الرخاء الاقتصادي في عهد البطالمة والرومان
عظة واعتبار من نهايات الكبار

نجلاء محمد في الثلاثاء ٠٤ - أكتوبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

في هذا الجزء من خاتمة بحث كليوبترا يتطرق الحديث إلى ملكة أخرى ورد ذكرها في القرآن الكريم ،نتعرف بعد ذلك على ازدهار الزراعة في عصر البطالمة والعصر الروماني ومقارنة بين ماتم إنشاؤه في تلك العصور وما بعدها من عصور

نحن اليوم على موعد في هذا الجزء الخامس من بحث كليوبترا ونتأمل ونتعلم من تلك المرأة المصرية ولكي ترتسم الصورة وتكتمل الحكمة فنحن بحاجة إلى أن ننهل من قبس النور كتاب الله العزيز الذي يهدى إلى الصراط المستقيم .

وعندما أردت أن أختم بحثي عن كليوبترا لم يسعني إلا أن أجد مثلا رائعا وعظيما لملكة أخرى عظيمة ورد ذكرها في القرآن الكريم وإن لم تكن مصرية تلك الملكة هى بلقيس ملكة مملكة سبأ والتي عبر عنها القرآن العظيم على لسان رسول سليمان وهو (الهدهد) عندما أرسله إليها ، لقد امتلك ذلك الطائر  فصاحة المنطق وحسن البيان عندما وصف بلقيس بأنها إمرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء يقول  الله تعالي في كتابه العزيز  {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ }النمل23 .

وكذلك كانت كليوبترا المصرية فقد ملكت قلوب المصريين وخاصة السكندريين منهم فقد أحبوها حبا جما وساندوها وأيدوها في غالب الاوقات فكانت ملكة لهم طوعا وكرامة وحبا .

 

لقد حافظت كليوبترا على عرشها وسط هذه القلاقل والاضطرابات بمنطقة حوض المتوسط بسبب حب المصريين لها شعبا .

 وليكن درسا للقادة والزعماء رجالا ونساء أن حب الجماهير وابناء الوطن وإقامة العدل والقسط هو الضمان الوحيد للحفاظ على العروش ، وليس القهر والاستبداد والاستيلاء على مقدرات الشعوب  .

 

لقد كان عرش كليوبترا مجيدا ولمدة طويلة ولقد وهبها الله الملك وأتاها من كل شيء علما وفلسفة وفصاحة وحكمة وحكما

لذلك لابد من العمل على إقامة العدل والقسط لأن الحاكم سوف يترك الحكم طوعا او كرها إن عاجلا أم آجلا ولا يتبقى له إلا ما قدمه لشعبه الذي ظل يحكمه فترة سواء أكانت طويلة أم قصيرة .

فيالا الأسف أن المصريين لم يتعلموا الدرس من هذه الملكة وكل ما رسخ في أذهانهم عنها أنهم أطلقوا إسمها على نوع من السجائر ،وهذا ما حدث مع نفرتيتي من قبل حين أطلقوا سمها أيضا على سجائر تحمل إسم نفرتيتي .

من بين الإصلاحات التي تمت في العصر البطلمي

 وتحسب للبطالمة في مصر أنهم لم ينهبوا البلاد ويخربوها كما فعل الفرس من قبلهم ،

 

وعلى الرغم من كون  الملوك والملكات من البطالمة أجانب على البلاد وكانوا يتكلمون الإغريقية فقط ،فلم يكن لديهم التعصب الذي نراه في العرب المسلمون بل ولم يتم اجبار المصريين على اعتناق ديانة البطالمة كما حدث  بعد الفتوحات الاسلامية وإلى الآن ، بل جمعوا بين عبادة ألهتهم وعبادة آلهة مصر وحموا كهنتها ، فقد ظلوا إغريقا مقدونيين وكانت عاصمتهم الإسكندرية "على مقربة من مصر " وأصلحوا المعابد القديمة وبنوا معابد جديدة جميلة لأنفسهم على طول مجرى النيل في المناطق المقدسة .

وليست في مصر نفسها  كما كانت منف وطيبة وكالقاهرة العاصمة الإسلامية الحالية.

 

وقد حفر البطالمة القنوات وضبطوا فيضان النيل السنوي حتى يتيسر ري مساحات أكبر من الأراضي وبذلك  يزداد إمكانية الحصول على غلال وفيرة ،

كما زادوا من تجارة مصر مع العالم الخارجي زيادة عظيمة وخاصة مع الشرق وبلاد البحر الأبيض، وفتحوا نافذة على عالم وادي النيل القديم المغلق لتهب من خلالها التيارات الجديدة لفكر وحضارة الإغريق .

فما الذي حدث بعد الفتح الإسلامي لمصرهل كان هناك هذا  الاهتمام بالقنوات وحفرها والحفاظ عليها ، وتوفير معيشة كريمة لكل المصريين ، وحرية للفكر والمعتقد أم كان هناك إكراه في الدين وأجبار على الدخول في الإسلام لغير المسلمين لكي يكونوا آمنين على حياتهم ؟،

وهم(العرب الغازون ) فيما تعرف بالفتوحات الإسلامية يطبقون ثقافتهم البدوية وإديولوجية السلب والتهب عندهم وصاغوها في قالب ديني كي يضفوا عليها قدسية ونسبوها ظلما للرسول الكريم في  صورة آحاديث مثل (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم ...إلخ )   

 

ونتكلم بعد ذلك عن مصر الرومانية في (العصر الروماني) وهو امتداد للعصر البطلمي .

كسابقها  حيث ازدهرت الزراعة في مصر ارزداهارا شديدا عما سبق ، بل تفوقت عنه .ولم يكن هذا الازدهار الزراعي محض صدفة بل عن تخطيط ودراية وجهد مبذول وتطبيق صادق للعلوم الزراعية والخبرات المكتسبة وقتها .

 ونضع مقارنة بين ما حدث في العصر الروماني من تشييد وازدهار للزراعة ووفرة للغلات الزراعية وبين ما يحدث في عصرنا الحالي وهو عصر المخلوع مبارك وما بعده وما قبله .

العيون الرومانية

مازال السكان في مصر وخاصة في واحات مصر  مازالوا يشيدون بهذه العيون الرومانية ،ويدينون بالفضل الى الآن وحتى يومنا هذا إلى هندسة الري في العصر الروماني وتشيدهم لآلاف العيون الرومانية. ويطلقون كلمة  عين على البئر الروماني المشيد بطريقة ذكية ومتخصصة تدل على الإلمام بعلم المياه في طبقات الأرض ، أقام الرومان مئات الابار الجوفية منذ اكثر من الفي عام لزراعة صحاري مصر وعلى وجه الخصوص واحات مصر،

 مثل واحة جغبوب التي فرط فيها المصريون من أيام الملك فاروق وتركوها للليبيين وهى ارض مصرية خالصة منذ أيام الفراعين . وواحة الفيوم أكبر واحات مصر .

وواحات الصحراء الغربية المعروفة باسم واحات الوادي الجديد، أطلق الإسم  على واحات الصحراء الغربية الكبرى الثلاث ( وسط الصحراء الغربية) وهى واحات الفرافرة والواحات الداخلة والواحات الخارجة، كل هذه الواحات كانت تنتج القمح والشعير والذرة والبقوليات  ،والمنتجات الصحراوية من الزيتون وجميع انواع التمور والنباتات الطبية وحتى زراعة الارز الى يومنا هذا .

ومن عجب أن نعلم أن الأرز يزرع في واحات مصر وهو الذي يحتاج الى كميات كبيرة من المياة ، قد وفرتها تلك العيون الرومانية على مدار اكثر من الفين عام  .

والعجيب ايضا أن نرى سكان الواحات يتحسرون على تلك العيون الرومانية ، فكانت كل عائلة لها عين أواثنين أو أكثر يزرعون منها وتدر عليهم الربح الوفير والثراء.

وكان عند الرومان مهارة علمية بأماكن المياه الوفيرة في باطن الارض مما جعل مصر في هذا الزمن سلة غلال الامبراطورية الرومانية .

هذه معلومة نود ان نعرفها لكل ابناء مصر المزارعين وغيرهم ، كانت مصر هى مخزن الغذاء وسلاس القمح والشعير والذرة والبقوليات.

 لم تشهد مصر مجاعة ولا نقصا في الحبوب الغذائية في عهد الرومان كما شهدت ذلك بعد الفتح الاسلامي ويرجع الفضل في ذلك الى هندسة الري وللعيون الرومانية والسيطرة على مياه النيل والتحكم في فيضانه واستيعاب تمرد النهر.

فماذا حدث لهذه العيون وللمزارعين المصريين؟

تم استبدال هذه العيون بالابار العميقة .

منذ عهد عبد الناصر وإلى اليوم تقام الآبار الجوفية العميقة التي تتحكم بها الحكومة في إرادة مزارعي الواحات إذ تفرض عليهم أنواع من زراعة المحاصيل لا يريدونها

وهذا لاينطبق على مزارعي الواحات فحسب ، بل على مزارعي مصر بأكملها إذ يتم فرض محصول بعينه عليهم ولا يملكون حرية الرفض وليس عليهم سوى القبول وإلا تعرضوا لغرامة وإتلاف للمحصول!!!

ومن أهم أعمال الإسكندر في عصر البطالمة بناء مدينة الاسكندرية ومنارتها

 فعندما نزل الاسكندر فاتحا لمصر كانت من اعماله العظيمة بناء وتاسيس مدينة الاسكندرية ومنارتها الساحرة والتي كانت من عجائب العالم القديم .بناها  بطليموس فيلادلفيوس قبل عصر كليوبترا بمائتى عام لترشد السفن وهى داخلة وخارجة من الميناءين.

 

وبما أن هذه المنارة قد أنشئت تكريما للألهة الذين يحمون الناس - حسب اعتقادهم قديما في تلك الأزمان-  فقد قامت هناك شامخة من اجل مساعدة أولئك الذين يسافرون عبر البحار وكانت ترفع في طبقات إلى ما يقرب من ستمائة قدم ، قاعدتها السفلى مربعة ولكنها تصبح إسطوانية الشكل عند القمة حيث يضيء المصباح في الليل ، وكان يمكن رؤية ضوئه الذي ينعكس بمرآة ضخمة على بعد ثلاثين ميلا في البحر.

 

وكان هناك منحدر حلزوني بداخلها لتصعد عليه الحمير حاملة الخشب الراتنجي الذي كان يستخدم في الوقود.

 

إنها أول منارة في العالم وإحدى عجائب الدنيا السبع!

 

ولم تكن تعني بالنسبة إلى كليوبترا الفخر لما أنجزته أسرتي من الأعمال العظيمة فحسب بل كانت تعني الوطن أيضا، كما كانت تعني العزاء في بعض الأحيان . والسبب في ذلك أنه بالرغم من كل مظاهر الترف والجمال والقيم الحضارية في حياة كليوبترا ، فقد كان من الأمور الخطيرة الحمقاء أن تولد كفرد في أسرة البطالمة .لأنه إذا حدث أن كنت بريئا وتعترض طريق منافس مطالب للعرش، أو سمحت للمربيين السيئين والأصدقاء أن يؤثروا عليك في لعبة مؤامرات القصر فقد تختفي تماما في إحدى الليالي دون أن يسمع لك صوت أو تخلف أثرا وتقتل في فراشك بأيدي اقاربك أو مأجوريهم ! هكذا كانت تعتقد كليوبترا!

 

المسرح الروماني

وفي داخل مدينة الاسكندرية ذلك المسرح الروماني العملاق الذي يسع مئات الآلاف من الجماهير للترفيه وإقامة المسابقات الرياضية النافعة للشباب وللترفيه عن ابناء الاسكندرية .

وهذا المسرح شيد بطريقة رائعة وعبقرية يسع عشرات الآلوف من المشاهدين وفيه إمكانية تضخيم الصوت وتكبيره بطريقة تجعله واضح وبه رنين لجموع الحاضرين

تجاهل  الحقبة البطلمية والرومانية

     بسبب انتشار الفكر الوهابي في مصر وثقافة التدين الوهابي  تم تجاهل هذه الحقبة القبطية وفترة الدولة البيزنطية و البطالمة عن عمد في مناهج التعليم للتاريخ المصري مقابل التركيز على مصر بعد الفتوحات (الغزوات)العربية.

فمنذ قيام ضباط الجيش بالانقلاب العسكري الأول فيما عٌرف  ب(ثورة يوليو 1952). إلى وقتنا هذا لم يتم تغيير تلك المناهج التي تهمل هذه الجوانب المضيئة في تاريخ مصر 

ولقد راينا وسمعنا فتوى المشايخ  الذين يٌعادون آثارنا الفرعونية باعتبارها أوثاناً، ويبيحوا لنا سرقتها والتخلص منها بالبيع أوالإبادة، تلك الآثارالتي يقدرها العالم أجمع، عدا أحفاد الفراعنة الذين ضربتهم الغيبوبة،

    وبسبب هذه الفتاوى الصادرة عن مشايخ الوهابية جعل الكثيرين يعتبرون الكلام عن التاريخ     الفرعوني ودراسته  نقيصة وذلك بسبب ما زرعه  فكرهم السلفي الوهابي الداعي إلى نبذ وتحطيم كل ما هو فرعوني من أثار وغيرها. واعتبارها أصنام وأوثان ونسوا أو تناسوا الآيات  القرآنية الكريمة التي حثنا الله تبارك وتعالى فيها على المشي للاتعاظ والاعتبار من هؤلاء الأقوام ومساكنهم التي هى آثارهم .

 

{أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى }طه128

 

{وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ }العنكبوت38..

اجمالي القراءات 14174