إلا... ليعبدون

محمد خليفة في الثلاثاء ٢٢ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

القرآن المعجز (  3  )

 

"   إلا ليـــعبدون "

 

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم " وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون "

استوقفتني هذه الآية كثيرا وتأملتها طويلا وكان يلح علي خاطري تساؤل

ما هو مراد الله في هذه  الإشارة  ؟

ونقلني هذا التساؤل إلى تساؤل آخر...

هل العبادة (عبادة الله) تخلص فقط في الحرص على إقامة فروضه من صلاة وصوم وزكاة وحج كما ينبغي لها من تحري شروط صحتها ومواقيتها وكيفية أداءها ؟

أي ميكانيكية الأداء دون أي بعد وجداني  ..!!

    مجرد شعائر دون مشاعـر

    ومناسك دون تنسك

    وأداء قوالب لآ أداء قلوب

    والخواطر في كل واد يهيمون ؟

 

فرب مصل متنفل .........  يغش بضاعته

وثاني حـاج معتمر........   متكبر في رحلته

وهذا صائم للدهر  ........   يفطر على بذاءته

وآخر مزكي متصدق .....   يتراءى بنفقته

 

وثالثة الأثافي تأتي حين نرقب قراء كتاب الله فنصب أعينهم عدد ما قرءوا (كما) ويرددون في ثقة ظاهرة    

-العداد بيعد-  دون أن تتدبر عقولهم أو يتحرك فكرهم أو تخشع قلوبهم للذكر.

بل أننا نجد أن بعضهم يستبيح لنفسه أن يقوم بهذه (المقطوعية) أثناء وقت العمل إستنزافا لهذا الوقت

وإهدارا له فيما يتراءى للفاعل أنه يتحنث أو هو يخلص في العبادة...!!

 

ثم نلمح من طرف آخر من يقبض على مسبحته ويكر في حباتها مرددا في تكرار رتيب ما يتصور أنه ثناء على الله من تسبيح وتكبير وتهليل وحمد ولا يغض من بصره ولا يعطي الطريق حقها.

هذا بعض من قليل .. وقليل من كثير.. وكثير من كوثر(تكثير الكثرة)

فكلها تدخل من جانب ظاهر الأداء وليس روحه

وترمز إلى القشرة دون اللب

وتومئ إلى المظهر بغير الجوهر

وهذه كلها لا تعني العبادات وإنما تعني  الشعائر

فما هو جوهر العبودية لله ؟

والرأي عندي أن جوهر عبادة الله هو الذكر.

والذكر هنا ليس هو بالطبع تلك الحركات الثملة المتشنجة والتي تتبع إيقاعا خاصا وصيحات منكرة.

 

الذكر هو أن يكون الله في قلبك

       هو أن يكون عملك وقولك وفعلك وسعيك لله وبالله

       هو أن يكون الله قصدك ونيتك ومرادك قبل وأثناء وبعد الحدث

 

فمثلا

سعيك إلي رزقك ورزق من تعول لتكفيهم شر الحاجة والسؤال هو   عبادة

البر بالوالدين والأخوة والزوجة والأولاد والأقارب والصديق         عبادة

السعي بين الناس بالصلح والخير والشهادة بالحق                        عبادة

زيارة الأهل والأصدقاء وعيادة المرضى                                  عبادة

معاملة الجار بالحسنى والحنو على الفقير والمسكين                     عبادة

حمل الكل وإكرام الضيف وإعانة المسن والرفق باليتيم                 عبادة

مداعبة الزوجة والترقق معها بل ومواقعتها - لتعف نفسك وتعفها -   عبادة

البسمة الهادئة على وجهك                                                    عبادة

إتقان العمل والالتزام بالكلمة والعهد                                        عبادة

 

وهذا على سبيل المثال لا الحصر، وكله يدخل في مقام العمل الصالح والذي دعانا الله إليه

والعمل الصالح بذلك لا يكون أبدا مجرد أداء الشعائر وكفى.. ، بل هو كل عمل يتعدى صلاح صاحبه إلى صلاح

أحوال أهله ومجتمعه.

والصلاح هنا لا نعني به التقوى فحسب، وإنما الصلاح يأتي من المصلحة ، فحين يتعدى العمل الذي يقوم به المرء نفسه إلى عالمه الذي يعيش فيه فإن ذلك يوصف بالعمل الصالح.

ويندرج تحت هذا التعريف البسيط كل الأفكار الصالحة والابتكارات الناجحة والاختراعات المفيدة للبشرية إن كانت لله وليست لدنيا يصيبها.

 

فإتقان العمل وتنفيذه في موعده هو العمل الصالح وهو الترجمة الفعلية للذكر ، وتأتي الشعائر لتتخلل هذا العمل فهي واقع الأمر عمل مفروض على المرء إقامته وإتقانه وتنفيذه في مواقيته فإن آداها وكان الله في قلبه كانت من العمل الصالح وليس العكس.

 

يبقى أن نشير إلى التسبيح وهو الصورة  القولية الصوتية للذكر ، وهو يصدر بعد قراءة كتاب الله بصوره المتعددة سواء أكانت تلك المنظومة في حروف في صحف مطهرة أو كانت تلك الموجودة في كون الله

والتدبر العميق في معانيها والتفكر الشديد في بناءها وتكاملها إلى أن نجد أن كلمات التسبيح والتنزيه عن المثلية تترى على اللسان مترجمة ما يردده القلب الخاشع

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ...,,,  

اجمالي القراءات 10975