فى هذا المقال القصير سوف أبدأ من بعيد ثم أقترب من المراد
فى نصوص العقود التى تقوم على نظرية الالتزامات المتبادلة فى فترة زمنية مكانية، محددة، بين أطراف متساوية أو إن كان سياديا من طرف واحد (مع الوضع فى الاعتبار قدرة الأطراف و العلم الآنى)، نرها تبدأ بالتعريفات، أى بتعريف الكلمات و معناها و محتواها التى يجب أن تفهم به و لا غيره، و تصير الكلمة المعرّفة "مصطلحا" يحتوى معناها المقصود الذى أتفق عليه كلما ذكرت الكلمة فى نص العقد و لا "تأول" حسب السياق، و هذه التعريفات و المصطلحات لازمة و ضرورية لاستقرار تنفيذ المراد من التعاقد أو الحكم فيه عند الاختلاف، و كلما كانت كلمات العقد و مصطلحاته معرّفة و ليست متشابهة كلما قل الاختلاف فى تنفيذه فى الزمان (فترة العقد) و المكان (مكان تنفيذه)
و العقد بهذه الطريقة و بحكم و إحكام مصطلحاته وكلما قلت فيه المتشابهات، يكون نجاحه فى الهيمنة على إِحكام تنفيذه فى واقع الزمان المحدد له و المكان المعقود فيه و مرجعيته النسبية، .... وإن كان هنا يجدر القول أن عوامل هذا النجاح هو أول عوامل فشله عند تطبيقه فى زمان أو مكان مختلف
القرآن رسالة نصية من الله إلى الناس، فمن آمن منهم بالله يكون أرتضى إبرام عقد سيادى معه و أرتضى المراد منه حيث أن عنوان العقد و المراد منه هو "الهدى" {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة}، و الهدى هنا مبَيَن فى نصوصه، و من آمن بتلك الرسالة (القرآن)، فهنا يكون (القرآن) هو نص العقد، بما فيه من النصوص المحكمة، وهى الكليات العليا البينة التى تفصل بين الحق و الباطل التى لا تتغير و تحكم تنفيذه لكل من أرتضى إبرامه مع الله فى كل زمان و أى مكان، و كذلك بما فيه من النصوص التى تتشابه على المتعاقِد (و إن كانت تخدم مراد العقد) فيكون على المتعاقد واجب البحث فى تلك النصوص المتشابهات فى العقد للوصول إلى معنى لها يغنيه فى التطبيق فى مكانه و زمانه و حدود ما يعلم . .. و كل ما يصل إليه عند إذ يعتبر حقا نسبيا، لتحقق الهدى بشرط عدم التناقض مع كليات النص المحكمة للعقد و مبتغاه.
هذا الحق النسبى الذى يصلح للمكان و الزمان و الذى لا يتناقض مع الكليات و المبتغى، قد يصلح للاستمرار عبر الزمان و خلال المكان، أو قد لا يصلح، و لا يفصل فى ذلك إلا الاختبار الفعلى. .. و العمر الزمنى للأفراد أو الأمم المحدود لا يصلح للحكم بالقطع بالصلاحية، و من هنا كان لزوم ما قاله الله {وَ "مَا" يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}، فتأويل النص هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لمحاولة فهم المتشابه فيه لإمكان تطبيقه عبر الزمان و خلال المكان، بالتالى لا يجوز تثبيت مصطلحات لتلك المتشابهات (الحق النسبى) و بالضرورة كذلك لا نستطيع فرض مصطلح أو فهم معين و لا غيره على الكلمة التى تحكم فهم المتشابه من النصوص عبر الزمان و خلال المكان
أظن أن الخطأ الذى وقع فيه المتعاقدين مع الله و مازالوا يقعون فيه، هو قبول تثبيت فهم المتشابه فى العقد، و وقف و تجميد التعريفات التى وصلوا إليها أو وصلت إليهم و إلحاقها و لصقها بالنص الأصلى وجعلها من مصطلحاته و أدواته التى يُفهم بها و يطبق على أساسها و لا غيرها و فرضها على من يعاصرهم أو يليهم فى الزمان و على من يجاورهم أو يبعد عنهم فى المكان، فيصل نص العقد إليهم فاقد النطق لا يتكلم بلغة مفهومة لمفردات زمانهم ... و ساكنا لا يتحرك فلا يستطيعون تطبيقه فى مكانهم ..... فيموت النص
{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) الفرقان}