الصلاة – أسسها، أشكالها
الصلاة – اجتهادات وردود

غالب غنيم في الأربعاء ٢٣ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

في هذا المقال سوف أتعرض لأسس الصلاة وأرد على بعض من كتب تغريضا في الصلاة وطريقتهامن خلال القرآن الكريم .

قد يقول قائل أن سجودنا اليوم غير صحيح، ولقد ذكر صديق لي هنا في الأردن يوما ما ذلك، ولم أصدقه حينذاك ولم أفهمه، لأنني أصلا لم أكن قد وصلت للقرآن الكريم صمت، ثم حدث ما حدث، والآن أحببت أن أتدبر بعض الأمور من الصلاة في ديننا، ومن الذي سأتعرض له هنا (أصل الصلاة، أسس الصلاة (كما يقال أركانها)،أشكال الصلاة "الطرق"، أنواع السجود)  وفي مقالي هذا أيضا رد على مقال أحد الكتاب في (موقع أهل القرآن) حيث أصدر "تعميما" غير مدعم بالقرآن بشكل صحيح حول إن كانت الصلاة تبدأ والإنسان قائم أم جالس أصلا حيث أفتى صاحبنا بأن الصلاة تتم جلوسا. ولعلي إن تذكرت المقالة فسأذكر عنوانها في الحاشية أدناه إن شاء الله عزّ وجل(1*).

ولن أناقش مسائل السنة العملية المتواترة اللتي بشكل أو بآخر تراكمت منذ بعث إبراهيم عليه السلام ثم تأكيد الرسول عليه السلام لملة إبراهيم وتصحيح ما كان المشركون ابتعدوا عنه وحرفوه لأشكال وطريقة الصلاة، ولن أتعرض كذلك لما تم تحريفه في التراث وهو (تحريف أو إشكال ليس بذي شأن كبير) كوضع اليدين ورفعهما أم لا، وماذا يقال في السجود والركوع...الخ، فهذه من الشكليات التي لا تؤثر على الأعمدة الأساسية.

مقدمة:

ولأضرب مثلا من حياتي ، فلقد كنت وإخوتي جالسين يوما عند أمي، وتطرق الحديث لهذا الموضوع، ومن ضمن النقاش قال أخي الكبير جملة ما زالت لا تفارق وجداني(أنا لا أعرف لماذا لم ينزل الله تعالى في كتابه العزيز طريقة الصلاة!)، وهو قالها بعفوية وبدون تجريح، بل استفسار الإنسان الذي يبحث عن الحق، ثم تفرقنا، ومن بعد شاء الله تعالى أن يجول الجواب في عقلي كالقنبلة، وكان الجواب بسيطا جدا ، فالله تعالى شرح لنا كيف نصوم ومتى يبطل صيامنا، فأنت لو صمت طيلة اليوم ثم شربت (ولو الشيء القليل) من الماء أو القهوة...الخ فسيبطل صيام ذلك اليوم (ليس السهو هو المقصود هنا بل التعمد)، فأجبته كذلك الصلاة، بل الصلاة أشد وطأة، فلو أنزل الله الخبير في القرآن كيف نصلي له لما استطاع أحد على وجه البسيطة اتمامها كما أمر الله تعالى، ولقضينا الساعات والأيام في التدرب على ما (أمر) الله تعالى به، ولما استطعنا الخشوع لتوقينا الزلل عن أمره تعالى وطريقته!
وليسهل الله تعالى علينا الأمر وييسره، لم ينزله في كلمه سبحانه، وهو اللطيف الخبير في عباده وخلقه.

ومن هذا المنطلق (الإجتهادي) ، رأيت أن الخلاف في (حيثيات الصلاة) عبث، فالمهم هو الإتصال بالله تعالى أكثر من (تفاصيل هذه الحيثيات) اللتي يتم بها الإتصال، والمهم هو التقوى والرقي في الخلق (بضم الخاء واللام) من هذه العبادة، فإن لم تنه الصلاة عن الفحشاء والمنكر والبغي، فلا فائدة منها، بل أصبحت (رياضة سويديه) أكثر منها عبادة، وهذه مشكلة من مشاكل العصر للأسف الشديد...!

ولكي أكون أمينا غير مراء، فإنني أعترف وأقر بأنه من الممكن أن (تتواصل) مع الله تعالى بالصلاة بأشكال أخرى، ولكن ليس في الصلواة الخمس ، اللتي هي علينا كتابا موقوتا، أما في النافلة فلك أن تسجد طيلة الليل، وأن تقرأ القرآن ما تشاء أثناء سجودك ذلك، وتدعو وتتهجد، ولك أن تفعل ذلك واقفا أو راكعا...فقمة اليسر في ديننا تكمن في امكانية الإتصال الدائم بين العبد وربه، فبينما أنت في الطائرة يمكنك أن تقضي وقت جلوسك في الطائرة كله في صلاة لك، والله تعالى قريب من العبد، ولكن لا يجوز تعميم هذا على الكتاب الموقوت الذي أمرنا الله تعالى باتباعه وتنفيذه، وإلا فنحن نعود على بدء بتكذيب المتواتر منذ ابراهيم عليه السلام وهدم العبادات في الإسلام بل وتكذيب ما قام به رسول الله بإعادة الشكل  الصحيح للصلاة بعد اضاعتها من المشركين.

قال تعالى:

(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنطَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) البقرة – 125:130

وهذه آيات بينات، نرى من خلالها أن الصلاة كانت منذ زمن إبراهيم عليه السلام.

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) مريم – 44:45

وليس من المعقول أن يأمرأهله بما لا يعرفوه!

ثم يقول الله عز وجل أنهم أضاعوا الصلاة بعد الرسل :

(فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌأَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم - 59

وبالتالي قال تعالى عن صلاة أهل مكة وغيرهم ممن كانوا يفدون الى البيت العتيق:

(وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ) الأنفال – 35

أسس الصلاة:

الأعمدة الأساسية للصلاة هي الوقوف وقرائة ما تيسر من القرآن، الركوع، السجود والجلوس، وهذه هي الأسس في الصلاة اللتي وصلتنا بالتواتر العملي.

ومن البديهي هنا  أن نصل للحق بأمر الصلاة، فالوقوف والركوع والسجود كلها مذكورة في القرآن الكريم. ولن أتعرض للحيثيات والتفاصيل (ماذا يقول الأنسان في الركوع...أو كيف يضع كفيه...الخ) بالرغم من الإشارات الكثيرة لها (ماذا نقول) في القرآن وتوافق هذه الإشارات مع أغلب ما وصلنا من هذه الحيثيات القولية، وهذا موضوع آخر.

وهنا يبرز لنا أحد الكتاب من موقع (أهل القرآن) يقول غير ذلك، بل ينفي ذلك كله! فما قام به صاحبنا في مقاله، هو استغلال (خوض) غير سليم لمعنى كلمة (قومو، أقم الصلاة، يقيمون الصلاة) حيث قال

بداية الإقتباس:

 "والصلاة قياما ينقضها أنها فى حالة الخوف "رجالا" أى على الأرجل وهو القيام "أو ركبانا" وهم يركبون الدواب أو وسائل الحرب ومن ثم فهى فى حالة الطمأنينة الجلوس أى القعود وأريد أن اسأل هل أراد الله تعذيب المسلمين ففرض عليهم الوقوف نصف الليل أو ثلثه أو أكثر " انتهى

وهذا من أغرب القول الذي قرأته! فالقيام  (المعرف ب "أل") وإقامة الصلاة وقيام الليل وغيره لا يعني الوقوف البته، بل هو (إعمار الصلاة بتأديتها) كما قال الله تعالى:

"فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا"  الكهف -77

 

"وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" الحج - 26

"وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ"

فالقائمين هنا هم العاكفين (أي المقيمين في بيت الله الحرام – وهو نوع من الإعمار لمساجد الله) ، ولم أجد آية في القرآن يشير معناها إلى "الوقوف" والمعنى الغالب هو الإعمار بالتأدية.

"إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ " التوبة -18

، ومن العبث الجدال فيما هو بين للناس من القرآن وتواتر السنة العملية! ومن العبث توفيق الركوع جلوسا! أما قيام الليل أو ثلثه..الخ، فليس شرطا كما قلنا سابقا الوقوف ثلثي الليل، فلربما عبد أقام ثلثي الليل ساجدا! ومن يأتيني بدليل من القرآن الكريم (أو من علم المنطق العقلي) بأن قيامه هذا خطأ فليأت به وأنا أرحب به إن كان صحيحا. بل بالعكس هو يعكس رجوع العبد لربه ورغبته بالتقرب اليه لنيل مكانة عالية عنده يوم القيامة، وفي هذا فليتنافس المتنافسون! ولهذا يعظنا الله تعالى بالاصطبار على الصلاة

وأنا أتفق مع من يستخدم كلمة قيام بالمعنى الإجمالي كقيام الليل مع إمكانية قضاء ذلك القيام ساجدا، ولكن الآيات بينات حين يتكلم الله تعالى عن القيام (الوقوف) والقيام (إقامة) الصلاة، فالأمر في الآيات الأخيرة التي ذكرتها واضحة بعيدة اللبس وتعني قيام الليل بإعماره بتأدية الصلاة.

ولتوضيح هذا سنعود ونذكر الآيات اللتي جائت فيها كلمة "قياما" وتعني ال "وقوفا":

"الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" أل عمران – 191

"فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا" النساء- 103

"وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا " الفرقات – 64

 

وفي كل هذه الآيات يتضح بدون لبس أن معنى قياما هو وقوفا وليس إعمارا.

ولقد وردت كلمة "قياما" في آيتين أخريين :

"وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا " النساء-5

والأخرى :

"جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" المائدة -97

ومنهما (يفصلان بعضهما البعض) نفهم مفهوما آخر للقيام ويعني (يقيم قوتكم) ، أي مصدرا لقوتكم:

فمن الأولى عدم هدر مصر قوتكم على السفهاء، ومن الثانية (والتي يجب الرجوع إالى مساقها وموقعها بين الآيات حيث الحديث عن الصيد والطعام) نفهم أن الله تعالى جعل الكعبة مصدرا للرزق للناس.

وبهذا نكون فصلنا مسألة القيام بالوقوف.

 

والآن، ما هي مسألة الصلاة جلوسا ، مشيا أو ركوبا ؟

لقد ورد في القرآن (تيسيرا) للناس بعض الإباحات ب (أشكال) الصلاة ال(موقوتة)،

فالآيات التالية من سورة النساء – 101:103 فهي تصف لنا الإستثناءات في الصلواة الموقوتة:

(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا)

وهنا تصريح بقصر الصلواة الموقوتة حين الخيفة من عدو محيط.

 (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)

وهنا تصريح بالصلاة بالدور (ليس جماعة كاملة بل مجموعات)

بل وبأسلحتهم إن استطاعو (أي يصلوا وهم على أهبة القتال إن هوجموا)

ومن خلال هذه الآية نفهم أيضا أنه يصلون كالعادة (ليسو وقوفا أو جلوسا بل يسجدون كذلك).

ثم يقول تعالى:

(فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاةَإِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)

أما الوجه الآخر للصلاة من  الإستثناءات فهي الصلاة على (أشد حالات الأهبة من الإستعداد للقتال وهنا تصريح بإقامتها  أثناء المشي بدون سجود وركوع وحتى راكبا الخيل أو الإبل أو ما يمتطى في الحرب وليس الركوع والسجود هنا ممكنين) حيث لا طمأنينة من العدو، وهذا يفهم من مساق الآية :

(حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) البقرة – 238:239

ومن هذا التدبر ، يتبين لناأن الله تعالى لم يذكر أن الصلاة الموقوتة تكون جلوسا، حيث ينعدم الركوع منطقيا، فلكي تركع يجب أن تكون واقفا وهذا ردنا عليه.

 النافلة:

فالنافلة لم يرد فيها التفاصيل لما قلناه سابقامن أمر السجود طيلة الليل مثلا، فكل صلاة غير الموقوتة نافلة، وورد في (ذكر الله تعالى - كتعبد) أن لك أن تتخذ الشكل المناسب لك أو الوضعية المريحة لك، بدليل الآيات التالية:

(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران – 191

لنلاحظ هنا قوله تعالى يذكرون ويتفكرون، وفي الآيات اللتي سوف أذكرها لاحقا سيجتمع اللفظان (يذكرون و الصلاة) معا للتفريق بينهما .

أما في سورة الفرقان – آية 64 فيقول المولى عز وجل:

(وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) ، ومنها نفهم أن هذا المبيت ليس بالصلاة الموقوتة (الخمس) بل النافلة في القيام. وقد يقول قائل أن المعنى الإجمالي المفهوم من هذا هو الصلاة كما في الموقوتة فنقول له أن الله تعالى قال (يبيتون) ولم يقل "يصلون الليل"..فأنت تستطيع قضاء الليل كله ساجدا لله تعالى فقط كصلاة نافلة، والله تعالى يقول "وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا " الإسراء - 79

وهنا يجمع الله بين مبدأ (الصلاة) ومبدأ (ذكره تعالى) على أنهما أمران مختلفان من أمور العبادة،  وليسا واحدا، وذكر الله تعالى كما ذكرنا يتم بالشكل الذي يريحك لا تحديد له.

(فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاةَإِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)

فالصلاة يلزمها الإقامة دائما، أما الذكر فلا (وهنا يجب علينا فهم الذكر من تسبيح وحمد وقرآن وشكر لله تعالى) من الصلاة (التي هي متواترة بالسنة العملية والتي هي نفسها "ذكر لله تعالى").

"وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا" الإنسان -25:26

 

السجود:

أما عن السجود، فهو منذ الفراعنة ورسومهم حتى يومنا هذا ، له نفس الصورة، حيث ينحني الإنسان بجسمه ويضع ركبتيه وكفيه وجبهته على الأرض، وأحينا ذراعيه وليس كفيه فقط - وليست الحيثيات من أمرنا هنا -، وهذا ما نراه في الصور من سجود البشر للبشر منذ القدم حتى اليوم، بل أنه يمكننا القول أن الله تعالى وصف السجود من خلال رسوم الفراعنة حيث أنه قال تعالى:

"فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى" (طه - 70)،وليس من المعقوا أن السحرة سجدوا سجودا غير الذي كانوا يعرفونه! أما في الدين فكما قلنا جاءنا الأمر متواترا الكل عن الكل بهذا الشكل أيضا، وبالتالي نفهم أن السجود في الصلاة هو ما نقوم به اليوم وهو صحيح، وكذلك الصلاة بشكل عام (الأسس)، وليس من المنطقي بشيء نفي هذا كله إلا لمن أراد (التغريض) بالإسلام بتهديم أسسه من العبادات وأهمها الصلاة!

واسجود نوعان ، أحدهما ذكر في القرآن الكريم ويتحدث عن السجود الواصل الينا بالتواتر للسنة العملية بالإضافة لتاريخ البشرية أجمع(وهذا ليس استشهادا بهم بل "منطقة وعقلنة للأمر!") ..والنوع الثاني هو السجود للأذقان (والذي قال لي صاحبي أنه هو السجود في الصلاة!) وهنا نتدبره، حبث ذكره الله تعالى في الآيات التالية:

"وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً * قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا" الإسراء -106:109

والآن ليس لنا من مخرج إلا أمرين في تدبر هاتين الآيتين، الأول هو الرجوع للتوراة وفهم هذا النوع من السجود، والثاني هو "التفكر" عقليا وبدون حياد.

فأن يهبط الإنسان ساجدا على ذقنه ليس هنا ما يدل عله، بل الحديث هنا عن السجود للأذقان، وهنالك فرق بينهما في وضعية الجسم، فعلى الأذقان تعني أولا أن تكون عندك "لياقة" كاملة لكي تنام على بطنك وصدرك وترتكي على ذقنك، وأظن أن ليس هنالم من يخالفني في صعوبة هذا الوضع الذي يعجز عنه الشباب فكيف بالرهبان المعمرين الذين احدودبت ظهورهم؟!

وبالتالي سنعود الى "لل"أذقان ، وهذا قمة في الإستسلام الكامل لله تعالى بسجود الجسد كاملا له، وهو كالسابق إلا أن "الخدّ" على الأرض وبالتالي يتحقق القول "للأذقان" حيث الذقن من الخد أو الوجه...

وهذا تحليلي بعيدا عن التوراة ومسألة نتق الطور وسجودهم خوفا "على الأذقان" لكي يرو الطور لئلا يقع عليهم...! وهي بالنسبة لي رؤية تقتصر الى بعد النظر العقائدي والإيماني.. ولربما من خيال وخوف من ابتدعها لقلة إيمانه!

وفي تحليلي يتحقق الشرط أو الحادث المهم في هذا النوع من السجود وهو البكاء والخشوع التام، هو نفس وضعية النوم على البطن بدون وسادة، وهو الإستسلام والتسليم التام لله تعالى...
 

نظرة تقريبية/توفيقية للجلوس في الصلاة:

لقد قرأت الكثير من الأرآء والإجتهادات والخلافات حول ما يقال في الجلوس في الصلاة، من آية الشهادة في آل عمرآن الى آية الكرسي وغيرها من التراث في التشهد والتحيات، وفكرت في ذلك كثيرا، فما وجدت أقرب من قرائة كل هذا (ما جاء في التراث) من القرآن، وبهذا يزول بعض الغموض والخلاف:

فالتشهد بالآية: "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" من اقتراح الأخ أيمن اللمع جميل..
أما بدلا من الصلاة الإبراهيمية فيمكن ترداد كلام الله تعالى الجميل "...
رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ" هود – 37

وهذا يفي بالغرض من الترحم والمباركة على أهل البيت جميعا...

وأن يختم الإنسان صلاته بقرائة "سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"  الصافات 180:182
لقول الله عز وجل" دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" يونس - 10

حيث نرى من هذه الآية الكريمة أن "تحية" أهل الجنة "سلام" وحين أحلل التحيات في الجلوس أراها متوافقة مع هذه الآية (التحيات لله والصلواة الطيبات والمباركات) – وهذا جيد الكلام لا بأس به- (السلام عليك أيها النبي ..السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) – وهذا كله تحية السلام اللتي في الآية، ولا بأس بها وليس فيها ما يدعو إالى الريبة والإشراك...

فيصبح ما يقال في الجلوس كالآتي:

1: (التحيات لله والصلواة الطيبات والمباركات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته،السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)
2: "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"

3: " رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ"
4: "
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"

هذا هو اجتهادي الخاص، وخلاصة التوفيق بين كل ما قرأت وفقهت ، وهذا ما أقوم به، وبهذا لا أدعو مع الله أحدا، وتكون أغلب صلاتي قرآن خالص، بالرغم من أن الدعاء في الصلاة مسموح به وليس شرطا أن يكون الدعاء قرآنا، ومن ضمن الدعاء الترحم على الرسول والصلاة عليه، ومن ضمن الدعاء استخدام سلام أهل الجنة، أما مسألة "الشهادتين" فتعود الى قناعة الناس بما ورد في هذا الموقع من شرح حولهما وأدلة من القرآن عليهما وقناعته بالتراث أو القرآن كفصل في مثل هذه الأمور...

 

والله على ما أقول شهيد

 

============   ===============  ==========

1* : ذكر الأخ رضا البطاوي التالي  في طريقة الصلاة(هى الجلوس مع وجود الوجه تجاه القبلة ثم قراءة ما تيسر من القرآن)
http://www.ahl-alquran.com/arabic/printpage.php?main_id=3965&doc_type=1

http://www.ahl-alquran.com/arabic/printpage.php?main_id=5184&doc_type=1

اجمالي القراءات 6197