الربيع العربي
لماذا تخرج المظاهرات من الجامع,وليس من الجامعات
زهير قوطرش
في
الثلاثاء ٢٠ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
لماذا تخرج المظاهرات من الجوامع ,وليس من الجامعات؟
سؤال طرحه الكثير من المفكريين والمهتمين بتحليل ظاهرة الربيع العربي ,وخاصة في سوريا...سؤال لمز فيه بعض الأخوة المسيحين للتشكيك بطبيعة الانتفاضات العربية ولتبرير وقوفهم في صف النظام الفاسد ...وسؤال طرحته وسائل الإعلام السورية الرسمية التابعة للطاغية الممانع والتي أرادت منه جر البلد إلى حروب طائفية دينية...
لن أطيل في المقدمة ,لكني سأترك الإجابة على هذا السؤال للكاتب الدكتور علي اسعد وطفة مشكوراً ,حيث أجتزئ قسماً من مقالته التي عالجت هذه الظاهرة ....مشكوراً
سؤال يطرح نفسه بقوة وإلحاح في أدبيات الربيع العربي وهو سؤال أرق كثيرا من المفكرين والباحثين والدارسين ، ويأخذ هذا السؤال في كثير من الأحيان طابع الإدانة للثورة الشبابية بوصفها حركة دينية في مضمونها وجوهرها. وقد لا تخلو ندوة أو جلسة أو حوار حول من طرح واضح المعالم لهذا السؤال الكبير حول دور المساجد في الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، وقد لا يخلو الأمر من امتعاض أو شك أو نقد يتعلق بطبيعة هذه الثورات واتجاهاتها الفكرية. وكثيرون هم الذين يتوجسون خيفة من هذا الأمر ويغمزون من طرفه، وقد تجلى هذا الغمز في كلام صريح للشاعر السوري الكبير أدونيس الذي أخذ على الثورة السورية أنها تتدفق من أبواب الجوامع وبوابات المساجد لا من أبواب الجامعات والمدارس والنقابات والمؤسسات والأحزاب السياسية. وإنني أقدر عاليا ما يذهب إليه أدونيس إذ كان يتمنى أن تكون الثورة ثورة وطنية شاملة تعبر عن كل الفئات والقوى السياسية في المجتمع ,
وهكذا يريد أهل الدراية والعلم أن تخرج الثورة من حرم الجامعات قبل أن تخرج من حرم المساجد ودور العبادة كي لا يؤخذ عليها بأنها ثورة بنكهة أصولية ، وكنا نتمنى مع المتمنين من أبناء الأمة المتنورين أن يحدث هذا الأمر العظيم، وأن تتعانق المؤسسات التربوية والدينية والسياسية في رحلة البحث عن الحرية والكرامة. ويبقى السؤال المزدوج الكبير مطلا بذاته: لماذا لم تخرج الثورة من رحم الجامعات والأكاديميات التي تنتشر في طول البلاد وعرضها؟ ولماذا خرجت وما زالت تخرج من رحم الجوامع والمساجد؟
تتطلب الإجابة عن هذا السؤال النظر في أحوال الجامعات العربية بعامة. وسؤالنا ماذا بقي من هذه الجامعات غير اسمها؟ هل بقي من هذه الجامعات التي غالبا ما أطلق عليها حرم العقل والضمير بقية عقل أو ضمير؟ لقد دكّ الاستبداد كل المعالم الفكرية والأخلاقية لهذه الجامعات فحولها إلى مؤسسات للقهر والاستبداد جاعلا منها معتقلات للحرية لا معاقل للعقل وعرينا للقهر لا حرما للضمير. هذه الجامعات تحولت بأهدافها ومناهج عملها ومضامينها التربوية إلى أكثر مؤسسات الدنيا فتكا بالعقل وهدما للحريات وانتهاكا للقيم واغتيالا للضمائر الحرة. لقد تحولت الجامعات العربية في ظل الاستبداد إلى قوة تحاصر العقل والعقلانية وغدت مؤسسات فاعلة اعتمدتها الأنظمة الديكتاتورية كأدوات في قهر الإنسان واعتقال حريته ومصادرة كرامته.
لقد غيروا المناهج الجامعية وجعلوها مناهج تبجل قيم الاستبداد ورموزه وترسخ كل معاني القهر ودلالاته. ومن ثم غيروا أعضاء الهيئة التدريسية فجاءوا بالمخبرين وعينوهم معيدين ثم أوفدوهم إلى الخارج وعادوا إلى الجامعة أساتذة مبجلين وعليها قائمين، ورغم السنوات الطويلة التي قضاها هؤلاء في الجامعات الغربية فإن ذلك لم ينسهم أبدا لذة الترصد والوشاية بالآخرين ورفع التقارير إلى أسيادهم، حيث مارسوا مهارتهم ضد زملائهم في الإيفاد ثم عادوا إلى الجامعة للتنافس في ممارسة هذه العادة الكريمة (الكتابة والتقارير والوشاية والترصد والاتهام ضد كل ما يلوح لهم في ضوء النهار وفي ظلام الليل ). فتصوروا إلى أي درك من الانحطاط وصلت بنا الحال في جامعاتنا ومؤسساتنا الأكاديمية اليوم؟
في جامعاتنا كانت مقررات التربية على حقوق الإنسان والديمقراطية حرام بحرام وجرم يعاقب عليه القانون، وكان كل ما يتصل بهذه القيم يعد فتنة تؤدي بصاحبها إلى التهلكة،وقد بلغ الحال في بعض البلدان العربية أنه تمّ تعيين ضباط أمن السفارات من أعضاء الهيئة التدريسية المتفانين في خدمة نظامهم السياسي .
في لقاء توجيهي جمع بين أعضاء هيئة التدريس في إحدى الجامعات العربية وأحد المسؤولين كان المسؤول السياسي يحض على قيم المواطنة وخطر له في سياق حديثه عن المواطنة وحب الوطن أن يروي هذه القصة التي يريد أن يعبر فيها عن قيمة الوطن والمواطنة وكيف أن الإنسان يجب أن يكون مواطنا حرا لا يثنيه شيء عن حبه لوطنه . والقصة كما يرويها فيقول "أعرف صديقا لي أستاذ في جامعتكم المباركة، ترك البلاد وغادرها نهائيا لسبب تافه، (ثم يضحك ويكاد يستلقي على ظهره من شدة الضحك) ،ثم يعاود ليقول للحاضرين "تصوروا أن السبب في تركه للبلاد والجامعة، أنه مرة أثناء دخوله إلى الحرم الجامعي ولسبب ما دخل في مشادة كلامية مع الحرس الجامعي قام على أثرها الحارس الجامعي بصفعه على وجهه وضربه على بوابة الجامعة “ثم يردف قائلا: “تصوروا أيها الأخوة: هل يعقل من أستاذ جامعي أن يترك بلده ووطنه وجامعته لأن تعرض لصفعة من حارس على بوابة الجامعة"، ثم تتمازج ضحكاته العميقة هذه المرة بضحكات وقهقهات الحاضرين استهتارا وازدراء لهذا الأستاذ الجامعي الذي هجر وطنه لسبب تافه يتمثل في صفع على الوجه !! وفي هذه الصورة دلالة عميقة على مدى فهم السياسيين وأهل النظام في بلادنا لمعنى الكرامة. وهم اليوم بالتأكيد لا يفهمون ولا يستطيعون فهم هذه الكيفية التي تدفع مئات الألوف من الناس للخروج بصدور عارية يواجهون الموت ويقتلون من التعبير عن حريتهم والثورة لكرامتهم. والسؤال ماذا يقي لأستاذ جامعي من الكرامة وهو يصفع على بوابة الحرم الأكاديمي الذي يعمل فيه؟ هل بعد ذلك من ذل وقهر وإهانة؟ ولكن هذا الأمر لا يساوي شروى نقير عند رجال النظام في بلادنا الموقرة.
جامعاتنا تعلم الذل والعبودية والخضوع والإكراه والخشوع للحكام والمستبدين. لقد أفرغت جامعاتنا من كل المضامين الأخلاقية والإنسانية في مناهجها وفي إعداد أساتذتها (استثنني الشرفاء منهم وهم اليوم قلة قليلة). في جامعاتنا أيها السادة ألف طريقة للقهر فهناك الحزب القائد وهناك الاتحاد الوطني للطلبة وهناك نقابة المعلمين وهناك الحرس الجامعي والمعسكرات الجامعية إضافة إلى الشبيبة والشبيحة وكل هذه المنظمات والمؤسسات تشكل طوقا أمنيا وأدوات لممارسة كل أشكال القهر والإذلال والعبودية فأين هو المفرّ.
أمر آخر يتعلق بالمناصب العلمية هذه المناصب بقيت حكرا على سفهاء المدرسين وأكثرهم قدرة على الولاء للنظام والخشوع لإرادته. وهناك قاعدة ذهبية لمن يريد أن يصل إلى هذه المناصب افعل ما شئت ارتش اخرق القوانين ولا تأبه للقيم والأخلاق، خذ ما شئت، ولكن كن للنظام وليا وله وفيا، عبر عن تماهيك بالمتسلط ، وافعل ما شئت ،وستصل إلى أعلى المراتب في الجامعة، لا بل ستحظى بأعلى المناصب وليس في هذا القول مبالغة فالضمير في الجامعة بضاعة رخيصة قيمته أن تتفانى في حب النظام والولاء له، والأخلاق تتمثل في أن تتماهى بالنظام وكل رموزه، أي: أن تخضع وأن تركع فقط ولك ما شئت!
وسؤالي كيف يمكن لمثل هذه الجامعات أن تكون معقلا للحرية ومنتجعا للثوار ومنطلقا للأحرار؟ كيف يمكن لمثل هذه الجامعات أن تخرج جيلا يؤمن بالحرية والكرامة وحقوق الإنسان؟ وإنني لعلى يقين بأن أكثر خريجي هذه الجامعة لم يقرؤوا كلمة واحدة عن حقوق الإنسان، أو عن الديمقراطية، أو عن تاريخ الفكر السياسي والأخلاقي.
أليس غريبا ألا نرى في الثورة واحدا من أساتذة الجامعات ينضم إلى صفوف المنافحين عن الثورة أو أن يكتب كلمة يراعي فيها الحق والحقيقة؟ أليس مألوفا اليوم أن نجد عشرات من هؤلاء الأساتذة يتصدرون الشاشات ليناهضوا عن الاستبداد والمستبدين عن الظلم والظالمين عن القهر والقاهرين؟ وعلى حين غرة تصبح هذه الجامعات من أكثر الجامعات تفريخا للمستبدين من المفكرين وفقهاء السلاطين؟