فى التأصيل القرآنى : الطهارة والرجس

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٤ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة

1 ـ هما متناقضان فى المعنى ، ولكن ينقسمان الى نوعين : حسّى مادى ، ومعنوى .الطهارة الحسية بالماء فيما يعرف بالوضوء والغسل . والنجاسة المادية معروف انها التى تستلزم الطهارة الحسية والتنظيف بالماء مثل افرازات البول والغائط ، ودم الحيض لدى النساء . الطهارة المعنوية تعنى الهداية والتزكية والسمو الخلقى وطهارة القلب والاعتقاد ليكون فى تقديس الخالق جل وعلا وحده . وعكس ذلك فإن الرجس المعنوى يأتى  وصفا للمشركين واعتقادهم وملامحهم العقلية والسلوكية .وينطبق هذا على التعامل مع القرآن الكريم باعتباره مصدر الهداية لمن يريد الهداية ويبحث عنها مخلصا فى كتاب الله الكريم ، إذ يمس القرآن شغاف قلبه فينيره بالهدى ، وهذا عكس المصاب بالرجس المعنوى الذى لا يؤمن بالقرآن ولا يقدره حق قدره ، أويتخذ منه وسيلة لاثبات وجهة نظره المعادية للاسلام فيتلاعب بالآيات وينتقى منها ما يريد ليخدم غرضه متجاهلا سياقها وبقية الآيات التى تخالف مراده ومتجاهلا أيضا مفاهيم القرآن الكريم ومصطلحاته الخاصة،أويضيق صدره من الاستماع للقرآن أو من الاستشهاد به. كلهم تمكن  الضلال من قلبه فصنع حجابا مستورا يمنع تسلل نور الهداية القرآنية الى نفسه وفؤاده وقلبه.

2 ـ وسبق أن قلنا إن لكل من الاسلام والايمان معنيين : الاسلام السلوكى والايمان السلوكى بالتزام الأمن والسلام ، والاسلام القلبى والايمان القلبى بالتزام الاخلاص القلبى بتقديس الله جل وعلا وحده بلا شريك أو وسيط . والفائز هو من يقابل الله جل وعلا يوم القيامة وقد جمع بين الاسلام بمعنييه القلبى والسلوكى .يهمنا فى هذه الحياة الدنيا هو السلوك الحسن أو الشرير. لا إجبارلأحد فى عقيدته ولا إكراه فى الدين  بل احترام حق كل انسان فى الاختيار،وكل انسان مسئول عن عقيدته أمام الله جل وعلا يوم القيامة ، لذا فكل انسان مسالم مأمون الجانب فهو مسلم مؤمن بغض النظر عن دينه الرسمى وملته ومذهبه وطائفته . وقلنا أيضا إن الشرك والكفر معا لهما معنيان : الشرك او الكفر القلبى فى الاعتقاد بغير الله جل وعلا. وقلنا إن الشرك والكفرفى العقيدة نوعان : شرك أو كفر علمى بتقديس الأسفار المقدسة وبالافتراء على الله تعالى كذبا والتكذيب بآياته ، وشرك وكفر عملى بتقديس القبور المقدسة والحج اليها والتوسل بها وعبادة رفات الموتى فيها. ثم هناك الشرك والكفر السلوكى الاجرامى الارهابى باستخدام الدين فى قتل الناس كما يفعل الارهابيون السنيون من فصيلة ابن لادن والظواهرى والزرقاوى والارهابيون الشيعة ايضا ، أو قهر الناس وظلمهم كما يفعل المستبد الشرقى والعربى. نحكم عليه بسلوكه الاجرامى ونعتبره كافرا مشركا طبقا لاجرامه السلوكى . وفى كل الأحوال فالدعوة الى الاصلاح السلمى قائمة فى توضيح العقيدة الصحيحة وفضح العقائد الضالة التى تنسب نفسها زورا وبهتانا للاسلام وفضح السلوك المشين والظالم المجرم ، وذلك بالاحتكام الى كتاب الله جل وعلا وفق ما أمر به (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً )( الانعام 114)(أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) الشورى 9 : 10).

 3 ـ وبغرض العظة وأملا فى الإصلاح  سلميا نقرر أن من الحقائق المؤسفة أن معظم المسلمين يقعون فى الرجس العقيدى أى الكفر والشرك القلبى بنوعيه العلمى و العملى ، كما إن منهم ارهابيين يقعون فى الشرك والكفر السلوكى بجهادهم المزعوم فى قتل الأبرياء عشوائيا فى الطرقات والمساجد والكنائس و ووسائل المواصلات. 

4 ـ ينقسم المسلمون الى طوائف شتى تتوزع بين الأديان الأرضية الثلاث: السّنة والتصوف والتشيع . أغلبيتهم العظمى والصامتة والتى تزيد عن البليون هم من يجمع بين عقيدة التصوف فى تقديس الأولياء والقبور مع التزامه بالتشريع السنى فى العبادات والمعاملات ، وهم أتباع التصوف السّنى. ثم هناك أقليات ، منهم سنيون متعصبون ، وأشدهم تعصبا الوهابيون السلفيون بكل أطيافهم الدعوية والساسية والجهادية الرسمية والشعبية . ثم هناك الشيعة ثم الصوفية الخالصون .ومن حيث الرجس العقيدى العلمى والعملى والرجس أى الكفر السلوكى بالارهاب والقتل والظلم والاستبداد نجد الملامح التالية لدى المسلمين أصحاب تلك الديانات الأرضية :

4 / 1 : الأغلبية الصامتة  ( من أتباع التصوف السنى ) تقع فى الرجس العقيدى العملى بتقديس القبور .وهى مسالمة بل خانعة راضية بالظلم ، وتحترف الصبر، وهذا تأثرا منهم بالتصوف  الذى يتأسس على المسالمة وعدم الاعتراض مع الابتعاد عن العدوان ،أى فلا يقعون فى الاكراه فى الدين وقتل المخالف لهم فى العقيدة والمذهب ،أو الكفر السلوكى أوالارهاب.

4 / 2 : فى المقابل يشتهر السنيون ـ وخصوصا الوهابيين السلفيين ـ بالتخصص فى الكفر السلوكى بالإكراه فى الدين وقتل الأبرياء تحت شعار الجهاد .

4/ 3 : وبينما تركز الشريعة السنية على الطهارة الحسية فى الفقه السّنى مع إغفال طهارة القلب من الرجس العقيدى فإن التصوف فى سيطرته على مجتمع ما ـ ينشر القذارة المادية بل يجعلها من علامات الولاية ( كالمجاذيب ) ،أى يجمع بين القذارة المادية والرجس المعنوى.

4/ 4 : ومع وقوع الصوفية والسنيين فى الشرك العقيدى العلمى و العملى فإن السنية أكثر عراقة فى الشرك العلمى بتقديس الأسفار وكتب الأئمة ، بينما نجد الصوفية أكثر عراقة فى الشرك العقيدى العملى بتقديس الأضرحة و القبور والشيوخ الأحياء والأموات.

4/ 5 : والمحصلة النهائية فى المقارنة بين السّنة و الصوفية أن السنيين أعرق فى الشرك السلوكى بمعنى الاعتداء والاكراه فى الدين والارهاب مع مشاركة فى الشرك العقيدى العلمى أساسا والعملى بعض الشىء ، بينما تجد الصوفية أعرق فى الشرك العقيدى العملى مع قليل من الشرك العقيدى العلمى، وبراءتهم من الشرك السلوكى بمعنى الارهاب والتعدى .

4/ 6 : الشيعة تتجمع لديهم كل العناصر السابقة من الرجس تبعا للظروف ، هم إن تحكموا صاروا جبابرة معتدين كالسنة ، وإن عاشوا تحت سيطرة الآخرين صاروا كالصوفية فى المسالمة . والشيعة يقعون فى الشرك العملى بتقديس المشاهد والقبور والأئمة ، كما يقعون فى الشرك العلمى بتقديس الأسفار والكتب  .

7 ـ ولا زلنا نرفع راية الأسف ونستظل بظلالها حين نؤكد ـ مرة ثانية ـ مع الأسف إن حديث القرآن الكريم عن الرجس العقيدى والسلوكى يصدق على معظم المسلمين فى عصرنا . وبالقرآن الكريم نقف ضد دعاة الباطل من شيوخ النفاق من علماء السلطان ، كما نقف بالقرآن الكريم أيضا فى مواجهة الكفرة المشركين الظالمين والارهابيين والقتلة الذين يجعلون من قتلهم للأبرياء جهادا فى سبيل الله جل وعلا. هذه مقدمة توضيحية قبل الدخول فى شرح نوعى الطهارة ونوعى الرجس وما يتعلق بهما. 

اولا :  الرجس المعنوى :

 فى ضوء هذا التوضيح  نعطى أمثلة للرجس العقيدى الذى لا يزال يقع فيها المسلمون باسلامهم الظاهرى :

 1 ـ القبور المقدسة أو (الأضرحة ) والخمر والميسر ووسائل مزيفة لكشف الغيب الذى لا يعلمه إلا الله جل وعلا . والله جل وعلا نهى المؤمنين عن هذا وأمرهم باجتناب كل تلك المظاهر الشركية العقيدية القلبية وشعائرها : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌمِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )(المائدة 90 ). ..ولم يفلح المؤمنون حتى الآن لأنهم مؤمنون  بالايمان الظاهرى الذى يعنى التمسك بالأمن والسلام ، مع تمسكهم القلبى بالشرك ومظاهره الرجسية.. وتكرر للمؤمنين الأمر باجتناب الأوثان واجتناب نشر اساطير الكرامات والمعجزات عنها وتصديقها، ووصف رب العزة هذه الأساطير التى تشاع عن الأضرحة المقدسة والأوثان بأنها (قول الزور ): يقول جل وعلا   ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَمِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) ( الحج 30 ). وبالطبع فالمسلمون حسب الظاهر لا يزالون يتمسكون بالعكوف حول الأوثان ونشر اساطير الكرامات عن أصحابها أو قول الزور. 

2  ـ المحرمات فى الطعام خصوصا ما يقدمه المشركون من قرابين مذبوحة للولى الحىّ المقدس أو ضريحه وقبره المقدس : ( قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌأَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )( الانعام 145 ). والمسلمون ( ظاهريا بالتمسك بالسلام والأمن والأمان ) يقعون فى هذا بتقديم النذور من طعام واموال لسدنة الأضرحة والمقامات وللأولياء الأحياء من مشايخ التصوف وشيوخ (الطرق ..والكبارى )!! 

3 ـ أشخاص وذوات المشركين المعاندين المصممين على الباطل المتمسكين به . أولئك يوصفون بالرجس . قالها النبى  هود عليه السلام لقومه هود ( قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌوَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ )( الاعراف 71 )، وقالها جل وعلا عن المنافقين فى المدينة :( سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌوَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) ( التوبة 95 ). وشيوخ السّنة من خدم الحكام والساعين للسلطة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل هم أبرز من ينطبق عليهم وصف النفاق ،بل هم أئمة النفاق حين يتكلمون بوجهين وحين ينافقون الحاكم فى سلطانه فإذا مات انفضوا عنه. 

4  ـ عدم التعقل سمة أساس من سمات الثقافة أو الذهنية المشركة فى عقيدتها حين تعبد الحجر والبشر والشجر، لذا يقول جل وعلا : ( وَيَجْعَلُ الرِّجْسَعَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ) ( يونس 100 )وقال ايضا عن المشركين الذين لا يؤمنون إيمانا قلبيا حقيقيا بالله وحده مخلصين له الدين : (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَعَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ )( الانعام 125 ). 

ثانيا  ـ  مرادفات للرجس المعنوى :

بالاضافة الى الفسق الذى يأتى مرادفا للرجس: (فَإِنَّهُ رِجْسٌأَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) فهناك مرادفات أخرى للرجس ، منها :

 1 : المرض المعنوى القلبى فيما يخص العقيدة الضالة : ( فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌفَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً ) ( البقرة 10 )،أو يخص الرغبة القلبية فى الفاحشة المحرمة : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌوَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا )( الاحزاب 32 ). 

 2 : النّجس (بفتح الجيم ) : يقول جل وعلا عن المشركين المعتدين الذين اعتادوا الهجوم على البيت الحرام بعد فتح مكة قبيل موت خاتم المرسلين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌفَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )( التوبة  28 ).(النّجس ) يعنى الرجس أى النجاسة المعنوية بسبب السلوك الاجرامى الذى يعبر عن عقيدة ضالة. لا يهمنا هنا العقيدة لكننا نحكم بالسلوك الاجرامى الواضح. ولنتذكر هنا أن ارهابيين وهابيين سبق لهم اقتحام المسجد الحرام والاستيلاء عليه فى مطلع القرن الخاس عشر عام 1979 تحت قيادة الفقيه الوهابى جهيمان العتيبى. ولنتذكر أيضا أن النظام السعودى فى سيطرته الى البيت الحرام وسعيه فى فرض الدين السّنى الوهابى الارهابى إنما يتجاوز أساطين قريش فى صدّهم عن سبيل الله بالنفس وبالمال ، ومن هنا نتفهم قوله جل وعلا عن الفريقين فى آية تنطبق (فى البداية و فى النهاية والنتيجة )عليهما وعلى كل من يسير على سنّتهم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) ( الأنفال 36 ).

3   : ( الرجز ) من مرادفات الرجس .

 3 / 1:ويأتى الرجز بالمعنى المعنوى أى الضلال والفسوق كقوله جل وعلا (وَالرُّجْزَفَاهْجُرْ)(المدثر5 ) . ومن الرجز المعنوى تلاعب الشيطان بالأفئدة مقابل تدخل الملائكة بالتثبيت والتطمين ورفع (الروح المعنوية )  كما حدث مع أصحاب بدر قبيل الاشتباك الحربى :(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَالشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ  ) ( الانفال 11 : 12 ).

3 /2 : كما يأتى (الرجز) ماديا بمعنى المرض الحسى أو العذاب الحسى مثل الدمامل المتقيحة ، وقد سلّط الله عزّ وجل هذا المرض على فرعون وقومه فجأروا رعبا منه:( وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُقَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَلَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَإِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ  ) ( الأعراف 134 : 136 )، وسلّطه على بنى اسرائيل حين عصوا :(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًامِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ )(البقرة 59 )(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًامِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ) ( الاعراف 162 ). وبنفس الرجز أهلك الله جل وعلا قوم لوط :(  وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) ( العنكبوت33 :  34 ).   .

3 / 3 : العذاب الأخروى بالرجز ينتظر السنيين وغيرهم من أصحاب الديانات الأرضية الذين يسعون فى آيات الله القرآنية معاجزين بمزاعم (النسخ ) وإبطال شريعة القرآن وإلغائها وبتأويل آيات القرآن الكريم وتحريف معانيها ، يقول جل وعلا عن عذابهم المنتظر :(والذين سعوا في اياتنا معاجزين اولئك لهم عذاب من رجزاليم) ( سبأ 5 ). أولئك الناس من أصحاب الديانات الأرضية يؤمنون بأحاديثهم الضالة المفتراة ، ولا يؤمنون بحديث القرآن وحده ، ولو سمعوا آيات القرآن الكريم اتخذوها هزوا بتحويلها الى أغنية وإنشاد دينى ، ولو قرىء عليهم القرآن فى معرض الهداية أعرضوا استكبارا ، وقد جعل رب العزة الرجز عذابهم يوم القيامة ، وهذا ما جاء فى قوله جل وعلا:(تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍأَلِيمٌ )(الجاثية  6  :  11 ).

3 / 4 : وفى كل الأحوال فالرجز المادى فى الدنيا هو وباء يأتى من الفضاء يحرق الجلد ويحيله الى دمامل مميتة يموت به الموبوءون به كما حدث مع قوم لوط ، وقد يرفعه الله كما حدث مع آل فرعون . وفى كل الأحوال يأتى هذا العذاب بالرجز ردا على الوقوع فى الرجز المعنوى أو الرجس المعنوى بمعنى الضلال. وفى كل الأحوال فإن المصاب بالرجز يتحول الى كيس  متقيح يتجدد فيه إفراز الصديد . وينتهى عذابه بموته كما حدث قوم لوط ،أو بالنجاة منه كما حدث لقوم فرعون . هذا فى الدنيا. أما فى جهنم حيث يكون الموت امنية يتمناها أصحاب النار ليستريحوا من العذاب ،فإن القيح أو الصديد يتجدد خالدا مع العذاب ، ولا يذهب هباءا لأنهم يشربونه أو يتجرعونه رغم أنوفهم ، فكلما أنتجت أجسادهم المحروقة صديدا شربوه ، وسيظلون هكذا ابد الآبدين دون موت يريحهم من هذا العذاب الغليظ : (مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍيَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) ( ابراهيم 16 : 17 ).فهل يستحق البخارى و مسلم والشافعى ومالك وابن حنبل وابن تيمية وابن عبد الوهاب والغزالى والبدوى وغيرهم من آلهة الأديان الأرضية أن يعانى أتباعهم كل هذا العذاب لتمسكهم بتقديس أولئك الأئمة الكفار الذين افتروا على الله جل وعلا كذبا وكذبوا بآياته ؟

ثالثا : الطهارة المعنوية:  أى التزكى والسمو الخلقى والعقيدى بطاعة الله جل وعلا وبالتقوى :

1 ـ ولأن الأنصاب والأوثان رجس معنوى من عمل الشيطان فإن مهمة ابراهيم واسماعيل عليهما السلام كتنت إزالة تلك الرجسيات من الأوثان والأنصاب والقبور المقدسة التى كات تملأ البيت الحرام بحيث كات تطغى عليه وتغطى عليه وتحجبه،وذلك حين أرشد الله جل وعلا ابراهيم الى مكان البيت: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )( الحج 26 ).( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) ( البقرة 125 ).

2 ـ ولأن الفواحش والآثام نوع من الرجس المعنوى فإن تطهيرها ليس بالماء ولكن بالتوبة وتقديم الصدقة :

(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْوَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ( التوبة 103 ).( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُفَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )( المجادلة 12 ) .والتقوى والطاعة المخلصة إيمانا بالله جل وعلا واليوم الاخر. ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُوَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) ( البقرة  232 )

3 ـ والقرآن الكريم من أسس التقوى وسبل الطهارة لمن إتبعه مخلصا : ( رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً )( البينة 2 ) .

4 ـ وكما يوصف المنافقون والكفار بالرجس فإنه فى المقابل يوصف بعض المؤمنين بالتطهر مثل السيدة مريم :( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِوَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ)(آل عمران 42 ). 

رابعا ـ مقارنات بين الرجس العقيدى والطهارة العقيدية

ويتضح فيما سبق نوع من المقارنة بين النقيضين : الرجس المعنوى والطهارة المعنوية . وهناك أمثلة اخرى فى عقد المقارنات بينهما .

1 ـ فالذى يريد الهداية يهديه الله جل وعلا ويشرح بها صدره ويتطهر فيهدأ بالا ويستريح نفسا ،أما الذى يركن الى الضلالة فيظل صدره ضيقا حرجا يعانى من رجس الغواية ، يقول جل وعلا ( فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْصَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًاحَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَعَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ )( الانعام 125 ). 

2 ـ وبالقرآن يزداد المهتدى هداية وطهرا  بينما يزداد صاحب الرجس رجسا ، وهذا ما جاء فى وصفه جل وعلا للمنافقين ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًاوَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْوَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ )(التوبة 125) . 

3 ـ وبينما تتسلل الهداية بالقرآن للقلب الطاهر فيمس نور القرآن شغاف القلب فإن الواقع فى الرجس المعنوى ينفر من القرآن لوجود أكنّة وحجب تمنع نور القرآن من الوصول للقلب: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا  فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌفَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ) ( فصلت 3 : 5 ) ، (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًاوَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا  ) ( الاسراء 45 : 46 )، أما المؤمن بحديث القرآن وحده فهو طاهر القلب يصلح قلبه لأن يمسه القرآن،   ونرى هذا فى قوله جل وعلا عن القرأن الكريم : (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لّا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَتَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ )(الواقعة 75 : 80 ).قوله جل وعلا (لّا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ  ) هو عن القرآن وليس عن المصحف ، وهو يعنى الطهارة المعنوية أو الهداية ، وليس الطهارة المادية . وعليه فقد أخطأ أئمة الدين السّنى حين حرموا على الحائض لمس المصحف أو قراءة القرآن أو الصلاة أو الصيام ، وسنتعرض لذلك بالتفصيل فى حلقة من برنامج (فضح السلفية ). 

4 ـ وبالنسبة للأشخاص فهناك فرق بين اصحاب الرجس وعباد الرحمن، ومن صفاتهم : اخلاص العقيدة لله جل وعلا واجتناب الفواحش والأوثان وقول الزور (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا )( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) ( الفرقان 68 ، 72 ). أما أصحاب الرجس فهم عصاة معاندون يرفضون التطهر تمسكا بالرجس المعنوى ، يقول جل وعلا عن بعضهم : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْلَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (المائدة 41 ).. لذا كان المنافقون فى عهد النبى من أهل الرجس، ومنهم أولئك الذين اتخذوا مسجدا للتآمر: ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) ( التوبة 107 : 108 ). فالفارق هائل بينهم وبين المؤمنين المتطهرين طهارة معنوية...وقبل المنافقين ومشركى العرب فى عهد نزول القرآن الكريم كان قوم لوط أبرز أصحاب الرجس حين قرنوا الرجس العقيدى بالرجس الأخلاقى فى شذوذهم ، بل لقد تطرفوا فقلبوا الحقائق فجعلوا التطهر إثما ، واتهموا آل لوط واسرته ب(التطهر )، وطالبوا بطردهم لأنهم أناس يتطهرون : ( وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) ( الاعراف 82 )( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)(النمل 54 : 56 ).والشذوذ الجنسى عرفه المسلمون من العصر العباسى ، واتخذه الصوفية دينا فى العصر المملوكى ـ على نحو ما سيأتى تفصيله فى موسوعة التصوف التى سننشراجزاءها قريبا بعونه جل وعلا . ولا يزال الشذوذ الجنسى من لوازم الحياة الاجتماعية السرية والمعلنة لدى أرباب الدين الوهابى .

5ـ ولذلك جاء وعظ أزواج النبى بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وقراءة القرآن وسائل للتطهر من الرجس وابتعادا عنه:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَأَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) ( الاحزاب 33 ). وسبقه وعظ الله جل وعلا لنساء النبى وتحذيره لهن من أولئك الذين فى قلوبهم مرض أو رجس:(يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌوَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا) ( الأحزاب 32 ).وفى تعامل المؤمنين من زوار بيوت النبى قال جل وعلا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)( الاحزاب 53 ).

خامسا : أنواع الطهارة الحسية المادية من النجس ( بكسر الجيم ) المادى :

 1ـ  دم المحيض الموصوف بأنه (أذى )، لذا أوجب الله جل وعلا التطهر منه قبل اللقاء الجنسى بالزوجة ، ومنع رب العزة مباشرة الزوجة فى وقت الحيض. وهذا الطهر خاص باللقاء الجنسى فقط ، ولا علاقة له بالصلاة والعبادات ، فعلى الحائض أن تصلى وتطوف وتصوم وتقرأ القرآن . كل ما هنالك أن تتوضأ للصلاة وتتقى نزول الدم . يقول جل وعلا فى تشريعات اللقاء الجنسى بالزوجة :( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَفَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ  نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)( البقرة 222).

2 ـ ما يخرج من الجسد من بول وغائط وبعد اللقاء الجنسى ، ويجب التطهر منه بالماء : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )( المائدة 6 ). التيسير هنا فى التطهر الحسى بالماء أو بالتيمم وهو المراد بكلمة (فَاطَّهَّرُواْ) الأولى . ولكن الثانية (وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) مراد بها الطهارة المعنوية القلبية. أى فهناك تخفيف وتيسير فى الطهارة الحسية المادية ولكن تشديد فى الطهارة المعنوية . وهذا منهج القرآن ،الذى يخالف التشريع السّنى الذى يركّز على الطهارة الحسية ويكتب فيها آلاف الصفحات من الاستنجاء وانواع الماء الطاهر وتفصيلات لا نهاية لها فى الوضوء والغسل ، مع إهمال تام للطهارة القلبية المعنوية .

3 ـ طهارة الثياب من الأوساخ : ( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْوَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) ( المدثر 4 : 5 )

4 ـ وفى كل الأحوال فالماء هو وسيلة التطهر المادية : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ)(الانفال  11 ) (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا ) ( الفرقان 48 )

 ختاما :  

1 ـ بالطعام الطاهر الطازج نعيش ، ولكنه يتحول الى طاقة ونفايات قذرة ، أو نجسة ( بكسر الجيم ) أو نجاسة مادية حسية . وكلنا يحمل فى داخله البول والبراز والدم ، وهى تخرج من الجسد البشرى لتعود الى الأرض وتتجدد بها خصوبتها .بل بالموت يتحول الجسد البشرى نفسه الى جيفة قذرة تتجدد به أيضا خصوبة الأرض . ونحن لا نتطهر من ذلك النجس ( بكسر الجيم )إلا بخروجه منا ، وليس ونحن نحمله فى أحشائنا . تلك هى طبيعة الخلق فى هذه الدنيا ، جعلها رب العزة مثلا لهوان الدنيا وقذارتها . بل إن اعضاء إخراج الفضلات التى يستقذرها الانسان هى نفسها أعضاء الجنس التى تدور حولها الشهوة الجنسية التى تستلزم أيضا طهارة حسية بالماء . أى نحن فى هذا العالم خليط من مواد نجسة ماديا وماء طاهر يتداخل مع المواد النجسة العفنة كالبول ودم الحيض والبراز. أى فيما يخص النجاسة المادية والطهارة المادية فإننا نعايش تحول الماء الطهور الى بول نجس ، وتحول الطعام الطازج الى نفايات وزبالة ملوثة والى بول ودم وبراز قذر.

ونفس التحول فى الطهرة المعنوية والرجس المعنوى ، فطالما نحيا ونسعى فى هذه الحياة الدنيا فامامنا حرية الاختيار بين الهداية والطهارة المعنوية وبين الرجس العقيدى والسلوكى . فالايمان يزداد ويتناقص ، والكفر يزداد ويتناقص . والقرآن الكريم هو المقياس أو الترمومتر، فالمؤمن حقا هو الذى يزداد بالقرآن إيمانا والكافر بالقرآن يزداد بالاستماع للقرآن طغيانا وكفر ا (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْإِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ( الانفال 2 )( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُهَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْرِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ) ( التوبة 124 : 125 )(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا )( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) ( المائدة 64 ، 68  ).

2 ـ ولكنّ للطهارة المعنوية ( الهداية ) ولنقيضها ( الرجس المعنوى:الكفر والفسوق والعصيان والفواحش)  شأنا آخر فى اليوم الآخر . فالذى يموت مهتديا طاهرا طهارة معنوية يعيش خالدا مخلدا فى طهر دائم . وتتحول أعمال المؤمنين ـ من ذكور وإناث الى وسائل نعيم مطهرة ، ومنها الحور العين الموصوفة بالطهر:( وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ( البقرة 25 ). المؤمنون فى الدنيا من ذكور وإناث يتبولون ويتغوطون ويعايشون تلك الأقذار التى تأتى من أطيب ما يأكلون من الطعام . ولكن لأنهم إختاروا الهداية وعاشوا بها وماتوا عليها فإن أعمالهم الطاهرة تتحول الى طهارة صافية نقية ، ويخلق الله جل وعلا منها أزواجا مطهرة لهم . أما أصحاب الرجس فهم فى الدنيا يتبولون ويتغوطون ويعايشون تلك الأقذار التى تأتى من أطيب يأكلون من الطعام . ولكن لأنهم إختاروا الضلال والرجس المعنوى فإن أعمالهم الضالة وعقيدتهم الرجسية ستنتهى بهم الى رجز من العذاب الى أبد الآبدين .

آخر السطر : الى متى ؟!!

الى متى يعايش المسلمون رجس التراث واديانهم الأرضية ؟ والى متى يتخذون القرآن مهجورا ؟

الى متى .؟؟

اجمالي القراءات 19034