جنرالات فامبايرز 2
مائة وستون قربة دماء

محمد عبدالرحمن محمد في الأحد ١٨ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

  • ومقالي هذا متمم لما سبقه نناقش فيه جرائم سفك الدماء التي يمارسها  الجنرالات في حق شعوبها .. وكما نعلم فالجنرالات  هم كبار الضباط الذين يعملون بالجيوش النظامية لبلد معين .. وإذا كانت مصر من أقدم حضارات العالم القديم.. فالجندية بمصر لها تاريخ طويل  مع الجمهور المصري (الشعب المصري) .. هذا التاريخ ..  حُكِيَ بمصدرين مصدر رسمي يتبناه الحاكم سواء كان فرعونا أو ملكا أو خليفة أو أميراً أو رئيساً جمهورياً..  ومصدر شعبي من أبناء الوطن.
  • كان العرب قديما قبل نزول القرآن على النبي محمد عليه السلام يعتقدون أن دماء الحيوانات التي تؤكل.. عندما يشربونها من جسم الحيوان مباشرة وهو قيد الحياة تهبهم الصحة وتطيل أعمارهم..! لذلك كان من الشائع عندهم عمل فتحة أوجرح في جسم حيوناتهم المألوفة لديهم للطعام.. ويشربون من دمائها مباشرة.. مثل الضأن والماعز والجذور الصغير (الإبل صغيرة السن)..! كان يمارس ذلك فرسان القبيلة وسادتها .. أملا في القوة والخلود.
  • نزل القرآن وحرم ذلك على جميع البشر .. والنص القرآني  يعلمنا بذلك.. يقول تعالى ({قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنعام145  ..
  • فالدم المسفوح من جسم الحيوان الحي حرام قطعاً كما أمرنا الله تعالى في كتابه العزيز ... الحيوان ليست له إرادة وبالتالي  فهو لايستطيع أن يمتنع أو ان يمنع دمائه عن الإنسان إذا أرادها لنفسه..!
  •  إذن الدم المسفوح من جسم الانسان الحي حرام قطعاً إذا أخذ منه عنوة ورغم إرادته.. وذلك قياساً على الآية الكريمة..
  • أما  إذا كان الدم المأخوذ من الانسان بمحض إراداته وتطوعا منه .. يتبرع به لينقذ حياة مصاب أو مريض .. فهو  لا حرج فيه .. بل هو مستحب ومن باب الأعمال الصالحة التي تؤلف بين قلوب ونفوس المجتمع..
  • هكذا تعلم الفرد المواطن التضحية والفداء عن طيب خاطر ودون إكراه .. أما إذا كان هناك إكراه فهذا من باب مص الدماء أوسفح الدماء وسفكها..
  •  ولقد حدث بالفعل  ...  لفت نظرنا الدكتور صبحي منصور لضرورة  قراءة وبحث مناهج العلوم الدينية بالأزهر حتى نتعرف على منبع الفكر الارهابي والعنصرية الدينية الذين أصبحا سمة المواطن المصري المسلم.. وبالفعل ذهبت في مكان عملي  للمعهد الأزهري  هناك.. وتعرفت على شيخ المعهد .. ورحبوا بي ولم أخبرهم أني خريج الأزهر..
  •  طلبت منهم بالفعل المناهج الدراسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية .. ولو بالثمن ..  وبالفعل أعطوني عددا لابأس به من كتب الحديث والتفسير والفقه .. والمطالعة.. 
  • كان من بين المدرسين مدرس طيب القلب ودود .. يدعى م ص ط ف ى ..
  • وعدني بأن يحضر الكتب الناقصة وغير المتاحة بالمعهد من مكتبته الخاصة.. وصار هناك ود الحديث ..
  • تحدثت معه عن سنة تخرجه والكلية التي درس بها .. وأجاب مستفيضا..
  • تطرق الحديث عن فترة الخدمة العسكرية التي قضاها.. وقال أنه كان قد تم الاستدعاء  له لأداء الخدمة العسكرية .. بداية بمركز تدريب دهشور... غرب القاهرة...
  • تطرق الحديث عن كيفية اداءه للخدمة العسكرية وأول ما لاقاه بمركز التدريب .. من معاملة سيئة ومهانة متواصلة للجنود الجدد.. ووصل الحديث لذروته عندما  جاء الحديث عن الجنرال  قائد مركز التدريب.. وأنه قد ارتكب في حق المجندين الجدد جريمة نكراء..
  • قلت له لعله أهانهم وسبهم بأقذع السباب للأم على وجه الخصوص .. قال هذا كان يحدث ولم يكن غريبا على أحد من المجندين سواء كانوا جددا او قدامى..
  • قلت له  هل هذه الجريمة تتعلق بالأكل والشرب ورداءة  الطعام المقدم لكم في الوجبات وقلة الكميات  وشح المياة  وقذارتها .. قال : لا حتى ذلك كنا نتعايش معه..
  • ما هى الجريمة إذن التي ارتكبها قائد مركز التدريب ..؟
  • أجاب قائلا : كنا في الأيام الأولى لنا بمركز التدريب .. وكنا خائفين مما سمعنا من سوء المعاملة  ورداءة الطعام وقذارة المياة .. والسجن في حالة الشكوى أو التذمر.. من أي شئ..
  • وذات صباح تم تجميع الدفعة الجديدة التي كنت أنا بها .. وكانت كل هذه الدفعة من خريجي جامعة الأزهر من الكليات الدينية وغير الدينية.. وكان من بيننا من يخطب الجمعة بمركز التدريب تدريبا له للمستقبل لأنه سوف يكون إماما وخطيباً...
  • جمعونا  على وجه السرعة .. في المركز الطبي بمعسكر التدريب ..
  •  وزعموا أنهم سوف يأخذون من كل جندي منا عينة دم للفحص والتأكد من الخلو من الأمراض .. المعدية ...
  • أدخلونا كل عشرة في آن واحد على عشرة أسرّة  وأدخلوا في أيدينا  إبرة وخراطيم طبية رفيعة منتهية بكيس مطاطي قوي وشفاف على شكل قربة ..
  • وفي غضون عشرة دقائق كانت عشرة قرب تملأ من دماء أذرعنا.. ويخرجوننا بسرعة ..
  •  ويدخل عشرة جنود جدد آخرون .. يجري معهم مثل ما جرى معنا .. واستمر الحال من الصباح وحتى  بعد الظهيرة .. عدة ساعات..  حتى تم جمع كيس دم أو قربة دم من كل فرد من الجنود الجدد .. وكنا مائة وستون جنديا ... مائة وستون قربة من الدماء.. جمعوها الضحى والظهيرة..
  • وانصرف جامعو قرب الدماء .. ومعهم دماءنا زاعمين أنهم سوف يبعثون لنا بنتيجة التحاليل..
  • والجنود الشيوخ الجدد سألوا أنفسهم وأنا معهم عينة الدم للتحليل لا تتعدى حقنة واحدة أو سرنجة واحدة .. لماذا يأخذون كيساً من الدم من كل فرد..؟
  • في اليوم التالي عرفنا من الجنود القدامى الخبر المفزع المخزي والمحزن.. قالوا لنا : إن إبن قائد مركز التدريب هذا الجنرال إبنه سوف يقوم الأطباء في المستشفى العسكري بإجراء عملية جراحية خطيرة لإبنه .. وسوف تحتاج كمية دم كبيرة .. ويقولون أن فصيلة دمه نادرة..
  •    نظر بعضنا إلى بعض في حسرة وإنكسار .. وصمتنا فترة من الوقت لم ندري مقدارها .. وقام هذا المجند الشيخ الخطيب .. واقترح أن نقوم جميعاً ونتوضأ ونصلي ركعتين ونبتهل إلى الله وندعوا بالهلاك لهذا القائد ولإبنه الذي سوف يدخل العمليات..
  •  بالفعل قمنا وتوضأنا وصلينا الركعتين .. وظللنا ندعوا بالهلاك.. هلاك وموت إبن الجنرال مدير وقائد مركز التدريب..!
  •  في اليوم التالي جاءنا الخبر التالي .. أن إبن الجنرال مات ..  مات وقت إجراء العملية ..!!
  • كم كانت فرحتنا غامرة .. وكم كانت وجوهنا مستبشرة .. لكن في صمت .. لموت إبن الجنرال ..  الذي لم نكن نعرفه ولا نكن له كرها ولا عداءا ولم نلتقِ به ..
  • لكنه الجنرال وجريمته وسفكه لدمائنا  فقد سفح دماء مائة وستون مصرياً كانوا تحت سطوته في مركز التدريب.
اجمالي القراءات 13671