تم شطب فلول الحزب الوطنى ومنعهم من دخول الانتخابات، وشعرت القوى السياسية أنها قد تخلصت من منافس شرس وليس من إرث فاسد فقط.. وبالطبع، كانت أكثر الفصائل السياسية سعادة وحبوراً جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب السلفية والجماعة الإسلامية.
الشطب تم تحت شعار وبقانون إفساد الحياة السياسية، وهو الاسم الحركى الجديد لقانون الغدر. والحق كل الحق لكل من يطالب بإقصاء وعزل من زوَّر الانتخابات ومن رضى وعلم بالتزوير وشارك فى الانتخابات بناء على اتفاقيات ما تحت الترابيزة وبشروط الصفقات السرية، ولكن هل هؤلاء فقط هم الذين يستحقون الشطب بتهمة إفساد الحياة السياسية وطبقاً لقانون الغدر؟
الإجابة بالطبع لا، ونسأل سؤالاً لتوضيح الإجابة، وماذا عمن أفسدوا الحياة نفسها وسمموها؟ وماذا عمن غدر بالوطن وقتل ودمر وأحرق البلد واغتال رئيسه طبقاً لفتوى التكفير، وبعدها بيوم وفى عيد الأضحى قتل تسعين ما بين شرطة ومدنيين؟ لماذا الكيل بمكيالين؟ هناك من زوَّر ولكن هناك من قتل أيضاً، لابد كما طردنا المزورين أن نطرد القتلة الذين لُوثت أياديهم بالدم..
لا تقولوا مراجعات ولا تتعللوا بتوبة، فالمراجعات والتوبة حسابها عند ربنا، وسيستفيد منها زعماؤهم يوم القيامة إذا كانوا خالصى النية فيها، لكن ماذا عن المجتمع؟ وماذا عن خوض غمار السياسة بأيد ملوثة بالدماء وعقول مازالت تعيش مكبلة بقوانين العصور الوسطى؟ فماذا ننتظر من فصيل سياسى يشطب صور المرشحات ويضع بدلاً منها وردة؟ هل هذه هى المراجعات؟
ماذا ننتظر من متحدث رسمى باسمهم يطالب بجدار عازل بينه وبين مذيعة غير محجبة؟ هل هذه هى التوبة الفكرية التى حدثت فى السجن، التى بناء عليها سمحنا لهم بالترشح ودخول الانتخابات وإنشاء أحزاب؟ ماذا ننتظر من زعيم يصرخ فى مؤتمر العياط بأن من يرفض برنامجهم فى تطبيق الشريعة «حشاش وخمورجى وزانى»؟!! هل هذه هى المرونة التى ستجعلنا نعيش النموذج التركى فى الحكم؟!!
إذا كان الحزب الوطنى قد أفسد الحياة السياسية، فأولئك أفسدوا وسيفسدون الحياة نفسها ويجعلون منها جحيماً لا يطاق، إذا كان الحزب الوطنى قد زوّر، فإنهم قد قتلوا، بل عقدوا صفقات معه فى جنح الليل وفى أروقة أمن الدولة تحت شعار «سيب وأنا أسيب»: سيب لى اللعب فى الشارع وأمخاخ البشر وغُض الطرف عن تلقى أموال وضخ مليارات لكيانات غير قانونية لقاء الفتات من كراسى مجلس الشعب، وسأترك لك يا حزب يا وطنى ما تريده من سيادة وسلطة وجاه وتوريث.
الحياة السياسية مجرد وجه من وجوه الحياة، الأهم الحياة نفسها، نريد أن نحيا فى مناخ حر، نريد أن نحيا فى تحضر، نريد أن نحيا بضمير، هذا الضمير هو جوهر الدين الغائب عن العقول، وليست الشكليات التى تسيطر بهوس وهستيريا على أعصاب وأمخاخ هؤلاء، نريد أن نحيا بجد لا بكذب، بوجهنا الحضارى الحقيقى، لا بقناعنا البدوى الوهابى المستورد.