هل جاء محمد ليكون مصلحا إجتماعيا؟

محمد خليفة في الثلاثاء ٢٢ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

القرآن المعجز 2 

 

هل جاء محمد (صلى الله عليه وسلم ) مصلحا اجتماعيا فقط  ؟؟

 

لن أتناول في حديثي هذا تعديد مناطق الإعجاز في القرآن الكريم ولا التدليل عليها ولا أهدف من كلماتي إلقاء الضوء على أي منها لكني في الحقيقة أود أن أشير إلى منطقة خاصة وبعيدة عن مناطق الإعجاز المباشر بل ستتوجه كلماتي إلى منطقة خارجية محيطة واقصد بها الظروف البيئية للمجتمع العربي قبل الإسلام ولن أطيل في وصف ما كان عليه هذا المجتمع من تشرذم وتفرق وتناحر وعصبية قبلية تحكمها أسباب القوة والمنعة كل على قدر طاقته وعدته وعدده.

 

في ظل هذا المجتمع الذي اقتضت تضاريسه القاسية من جبال صلدة، ورمال رابية، وعواصف ترابية، تزكم الأنوف والآذان والعيون، وصحاري جرداء، وبوادي صماء مما شكلت معظم مواصفات المرء إذا ما ولد في هذه الأجواء وتواجد في تلك الأنواء من قسوة في القلب، وخشونة التعامل، وصلف الحديث، وجلف المعاملة، وجلمدة الأحاسيس، فكان من أعرافهم قطع الطريق، وسبي النساء والأطفال، واستعباد الرجال ووأد البنات ومعاقرة الخمر ، والتطير، والإستقسام  بالأزلام  ، وغيرها من موبقات هاتيك العصور.

 

وكان من الطبيعي لتوازن هذا المجتمع وبقاءه كل هذه الأحقاب أن تكون هناك نقائض لذلك كله فكان إكرام الضيف، وحفظ الجوار، ونجدة الملهوف، وكان لابد من وجود إعلام ينشر تلك الفضائل ويدعو إليها فكان الشعر الجزل، والنثر الرفيع، وأسواق الكلمة ( عكاظ  ، ذي المجنة  ، مربد ، ..... وغيرها ) فقد كانت أمة العرب أمة جدلية تعشق الحوار وتتغنى به، وكانت لهم في ذلك معارك ثقافية لا تقل أهمية بحال عن معارك القتال.

 

في هذا المجتمع تعلو هامات فكر القوة، حيث تتصدرها ثقافة الفروسية بشقيها :

المادي            بممارسة فنون القتال وإتقان أدواته

والمعنوي        بتكريس سلوكيات الشهامة والمروءة والكرم والحنو على الضعيف (الأطفال، النساء، الشيوخ)

ومثل هذا المجتمع يفرز بطلا، فارسا، مغوارا وقد يكون زلق اللسان حلو الحديث أو يقرض الشعر أو يتحلى بكل

فضائل المروءة والشهامة والكرم.

لكنه لا ينتج فكرا، ولا يخلق ابتكارا يمكنه أن يغير من نفسه أو يعيد تنظيم مجتمعه إلى الأرقى وإلى الأفضل.

 

في هذا المجتمع نفسه جاء محمد صلوات الله وسلامه عليه رسولا من الله وهاديا ومبشرا ونذيرا بكتاب عربي مبين منزل من السماء، جاء دستورا شاملا ومفصلا لكل مناحي الحياة، جاء لينظم علاقة الإنسان بنفسه وبمن حوله ثم مع خالقه جاء معجزا في لفظه، معجزا في بيانه، معجزا في نظمه جاء ليغير ما  بنفس من نزل فيهم

كي يأذن الله بتغيرهم من شراذم متنافرة إلى قلوب متحدة واعدة

هنا تكمن المعجزة الحقيقية، ويتسامق الإعجاز.

ومن نافلة القول الإشارة إلى تهاوي إدعاءات المغالطين وكذب القائلين بأن محمد (صلى الله عليه وسلم) هو الذي قام بكتابة هذا القرآن من تلقاء نفسه وممن تلقاه من أحبار اليهود ورهبان النصارى ومن شراذم الحكائيين ومما يروون من الأقاصيص القديمة والأساطير المتواترة.

 

ونعود للتأكيد بأن المجتمع الذي ظهر به محمد (صلى الله عليه وسلم) - آن ظهر- لا يخلق مصلحا ولا ينتج مفكرا ولا يتمخض عن مرشد مجدد مستنير وكونه قد جاء بما جاء به يخرج به عن دائرة الألفة، وطبيعة التواجد، وبداهة الأسباب

 فلم يكن هذا الذي جاء من موجود هو محمد الإنسان القرشي،

 لكنه جاء بإيـــجاد من الله  فكان رسول الله ونبيه والذي جعله بشيرا ونذيرا ورحمة للعالمين

ومنطق الإيجاد والجعل من الله يقطع بنفي هذه المقولة الجائرة ويقضي عليها .

 

ويبقى أن نشير إلى أن نزوله - القرآن - منجما مفرقا كان لضرورة بناء الدولة، أي أن قراءته بترتيب نزوله يعلمنا كيفية بناء الحضارة، أما قراءته بترتيبه التوقيفي (الترتيب الذي عليه المصاحف) والذي أمر الله به كان ليبين أسلوب إدارة الدولة التي نشأت بالفعل واستمرار قراءتنا له بهذا الأسلوب سوف يدلنا دائما وأبدا إلى أسلم الطرق في إدارة الحضارة وتطويرها إلى أن يرث الأرض ومن عليها.

إن لم يكن في هذا إعجاز...بل كل الإعجاز

فكيف يكون الإعجاز إذن ؟

اجمالي القراءات 8760