الثورة .. مذبحة الأقباط

شادي طلعت في الأربعاء ١٢ - أكتوبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

سيظل يوم 9 أكتوبر علامة بارزة في تاريخ الأقباط، و حجم و هول المصيبة يمكننا أن نبين هوله للقارئ عندما يعلم أن المسيحيين في مصر قد فرض المجمع المقدس عليهم الصيام ثلاثة أيام، ثلاثة مرات فقط في تاريخهم، المرة الأولى كانت وقت المعز لدين الله الفاطمي، أثناء واقعة نقل جبل المقطم، و المرة الثانية كانت في عهد الرئيس أنور السادات بعد تحديد إقامة البابا شنوده، و المرة الثالثة بسبب مذبحة الأقباط يوم 9 أكتوبر 2011، إذاً فالمصيبة هذه المرة عظيمة لكافة المسيحيين في مصر و غير عادية بالمرة ! فلماذا حدثت و من ورائها، و كيف يكون التعامل معها، لنفتح إذاً ملف الأقباط علنا نجد سبيلاً للخروج من الأزمة.

هل الأقباط في مصر كانوا مضهدون قبل ثورة 25 يناير ؟

علينا أن نعلم أن كون أقباط مصر أرثوذكس، فإن هذا الأمر يفقدهم نوعاً ما من التضامن الدولي القوي، ذلك لأن الأغلبية في أوربا الغربية هم كاثوليك بينما الأمريكيتين هم بروتستانت، أما أوربا الشرقية فقط فيها أغلبية أرثوذكس و هم الفئة الأضعف ! بمعنى أن الأقباط في مصر يقفون وحدهم مطالبين بحقوقهم دون وجود أي مساندة أو تضامن دولي، و هنا قد نسأل أنفسنا هل يستطيع الأقباط منفردين الحصول على حقوقهم، و أنا أؤكد أن الأقباط قادرين على نيل حقوقهم كاملة بشرط واحد و هو أن ينزعوا الخوف من قلوبهم، فطالما ظل في قلوب الأقباط خوف فإنهم سيظلون قابعين في أماكنهم لا يتحركون إلى الأمام أبداً، و نحن مقبلون على مرحلة تحول تاريخي لا يعلم نهايتها إلا الله .

و قبل الإجابة عن هذا السؤال أود أن أوضح رؤيتي أنا الشخصية، فأنا كنت واحداً من الناس أرى أن الأقباط في مصر غير مضطهدون ! و كنت أرى أنهم يحصلون على أكثر من حقوقهم ! و هذا لم يكن حالي لوحدي بل هو تقريباً حال السنة و الشيعة في مصر و كل من هو غير مسيحي، إلا أنني بعدما إلتقيت بالدكتور / سعد الدين إبراهيم، منذ عدة سنوات مضت كنت أدخل معه في مجادلات حول دفاعه عن حقوق الأقباط، و في النهاية إقتنعت بأن الأقباط في مصر قد ظلموا على مدار كافة السنوات التي حفلت بحكم العسكر منذ قيام ثورة 1952، و هو تاريخ إنقلاب العسكر، و الذي تحول فيما بعد إلى ثورة، و حتى نبين بعض ما تعرض له الاقباط من إضهاد فإنني سأذكر بعض العناصر و سنمر عليها مرور الكرام لأن كل عنصر بحاجة إلى إستفضة كبيرة على حده :

  • ميزت الدولة بين المسلم و المسيحي عن طريق خانة الديانة في البطاقة الشخصية، و هذا أمر ليس له وجود إلا في مصر فقط، و هو ليس بالأمر العادي كما قد يظن البعض، ففيه إنتهاك لحرية الإنسان و كرامته و تميز ديني.
  • عانى الأقباط من إستبعاد من العديد من المناصب التنفيذية نظراً لكونهم مسيحيين !
  • عانى الأقباط من تفرقة في الحق في التعليم بوجود كليات عملية مثل الأزهر للمسلمين فيها طب و هندسة، يدخلها مسلمون بمجاميع ضعيفة، و لا يدخلها المسيحيون نظراً لكونهم مسيحيين! علماً بأنهم من دافعي الضرائب.
  • عانى الأقباط من إستبعاد سياسي في كافة المقاعد عبر صناديق الإقتراع، بسبب توجه دولة العسكر بعد ثورة 1952، إلى زرع الكره للأقباط بين المسلمين !
  • عانى الأقباط من تمييز في قمة التخلف و قت مرحلة التعليم الأساسي، ففي حصة الدين يظل المسلمون في فصولهم و الأقباط يخرجون للجلوس على السلالم او الذهاب إلى ساحة المدرسة، كما كان يفرض عليهم حفظ القرآن في اللغة العربية !
  • عانى الأقباط من ظلم فادح في عدم حصولهم على حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية، فليس لهم الحق في بناء الكنائس إلا بتصريح من رئيس الجمهورية، و عندما تم تعديل القانون أصبح بناء الكنائس مرهون بموافقة المحافظ المسلم !

سأكتفي ببعض ما عرضت من جزأ مهم لما يتعرض له الأقباط من إضهاد، و كل جزأ بحاجة إلى الحديث و الإستفاضة كما ذكرت آنفاً، و لكن دعونا الآن في أساس الموضوع و هو مذبحة الأقباط 9 أكتوبر 2011، و لنسأل أنفسنا من وراء تلك المذبحة ؟ و حتى نجيب تعالوا نعود بالذاكرة للوراء قليلاً و تحديداً، منذ قيام ثورة العسكر 1952، سنجد أنه في كل مرة طالب الأقباط فيها بحقوقهم، كانوا يتعرضون للعنف ثم يعود الأقباط إلى صمتهم، حتى يروا بصيصاً للأمل مرة أخرى فيخرجون مطالبين بحقوقهم ثم يتعرضون للعنف، و هكذا تظل لعبة الكر و الفر بين الأقباط و العسكر أو الأقباط و السلطة، و حتى تاريخنا الحالي لم ينجح الأقباط ! فمن حادثة كنيسة ضواحي الأقصر 1968، و من أحداث الخانكة عام 1972 و غيرها و العديد من الحوادث المؤسفة التي ليس لها أول من آخر في عهد مبارك و منها تفجير كنيسة القديسين  و أحداث نجع حمادي قبلها و قبلهما عشرات الحوادث، حتى بعد قيام ثورة 25 يناير من حادثة كنيسة أطفيح مروراً بعدد من الحوادث حتى مذبحة الأقباط يوم 9 أكتوبر 2011، في النهاية الصراع بين الأقباط و بين السلطة، هذه هي الحقيقة المؤسفة، و لنركز قليلاً في شكل السلطة التي تحكم مصر منذ 1952 و حتى الآن !؟

كيف هو الشكل الصحيح للتعامل مع مذبحة الأقباط، نظراً لأنها غير عادية ؟

لقد تعرض الأقباط لمؤامرة و هي مؤامرة شديدة القذارة و الدنائة و كافة الموبقات يمكننا أن نصف بها تلك المؤامرة البشعة، فالنظام السياسي قام بالضرب على عدة محاور :

أولاً / تم التنكيل بالأقباط لدرجة و صلت إلى إستباحة قتلهم مما ولد الخوف في نفوس الأقباط من شدة هول ما تعرضوا إليه.

ثانياً / تم الترويج عن طريق إتحاد الإذاعة و التليفزيون و كافة موظفيه عملاء أي نظام حاكم، لزرع الفتنة الطائفية، و شحن المسلمين على كره الأقباط !

ثالثاً / تم تشويه صورة الأقباط دولياً عن طريق وصفهم بالعنف، فين حين أن الأقباط هم ضعاف من الأساس على المستوى الدولي نظراً لأن الأغلبية منهم  أرثوذكس !

لقد ضُرب الأقباط بيد من حديد، فقتل منهم الكثير و الأرقام الرسمية تقول أن القتلى 29 شخصاً و المصابين فوق أربعمائة شخص، و الإصابات متنوعة بين المسيحيين و الجيش و المسلمين، لكن نسبة المسيحين سواء في القتلى أو الإصابات تتخطى نسبة 95% ، و هذه النتيجة تعني شيئاً يجب أن نقف عنده و هو حقيقة المؤامرة التي تعرضوا لها، فالقاعدة العسكرية تقول أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع، بمعنى أنه لو كان الاقباط هم من بدأ بالهجوم كما تردد فمن المستحيل أن يكون من بينهم هذا العدد الرهيب من الضحايا، و لو كان الأقباط هم من بدأ بالهجوم على الجيش كما ذكر الإعلام المصري الرسمي المضلل، لكانت الضحايا في صفوف القوات المسلحة كثيرة و كبيرة و ليس شخص أو إثنين أو ثلاثة ! خاصة و أن الأقباط كان عددهم في يوم المذبحة عشرات الآلاف، أي لو كان لديهم مخطط لكانوا أصابوا المئات من صفوف الجيش و لكن هذا لم يحدث ! إذاً بالمنطق نقول أن الأقباط قد تعرضوا لمؤامرة و محاولة إغتيال و لكن من هو مدبرها ؟

إن مذبحة الأقباط تتطلب تحقيقاً شاملاً و لو أرادت الدولة أن تفعل ذلك فإنها لن تتهاون أبداً، أما و أن النظام السياسي يحاول أن يستفيد بهذه المذبحة اللا أخلاقية على حساب تصفيات سياسية أخرى بأن ينشر عملاؤه بين الناس محاولين ترويج أن من كان وراء محاولات إشعال النار يوم المذبحة هم حركة 6 إبريل، فهذا كلام هراء، و الهراء الأكبر سيكون من الأقباط إن حاولوا إقناع أنفسهم بتصديق تلك الكذبة ! و الواقع أني لا أستبعد أن يتوافق الأقباط مع أي شئ قد تصل إليه التحقيقات فالخوف الموجود لديهم سيجعلهم يتغاضون عن دماء شهدائهم كما تغاضوا من قبل في أحداث أخرى كثيرة سابقة، و أنا هنا لا أريد أن أحمس الأقباط على المظاهرات و لا أريد أن اشعل نار فتنة كما قد يظن البعض، و لكني أرى أمامي خطراً فادح قادم على مصر كلها فلغة العنف قد بادت تسود، و من أولى ضحاياها الأقباط و إن لم نأخذ موقفاً ضد ممارسات العنف فإن مستقبل بلادنا سيكون أسوأ، لذلك على المصريين جميعاً مسلمين و مسيحيين، أن لا يتنازلوا عن دماء الشهداء التي فقدت من الأقباط، على المثقفين و السياسيين و الليبراليين أن يتخذوا موقفاً مشرفاً بمساندتهم لهم، على أقباط المهجر أن يأتوا إلى مصر و أن يتفقوا فيما بينهم على صيغة لمواجهة الأزمة بالتعاون مع الأقباط في الداخل، علينا جميعاً أن نبعد أي مؤسسة دينية عن التدخل في الأزمة فالأقباط ليسوا بحاجة إلى زعيم أو فكر ديني بقدر حاجتهم إلى فكر سياسي منظم يتعامل مع القوى الموجودة على أرض الواقع في مصر .

أخشى ما أخشاه أن تموت القضية القبطية بيد الأقباط، و لي تجربة خلال مذبحة الأقباط لا بد أن أرويها لكم، فقد رأيت على الشبكة العنكبوتية يوتيوب، أحد الفيديوهات بمستشفى القبطي بالقاهرة، و رأيت في هذا الفيديو أحد الجثث قتلت عن طريق الذبح ! و ليس دهس المدرعات أو عن طريق الرصاص، لقد قتل الرجل بسكين مر على رقبته ! منظر مفزع و مروع فإنتقلت على الفور إلى المستشفى القبطي و إلتقيت بأحد الأطباء و تحاورنا حول الإصابات فقال لي الطبيب أنها جميعاً كانت عن طريق الدهس بالسيارات و طلقات الرصاص، فسألته عن أحد الجثث التي قتلت عن طريق الذبح ؟ فقال لي الطبيب القبطي ! أنه لا توجد أي جثة ماتت مذبوحة ! فقلت له أني شاهدت الفيديو على اليوتيوب، فرد علي بأن المستشفى لم تأتيها مثل هذه الحالة ! ثم فوجئت بمن هم حوله يؤكدون لي أنه لم يتعرض قبطي للذبح ! الواقع أني غادرت المستشفى و لدي شعور غريب و خشية من أن تموت تلك الأحداث بيد الأقباط أنفسهم،و لكن إن حدث هذا فإني أرى أن إنتقام الله سيكون رهيب لكل من يتواطئ على مثل تلك الجرائم اللاإنسانية .

في النهاية أقول :

إلى كل مصري أياً كان معتقده أو دينه أو جنسه، إن مذبحة الأقباط جريمة ضد الإنسانية تستوجب التحقيق الفوري و تستوجب المحاكمة العادلة، فالسكوت عنها لا يهدد الأقباط فقط بل يهدد المصريين أجمعين مسلمين و مسيحيين، فما حدث للأقباط اليوم يمكن أن يحدث للإخوان المسلمين، غداً أو لللسلفيين أو لليبراليين أو للشيوعيين، المستهدف في النهاية هو شعب مصر و ثورته العظيمة فهناك محاولات للإلتفاف عليها.

كما أقول للأقباط إخرجوا من عبائة الخوف التي وضعكم فيها العسكر منذ عام 1952، إعلموا أن الحرية لا توهب و إنما تكتسب و إكتسابها وارد أن يكون فيه ضحايا، و أنتم بالفعل قدمتم العديد من التضحيات سواء في المذبحة أم قبل المذبحة، فأكملوا المشوار و لا تتراجعوا فمن حققكم ان تضمنوا لكم و لأبنائكم حياة كريمة فيها مشاركة سياسية حقيقية، من حقكم أن تعيشوا في مجتمع لا يعرف التمييز، انتم مصريون و لكم ما للمصريين جميعاً من حقوق، و عليكم ما عليهم من واجبات، فلا تيأسوا و إعلموا أنه لا يضيع حق ورائه مطالب .

و أقول لدعاة الدولة المدنية، لا دولة مدنية في ظل وجود تمييز ديني، و الأقباط اليوم يتعرضون لمؤامرة رخيصة، فإما أن تكون حقاً رسلاً لمبادئ و قيم تؤمنون بها و إما أن تطغى المصالح الشخصية المبادئ، و أنا مؤمن بأن مصر ولادة بأصحاب المبادئ اللذين لا يتغيرون مهما كانت المغريات، فتعالوا نعمل معاً من أجل إرساء قواعد عامة، و لتكن قضية الأقباط هي أولى أهدافنا جميعاً، فترك القضية هو خيانة لمبادئ الدولة المدنية التي آمنتم أنتم بها.

أقول قولي هذا و أستغفرو الله لي و لكم

شادي طلعت

اجمالي القراءات 14501