-1-
من المعروف تاريخياً، أن الملك عبد الله بن الحسين الأول، مؤسس "المملكة الأردنية الهاشمية"، جاء من الحجاز إلى الأردن في عام 1920 ، يبحث عن مُلك ما، بعد هزيمته الماحقة في معركة "تربة" 1919، في الطائف من قبل قوات الملك عبد العزيز آل سعود.
ومن المعروف تاريخياً، أن الانجليز هم من لعبوا الدور الرئيسي في تأسيس "المملكة الأردنية الهاشمية"، بفضل وعد ونستون تشرشل (وزير المستعمرات البريطاني) للهاشميين بإقامة مملكة لهم في الأردن، وكذلك مملكة فيصل القصيرة في سوريا (1918-1920) ثم في العراق (1921-1933)، كتعويض عن "عرش العرب" (الوعد الكاذب) من بريطانيا للشريف حسين (والد عبد الله وفيصل) ومكافأة للهاشميين لموقفهم إلى جانب بريطانيا في الحرب العالمية الأولى ضد الأتراك.
وفي هذا الشأن، من المعروف تاريخياً، أن الملك فيصل بن الحسين وقَّع اتفاقية "فيصل – وايزمان" مع حاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية في مؤتمر باريس للسلام 1919، يعطي بموجبها لليهود تسهيلات في إنشاء وطن في فلسطين، والإقرار بوعد بلفور.
ومن المعروف تاريخياً، أن الأردن في عام 1920 لم يكن صالحاً لإقامة دولة فيه. فلا رجال هناك لإقامة مثل هذه الدولة. لذا، فقد استعان الملك عبد الله الأول برجال من لبنان، وسوريا، والعراق، والحجاز. فكان أول رئيس وزراء في الأردن عام 1921 رشيد طليع (لبناني درزي)، ثم مظهر أرسلان (لبناني درزي)، ثم علي الرضا الركابي (سوري)، ثم حسن خالد أبو الهدى ( فلسطيني)، وعبد الله السرّاج (سوري)، وتوفيق أبو الهدى (فلسطيني)، ثم سمير الرفاعي (لبناني).. الخ. وهو ما يعني عدم وجود شخصية أردنية تصلح لرئاسة الوزراء في ذلك الوقت، إلى أن هاجر الفلسطينيون إلى الأردن 1948 ، وبدأوا بتكوين الشخصيات والنُخب السياسية والحزبية، وتعمَّق هذا الأمر واتسع، بعد ضمِّ الضفة الغربية إلى الأردن عام 1950، حين أمّحى اسم فلسطين من الخارطة السياسية وتقاسمتها مصر وإسرائيل والأردن، وتحققت على أرض الواقع أول الخطوات نحو "الوطن البديل". فأصبح الأردن للفلسطينيين دون فلسطين (70% من سكان الأردن فلسطينيون أصلاً). وكان نصف البرلمان الأردني (1950- 1988) من الفلسطينيين قبل "فك الارتباط" الصوري عام 1988 (عاد الارتباط مرة أخرى عام 2006). وشغل الفلسطينيون أعلى المناصب الرسمية. فكان منهم رئيس الوزراء (طاهر المصري)، وكان منهم الكثير من الوزراء، والمدراء.
وفي تقرير لمجلة "فوربس" الأمريكية في 2009 أن 66% من أغنى عائلات في الأردن هم من الفلسطينيين. وأن الأردنيين من أصل فلسطيني هم الغالبية في الرأسمالية الأردنية.
ومن المعروف، أن القسم الأكبر من لاجئي 1948 الفلسطينيين موجودٌ في الأردن. وكذلك الأغلبية الساحقة من نازحي عام 1967. وبذا حقق الهاشميون ما قاله نتنياهو في كتابه "مكان تحت الشمس" من أن الأردن هو "الوطن البديل" للفلسطينيين.
ويقول الباحث عصام عدوان في بحثه (الأردن والدور الوظيفي):
"أن بريطانيا رغبت في أن يصبح الأردن موطناً للفلسطينيين الذين سيتم إجلاؤهم عن فلسطين لصالح المشروع الصهيوني. حيث ذكر ذلك المعتمد البريطاني في الأردن (1917-1920) [إليك كركبرايد] في مذكراته (خشخشة الأشواك). ولذلك أُسندت مهمة إدارة شرقي الأردن إلى الأمير عبد الله بن الحسين، شريطة أن يحمي حدوده الغربية (أي قطع علاقته بالمقاومة الفلسطينية ضد الإنجليز واليهود)، وقد قام النظام بما هو مطلوب منه.وعندما طرحت [لجنة بيل] البريطانية أول مشروع لتقسيم فلسطين عام 1937 على أساس دولة يهودية ودولة عربية تضم الأردن وما تبقى من فلسطين، بقيادة الأمير عبد الله، كان الأردن هو البلد الوحيد الذي وافق على تلك الفكرة، رغم تفاصيلها المخزية جداً."
-2-
استطاع الهاشميون حكم الأردن (1920-1946) منذ عهد "الأمارة" إلى عهد "المملكة"، ونيل الاستقلال 1946 في ظل الحماية البريطانية . وكان المعتمدون البريطانيون (الميجر كامب، والكابتن برانتون، ثم الكابتن ألن كركبرايد، والميجر سمرست، والميجر كلينفيك، والكابتن مونكتون، والكابتن بيك)،إضافة إلى الجنرال "جلوب باشا، هم حكام الأردن الفعليين في السياسة، والجيش، والأمن.
واستطاع الهاشميون حكم الأردن (1950-1988) منذ أن تمَّت وحدة الضفتين، إلى أن تمَّ فك الارتباط بين الضفتين - صورياً - باسم فلسطين وبفضل احتضانهم للفلسطينيين، وبدعم من الغرب وأمريكا وإسرائيل الذين ظلوا - وإلى الآن - يعتبرون الأردن هو البديل الأمثل لفلسطين، وضرورة دعمه على هذا الأساس، بإذابة فلسطين في الأردن، كما تمَّ عام 1950 (وحدة الضفتين) في مؤتمر أريحا، وتهجير ما تبقى من سكان الضفة الغربية إلى الأردن.
ومن المعروف، أن الأردن قد اهتز، بعد 1988، وخاصة بعد قيام الهبّات، وثورة الجياع في معان، والطفيلة، والكرك، والسلط (1989، 1996 وما بعد ذلك).
-3-
وعندما رحل الملك حسين عام 1999، وتولّى الملك عبد الله الثاني الحكم، لم يجد الأردن غير دول الخليج تدعمه مالياً، وأمريكا تدعمه سياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً (اتفاقية كويز Q.I.Z "Qualified Industrial Zone المناطق الصناعية المؤهلة" الاقتصادية،2001). ولولا ذلك لكان انهيار النظام في الأردن محتماً. وزادت هذه الحتمية الآن، وفي هذه الظروف التي تشتعل فيها الثورات في أنحاء متفرقة من العالم العربي.
فالإعلام الخليجي القوي والمسيطر، هو الذي يدعم النظام الأردني الآن، ويغطي ويسكت على تحركات الشارع الأردني المتواضعة. ففي "مهزلة التعديلات الدستورية" الأخيرة، التي أبقت الملك سلطاناً قروسطياً مطلقاً، متمتعاً بالحق الإلهي المقدس، لم تجرؤ أية وسيلة إعلامية خليجية، على نشر نقد موضوعي لهذه التعديلات، لأي كاتب أردني، أو عربي، أو أجنبي.
والحراك الشعبي الأردني المتواضع الآن، إذ لم يلقَ ما لقيه الحراك الشعبي التونسي والمصري والسوري والليبي واليمني من دعم إعلامي هائل من الإعلام الخليجي المقروء والمسموع والمشاهد، فإن فرص نجاحه، وتحقيق أهدافه، ستكون ضئيلة.
ولنا من الحراك الشعبي البحريني، خير دليل على ذلك!
-4-
صحيح أن الإعلام في العصر الحديث، لا يُنبت الثورات من العدم، ولكنه يرعاها ويُنميّها، فيما لو رآها أمامه تنبت، وتتحرك، وتتأجج. فالإعلام الخليجي لم يخلق الثورة التونسية أو المصرية أو الليبية أو السورية أو اليمينية من العدم، ولكنه دعمها، وأبرزها، وتابعها، وتقصّى أخبارها، ودفع الدماء في شرايينها، حين نبتت، وتحركت، وتأججت.
الإعلام العربي – والخليجي القوي والمسيطر - لا يستطيع - في عصر ثورة المعلومات والاتصالات - أن يغمض عينيه عما يجري في الشوارع العربية من حراك ثوري، كما كان الحال قبل عشرات السنين (ما جرى في حماه 1982 وما يجري اليوم)، ولكن في الوقت ذاته، ليس في قدرته أن يقيم ثورة من فراغ.
فالإعلام المعاصر، لا يستطيع الهروب من الحقيقة. وهو إن هرب منها، فهروبه يظل مؤقتاً خاصة في هذا الزمن، على عكس ما كان في الماضي. فخيارات المتلقي أصبحت متعددة، ومختلفة، وكثيرة جداً. ووسائل الإعلام تتسابق فيما بينها. وتحرص على أن تكون هي السباقة إلى الخبر ودعمه ونشره.
-5-
قد تميل بعض الأنظمة الدكتاتورية القروسطية إلى شراء بعض الذمم الإعلامية، وقد تميل بعض وسائل الإعلام المعاصر، إلى رفض نشر مقالات وأخبار عن حراك شارع بلد عربي ما، إلى أن تنجلي حقيقة الحراك الشعبي في ذلك البلد. فساعتها لا مهرب من ذلك، ولا فائدة من إخفاء الحقيقة.
ولعل تكالب النظام الأردني للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، مرده - بالدرجة الأولى- السعي إلى أن يكون الأردن تحت المظلة الإعلامية الخليجية الواقية، وهو ما يحدث له الآن، نتيجة لتعاونه العسكري مع دول خليجية معينة بشأن الحراك في البحرين، والثورة الليبية ("القدس العربي"، 6/9/2011). وهو ما سوف يمد الأردن بنفس جديد للحياة، ولو إلى وقت قصير!