتصرف من كتاب ( نحو فقه جديد ) للأستاذ جمال البنا صفحات 156  ،157

 

[3]حيث المفترض أنه يوجد ما يسمى بالتضبيطة العددية للقرآن أي أنه يوجد لكل سورة على حدة ميزان رقمي محدد ، هذا الميزان الرقمي سوف يختل لو أن حرفاً واحداً من السورة رفع أو بدِل .

وتجري الأبحاث الآن في هذا الاتجاه للوقوف على مثل هذا الميزان الرقمي أو ما يحق لنا أن نطلق عليه التوليفة الرقمية للسورة أو التركيبة الرقمية للسورة أو.. وكما يطيب لعلماء الرياضيات أن ينعتوها بأن تصبح المعادلة الحاكمة الرقمية للسورة وأرى أنها أنسب الصيغ التي تقترب بل على الأحري تحدد المفهوم الذي نود أن نلقي الضوء عليه ، فالمعادلة لا تخرج عن كونها صيغة أو تركيبة رياضية ، وكونها الحاكمة تعني وجود ميزان مرجعي - أي يرجع إليه حالة الاختلاف  - أي أنه يوجد ما يشبه المسطرة الرقمية التي تقارن بها الأطوال لكنها في حالتنا سوف نحقق بها صحة توارد الأحرف والكلمات القرآنية إذا ما طبعت في طبعات جديدة  ، أو يسهل بها الحكم على ادعاءات اللذين يتصوروا أنه يمكن لهم أن يفتروا على كتاب الله ويدسوا إليه ما هو ليس فيه .

 

[4]يتجلى هذا المفهوم من خلال قراءة الآية

                 {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)} سورة الشوري

  ففيها إشارة واضحة بأن الكتاب وبعض منه القرآن أنزل بميزان أي أنه متوازن ومنضبط وفق نظام محكم ولا مجال للعبث فيه ، وأن

هذا الكتاب محفوظ من الله وأنه لا ريب فيه ، ولن يكون، من يوم أن تنزل وإلى أن تقوم الساعة .

 

[5]وردت لفظة الميزان في القرآن (9) مرات، سبعة منها ترمي إلي الميزان الوزني المرتبطبالكيل والمقاييس

  واثنتان منها هي التي تشير إلي الميزان المعنوي المنطقي بمعنى الدقة والانضباط ، وجاءت أولاهما في سورة الشورى(ملحوظة مرجعية 2 )

 وأما الثانية فجاءت في سورة الرحمن ، وواقع الأمر أن السورة قد أشارت إلى كلا المعنيين

 {  الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)} سورة الرحمن

فالميزان في الآية (7) هو ميزان الدقة والانضباط والموازنة والتوازن وله قوانينه ومعادلاته  ،

 أما الميزان في الآية (9) فتعني ميزان الكيل والمقياس فله وحداته (الجرام  والكيلو والطن مثلا )

لكن ..الآية (8) أشارت إلى عدم الطغيان في الميزان ، وأحسب أن هذه إشارة لعدم الطغيان بالسلب ولا بالإيجاب في ذالكما الميزانين .

 

[6]  بمعنى أن نبدأ في تجميع عشر سور بدءاً من السورة الأولى (الفاتحة) وحتى السورة العاشرة  (يونس) فتكون لدينا الحزمة العشرية الأولى ، ثم نعود لتحزيم عشرة سور أخرى بدءا من السورة الثانية (البقرة)  وانتهاءا بالسورة الحادية عشر(هود) ، ولتكوين الحزمة العشرية الثالثة نتحرك بالعد خطوة واحدة فنجد أن سورة بداية الحزمة هي سورة (آل عمران) والتي هي السورة الثالثة ترتيبا لتنتهي هذه الحزمة بالسورة الثانية عشر وهي سورة (يوسف) وهكذا إلى نهاية المصحف وهناك سوف نلاحظ أن أخر كلمة في أخر سورة ترتيبا وهي سورة (الناس)  هي كلمة الناس وهي ليست ساكنة بل هي مكسورة بالكسرة أي أن هناك امتداداً لما بعدها ولا يوجد توقف عندها بالسكون ، وما بعدها لا تكون إلا فاتحة الكتاب كأول سورة مما يعني تواصل القرآن كعقد منظوم وسلسلة متتابعة ، وهذا يعني أيضا  أن السورة الواحدة سوف تدخل في تكوين عشرة حزم أو يمتد تأثيرها إلى عشرة حزم ، فمرة يأتي ترتيبها الأولى في حزمة ما ، ثم في الحزمة العشرية التالية يأتي ترتيبها الثاني ، وهكذا إلى أن تكون السورة العاشرة في الحزمة الأخيرة (العاشرة) ، وبذلك يتكون لدينا 114 حزمة عشرية كل منها يتكون من عشر سور.

 

[7]ونحن نعلم جيدا أن هناك عدة معان لـ لفظة الآية فهي تأتي بمعنى الدليل أو البرهان أو المعجزة أو العلامة أو الحجة أو هي تكون وصفا للجملة القرآنية أو هو ما اصطلحنا على تسميته آية والتي تتشكل من جملة من عدة كلمات - ولن ندخل هنا في تفصيل أنواع الجمل فهذا كلام يضيق عليه المقام- .

 

[8]السنة الضوئية هي مصطلح يعبر عن المسافة التي يقطعها الضوء بالكيلومتر إذا سار في الفضاء لمدة سنة من زمننا الأرضي

(أي  سنة مما نعد ، والسنة  تعني  365.25   يوم  ،  اليوم  يعني  24  ساعة ، والساعة  60   دقيقة ،  والدقيقة  60   ثانية  )

إذن هي  وحدة قياس مسافات ولا يلتفت إلى وجود مصطلح زمني (السنة) عند الإشارة إليها ويكون بذلك

مسافة السنة  الضوئية = سرعة الضوء في الثانية  *  عدد أيام السنة محولة إلي وحدة الثانية

                            = 299792.5 * ( 60 * 60  * 24 * 365.25 )

                            = 9460742020000

                            =  9.5  تريليون كيلومتر تقريبا  (التريليون = ألف مليار

                                                                                   = مليون المليون )                              

[9]سوف نستخدم أسلوب الترميز الرقمي عند الإشارة إلى ترتيب السورة التوقيفي وكذا لترتيب الآية داخل السورة وكل منهما في ثلاث خانات رقمية، فمثلا عند الإشارة إلى الآية الخامسة من سورة البقرة نقول 002005  ويجب أن نلاحظ أننا وضعنا أصفارا غير معنوية                (أصفار على يسار الرقم ) لكي ينتظم الرمز في ثلاث خانات حتى يغطي كافة الاستخدامات على مستوى القرآن كله

وعلى ذلك يكون 010038  إنما تعني الآية الثامنة والثلاثين   من السورة العاشرة     ( سورة   يونس  )

وأيضا تــــــكون 012110  إنما تعني الآية العاشرة بعد المائة من السورة الثانية عشر( سورة  يوسف  )

وكذلك نقرأ        109006  إنما تعني الآية السادسة من السورة التاسعة بعد المائة     (سورة الكافرون )

[10]تعريف الرقم :   هو كم حسابي ذو طبيعة فردية يعبر عنه برمز خاص ويكتب في خانة نظامية واحدة .

                        وهي      0 ، 1 , 2 , 3 , 4 , 5 , 6 , 7 , 8 , 9     فقط

  تعريف العدد  :  هو مجموعة من الأرقام في تركيبة خاصة والتي يحكمها نظام رقمي معين .

                       في النظام العشري تبدأ الأعداد من      10 ثم 11 ثم .......

النظام الرقمي   : هو الرابطة أو العلاقة التي تحكم طبيعة القيمة الحسابية لمجموعة الأرقام المكونة للعدد.

أساس النظام     : هو القيمة الحسابية الثابتة والتي تتغير معها وبها قيمة الرقم حسب ترتيبه في التركيبة العددية .

     فمثلا العدد 745  وتبعا لقواعد النظام العشري الرقم  5    في خانة الآحاد        سوف ينطق  5

                                                      أما     الرقم   4    في خانة العشرات     سوف ينطق 40

                                                     وكذلك الرقم   7    في خانة المئات        سوف  ينطق 700        

[11]العدد الأولي هو ذلك العدد الذي لا يقبل القسمة إلا على نفسه ,

      وقد اختير العدد  11   لأنه عند القسمة عليه - فلا يعنينا في هذا الصدد إلا متبقي القسمة وليست نتيجة القسمة  -        لا يكون المتبقي من نتيجة القسمة إلا واحدا من مجموعة الأرقام من  1   إلى   9

   ويبقي  متبقي واحد هو العدد    10    حيث سنستعيض عنه بالرقم   0   فقط

أما إن حدث وكان المجموع يقبل القسمة على 11  فيكون رمز التحقق في هذه الحالة رمزا حرفيا مثلا  " د "

[12] لتوضيح إمكانية وكيفية حدوث ( التوافقيات  Synonyms  )  , نضرب المثل الآتي :

لو فرضنا أن التركيبة الرقمية جاءت على الصورة  253461

ولاستخراج رمز التحقق لهذه التركيبة نقوم بعمل عمليات الضرب المتواسق لكل رقم في ترتيب الخانة التي هو موجود فيها فنحصل على

 

المجموع   = (1 * 1 ) + (6 * 2) + (4*3) + (3*4) + (5*5) + (2*6)

              =      1      +    12    +   12    +   12    +   25   +   12

              =       74

 بالقسمة على 11 يكون الناتج  6  ويكون المتبقي الصحيح  8  ،

 وهذه تضاف إلى يسار التركيبة الأصلية  -  كما هو متبع فيما ارتضيناه من أسلوب لدس رمز التحقق -  لتصبح  8253461

 

فلو  فرضنا أن أحد العملاء قام بإدخال  هذه التركيبة بطريق الخطأ أو السهو أو التعمد على النحو التالي           8254360 

فلو أجرينا عليها خطواتنا في استنتاج رمز التحقق فسوف نحصل على 

 

المجموع  =  (0*1) + (6*2) + (3*3) + (4*4) + (5*5) + (2*6)

             =      0    +   12   +    9     +    16   +   25   +    12

             =      74

وهو نفس مجموع التركيبة الرقمية السابقة ، وبالتالي سوف يستخرج لها نفس رمز التحقق  أي  (8)

وهذا يشكل خطأ جسيم ،،

 فمع أن التركيبة الرقمية قد تغيرت تغيراً طفيفاً في ترتيب أرقامها إلا أنها لم تغير من رمز التحقق خاصتها

وهذا هو ما نعنيه بحدوث التوافق، والذي يعتبر الخطر الأعظم ، ونقطة الضعف الأخطر في هذا الصدد.    

[13]تعريف البيان            (Data  )   : هي تلك الرقمية أو العددية المجردة والتي ليست لها هوية أو شخصية،أي لم يتم تعريفها ولا تمييزها،                                                          بمميز محدد ، فمثلا الرقم  5 هو بيان مجرد فلا نعلم أي خمسة مقصودة.

  تعريف المعلومة (Information): هي عبارة عن بيان تم إسباغ هوية عليه وتميزه بمميزة تخصه وتحدده.

                                                     فمثلا نقول خمسة جنيهات أو خمسة أقلام  وهكذا صار معلومة.

[14]خطوات البحث العلمي النمطي تتلخص في الخطوات الآتية :

           أولا  : تحديد فرضية البحث ومن ثم التقديم له بفرشة تمهيدية وتعريف المصطلحات .

           ثانيا  : عرض بنود موضوع البحث وتفنيد الأسباب التي من أجلها اعتمدت فرضية البحث .

           ثالثا  : ثم خاتمة البحث وتلخيص النتائج .

          رابعا : مرحلة التوصيات .

[15] سقر هي أحد أسماء جهنم

[16] حرف اللام إن جاء مكسورا بالكسرة في أول الكلام كان دليلا على أن الحرف هو حرف تعليل، ولمزيد من التأكد نقوم برفع حرف اللام من الكلمة ، ونستبدلها بالأداة " لكي "  فإذا استقام المعني كان هذا دليلا علي أن حرف اللام إنما جاء للتعليل.

أما إذا جاء حرف اللام في أول الكلام مفتوحا بالفتحة كان هذا دليلا على أنه حرف توكيد مثل     
  {           فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْبِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15) }         سورة يوسف

[17] يتأتى ذلك من الرجوع إلى الآية الكريمة  002258  من سورة البقرة

 

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) }سورة البقرة

 

حيثقدم نبي الله إبراهيم اقتراحا للملك الذي يحاجه الحجة في ربه، بأن ربه هو الذي يحي ويميت فرد عليه الملك باستعلاء مستخدما الحجة الباطلة والمغالطة الناصعة قائلا  "  أنا أحي وأميت  "  وذلك بأن يأت بأحد المحكوم عليهم بالإعدام ويعفو عنه وكأن ذلك فيه إحياء له ، عندها علم نبي الله إبراهيم أنه أمام منطق ملتو ، وفكر معوج  فقام بتقديم الطلب الذي يوقن أن هذا الملك المريض في عقله، لا يستطيعه فعرض عليه أن يأتي بالشمس من المغرب ، وذلك خلاف ما فطرت عليه من طلوعها من المشرق ، حينئذ أسقط في يد هذا الَدَّعي الصَـلـِف وبُهت من شدة وقع الفكرة الصائبة عليه ، لذا يتوجب علينا حين يطلب منا أن نتقدم بتقرير يحوي عدة بنود فنأتي بالبند الأقوى كآخر بند ، لأنه هو الذي يرسخ في أذهان المستقبلين ، ويكون الحكم لصالحك بإذن الله .

 

  [18] ورد  ذكر " ضلال "  في القرآن في ( 31 ) آية وقد أردفت  بها كلمات خاصة بوصف نوع الضلال فجاءت     ( ضلال مبين في 18 آية ) ,  (ضلال بعيد في ثلاثة  آيات ) ،( ضلال وسعر في آيتين )  ، ( ضلال كبير في آية واحدة ) وجاءت وحدها دون أي إضافة في ثلاثة آيات  .

أيضا وردت وحدها معرفة بالألف واللام ( الضلال )  في آية واحدة  ، ووردت  ( الضلال البعيد )  في ثلاثة آيات.

 

ومما يدلل على أن الضلال هو خطأ وليس بكفر فلنقرأ معا الآيات التالية  :

    {   إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)  }سورة يوسف

 

وهذا الحديث يجري على لسان إخوة نبي الله يوسف ، حيث يتهموا أباهم نبي الله يعقوب بأنه يميز ويفاضل بين أبناءه في درجة التقريب والمحاباة ، وهذا في عرفهم خطأ يقترفه أبيهم  ، ولا يعقل بل هم لا يجرؤا  أن ينعتوا نبي الله يعقوب بالكفر.

 

أيضا ورد في نفس السورة وعلى لسان نسوة من طبقة الحكام ترديداً لإشاعة مغرضة

   {   وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)} سورة يوسف

 

 ومثل هؤلاء النسوة  اللائي يتعاطين الفساد ويتخبطهن رياح المجون والعهر لا يتأتى لهن أن يصفن ما فعلته امرأة العزيز ، إلا بأنها أساءت اختيار الوقت والشخص والمكان لتقارف ما كانت تروم  إليه  وتهواه وتريده بشدة ، ولم يدخل في حسابهن كون ذلك معصية أو خطيئة، فهن يقسن الأشياء والتصرفات بمنطق غير إيماني بعيداً تماماً عن منطقة الحكم عليها بكون ذلك كفر أو إيمان .

                                

[19] تعريف الخاطئ  : هو من يعرف منطقة الصواب ويتعداها إلى منطقة الخطأ

                         أو هو من يعرف الصواب ولا يفعله ، أو يفعل شيئا مخالفا .

                         مثال ذلك ما  ورد في سورة يوسف في ثلاثة مواقع :

 

                    يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)

                                     قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91)

                                       قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)

 

أما تعريف المخطئ: هو من لم يذهب إلى الصواب لأنه لا يعرف مكانه أو هو لا يعرف الطريق إليه .

 

[20]تفصيل  الأرقام والأعداد التي وردت في القرآن الكريم أنظر الملحقات .

 

[21]مثال ذلك ما سبق وأوردناه من كون أن  سورة النمل , قد استهلت بالاستفتاحة  " طس "

  وأن   تكرار حرف " ط "  في السورة  هو 27  وهو يماثل ترتيب السورة التوقيفي

  كذلك  تكرار حرف " س"  في السورة  هو 93  وهو يتطابق وعدد آيات السورة 
              لا يمكن أن يكون الأمر مجرد صدفة

 

[22] من الحقائق الرقمية المدهشة  التي وردت في القرآن على سبيل المثال لا الحصر

  تكرار ظهور لفظ  " يوم " بشكله المنفرد  هو 365 مرة وهو يماثل عدد أيام السنة الشمسية
. لا يمكن أن يكون الأمر مجرد صدفة

  تكرار ظهور لفظ  " شهر"                    هو 12  مرة وهو يماثل عدد شهور السنة 
       . لا يمكن أن يكون الأمر مجرد صدفة

 

[23] من التوازنات العددية التي تأخذ باللب ووردت في القرآن وعلى سبيل المثال لا الحصر

  تكرار ورود ذكر (الملائكة) يتساوى مع ورود ( الشياطين )        وهو  88   مرة 
                   . لا يمكن أن يكون الأمر مجرد صدفة

    تكرار ورود ذكر ( الدنيا   )     يتساوى مع ورود   ( الآخرة    )     115   مرة
                . لا يمكن أن يكون الأمر مجرد صدفة

     تكرار ورود ذكر ( الموت  )    يتساوى مع ورود ( الحياة     )       145  مرة 
                 . لا يمكن أن يكون الأمر مجرد صدفة

 

[24]  معجزة الأرقام والترقيم في القرآن الكريم 

   عبد الرزاق نوفل         دار الكتاب العربي بيروت  1983

 

[25]  الإعجاز العددي للقرآن الكريم

   عبد الرزاق نوفل         دار الكتاب العربي بيروت  1987

 

[26]   وردت كلمة البشر في 26  آية  في 17 سورة قرآنية , وجاءت الأربعة الأخيرة منها في سورة المدثر

                                                               إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)

                                                                                لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)

                                          ........ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)

                                                                                 نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)

[27]   الدليل على ذلك ما ورد في سورة الحجر

    { فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) }

    { قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) }

    { إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)}

                                                 

[28]  ولم أقف على سبب مقنع لذلك إلا أن يتغمدني الله برحمته ويهديني بفضل منه ويفيض علي ببعض من علمه وكرمه   ،

     هذا مع أن الحق قد أدخلهم مع البشر في التحدي بالإتيان بمثل هذا القرآن ، فقد جاء في سورة الإسراء          

  {  قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)}

     وعلينا أن ننحي  الآن هذا الخاطر جانبا  تمثلا للآية الكريمة في سورة الإسراء

   { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا (36)}

     وذلك حتى يحين موعد تكشفه ، والذي أذن الله به في سابق علمه ، تاركين ذلك لحكمة الله ومطلق علمه .

   { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)}

 

 

اجمالي القراءات 19507