سوريا
بيان هيئة التنسيق الوطنية في سوريا

زهير قوطرش في الجمعة ١٦ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

هيئة التنسيق الوطنية في سوريا

 

  • مشروع وثائق المجلس الوطني الموسع:

  •  

الانتفاضة ـ الثورة : المخاطر و طريق التغيير

انفجرت الانتفاضة ـ الثورة منذ ستة أشهر نتيجة تفاعل طويل الأمد بين القهر السياسي الخانق ,ومصادرة الحريات بأنواعها، وبين النهب و الإفساد والفساد الذي نخر الدولة ومؤسساتها وشوه المجتمع وكاد يلغي القانون تماما، وبين سياسة اقتصادية زادت فقر الفقراء وغنى الأغنياء، مما أعاق التنمية بشدة, وولد أزمة بطالة وأزمة قيم وانسداد آفاق في وجه أوسع الفئات الشعبية، لاسيما بين الشباب. ثم جاءت ثورات الربيع العربي في تونس ومصر فأيقظت الأحلام في نفوس السوريين جميعا ورسمت لهم الطريق وأخيرا جاءت حادثة أطفال درعا لتكون الصاعق الذي فجر غضبا وقهرا مختزنين  منذ سنوات وعقود طويلة.لم يكن في الأمر أي مؤامرة كما يزعم النظام ، بل كان نتيجة حتمية لتراكم عوامل خلقها النظام بنفسه، وكان لابد أن تقود إلى الانفجار بالضرورة في يوم ما!!!! .

في نهاية الشهر السادس للانتفاضة ـ الثورة حيث  تبدو اللوحة في بلادنا دامية ومعقدة: شهداء بالآلاف وجرحى ومعتقلون بعشرات الآلاف، وملاحقون لا يعرف عددهم من أبناء الشعب، وصور تنكيل وإهانات وإذلال يندى لها جبين كل إنسان. جيش جرار يترك ثكناته و مواقعه على الحدود ويتوجه لا نحو أرضه المحتلة ليحررها ، بل نحو الداخل لقمع شعبه و أبناء وطنه. اقتصاد منهوب أصلا يتدهور بسرعة، و ما بقي من ثروات يهدر على القتل والقمع ، وبلاد تزداد انكشافا أمام قوى الخارج ونفوذه. والنظام يمعن في إنكار حق الشعب في الحرية والكرامة ، و شعب يزداد عزما وإصرارا على نيل حقوقه مهما كلفه ذلك لأن التراجع هو انتحار.  من ثمن ، فلا طريق للتراجع .

بذلت أجهزة النظام الأمنية جهودا كبرى لإلباس أكاذيبها عن ( العصابات المسلحة) لبوس الحقائق ، فقتلت الكثيرمن المواطنين وعناصر الجيش غدرا بنيران أجهزتها هي بالذات ، وتعمدت اختيار الكثير من الضحايا من طوائف وأديان معينة، و تعمدت قتلهم بأدوات وأساليب وحشية والتمثيل بجثثهم لتوظيف كل ذلك في إثارة الذعر الطائفي والديني عند أقليات معينة، و لخلق القناعة بأن ثمة (عصابات مسلحة سلفية طائفية ومتوحشة ). وقد انطلت تلك الأفعال الإجرامية على أوساط غير قليلة من أبناء الشعب ، لاسيما أن

ذكريات صراع بداية الثمانينات من القرن الماضي ما تزال حية في الأذهان، ومثلها التهويل الغربي الهائل بأخطار التطرف الإسلامي, وبعد أن بلغت ممارسات النظام حدا تجاوز قدرة كثير من المواطنين على التحمل والصبر، بما ارتكبته من فظائع وتنكيل وتخريب للممتلكات وانتهاك للحرمات والمقدسات، بدأت بعض مظاهر ردود الفعل المسلحة بالظهور، وتكاثرت مع استمرار ممارسات السلطة الوحشية ، وشجعتها أجهزة النظام بطرق متنوعة ( كان أبسطها هو توفير السلاح بكثرة في السوق السوداء) . وشكلت أعمال دموية لبعض الأفراد وقلة من المجموعات المتطرفة ( التي لن يكون مفاجئا انكشاف صلتها باجهزة المخابرات في يوم ما) وسيلة أخرى لتشويه الطابع السلمي للحراك ولتوفير ذرائع إضافية لتشديد القتل والترويع الرسمي وزيا دة قدرة رواية النظام على إقناع البعض ، و بالتالي زيادة ارتباك بعض قطاعات الشعب بشأن ما يدور في البلاد حقا. حتى وصل الأمر مؤخرا إلى دعوات صريحة من جهات على الأرض لحمل السلاح وعسكرة الانتفاضة في بعض المناطق ، الأمر الذي ينطوي على نجاح لمساعي النظام في هذا الاتجاه وعلى مخاطر شديدة على الشعب وأهداف ثورته السلمية.

منذ بداية الحراك والثورة بذلت جهات متعددة جهودا سياسية وإعلامية كبيرة لزرع الفرقة وافتعال هوة بين قوى الشعب الثائرة وبين مناضلي و قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية داخل البلاد ( بحجة الفارق بين الشباب والشيوخ، وبحجة من سبق من ، ومن تخلف عن من، وبحجة عجز المعارضة وتشتتها ... وغيرها من الحجج ) ، وهي القوى التي أفنى مناضلوها عشرات السنين من أعمارهم بين السجن والملاحقة ،و قدم عديدون منهم دماءهم في سبيل حرية الشعب والكرامة ذاتها التي يثور من أجلها اليوم ، ولم يكن ذلك فعلا بريئا من الغايات السياسية المضمرة ، فالفصل بين قوى الفعل الميداني التي هي جماهير الشعب الثائرة، وبين خزان الخبرة السياسي والنضالي والتنظيمي الذي تمثله قوى المعارضة هو مكسب رئيسي لكل من يرغب بإضعاف الطرفين وتسهيل التأثير على كل منهما

و في الأسابيع الأخيرة ظهرت مساع كثيرة في الخارج لتنظيم مؤتمرات ولقاءات لسوريين خارج البلاد، ولتشكيل مجالس وقيادات (وطنية ) دائمة .. و انتقالية ... ومؤقتة .. و ... الخ ، تطمح لتمثيل الشعب والنطق باسمه ولو جزئيا. وجرى ذلك في ظرف وسياق يلفت الانتباه ما اتصف به من استعجال و من تسليط لأضواء الإعلام عليه، ومع تأكيدنا على حق كل سوري في الداخل الخارج في التعبير عن رأيه السياسي وفق ما يراه مناسبا. إلا أن بعض ما جرى لم يكن مفيدا لحراك الشعب ولا المعارضة، إن لم يكن في كثرته ما يضر.

كذلك وبصورة مواقتة تقريبا ،بدأت منذ أسابيع عملية تسويق دعوات صريحة لطلب العون من قوى إقليمية ودولية، وحث بعض الشباب هنا أو هناك على رفع لافتات تطالب به، مستغلة احتقان مشاعرهم وغضبهم المشروع من وحشية أفعال النظام واستهتاره بكل دعوات التعقل والبحث عن مخرج سياسي للوضع.، كما بدأت تسمع أصوات تزداد وضوحا تمهد سياسيا للمطالبة بتدخل عسكري خارجي ، وكأن ذلك التدخل سينقذ البلاد ويحقن الدماء إذا حصل، في حين أنه سيسيل أنهار الدم السوري أضعافا مضاعفة بحيث يكون كل ما جرى حتى اليوم بالمقارنة معها أمرا زهيدا، و سيدمر مقدرات البلاد وثرواتها كما فعل في العراق وليبيا وأفغانستان، و سيضعها تحت رحمة الدول المتدخلة وسيطرتها، وتحت سطوة جيوشها ذات القوة العاتية ، ليفقدها بالنتيجة كل مقومات الاستقلال والسيادة الوطنية وإمكانيات النهضة والتنمية، لسنوات و عقود، دون أن يعلم أحد كيف ومتى سينتهي ذلك.

يتحمل النظام المسؤولية الكاملة عن كل ما يفعله بالبلاد والشعب، ويتحمل مسؤولية أساسية عن ردود الأفعال التي يستثيرها، وعن اتجاه التطور اللاحق للأحداث أيضا. فهو بسياساته ومواقفه من أغلق الأبواب بصلف في وجه ( التغيير السلمي والتدريجي والآمن) الذي رفع كشعار من قبل كل القوى الوطنية الديمقراطية السورية منذ سنوات، وهو من يفتح الأبواب منذ أشهر لدعوات العنف والتسلح و يستجرها إستجراراً، وهو أيضا من يفتح الأبواب أكثر فأكثر لوقوع مواطنين سوريين تحت الإغواء المضلل لدعوات الحماية الخارجية والتدخل الأجنبي ، ويوفر بسياساته الرعناء الكثير من الذرائع  التي تحتاجها قوى أجنبية للتدخل في رسم مستقبل البلاد بالشكل الذي يناسب مصالحها..

إلا أن ما سبق من إدانة للنظام وسياساته لا يعفي من المسؤولية أي طرف ينجر إلى ما قد تريده السلطة أو ما قد تريده بعض قوى الخارج ، في حال تورط بالدعوة لحمل السلاح أو عسكرة الانتفاضة، أو تورط بالدعوة صراحة أو مداورة للتدخل العسكري الخارجي تحت أي ذريعة كانت، أو تورط في إثارة الكراهية أو الفرقة الدينية أو الطائفية . فكل ما سبق هو فعل معاد على طول الخط لمصالح الشعب و الثورة، وخدمة لأعدائها في الداخل أو في الخارج، لا يغير خطورتها ولا يقلل منها أي عذر أو تبرير.

في ضوء كل ما سبق من مخاطر تحيق بالبلاد والمجتمع، ترى هيئة التنسيق الوطنية أن تطور الأحداث اللاحق لايزال مرهونا بصورة رئيسية بمواقف النظام وسياسته في المدى المنظور، برغم التضحيات الهائلة التي قدمها شعبنا من دماء أبنائه و آلامهم، وأن المبادرة لوقف تدهور أوضاع البلاد والمجتمع ما تزال واقعة على عاتق النظام بصورة رئيسية بحكم كونه المتحكم بالدولة السورية والقابض على كل مفاتيح السلطة فيها . حيث يشكل استمرار المعالجة العسكرية الأمنية لأوضاع البلاد بما ينطوي عليه من إنكار لحق الشعب ( و هو مصدر السلطات و السيد وصاحب الحق في اختيار ما يراه مناسبا لوطنه ولأجياله الآتية)، في إقامة النظام الوطني الديمقراطي الذي يريد ، وما يعنيه ذلك الاستمرار من مجازر وتحريض على العنف وزيادة المخاطر على السلم الأهلي،وما ينطوي عليه أيضا من مخاطر على السيادة الوطنية في ظل تزايد التهديد بالتدخل العسكري الخارجي .

إن استمرار الحل الأمني العسكري الذي ثبت فشله التام و تأكدت مخاطره الكبرى يشكل إعلان حرب مستمرة على الشعب وعلى مستقبل البلاد والأجيال الآتية من السوريين ، و ينذر بأعظم الكوارث وأخطرها جراء لاعقلانية هذا النظام..

لقد تأكدت لا عقلانية النظام حين اختار الحل العسكري ـ الأمني لمعالجة أزمة سياسية عميقة ومستفحلة منذ سنوات طويلة، متوهما أن القوة والقهر سيجبران الشعب على الخضوع من جديد وقبول الاستمرار في نمط الحياة القديم بكل ما فيه من قهر واستلاب وذل وفساد وفقر وبطالة.

وتأكدت هذه اللاعقلانية عبر الإمعان في الزعم بأن الأزمة هي أزمة عصابات مسلحة و مؤامرات خارجية وليست أزمة تغيير لإرساء أسس نظام جديد، لا يمكن الالتفاف عليها بمزاعم إصلاح شكلي تنفذه سلطة فقدت مصداقيتها وخسرت أي ثقة للشعب بجدارتها حتى في الإصلاح.

وتأكدت اللاعقلانية في وضع المواطن بين خيارات الخنوع والذل والسجن والموت ، أو التمرد والدفاع عن النفس والكرامة والحقوق بالسبل المتاحة له.

وتأكدت اللاعقلانية في زج الجيش في مواجهة مع الشعب ، ووضع الجندي أمام خيار تنفيذ الأوامر وقتل شعبه أو رفض الأوامر والعصيان ، فالفرار أو الموت.

وتأكدت اللاعقلانية في عدم إدراك أنه لا انتصار لجيش على شعبه ، ولا مستقبل لجيش لا يحتضنه شعبه ، كما أنه لا مستقبل لشعب لا يحميه جيشه.

وتأكدت اللاعقلانية في الاندفاع نحو معاداة كثير من القوى الإقليمية و الصديقة وكثير من القوى الدولية، وخسارتها الوحدة تلو الأخرى.

ولأن الوضع هو كما وصفناه من خطورة ودقة وتعقيد، وتجنبا لسيناريوهات كارثية وصونا للبلاد وللشعب من المخاطر الداهمة

ترى هيئة التنسيق ضرورة الإقدام في أسرع وقت على تنفيذ الإجراءات الضرورية التي لا يمكن بدونها حقن دماء السوريين من مدنيين وعسكريين على حد سواء ، وفتح الطريق أمام تطور سلمي وآمن للبلاد يقيها مخاطر التدخل العسكري الخارجي ومخاطر الاقتتال الأهلي وتفكك الجيش والفوضى وانهيار الدولة، وذلك كما يلي:

 :

اعتراف النظام بالحراك الشعبي ومشروعية أهدافه، وإقراره بأن السيادة في البلاد للشعب الذي له كامل الحق في بناء النظام السياسي الديمقراطي التعددي الذي يريد.

.

وقف العنف والتعامل الأمني العسكري مع الشعب وحراكه ، وسحب الجيش وقوى الأمن من المدن، وإسناد مهمة حفظ الأمن إلى قوى الأمن الداخلي فقط..

إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والموقوفين جميعا وتكريس كل من فقد حياته في الحراك شهيدا ، سواء كان مدنيا أم عسكريا. .

إحالة المسؤولين عن الخيار العسكري ـ الأمني من مدنيين وعسكريين و من مرتكبي جرائم القتل والتعذيب إلى المحاكم المختصة لينالوا الجزاء العادل على ما ارتكبوه بحق الشعب والوطن من جرائم..

5 الاعتراف بحق التظاهر السلمي وتنظيمه بحيث يكفل للشعب حرية التحشد و التعبير السلمي المنظم الذي لا يعيق الحياة العامة، بمجرد الإشعار بمكان التظاهر وزمانه دون أي شروط أخرى تقيد هذا الحق، وتكليف الشرطة المدنية بحفظ النظام وأمن المتظاهرين. .

تعليق العمل بالمادة الثامنة وتبعاتها من الدستور حتى إقرار دستور جديد في مرحلة لاحقة.

.

إعلان دخول البلاد في مرحلة انتقالية تتولى السلطة التنفيذية فيها حكومة وحدة وطنية تتمتع بكل الصلاحيات اللازمة لقيادة مرحلة الانتقال نحو النظام الجديد المنشود بثبات وقوة، بما قد يتضمنه الأمر من حوارات على مستوى المجتمع ككل ،( بما فيه من قوى سياسية وشبابية ونقابية واجتماعية و مدنية وأهلية متنوعة)، وما يتطلبه من إجراءات سياسية واقتصادية وقانونية وثقافية وإعلامية لتطبيع الحياة السياسية ومعافاة المجتمع من ما أصابه من جراح وأذيات في المرحلة الماضية.

.

وفي حال لم يتحقق ذلك في مهلة قريبة قبل أن يفوت الأوان وتفلت الأمور من يد الجميع، فلن يكون من خيار أمام الحراك الشعبي و قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية سوى تصعيد العمل بكل السبل السياسية والقانونية والدبلوماسية، و بكل أشكال النضال السلمي المختلفة ، لحماية مصالح الشعب والبلاد و وقف سفك دماء السوريين بأسرع وقت ، وصولا إلى الإضراب العام والعصيان المدني الشامل، وما قد يلزم من إجراءات سياسية أخرى ، حتى تحقيق المطالب واستعادة الشعب لحقوقه المشروعة.

من جهة ثانية فإن هيئة التنسيق الوطنية الواثقة بحتمية انتصار الشعب وتحقيق أهدافه تدعو كل أبناء وقوى  الشعب للصبر والثبات والمثابرة في نضالها البطولي، و لتعض على الجراح بقوة، و تتمسك بإصرار باللاءات الثلاث( لا عنف ، لا تدخل عسكري ، لا طائفية) ، مع إدراكنا التام لقسوة ووحشية أعمال القمع والترويع والقتل والتنكيل، لأن انتصار الثورة وتجنبها للمهالك التي يراد جرها إليها، و لأن تحقيقها لأهدافها والحفاظ على تميزها الأخلاقي والحضاري مرهون بهذه اللاءات. و مهما كان في ذلك من آلام وتضحيات، فإنه يظل الثمن الأقل كلفة على الشعب وعلى البلاد، والطريق السليم نحو تحقيق الأهداف المنشودة.

اجمالي القراءات 11159