حكايا محرّمة في البخاري
تناقض أحاديث البخاري مع آيات القرءان
الجزء الثاني
(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُإِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) "النحل 125".
ما لم يمّيزه كلّ من حاول الخوض في حوارٍ (ولو شبه تقدّميّ) تملأه مشاعر حسن النيّة، ما غاب عنهم هي الفكرة المركزيّة التي حاولت أن أثيرها (على امتداد خطواتي التي أعبر بها الطريق وحيداً على ما يبدو)، وهي الفصل ما بين (إسلام النص)، و(الإسلام التاريخي)، ويبدو أن أصحاب الردود الثلاثة محاصرون حصاراً مطبقاً بنصوص هذا الأخير ولنا في ابتداء معمر سليمان رسالته ببادئة وخاتمةٍ تحوي الصلاة على النبي وآله وصحبه أجمعين في مخالفةٍ صريحةٍ للنص (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) "الأحزاب 56"، وطاعةٍ عمياء في نفس الوقت للتركة الفقهيّة، فالله لم يأمر سوى بالصلاة على الرسول فقط عبر إسلام النص، بينما أمر الفقيه وفق تراكمات الإسلام التاريخي بمزج أسماء الآخرين بعد معمعةٍ سياسيّةٍ لا تمت للدين بصلةٍ بين سلفٍ لم يتكلم عن نفسه البتّة، بل تكلم عنه آخرون في نصوص لا نعرف حقيقتها سوى أنّها وصلتنا برعاية الحكومة، من هنا يبدأ الحوار عبر هذه الفكرة المركزيّة، فالإسلام هو القرآن، كلام الله (ولن أدخل في جدلٍ فلسفيٍّ عقيمٍ عن ماهية هذا الكلام أهو مخلوقٌ أو صفةٌ من صفات أفعال الله، أم هو صفةٌ من صفات الذات الإلهية، وهذا لن يقدّم ولن يؤخّر شيئاً، سوى سحبنا خطوةً أخرى للوراء، عبر إلغاء الدور الاجتماعي للدين عبر متراكمات كتب الفقهاء "الإسلام التاريخي")، إذ أنّ النص القرآني، هو السنّة: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) "الفتح 23"، وهو الحديث (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) "الأعراف 185"، وطاعة الرسول وإتباعه مرتبطة بإتباع ما أتى به عبر الوحي فقط لا عبر ما كتبه الرجال، (قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) "آل عمران 32"، (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) "النجم 3 – 5"، والقول بأن النصوص الفقهيّة الأخرى تزاحم هذا النص وتشاطره المكان والمقام فإن هذا ليس سوى إجابةٍ يتحمّل عواقبها من يقولها ويقرّ بها، إجابةٌ سافرةٌ بالإيجاب على السؤال الوارد في القرآن (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) "العنكبوت 51"، فالإسلام الذي قال رسول الله في خطبة الوداع عنه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) في إعلانٍ أمام جمعٍ ضخمٍ من المؤمنين، لا في غرفةٍ مغلقةٍ كوثيقةٍ سريّةٍ يحملها شخصٌ واحدٌ أو مجموعةٌ بعينها تتناقل ألسنتهم على امتداد ما يزيد عن المائتي عامٍ، تأكيداً للنص القرآني (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) "المائدة 3"، هذا الإسلام قد أُتمم بنهاية الوحي، هذا القول هنا ليس حديثاً كسائر الأحاديث المتناقلة كما أسلفت، ومن هنا نقرأ التناقض بعينه، فما دام نفسه البخاري ينقل هذا الحديث في باب حجّة الوداع، فإنّه ينسف الكتاب من أوله ويلغيه، فالإسلام قد تم وأي إضافة تضاف للدين فوق كتاب الله باطلةٌ، فإضافة الشيء للشيء تعني نقصان الأول وحاجته للثاني، وهذا منكرٌ دون الحاجة للعودة لتصنيفات الفقهاء غير العلميّة، وفي هذا يمكن الحديث عن فكرة النسخ في القرآن، فالقرآن لا ينسخ نفسه (رغم أنف الفقيه)، بل ينسخ ما سبقه من نصوص بالدرجة الأولى (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) "البقرة 106"، أما ثانيّاً فإن عموميّة الخطاب القرآني وتوسيع دائرة الإباحة بشكلٍ كبيرٍ يعود لسبب تغيّر الواقع الاجتماعي البشري مما يتوجّب مجاراة النص الفقهي لهذا التغيّر ومواكبته له، لكن النص الفقهي الجامد ألغى تكيّف النص مع الواقع البشري في جموديّةٍ وشللٍ تسبب في تراجع الأمّة الى الوراء خلف جبل المتراكمات الفقهيّة، هنا الخطأ المركزي لسببين اثنين بالإضافة الى النقطة المركزية سالفة الذكر:
أمّا الأول: فإن الفقهاء اختلفوا، ومال كلٌّ منهم الى طائفةٍ تخالف الأخرى وتناصبها العداء كما تتناقض وإياها في نقاط مركزيّة وفرعيّة عبر تفرّعاتٍ فقهيّةٍ مشوبةٍ بالشكوك بل وتكفّرها، فللإباضيّة كتاب حديثٍ، وللشيعة كما للزيديّة والسنة حسب الترتيب الزمني لظهور هذه الطوائف، وبناءً عليه لا يجوز القول باعتماد أحد تلك وإنكار الأخريات، فالشيعة من يقولون بعصمة الأئمة ويلعنون بعض الصحابة، والسنّة من يقولون بعصمة الصحابة لدرجة التقديس (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)، ولا يلعنون أحداً من السلف رغم التناقضات التي تملأ أمهات كتب السنّة والتي فيها سادتنا ذبحوا سادتنا، ومنها:
1- يرد في صحيح مسلم: (.... في أصحابي اثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط).
2- يرد في الموطأ أن رسول الله قال لشهداء أحد: (.... هؤلاء أشهد عليهم. فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله بإخوانهم؛ أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟، فقال رسول الله: بلى؛ ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي، فبكى أبو بكر).
3- في الكامل في اللغة والأدب للمُبَرّد أن الصحابي قيس بن سعد بن أبي عبادة قال في معاويةَ بنَ أبي سفيان: (إنّك وثنٌ ابن وثنٍ، لم يقدُم إيمانك، ولم يحدث نفاقك، دخلتَ في الدين كرهًا، وخرجتَ منه طوعًا).
4- في كتاب علي إمام المتَّقين لعبد الله الشرقاوي: (.... يروى أن عبد الرحمن بن أبي بكر هام بفتاة جميلة من بنات ملك دمشق، فلما فتح المسلمون دمشق بحث عن الفتاة بين السبي ، حتى إذا أخذها وعاد بها إلى المدينة لزم بيته وعكف عليها، فما خرج حتى للصلاة).
5- في سلسلة صحيح الألباني: (.... عن أم سلمة، قالت: دخل عليها عبد الرحمن بن عوف فقال: يا أُمَّة! قد خفت أن يهلكني كثرة مالي؛ أنا أكثر قريش مالاً؟ قالت: يا بني! فأنفق؛ فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: إن من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه، فخرج فلقي عمر فدخل عليها، فقال: بالله منهم أنا؟ قالت: لا، ولن أبلي أحدًا بعد).
6- في العقد الفريد للأندلسي: (... قال رجل من بني ليث: لقيت الزبير قادمًا، فقلتُ: أبا عبد الله، ما بالُك؟ قال: مطلوبٌ مغلوبٌ، يغلبني ابني ويطلبني ذنبي! قال: فقدمت المدينة فلقيت سعد بن أبي وقاص، فقلتُ: أبا إسحق، من قتل عثمان؟ قال: قتله سيفٌ سلَّته عائشة، وشحذه طلحة، وسمَّه عليٌّ! قلتُ: فما حال الزبير؟ قال: أشار بيده، وصمت بلسانه)، وفيه أيضاً (دخل المغيرة بن شعبة على عائشة فقالت: يا أبا عبد الله لو رأيتني يوم الجمل قد نفذت النصال هودجي حتى وصل بعضها إلى جلدي! قال لها المغيرة: وددت والله أن بعضها كان قتلك! قالت: يرحمك الله! ولم تقول هذا؟ قال: لعلها تكون كفارة في سعيك على عثمان! قالت: أما والله لئن قلت ذلك لما علم الله أني أردت قتله، ولكن علم الله أني أردت أن يُقاتل فقوتلت، وأردت أن يُرمى فرُميت، وأردت أن يُعصى فعُصيت؛ ولو علم مني أني أردت قتله لقُتلت.(
-7في سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي: (... حج معاوية ومعه معاوية بن حديج وهو صحابيّ، وكان من أسب الناس لعلي، فمر في المدينة، والحسن جالس في جماعة من أصحابه، فأتاه رسول، فقال: أجب الحسن، فأتاه، فسلّم عليه، فقال له: أنت معاوية بن حديج؟ قال: نعم، قال: فأنت الساب عليًّا رضي الله عنه؟، قال: فكأنه استحيى، فقال: أما والله لئن وردت عليه الحوض - وما أراك ترده - لتجدنه مشمر الإزار على ساق، يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل، قول الصادق المصدوق، وقد خاب من افترى)، وفيه أيضاً (... وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة وعدد كثير من التابعين والفضلاء وحاربوا معه أهل العراق ونشئوا على النصب نعوذ بالله من الهوى.(
كل الطوائف والملل تعتمد على مرجعيّة كتبٍ تناقض نفسها وتتضارب تضارباً غريباً كعادة كتب المؤرّخين لم يأمر الرسول ولا من أتى بعده في رئاسة الدولة الإسلاميّة وصولاً الى القرن الثالث بكتابتها (والحديث هنا عن كتب مذاهب السنّة موضع جدلنا.(
أما الثاني: هو كون هذه الكتب في مجملها بل كلّها هي من اجتهادات (البشر)، وليست سوى كتباً لا تملك قداسة القرآن ولم يتعهّد الله بحفظها في صدور الناس، ولا يملك من كتبها أو من نُقل عنهم عصمة الأنبياء قطعاً (ونقصد من نُقل عنهم سلسةٌ تبدأ من صحابة الرسول من رفضوا كتابة تاريخهم أو توثيق هذه النصوص تطبيقاً للأمر المباشر من الرسول بالمنع، مروراً بكل فقيهٍ ترعاه الحكومة منذ عصر بدأ التوثيق وصولاً الى عصور الظلام هذه)، وككل كتابٍ تاريخيٍّ يكتبه الإنسان فإن النص عرضةٌ للتحريف بالنيّة المبيّتة أو بدونها، فالكاتب عرضةٌ للنسيان، سوء النقل، سوء الفهم، تضارب الوعي واللاوعي، الكتمان أو حتّى ضياع المكتوب أثناء النسخ ربّما، فالتاريخ من صنع المؤرخ ينتهي عنده، كل هذه الاحتمالات تجعلنا نضع كل نصٍّ يكتبه إنسانٌ عرضةً للتشريح والتنقيح، وهذا ما قصدت بالإسلام التاريخي سيدي الفاضل(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) "البقرة 134".
لا فائدة ترجى من تصيّد الفرص للطعن في نوايا الناس، رغم كوني أقف عاجزاً وأنا أقرأ حديثاً يرسّخ النزعة العرقيّة يرد في مسند أحمد ابن حنبل ليس موضع جدلنا لكني أذكره في السياق مفاده أن "الإيمان لا يجاوز حناجر البربر"، لكن فلنبدأ هنا حواراً مبدأه الشك (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) "البقرة 260"، ومنطق قبول الرأي والرأي الآخر والوارد في القرآن الكريم أيضاً (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) "سبأ 24"، أما التشبّث بالرأي والتنابز بالألقاب عبر كلمات التعنيف، السبّ والشتم فهو ما أنأى عنه و الحمد لله، فليست من شيم الرجال ملأ الصفحات بجمل السباب عبر التشكيك في نزاهة الشرفاء والطعن في صدق نوايا الرجال، وهذه هي حجّة الضعيف من لا حجّة له ولا ثقة لديه فيم يقول، (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ) "الحجرات 11".
في حال أطعنا الفقهاء، فإنّنا سنقع في مطبٍّ مفاده أن الفقهاء أنفسهم لم يطع أحدٌ منهم الآخر ، فمن المعتزلة، الأشاعرة، الجبريّة، المرجئة، الماتريديّة، الحشويّة، الخوارج، الحنابلة، المالكية، الإثنى عشريّة، الزيديّة، الإباضيّة... الى آخر الطوائف، كلّها كافرةٌ بالنسبة للأخرى حسب آراء الفقهاء كلٌّ ينظر للآخر بمعايير مختلفة عبر انتقائيّةٍ غريبةٍ تخالف قول الله تعالى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) "الشورى 10"، فمن يقول بالخلود في النار لمرتكب الكبيرة الى آخر التفاصيل الفقهيّة الهامشيّة حقيقةً، وسنلج المتاهة الفقهيّة التي ليست جزأً من الإسلام في شيء يبيح كلٌّ دم الآخر، فالرسول لم يترك سنّةً سوى القرآن، واستدلالي بحديث بداية الوحي للقول كون ورقة ابن نوفل هو أول من أسلم كان فقط للإشارة الى تناقضات النصوص الفقهيّة داخل نفسها عبر نصوص الإسلام التاريخي، فالرسول بعث منذ أن بدأ الوحي، والقول بخلاف ذلك يبقى رأي شخصٍ، قول ورقة: (أنصرك نصراً مؤزراً) دليلٌ على كون ورقة آمن بنبوءة محمد، ولست أستدل بهذا النص كدليلٍ على أسبقيّة ورقة أو عدمها لأبي بكر فالأمر يبقى مجرّد تفاصيل هامشيّة وغير هامّةٍ كما أشرت في المقال السابق مادامت مستمدّةً من نصوصٍ هي نفسها من تطعن في بيت الرسول وزوجته عبر قصة (الإفك) الوهميّة، والتي حالها حال قصص الشيطان مطلق الريح، لم يشر لها أحدٌ ممن تكرّم بمحاولة الرد إلا عبر كلمات عنادٍ منقطع النظير لا غير، هذه الردود التي تتصبّب عرقاً وصاحبها يسير عبر عدّة طرقٍ لا توصل الى مكانٍ بعينه، عبر أخطاء عابرة يظنّها المرء الصواب بعينه، فعائشة لم تطعن في شرفها، والشيطان ليس كائناً سحريّاً أو شخصيّةً كرتونيّةً يرسمها خيال الفقهاء.
أما الحديث عن كون الانتحار لم يحرّم لأن الوحي لم ينته أو لم يُنزل به بعد فهذه فريةٌ والله، فنقول أنّ النبي معصوم عن فعل المحرّم أو النيّة في عمله مذ بدأ الوحي، المعصوم هو من لا يترك واجباً، لا ينوي أو يفعل محرّماً، ولا يؤخذ عنه شيءٌ يؤاخذ عليه لا عمداً ولا سهواً، و لنتحدّث قليلاً عن العصمة وفق التركة الفقهيّة التي يعتمدها أصحاب الردود التي ترتجف أنامل من كتبها:
1- المعتزلة يقولون بأن الكبائر والصغائر تجوز على الأنبياء قبل النبوّة، أمّا بعد الوحي فلا تجوز لا الكبيرة ولا الصغيرة.
2- الأشاعرة يقولون بأن الكبائر والصغائر تجوز على الأنبياء قبل النبوّة، أمّا بعد الوحي فتجوز الصغائر سهواً وعمداً، ولا تجوز الكبائر عمداً و تجوز سهواً.
3- الإماميّة يقولون أن الأنبياء معصومون عن الكبائر والصغائر قبل النبوّة وبعدها، بالسهو أو بالعمد.
فقولنا أن الرسول كان يفعل المحرّم قبل تحريمه وبعد بداية الوحي فهذه كارثةٌ بكل المعايير، فهل كان الرسول يزني قبل نزول آية تحريم الزّنى!!؟، يسرق قبل نزول آية تحريم السرقة!!؟، يشهد الزور قبل نزول آية تحريم شهادة الزور!!؟، وهلم جرّاً، الكارثة الأكبر هنا هي أن من يقول ذلك يسير عبر عقل غيره، بعد أن باع عقله، ولنا خير مثالٍ في حكايةٍ محرّمةٍ أخرى ترد في البخاري كتاب الجنائز مفادها: (... قال رسول لله: أتاني آت من ربي فأخبرني، من مات من أمّتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنّة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟، قال: وإن زنى وإن سرق...)، فمن أجل طاعة الفقيه وخوفاً من تركة الإسلام التاريخي يوضع القرآن جانباً ويبقى مهجوراً بعد جملةٍ من التعليلات المفبركة والحيل سيّئة الصياغة، ليجد الفقيه فرصة للعمل عبر غباء الجموع، فهذا الحديث ينفي الثواب والعقاب، ويلغي أيضاً الواجب الاجتماعي للشريعة، فالإيمان بالله نتائج ملموسة وليس فقط فكرةً يضمرها الإنسان في صدره لا يعبّر عنها عبر واقعه الاجتماعي، المؤمن لا يزني ولا يسرق، الأسباب توصل الى النتائج، الأمر بهذه البساطة، يرد في باب نهي تمنّي المريض الموت (... لن يدخل أحدٌ الجنة بعمله، قالوا: حتّى أنت يا رسول الله، قال: لا ولا أنا، إلا أن يتغمّدني الله برحمته...)، في تناقضٍ فضيع للنص القرآني (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) "النحل 32"، (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) "السجدة 14".
يقول سائل عن مباشرة الحائض: (هل توافق الأمّة الإسلاميّة في جواز ما ذكرنا عن المرأة الحائض!!؟)، وأجيب هنا بما لا يقوله الفقيه، بل فعل الرجلٌ وفق منطقٍ ذكوريٍّ يتجاهل الطرف الآخر من العمليّة الجنسيّة، وجملة حقائق فسيولوجيّة وسيكولوجيّة مفادها أن المرأة أثناء فترة المحيض تمر بتغيّراتٍ هرمونيّةٍ واضطرابات جسديّةٍ تتسبب في الاكتئاب، نقصان الليبدو (الرغبة الجنسيّة)، آلام تصاحب حالة النزف، صداع في الرأس، وهن عام في الجسم، فقر دم في حالة استمرار النزف لمدّةٍ طويلةٍ، زيادة سمك جدار المهبل والرحم، كل هذه الأحداث تجعل المشاركة في العمليّة الجنسيّة جريمةً في حق المرأة وإهانةً لإنسانيّتها، والعمليّة الجنسيّة ليست إيلاجاً فقط، فالخريطة الجنسية لجسد المرأة تشير لوجود مستقبلاتٍ حسيّةٍ جنسيّةٍ في أماكن أخرى خلاف البظر، أما أن يتحدّث الفقيه باسم الرسول قائلاً (افعلوا كل شيء إلا النكاح)، فإن في الأمر إجحافاً في حق المرأة، والله العادل لا يأمر الرسول بالسماح بالتعسف وبالإهانة الجسديّة والنفسيّة للمرأة فقط تنفيذاً لرغبة الرجل، الجنس ليس حالة اتصالٍ حيوانيٍّ، بل علاقة حبٍ وحالة مشاركةٍ راقيّةٍ (فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ) "البقرة 222"، أما أن ترى الأمر فقط بعين واحدةٍ تمر خلال رغبات رجلٍ مملوء بمشاعر الشبق، فإن الدين يكفل الحق في الحياة بكرامةٍ و دون إجحافٍ للجميع، رجالاً ونساءً، لكن هذا لم يعجب الفقيه قطعاً، وهنا إجابةٌ بسؤالٍ على السؤال الثالث مفاده (ماذا تعني لك المرأة سيّدي الفقيه خلاف كونها جزأً من رأس مالك الجنسي لا غير!!؟)، أمّا السؤال الثاني فلقد فقد صديقنا الطريق متشبّثاً في الشكليّات، وباختصارٍ أقول لك أن الردّة لا توجب القتل، حريّة الاعتقاد مبدأ إسلاميٌّ يقرّه النص رغم أنف الفقيه (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) "الكهف 29"، (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) "البقرة 256"، دون الحاجة للإشارة الى طريقة القتل بالتنكيل الواردة في النص، والتي لا تمت للإسلام بصلةٍ، فليس التعذيبُ حدّاً من حدود الله، مركزيّة الحدود (خلاف قتل النفس بالنفس) مبدأها الأول التعزير وهو طريقةٌ اجتماعيّة للإصلاح تستغل جزء الكينونة الاجتماعي في الشخصيّة البشريّة.
فيقول سائل والذي يتحدّث فيه عن وجوب العودة لرجال العلم والفقهاء أثناء البحث عن الحقيقة، بعد أن أقرّ أنّه لم يرث دينه كما هو حال جميع من ابتاعوا عقولهم عبر ميراثهم الديني (من مسلمين، مسيحييّن و يهود أيضاً)، أقول فيهما:
)وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) "النحل 43"، هذا هو النص الذي يرتكز عليه رجال الدين عبر عقيدتنا التي لا يملكون عبرها حقاً في العمل، لأجل الحصول على شرعيّةٍ تعتمد على مبدأ الإتكاليّة التي ينفيها ذات النص مّراتٍ عديدةٍ، (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) "المدثر 8"، (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) "المعارج 10"، (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ) "الزلزلة 7 – 8"، ففي النص الأول كان الأمر بسؤال أهل الذكر، في حال عدم المعرفة (إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) كملجأ اضطراريّ بعد الوصول الى طريق مسدودٍ عبر استنفاد كل الطاقة العقلية، للوصول الى حدود المعرفة الممكنة، (انَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) "الأنفال 22"، بل أن النص فتح مجال الإباحة في حدود شديدة الاتساع، حتى لا يترك حجّة للإنسان في اتكّاله على رجل دينٍ أو فقيهٍ في عقيدته التي لا يمكن أن يجهلها البتّة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) "المائدة 101"، (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسرَ) "البقرة 185"، فرجال الدين بدليل النص هم أول من شكّل خطراً واجه الإسلام رغم يقينهم به (لـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) "النساء 162"، فرجال الدين اليهود والمسيحيّون من نفوا العقلانية والمنطق عن أنفسهم، قاموا بملأهما بالخرافات بعد أن علموا أن لا مناص للفرار بنصيبهم في العمل باسم الرب، إلا بإنكار العقلانية والمنطق وادعاء العلم عامّةً وخاصّة، وهو ما لا يمكن حدوثه بالنسبة لهم، كما هو الحال بالنسبة لشيخ الجامع والإمام (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) "الإسراء 85"، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) "المجادلة 11"، وكما هي عادة المزوّرين دائماً فكان أن ترجم هؤلاء الكلمة رأساً على عقب لتعني أشياء لا تخصّها، كما فعلوا مع كل المصطلحات والمفاهيم الأخرى، تلك التي أقحمت في شريعتنا بطريقةٍ لا يمكننا الفرار منها.
الدين اليوم (وراثي)، فجميعنا مسلمون، وهذه معلومةٌ ناقصةٌ لا تعني شيئاً ما دمنا لم نتّفق جميعنا كمسلمين على إسلامٍ واحدٍ، لست بصدد نفي أو تأكيد هذه المعلومة هنا، ففي حقيقة الأمر لا يزال الوصف مفتقداً لكثيرٍ من معناه الحقيقي، فهو ليس سوى صفةٍ نصف بها أنفسنا دونما محاولةٍ لتطبيقها في واقعنا الاجتماعي، فالإسلام ذلك الحاضر الغائب منذ قرون، تراجع دوره منذ احتكر الحديث به (رجال) دينٍ لا وجود لهم إلا عند الحديث عن الأديان المنسوخة والسابقة، (اليهوديّة) و(المسيحيّة)، أطلقنا عليهم أسماء مختلفة، فكان (الشيخ) (الإمام) و(المفتي)، إنها ثلاثة أفكار دينيّة تخلق أفكار أخرى تعمل على إخراج الإسلام من واقع الإنسان ناحية عالم ما بعد الموت لا غير، وكل هذه الأفكار لا علاقة لها بالدين:
أولاً: المتراكمات الفقهيّة خارج دوائر (النص) الأصل، هذه المتراكمات والتي رغم ضخامتها إلا أن ثورة المعلومات الحاصلة اليوم تجعل أمر تجاوزها متوّقفاً على رغبة الإنسان في البحث عن المعرفة.
ثانياً: صفة الكهنوت صحبة التصنيفات الفقهيّة خارج الفقه، التي تلغي علاقة المسلم (المباشرة) بالإسلام وبمجتمعه.
ثالثاً: قراءة النص وفق منطق القراءة التاريخيّة المتواترة، وعدم تفعيل هذا النص عبر (المكان) و(الزمان) المتغيّرين.
هذه الأفكار هي التي تجعلنا نعتقد وجوب تجاوز الحديث المعهود عن الإسلام على اعتباره خارطة طريقٍ الى جنّة ما بعد الموت، لنجعل منه في جدالنا هذا حديثاً عن كونه منهج حياةٍ بعيدةً عن البعد الظاهري للأديان والتي اعتادت الشعوب عبره المزج بين الميثيولوجيا الخرافيّة ونصيب العقيدة الدينية الاجتماعي، والذي يجب أن نستهلكه متجاوزين كل السلف، لأجل إعادة إحياء الدين، وهذه قراءةٌ أخرى.
لا أريد الإطالة فكما يقول المثل الشعبي العربي (أين الخلاصة)، لكن أقرّ بأن الردود الثلاثة أثارت قليلاً من سخطي، وفي ذات اللحظة وجدتني أبتعد عن تحفّظي في الرد، رغم كون كل من كتب ردّاً على المقال لم يكتب مقالته الناريّة المحشوّة بكلمات السباب (فمن يهينك لا يرغب أن يضمك الى صفّه)، لم يكتب كي يهديني الى الطريق السوي وينقذني من غضب الله، بل كي يجعلني غوريلاً تطيع الفقيه كي أُحمل فوق حمارٍ بالمقلوب في الشارع، يرميني الصبية بالحجارة واصفين إيّاي بالكلب الضال حتى أصبح كلباً أليفاً، كتب مقالته كتعبيرٍ عن عجزه في الإقناع والاقتناع في ذات اللحظة، ينعت العبد لله جزافاً، فتارةً ملحدٌ وتارةً عدو الشعب بل وعدو الله أيضاً، أنا من يقرأ القرآن بعينيه، قلبه وعقله معاً، يرد في باب الحديبيّة: (.... عن العلاء بن المسيب، عن أبيه قال: لقيت البراء بن عازب فقلت: طوبى لك صحبت النبي وبايعته تحت الشجرة، فقال: يا ابن أخي إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده) هذا النص يشهد بحسن نيّة البخاري ربّما وأمانته العلميّة عبر منظومة عمله غير العلميّة، لكن المشكلة ليست شخص البخاري أو عمله الدئوب، فهذا لا يشفع له أن نتيجة عمله كارثيّةٌ بكل المعايير، بل المشكلة هي كون النصوص الفقهيّة خلاف نص القرآن تبقى جزأً من منظومة الإسلام التاريخي الذي يحتاج الى إعادة قراءةٍ عبر إزالة القداسة الوهميّة المرتبطة بها، (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) "النحل 89".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ