هذا بحث من عدة أجزاء يلقي الضوء على شخصية شجرة الدر وحياتها ومعاصرتها للحملة الصليبية السادسة ، ودورها البارز في هذه المرحلة الحرجة .
شجرة الدر مع أنها لم تولد في مصر وأصولها غير مصرية ، ولكنها عاشت بمصر وأحبتها وأخلصت لها ولكن لعبة السياسة والتآمر هى ما تجعل الإنسان يخرج عن فطرته التي فطره الله عليها وينصاع لوساوس ومكائد الشيطان.
التعريف بهذه الملكة
هي شجر الدرّ (أو شجرة الدّر) الملقبة بعصمة الدين أم خليل، تركية الأصل، وقيل أنها أرمينية. كانت جارية اشتراها السلطان الصالح نجم الدين أيوب، وحظيت عنده بمكانة عالية حتى أعتقها وتزوجها وأنجبت منه ابنها خليل الذي توفي في 2 من صفر 648هـ (مايو 1250م). تولت عرش مصر لمدة ثمانين يوماً بمبايعة من المماليك وأعيان الدولة بعد وفاة السلطان الصالح نجم الدين أيوب، ثم تنازلت عن العرش لزوجها المعز أيبك التركماني سنة 648هـ (1250م). لعبت دوراً تاريخياً هاماً أثناء الحملة الصليبية السابعة على مصر وخلال معركة المنصورة
فمع أن شجرة الدر قد ولدت مسيحية في بلاد أرمينيا التركية الجبلية البعيدة ، فقد كانت القاهرة وقتئذ وطنها والإسلام عقيدتها التي تؤمن بها مخلصة ،
وكانت تتذكر في صورة مبهمة فيما يشبه كابوس الأحلام ، ذلك اليوم الرهيب عندما اختتطفوها من وسط المذبحة ولهيب النيران لتباع في سوق من أسواق النخاسة الشرقية مع غيرها من الغلمان والجواري البيض ، أما قلبها كفتاة ، وكعذراء وكامرأة فإنه كان هنا في المدينة التي احتضنتها .
وكباقي أترابها اللائي جلبن من تركيا ، نشأت على العقيدة الجديدة ولم يعد لها أي صلة بعقيدتها القديمة وكان بعض أترابها مازلن جواري وإن كن مكرمات ويعتز بهن أصحابهم ، كما أصبح بعضهم أحرار .
وعندما كانت في حريم القصر كجارية لزوجة السلطان الصالح أم توران شاه، ساعدها جمالها وذكائها على الظفر بحب الملك.
فقد وقع الصالح ذلك الجندي العبوس القليل الكلام في حب الشابة الرشيقة شجرة الدر فاعتقها وتزوجها .
وكان يمكنه طبقا للشريعة الاسلامية أن يكون له أربع زوجات على شريطة أن يعاملهم جميعا بالتساوي ، ولكن عندما ماتت أم توران شاه اصبحت شجرة الدر بمفردها في قلبه ، وقد أحبته وصممت على ألا تكون لها منافسة وكان حبهما قد تتوج بمولد ابنها خليل .
وهذه تعتبربداية نشأة المماليك
كان الغلمان عندما يكبرون ، ينتظمون في حرس السلطان ويدربون على كل فنون الحرب والرياضة الخاصة بالرجال ورمي السهام ورمي الحراب والصيد بالصقور، ولعب البولو ، وكانوا يسمون المماليك، وعاشوا في قلعة خاصة بهم، كان السلطان قد بناها لهم في جزيرة الروضة وسط النيل بالقرب من المكان الذ كان يقوم فيه مقياس النيل القديم وكانوا لهذا السبب يسمون بالمماليك البحرية – مماليك البحر ـــ وقد أثر بعضهم وأصبحوا من المقربين في القصر وأشتروا بدورهم ممايك آخرين ليقوموا على خدماتهم ويحاربوا من أجلهم هم وقد أستحوذوا على أغلب المراكز الرفيعة لدى السلطان ،
لقد أصبح بعض من تم شراؤهم من أسواق النخاسة في بغداد ودمشق والقاهرة يتولون وظائف هامة مثل الوزير وقائد الجيش الذي كان يلي السلطان مباشرة كما تولى مماليك آخرون بعض الوظائف التي لا يتولاها إلا الموثوق فيهم مثل ساقي السلطان والذي يتذوق طعامه خشية وجود السم فيه وصاحب جواده.
بمعنى أدق قد أصبحوا في غاية القوة حتى أن شجرة الدر كانت قد بدأت تخشى المماليك وتقلب عواطفهم ومطامعهم .
وكانت قد تخشى منهم على زوجها وإبنها كما كانت تخشى منهم أيضا على نفسها بالرغم من أنها هى نفسها كانت جارية مملوكة.
مواقف حازمة لشجرة الدر للدفاع عن مدينة دمياط الساحليةعند اجتياح الصليبيين لها
لم تردد شجرة الدر طويلا وكان يجب عليها ان تتصرف بسرعة وعندما استدعت كبير أغوات القصر جمال الدين محسن طلبت إاليه حضور الوزير الشيخ فخر الدين سريعا، في قاعة الأعمدة وهى قاعة الاستقبال في القصر . وهناك وراء ستار حريري أصدرت اوامر السلطان وعقبت عليها يجب ان تذهب قبيلة بني كنانة في الحال إلى دمياط لتكون حامية مقيمة فيها وأنت تجهز المدينة بالاطعمة والزخيرة ويجب ان تقوى تحصينات القلعة والقاهرة وان يوضع حرس إضافي على الأسوار والبوابات، ويجب على فخر الدين ان يجمع جيشا ثانيا من المماليك .وان يتقدم بهم في الحال ليحول دون نزول الصليبيين إلى البر اما شجرة الدر فإنها ستسافر لتقابل السلطان وتأخذ معها الطفل الأمير خليل ليكون في مكان أكثر أمناً.
ويمكننا أن نتخيل كبير الوزراء وهو يعترض ... " ولكنه يا سيدتي قد يكون أكثر امناً لكِ وللمير خليل أن تبقيا هنا في القصر" .
كما يمكننا أن نتخيل إجابة شجر الدر "إننا يا صديقي بين يدي الله، إن والد خليل مريض ويجب عليّ أن أكون بجانبه"
كانت هذه ومضة سريعة عن شجرة الدر وابتداء تأثيرها في الحياة السياسية في هذا العصر.
ويمكنناآن نستخلص هذا الدرس المهم من نشأة شجرة الدر كفتاة مسيحية أرمينية في بلاد الترك وبعد اعتناقها لعقائد المسلمين وإخلاصها لزوجها الملك الصالح أيوب ولمصر وطنها الجديد ، نراها قد أنجرفت فيما أنجرف إليه المسلمون الذين لم يتشربوا روح الإسلام الحقيقة من التسامح وعدم الإعتداء، وقصر الجهاد المسلح على مفهومه الحقيقي وهو الدفاع عن الأوطان ورد الاعتداء فقط عن حدود أراضي الوطن وليس إجبار الجيران على الدخول في الدين أو دفع الجزية .
وفي وصفها بأنها كانت مخلصة لدينها علامات استفهام كثيرة! فكيف تكون مخلصة لدينها وقد شاركت في مؤامرة قتل العديد من الرجال أولهم كان (توران شاه) ابن زوجها الملك الصالح ؟! ولقبه غياث الدين .
وثاني من قتلتهم الأمير أقطاي أحد كبار القواد المماليك البحرية.
ثالثهم زوجها عز الدين أيبك انتقاما منه بعد أن تركها ورجع لزوجته الأولى بسبب نفوذ شجرة الدر القوي وتدخلها في جميع شئون السلطنة ، فدبرت له مؤامرة وأوعزت إلى أحد حراسها بقتله وفصل رأسه عن جسده وإلقائها خارج القصر .
فهل هذا هو الإخلاص للإسلام كما تم وصفها،أم أنها السياسة واللهث وراء السلطة والطموح في المجد ؟!
أما عن أحداث الحملة الصليبية السادسة ، وكيف تصدى لها الشعب المصري، وهروب قبيلة كنانة العربية من مواجهة الصليبيين فهذا ما سوف نعرض له بإذن الله في الجزء القادم .