شهادة المرأة مثل الرجل

سامر إسلامبولي في الإثنين ١٥ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

شهادة المرأة مثل شهادة الرجل

إن فعل الشهادة ليس مطلوباً بحد ذاته ، وإنما هو فعل لإثبات شيء يترتب عليه واجبات أو حقوق أو عقوبات ، فالشهادة هي توثيق وإثبات لحصول أمر معين ، وبالتالي فهي وسيلة من وسائل التوثيق والإثبات ، فالمطلوب هو توثيق الأمر والوصول لحفظ الحقوق وإثبات القضايا فإن وُجِدَ ت وسيلة مجدية يتم توثيق الأمور بها يكون المقصد للشارع من الشهادة قد حصل ، وبالتالي فلا حاجة للإصرار على وجود فعل الشهادة بعد حصول التوثيق للأمر ، وخاصة ما يحصل في معاملات المجتمع الآن من استخدام فعل الشهادة في توثيق العقود بصورة هزلية ، لأن القاضي أو كاتب العدل يعلم يقينا أن الشاهدين لا يعلمان شيئا أبداً عن الأمر ، ولكن الاستسلام للعرف السائد هو الذي يحكم علاقات الناس ,فيستسلم الجميع لهذا العرف ويطبقونه دون وعي وإدراك لمقصده !! .

إن فعل الشهادة يلزم له تحقق أهلية في الشاهد من حيث اتصافه ببلوغ سن الرشد والنضج العقلي ، وسلامة الحواس المستخدمة في عملية الشهادة ، والحضور الذاتي عند حصول الأمر المعني ، وامتلاك العلم والخبرة في الأمر إذا كان يحتاج إلى ذلك ، والمعرفة اليقينية لمضمون شهادته . وعدم القدح في عدالته سابقاً ، وصحة أدائه للشهادة من حيث الضبط. وهذه الصفات لا علاقة لها بنوع الذكر أو الأنثى ، فهي ممكن أن تتحقق بكليهما أو بأحدهما دون الآخر .

فالرجل والمرأة أمام القانون سواء من حيث الواجبات والحقوق, وكذلك شهادة المرأة مثل شهادة الرجل سواء بسواء ,يتم بموجبها إثبات العقود والعلاقات الاجتماعية والقضائية والعلمية والخبرة ,وما شابه ذلك من أمور, من منطلق أن المرأة إنسان مثل الرجل تماماً ,والقرآن كتاب إنساني لم يفرق بين الرجل والمرأة في خطابه التشريعي عموماً إلا ما يقتضي ذلك من الفرق بين الذكر والأنثى, وما يترتب على ذلك من وظائف في الحياة الاجتماعية .

أما ما ورد في القرآن من ذكر شهادة امرأتين مقابل شهادة رجل واحد فهذه المسألة ليست أصلاً في أداء الشهادة للمرأة عموماً ، وإنما هي مسألة خاصة متعلقة بالمستوى الثقافي والوعي للمرأة بالأرقام المالية في مسألة الدَين بين الناس وبالتالي فمن الخطأ جعل ذلك قاعدمسألة الدَين بين الناس وبالتالي فمن الخطأ جعل ذلك قاعدة مطردة في أي شهادة للمرأة . انظر إلى النص القرآني:

[ يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولايأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لايستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولايأب الشهداء إذا ما دعوا ولاتسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولاشهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم ] ( البقرة 282)

فكما هو ملاحظ من النص القرآني أن الأمر برمته هو لحفظ الحقوق [ ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذلكم أقسط ... وأدنى ألاَّ ترتابوا ] فإذا حصل التوثيق والحفظ للحقوق من خلال دوائر الدولة والأختام ووضع بصمات المعني بالأمر, وحفظ الأصل في سجلات الدائرة ,وغير ذلك من أمور التوثيق, لم يعد لفعل الشهادة من مبرر لاستمرارها لانتفاء المقصد منها, فهي ليست مطلب لذاتها وإنما هي وسيلة لغيرها . أما جعل شهادة امرأتين مقابل رجل واحد في هذه العلاقة المالية فقد ذكر الشارع السبب في النص إذ قال [ فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ... ]

فالسبب ليس نقصاً في عقل المرأة كما نسب كذباً إلى النبي في الحديث الموضوع [ النساء ناقصات عقل ودين ] وليس السبب صفة النسيان أو الضياع أو عدم الضبط عند المرأة ,وما شابه ذلك من صفات جعلوها للمرأة خلقاً رغم أن النص القرآني لم يذكر ولا واحدة مما ذكر هؤلاء الذكور!! الذين يريدون أن يهمشوا دور المرأة ويشككوا ويقللوا من مقدرتها العقلية والعلمية والحفظية, مع أن الواقع أثبت أنه لا يوجد فرق فيزيولوجي للدماغ بين الذكر والأنثى ، وكذلك لا يوجد فرق في القدرات الإدراكية والحفظية لكليهما ، لكن يوجد اهتمامات مختلفة بينهما يساهم المجتمع والثقافة في تقريب هذه الاهتمامات أو إبعادها ,كما أنه يساهم في رفع المستوى العقلي والتفكيري لأحدهما دون الآخر, فهذه الأمور مرتهنة بالثقافة التي تحكم المجتمع . ومجتمعاتنا الحالية يحكمها الثقافة الذكورية لذلك وصلت المرأة إلى الحضيض وتخلفت عن ركب التقدم والحضارة ، وصارت تابعة للرجل ، بل زاد الأمر أكثر إذ صدقت المرأة ادعاءات الرجل في حقها فاعتقدت هذه الثقافة الذكورية وصارت المرأة من أنصارها تساند الرجل وتدعمه في عملية استعباده للنساء ! وبذلك صارت المرأة عدوة للنساء ,وعدوة لنفسها من حيث لا تشعر !!

إن دلالة كلمة ( ضل ) في اللغة غير دلالة كلمة ( نسي ) انظر إلى قوله تعالى : [ في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ] طه 52 كيف أتى فعل الضلال والنسيان في نص واحد ، ومن المعلوم أن اختلاف المبنى يؤدي إلى اختلاف المعنى ضرورة .

نسي : تدل على انتفاء استحضار المعلومة عند لزومها .

ضل : فعل سلوكي مخالف للواقع يصدر من اعتقاد دون قيام البرهان عليه أو التأكد من صحته . لذلك الإنسان الضال يحاسب عن سلوكه بخلاف الإنسان الناسي . فيكون المقصد من النص [ أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ] هو تصور المرأة للحدث بصورة مخالفة للواقع وتعتقد صحة ذلك الأمر دون برهان وهذه الصفة كما هو ملاحظ ليست موجودة خلقاً في المرأة ، وإنما هي اكتسابية وذلك راجع لثقافة المجتمع وتنشئِته للمرأة . فمثلاً هل شهادة المرأة المحامية مثل شهادة المرأة الفلاحة ؟! هل شهادة المرأة المهندسة مثل شهادة أربعة رجال عمال ردم وترحيل ؟! لا يستويان ! إذاً المسألة متعلقة بصفة الأهلية والمستوى الثقافي للشاهد فإن كانت المرأة مثقفة وواعية تكون في أداء شهادتها في العلاقات الحسابية بين الناس مثل الرجل تماماً ، بل ممكن أن تنعقد الشهادة بامرأتين واعيتين مثقفتين دون وجود رجل أصلاً .

وهذا مادل عليه النص عندما ذكر [ ممن ترضون من الشهداء ]

فإن رضي المعني بالأمر بشهادة امرأة معينة وثق بوعيها وأدائها وإدراكها فله ذلك ولا يوجد مانع شرعي ، لأن الأمر برمته هو لتوثيق الحقوق ، وليس الأمر تعبدي في ذاته ,فالنساء شقائق الرجال ، عليهن ما على الرجال ، ولهن ما للرجال من واجبات وحقوق سواء بسواء .

اجمالي القراءات 30831