السلام عليكم
من المتعارف في اللغه ,وفي القران, ان سرد اي موضوع للتحاور بين جهتين لا يحتاج الى اعادة ذكر الاسم الصريح للمحاور ,بل يشار اليه بضمير الغائب (مثل تاء التأنيث او الضمير المضمر للمذكر المفرد ,او واو الجماعه للجمع)
ولتقريب الموضوع اعطي مثال مني ومثال من القرآن الكريم:
فمثلا حين اكلمك عن حديث دار بيني وبين ابنائي فأني اقول:
(( قلت لأبنائي تابعوا دروسكم , قالوا لقد انهينا جميع دروسنا))
أذن حين قلت لك (قلت لأبنائي) جئت بعدها بضمير الجماعه (الواو) للاشارة الى ما قال ابنائي ولم اكن بحاجة الى اعادة الاسم الصريح لانه ذكر في بداية الجمله حين ذكرت (قلت لأبنائي)..فبدلا من اعادة الاسم اكتفيت بالضمير, اي بدلا من القول ((قال ابنائي لقد انهينا)) كفتنا جملة (قالوا لقد أنهينا)).
وهذا الأمر مستخدم في القرآن ايضا , فمثلا في آية 30 سورة البقرة:
((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {2/30}))
حيث نجد الآية لم تعيد لفظ الملائكه في السرد ,فقط ذكرت (قالوا أتجعل فيها) ,ولم تكن حاجة للقول (قال الملائكة أتجعل فيها)
وكما في الآيه 62سورة البقرة:
((وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً))
هنا ايضا ذكرت الآيه جواب قوم موسى بضمير الغائب فقط (قالوا اتتخذنا هزوا) , ولم تكن بحاجة الى القول (قال قوم موسى أتتخذنا هزوا).
-------
المقدمه اعلاه كانت ضروريه لازالة الألتباس في فهم بعض الآيات , ونحن نعلم ان القرآن لايوجد فيه اختلاف لأنه من عند الله ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {4/82}))
اقول ,هناك بعض الآيات يتكرر ذكر الأسم الصريح للمتحاورين ولا تكتفي الآيه بذكر الضمير (أو هكذا يخيل ألينا).
فمثلا , في الآيه 14سورة الصف :
((كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ))
نجد الآيه اعادت أسم المحاورين (الحواريون), فقالت (قال الحواريون نحن انصار الله) , ولم تكتفي بالقول (قالوا نحن أنصار الله) , فلماذا؟؟
..
قي العادة نذكر أسم المتكلم الجديد حين لايكون هو نفسه المحاور الأصلي
فمثلا حين أقول :
قلت لأبنائي أكملوا دروسكم
فأن كان الجواب صادر من أبنائي ,فأكتفي بالقول (قالوا انهينا دروسنا)
وأن كان الجواب صادر من غيرهم,كأن يكون اصدقائهم معهم ويبادرون بالكلام بدلا من ابنائي ,فأنا أعيد ذكر المتكلم الجديد فأقول (قال اصدقائهم انهينا دروسنا)
..
ولكن الآيه أعادت نفس الأسم (الحواريون) ولم تعيد اسم جديد فلماذا؟
فعيسى ع قال (للحواريين من أنصاري الى الله)
وكان الجواب(قال الحواريون نحن انصار الله)
..
الحل يكمن في أحدى قواعد المنهج اللفظي للمرحوم عالم سبيط النيلي ,حيث يذكر في كتبه ,انه في المرحله الأخيرة للتدبر القرآني علينا أعتبار كل حالة أعرابيه لفظ مختلف.
أي في حالتنا أعلاه علينا أعتبار لفظ(الحواريون) لفظ مختلف عن (الحواريين) وله مصداق مختلف عنه.
..
فلنعد الى الآيه
قالت الآيه ((قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ))
أكملت الآيه ((قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ))
فلندرسها بتمعن:
- قالت الآيه (قال الحواريون نحن أنصار الله) ولم تكتفي بالقول (قالوا نحن أنصار الله)
- كان الجواب من (الحواريون) مغايرا لما طلبه عيسى بن مريم ع من (الحواريين).. فبدلا من القول (نحن أنصارك الى الله) ,وهو ما طلبه بالضبط , نجدهم يقولون (نحن أنصار الله)
أي ان (الحواريون) ألغوا النصرة لعيسى بن مريم , فهم يدعون انهم أنصار الله مباشرة.
..
أخيرا علينا ان نستقرأ القرآن لنعرف هل انه يؤيد ما ذهبنا اليه؟
أي , هل سوف نجده يفرق بين كل من المجموعتين (الحواريين) و (الحواريون)
وهل سنجد (الحواريون) مجموعه مذمومه كما هو ظاهر من جوابهم لعيسى بن مريم؟
فلنبحث:
أولا مجموعة الحواريين
**((وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ {5/111}))
نجد الآيه تشير الى أن (الحواريين) قد أوحي أليهم من رب عيسى ,فآمنوا ,فهم مجموعة مصطفاة من رب عيسى لنصرة عيسى .
ثانيا مجموعة الحواريون
**((إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {5/112}))
يا للغرابه , (هل يستطيع ربك) , ألا ترون نبرة الأستهزاء, فهم يتسائلون ان كان رب عيسى مستطيعا لانزال مائدة من السماء,فهم ليس فقط يشكون بعيسى بل برب عيسى ايضا,ثم ماذا؟
((قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ {5/113} ))
اترون قولهم (ونعلم ان قد صدقتنا )..اي انهم الى لحظتها يشكون بصدقه!!
..
وعلى مر التاريخ نجد صوت النفاق هو المسيطر على الساحة ,ليقطف ثمار اولياء الله ..ولكن الله خير الماكرين ..حيث نجد ان عيسى ع يعيد نفس الطلب ,فيبادر نفس المخادعين للجواب:
((فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ {3/52}رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ {3/53} وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ {3/54} إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ))
...
أما من يخيل أليه ان الأمر كان للتشبه بالحواريين في قولهم نحن أنصار الله , فأقول ارجع الى اساطين اللغه خاصتك وأسال هل التشبيه يكون مع ما بعد (الكاف) ام مع ما نقرره كيفيا؟
قالت الآيه:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ {61/14}))
اذن الامر هو:
كونوا انصار الله كما ..قال..عيسى بن مريم
ولم تقل الآيه :كونوا انصار الله كما قال الحواريون
اذن التشبيه هو مع ما قبل الكلام الذي قاله (الحواريون)
او ان يكون على الاقل تشبيه مع المجموعه المؤيده الذين اصبحوا ظاهرين,بعد تمام الكلام مابعد الكاف.
أسد