سورة النازعات
سميت بهذا الاسم لذكر النازعات فيها فى قوله "والنازعات غرقا".
"بسم الله الرحمن الرحيم والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة يقولون أإنا لمرددون فى الحافرة أإذا كنا عظاما نخرة تلك إذا كرة خاسرة فإنما هى زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة "المعنى بحكم الرب النافع المفيد والشادات شدا والمتحركات حركة والسائرات سيرا فالمسارعات إسراعا فالمعدات خطة يوم تزلزل الأرض تليها السماء نفوس يومذاك خائفة أنظارها ذليلة يقولون هل إنا لعائدون فى القبر هل إذا كنا عظاما بالية قالوا تلك إذا عودة مهينة فإنما هى دعوة واحدة فإذا هم بالمحشر،يبين الله الرحمن الرحيم وهو الرب النافع المفيد أن اسمه وهو حكمه هو أن البعث زجرة واحدة والمراد أن الحياة تعود عن طريق نفخة أى دعوة أى نداء واحد مصداق لقوله بسورة الحاقة"فإذا نفخ فى الصور نفخة واحدة "فإذا هم بالساهرة وهى أرض المحشر حيث يقف الخلق كلهم قبل دخول الجنة والنار،ويقسم الله بالنازعات غرقا وهى الشادات شدا والمراد فرق الجيش المفارقات لثباتها وسكونها ،ويقسم بالناشطات نشطا أى المتحركات حركة والمراد فرق الجيش التى تتجهز استعدادا للمسير للعدو ،ويقسم بالسابحات سبحا وهى فرق الجيش السائرات سيرا لحرب العدو ،ويقسم بالسابقات سبقا وهى فرق الجيش المقتربة اقترابا من العدو ،ويقسم بالمدبرات أمرا وهى فرق الجيش المنفذات خطة الحرب وهو يقسم على أن يوم ترجف الراجفة والمراد يوم تتزلزل الأرض مصداق لقوله بسورة الزلزلة "إذا زلزلت الأرض زلزالها"تتبعها الرادفة أى تليها التابعة وهى السماء لأن الأرض هى مركز الكون المشيد فوقه السماء يحدث التالى قلوب يومئذ واجفة والمراد نفوس يومذاك خائفة مرتعبة أبصارها خاشعة والمراد أنظارها ذليلة مصداق لقوله بسورة المعارج"خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة"وقد كانوا فى الدنيا يقولون أإنا لمرددون فى الحافرة والمراد هل إننا مبعوثون للحياة فى القبر أإذا كنا عظاما نخرة أى هل إنا مبعوثون بعد أن نكون عظاما بالية متهالكة متفتتة؟والغرض من السؤال هو إنكارهم البعث وقالوا تلك إذا كرة خاسرة والمراد لو حدث البعث فالحياة فى البعث ستكون مؤلمة لنا.
"هل أتاك حديث موسى إذ نادى ربه بالواد المقدس طوى اذهب إلى فرعون إنه طغى فقل هل لك أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى فأراه الآية الكبرى فكذب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن فى ذلك لعبرة لمن يخشى "المعنى هل جاءتك قصة موسى (ص)حين خاطبه إلهه بالمكان المبارك طوى ارحل إلى فرعون إنه كفر فقل هل لك أن تسلم أى أعلمك دين إلهك فتطيع فأشهده البرهان العظيم فكفر وخالف ثم ذهب يكيد فجمع فخطب فقال أنا إلهكم الأعظم فأذاقه الرب عقاب القيامة والدنيا إن فى عقابه لعظة لمن يطيع ،يسأل الله نبيه (ص)هل أتاك حديث موسى (ص)والمراد هل أوحيت لك قصة موسى (ص)والغرض من السؤال هو إخباره بقصة موسى (ص)إذ نادى ربه والمراد حين كلم خالقه فى الواد المقدس وهو المكان المبارك الطاهر طوى فقال الله له اذهب إلى فرعون إنه طغى والمراد سافر لمقابلة فرعون إنه ظلم أى كفر بى فقل له :هل لك أن تزكى والمراد هل لك أن تتطهر من ذنوبك بالإسلام؟وفسر سؤاله بقوله هل أهديك إلى ربك فتخشى أى هل أعلمك دين خالقك فتتبع دينه؟والغرض من السؤال هو أن يطلب فرعون تطهيره أى تعليمه الإسلام ليطيعه وأراه موسى (ص)الآية الكبرى والمراد وأشهده البراهين العظيمة الدالة على صدقه مصداق لقوله بسورة طه"ولقد أريناه آياتنا كلها"فكانت النتيجة هى أنه كذب أى عصى أى أبى الإسلام والمراد كفر مصداق لقوله بسورة طه"فكذب وأبى "ثم أدبر يسعى والمراد ثم ذهب يكيد وهو جمع السحرة فحشر فنادى والمراد فجمع الناس فخطب فيهم فقال أنا ربكم الأعلى والمراد أنا خالقكم العظيم والمراد أنا إلهكم الوحيد كما قال بسورة غافر"ما علمت لكم من إله غيرى"فكانت النتيجة أن أخذه الله نكال الآخرة والأولى والمراد أن أذاقه الرب عذاب القيامة وهى النار والدنيا حيث أغرقه وسلط عليه الآيات المؤذية فيها وفى ذلك وهو عذاب فرعون عبرة أى آية لمن يخشى أى يخاف عذاب الله فيطيع حكمه وهو العاقل مصداق لقوله بسورة النحل"إن فى ذلك لآية لقوم يعقلون "والخطاب للنبى(ص)
"أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم"المعنى هل أنتم أعظم إنشاء أم السماء شيدها زاد حجمها فعدلها وأظلم ليلها وأنار نهارها والأرض مع السماء خلق فيها مياهها ونباتها والرواسى ثبتها نفعا لكم ولأنعامكم ،يسأل الله الناس :أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها والمراد هل أنتم أكبر إبداعا أم السماء شيدها ؟وهذا يعنى أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس مصداق لقوله بسورة غافر"لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس"ويبين الله لنا أنه بناها أى شيدها ففعل التالى رفع سمكها أى زاد حجمها من سماء واحدة لسبع سموات مصداق لقوله بسورة البقرة"ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات"وبهذا سواها أى عدلها والمراد أتمها وقد أغطش ليلها أى أظلم ليلها والمراد خلق ما يجعل السماء مظلمة وقت الليل وأخرج ضحاها أى وأنار نهارها والمراد خلق ما يجعلها مضيئة وقت النهار وهو الشمس والأرض بعد ذلك دحاها والمراد والأرض مع السماء كورها وقد أخرج منها ماءها ومرعاها والمراد قد خلق فى الأرض مياهها ونباتها والجبال أرساها والمراد والرواسى ألقاها أى وضعها فى الأرض مصداق لقوله بسورة النحل"وألقى فى الأرض رواسى "وكل هذا وهو الماء والمرعى والجبال متاع وهو نفع للناس ولأنعامهم وهى حيواناتهم البقر والإبل والماعز والغنم والخطاب للناس
"فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى وأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هى المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هى المأوى "المعنى فإذا وقعت الغاشية العظيمة يوم يعرف الفرد ما عمل وظهرت النار لمن يشاهد وأما من بغى أى فضل المعيشة الأولى فإن النار هى المقام وأما من خشى عذاب إلهه أى زجر النفس عن الكفر فإن الحديقة هى المسكن ،يبين الله لنا أن إذا جاءت الطامة الكبرى والمراد إذا وقعت الصاخة وهى الغاشية العظيمة مصداق لقوله بسورة عبس "فإذا جاءت الصاخة"يوم يتذكر الإنسان ما سعى والمراد يوم يرى الفرد ما عمل من خير أو شر مصداق لقوله بسورة الزلزلة "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره "وفى هذا اليوم برزت الجحيم لمن يرى والمراد وسعرت أى ظهرت أى جهزت النار لمن يشاهد مصداق لقوله بسورة التكوير"وإذا الجحيم سعرت"وأما من طغى أى كفر وفسره الله بأنه آثر الحياة الدنيا والمراد استحب أى فضل متاع المعيشة الأولى على الآخرة مصداق لقوله بسورة النحل"بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة "فإن الجحيم وهى النار هى المأوى أى المقام الذى يقيمون به وأما من خاف مقام ربه والمراد وأما من خشى عذاب خالقه فأطاع حكمه وفسر هذا بأنه نهى النفس عن الهوى والمراد زجر النفس عن الكفر وهو طاعة شهوته ومن ثم فالجنة وهى الحديقة هى المأوى أى المسكن الدائم لهم والخطاب وما بعده للنبى(ص)
"يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها"المعنى يستخبرونك عن القيامة متى موعدها فيما أنت من معرفتها ،إلى إلهك علمها،إنما أنت مبلغ من يخافها،كأنهم يوم يشاهدونها لم يمكثوا إلا ليلة أو نهارها،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار يسألونه أى يستفهمون منه عن الساعة وهى القيامة فيقولون إيان مرساها أى "متى هذا الوعد"كما قال بسورة الملك والمراد متى وقت وقوعها ويقول الله له فيم أنت من ذكراها والمراد فيما أنت من علمها؟والغرض من السؤال هو إخبار النبى (ص)والناس أن الرسول ليس له علم بوقت وقوعها ،ويبين له أن إلى ربك منتهاها والمراد إن إلى خالقك علمها وهذا يعنى أن "علمها عند الله "وحده كما قال بسورة الأحزاب فالله وحده يعرف موعد حدوثها،ويقول له إنما أنت منذر من يخشاها والمراد "إنما أنت مذكر"من يخاف عذابها مصداق لقوله بسورة الغاشية "إنما أنت مذكر"ويبين له أن الكفار يوم يرونها أى يشاهدون وقوعها كأنهم لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها أى كأنهم فى اعتقادهم لم يعيشوا فى الدنيا إلا ليلة أو نهارها .