أولا
هناك محطات أساس فى تاريخ مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 .
1 ـ المحطة الأولى يوم 25 يناير والبطولة فيها للشعب ، والمحطة الثانية يوم معركة الجمل ، والبطولة فيها للشعب أيضا . ثم المحطة الثالثة وهى عزل مبارك بعد نزع سلاح الحرس الجمهورى فارتعب مبارك وهرب الى شرم الشيخ متنازلا عن الرئاسة . فى هذه المحطة الثالثة تأكد وقوف الجنرالات مع الثورة ضد قائدهم الأعلى (مبارك ) بعد أن خدموه ثلاثين عاما . وقوف الجنرالات هذا لم يكن تأييدا للثورة ولكنه خوفهم على أنفسهم من مجىء الوريث رئيسا وقائدا أعلى لهم ، وهم يرونه شابا مستبدا سىء الخلق لا يحترم كبيرا ولا يرحم صغيرا ، وهو يكرههم ويعمل على إقصائهم ليجىء بجنرالات يضمن ولاءهم . وفى الفترة الأخيرة قبيل عزله أصبح مبارك معزولا تماما عما يجرى ، وأصبحت مقاليد الأمور فى يدى الوريث وأم الوريث، واصبح لزاما على المشير لو أراد رؤية الرئيس أن يمرّ على الوريث ليقدم له فروض الولاء والاحترام . بقيام الثورة وصمود الثوار أمام وحشية البوليس وقف الجنرالات موقفا سلبيا . فى البداية ، لم يدافعوا عن الشعب ، تركوا بوليس مبارك يقتلون الشباب الأعزل وخصوصا يوم موقعة الجمل ، وحين فشل البوليس فى قمع الملايين عقد مبارك مجلسا عسكريا وأمر جنرالاته بابادة المتظاهرين فى التحرير ، لم يبادر الجنرالات بالرفض بل بدءوا التنفيذ الجزئى بمناورة ارهاب للمتظاهرين فأرسلوا فوقهم طائرات تزمجر وتهدد على أمل أن يرتعبوا ويتفرقوا فلم يحدث . أيقن الجنرالات أنه لا بد من مواجهة عسكرية مع الشعب، هم (بقواتهم وطائراتهم ودباباتهم وصواريخهم المشتراة من عرق الشعب للدفاع أساسا عن الشعب وليس لقتل الشعب) ،والشعب الأعزل بصرخاته وهتافاته وحبه لمصر وأمله فى الحياة الكريمة . عندها كان الجنرالات بين اختيارين كلاهما مرّ : إمّا طاعة مبارك وإبادة وقتل ملايين المصريين بالطيران والمدفعية الثقيلة ، وما يعنيه هذا من نتائج رهيبة داخليا وخارجيا ستنتهى بالتأكيد الى قيام ثورة الجيش عليهم وقتلهم جميعا وقتل مبارك وذريته ، وإمّا عصيان مبارك وعزله والحلول محله . بالاختيار الثانى بقيت مشكلة فرعية وهى تحييد الحرس الجمهورى وكان هذا سهلا . ومن هنا نقول إن هذه المحطة الثالثة يظل فيها الشعب هو البطل ، فلولا صموده ما اضطر جنرالات مبارك الخاضعين له طيلة ثلاثين عاما الى التمرد عليه وعزله ونفيه الى قصره الاسطورى فى شرم الشيخ .
2 ـ المحطة الرابعة هى جلب مبارك وولديه للمحاكمة . وكان هذا مستحيلا لولا بطولة الشعب المصرى . بعد عزله أعطى الجنرالات لمبارك وزوجته وولديه كل المميزات الحياتية وسمحوا لهم بتهريب الأموال والتحف و النفائس ، بل أصبح يصدر تصريحات تهدد وتتوعد . الشعب البطل هو الذى تظاهر بمليونية وهدد بالزحف الى شرم الشيخ واحضار مبارك للمحاكمة ـ فاضطر الجنرالات الى إحضاره الى المحاكمة . كانت محاكمة تمثيلية هزلية بكل المقاييس ، فخدم مبارك هم الذين يحاكمون سيدهم الذى لم يعرفوا سوى الركوع له ثلاثين عاما ، ولا يزالون يحتفظون له بكل الولاء ، وحتى لو فكّروا فى التملص من الولاء له فهم شركاؤه فى الفساد والسرقة . أى لو تكلم فسيفضحهم ، ثم إن أولئك الخدم يحاكمون مبارك بقوانين مبارك وبأجهزة مبارك فى الأمن وفى النيابة ، وبالتالى كان لا بد أن تنتهى هذه التمثيلية الى تأجيل بعد رد المحكمة والنظر فى تعيين دائرة أخرى . كل ما حدث فى هذه المحطة هو نقل مبارك من شرم الشيخ الى مستشفى قرب القاهرة وبكل المميزات .
3 ـ والآن تدخل مصر المحطة الراهنة وفيها حدثت مذبحة ماسبيرو . هى مرحلة المواجهة بين الشعب والجنرالات. فقد وصلت الأمور بقادة المجلس العسكرى الى نهاية الطريق المسدود ..توالى الفشل .. وانتهت جعبة الأعذار ، وفرغت كل أساليب المراوغة ، وأدمن الجنرالات إصدار قوانين واعلانات دستورية فوقية يعتبرون فيها الشعب من جنود الأمن المركزى عليهم الطاعة وإمتثال الأوامر ، ويعتبرون الوطن معسكرا حربيا ، وقد عينوا لادارة هذا المعسكر وزارة عصام شرف التى لا تختلف عن فريق من صفّ الضباط محترفي خدمة القادة وكبار الضباط ، ومعهم المستفيدون من نظام مبارك ، ثم لديهم قوة من الميليشيات من البلطجية والبوليس ومطبلى الاعلام فى الصحف القومية والتليفزيون. والأخطر من هذا السلفيون بكل تنظيماتهم العلنية والسرية ، وهم آخر من إنضم الى الثورة وأول من ركب موجة الثورة وأول من استفاد منها . ولاؤهم الحقيقى هو للسلطان القائم ، فمها بلغ عداؤهم له فهو أقرب اليهم من دعاة الليبرالية والحرية والعلمانية . ومهما إشتدت سطوة السلطان المستبد القائم فهم المستفيدون من حكمه وهم المؤهلون لوراثته ، أثناء حكمه ينشرون دينهم السلفى و يتغلغلون من خلاله الى الأغلبية الساكتة الصامتة ، وعندما يتأهب المستبد للسقوط فهم آخر من يثور فى وجهه وأول من يركب موجة الثورة وأسبق من يستفيد منها . من هنا فالتحالف بين الجنرالات الذين يمثلون نظام مبارك وبين السلفيين من (إخوان وجماعات ) قائم ومستمر ومستقر ، ولأنه تحالف سياسى يقوم على المصلحة والتنازع على الغنائم والمحاصصات فلا بد أن يتعرض للخلاف والشّد والجذب . وهكذا استغل الجنرالات ما فى أيديهم من أوراق لتثبيت نفوذهم. كان الاستحقاق الفورى على الجنرالات هو استمرار محاكمة مبارك والانتهاء منه . تطورات محاكمة مبارك كانت تلك هى العناوين الكبرى فى مصر والعالم كله . بعد ردّ المحكمة كان لا بد من استمرار الزخم والضغط على الجنرالات لاستكمال المحاكمة واستمرار مثول مبارك أمام المحكمة . هذا هو المتوقع . ولذا كان لا بد للجنرالات من الدخول فى منعطف جديد يلهى الناس عن مبارك ومحاكمته . والحلّ الأمثل هو استغلال الفتنة الطائفية . استعمل جنرالات مبارك نفس طريقة مبارك فى ذبح الأقباط قربانا للاستمرار فى السلطة . مذبحة كنيسة القديسين فى الاسكندرية كانت آخر جرائم مبارك الطائفية ، ومذبحة ماسبيرو كانت أبرز جهود جنرالات مبارك فى صرف الأنظار عن الاستمرار فى محاكمة مبارك . فى كل تلك المذابح تجد الجناة هم هم ؛ دعاة السلفية من خدم مبارك وجنرالاته ، والتدخل السياسى والبطش البوليسى والعسكرى . الفارق هنا أن مبارك كان يكتفى ببوليس العادلى وخدمات النائب العام ، أما الجنرالات فلم يروا بأسا من استخدام التليفزيون الرسمى لتدبير المؤامرة ورأوها بطولة وانتصارا عسكريا وشهامة لا مثيل لها حين استخدموا المدرعات فى دهس المتظاهرين علنا وعلى رءوس الأشهاد ، ثم بكل صفاقة يعقدون مؤتمرا صحفيا يخرجون فيه ألسنتهم للجميع قائلين بلسان الحال لهم : طظ ..
أخيرا
1 ـ المرحلة السادسة والحاسمة : إذا كانت البطولة فى المرحلة الخامسة للجنرالات بانتصارهم المشرّف على المصريين العزّل فإن على الشعب المصرى وجيشه البطل أن يكون البطل فى هذه المحطة السادسة والحاسمة . لقد تأكد أن جنرالات مبارك هم أشد منه عداوة للشعب المصرى ، وأشد منه خيانة للوطن ، وعليه فلا بد من مظاهرات مليونية تعمّ مصر تقودها أمهات مصر يستنجد فيها المصريون بالجيش المصرى ليخلصهم من جنرالات مبارك .ولا بدّ أن تستمر هذه المظاهرات حتى لو بلغ شهداؤها عشرات الألوف . فالحرية ثمنها غال .
2 ـ بدون هذه التضحيات سيدفع المصريون عشرات السنين من الذّل والقهر بحيث يترحمون على أيام مبارك .