هل أنت مع الله بكرة وأصيلا
أيها الأخوة والأخوات،
هذه المقالة تختلف عن مقالاتى السابقة، تختلف لأنها كانت خطبة الجمعة التى القيتها فى العاشر من أغسطس، وتختلف فى طريقة العرض وأيضا فى الصياغة اللغوية.
وَلَا أَدْنَىٰ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا.... "58:7
الله سبحانه معك 24 ساعة فى اليوم بمعنى فى كل ثانية هو معك، فى كل شهيق وزفير هو معك، فى عملك فى منزلك أثناء النوم وفى اليقظة فهو معك فالآن.. كم من الوقت خصصته لله سبحانه؟
هل أنت من الذاكرين كثيرا؟
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ
حاسب نفسك قبل أن يسألك المَلك....إليكم بعض الأسئلة التى تساعد على معرفة مدى إتصالك بالله السميع العليم، وهذا على سبيل المثال ليس الحصر. فإقرأ وجاوب لنفسك ولا أحد يهمه الأمر إلا نفسك التى بين جنبيك وكن صادقا مع نفسك ومع الله سبحانه وتعالى.
1- كم مرة حمدت الله سبحانه فى السراء والضراء، فى السر والعلانية، فى الصحة والمرض، فى الغنى والفقر؟
" قالوا الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن ان ربنا لغفور شكور" 35:34
2- كم مرة شكرت الله سبحانه، مكنك فى الأرض وأسبغ عليك نعمه وسخر لك سبل المعيشة فقال سبحانه:
" وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ " 7:10
3- هل حمدت الله سبحانه حين إستيقظت من النوم على أن الله أعطاك فرصة يوم آخر فى حياتك الدنيا، أم إتخذت هذا قضية مسلمة؟
يقول سبحانه: " اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " 39:42
ويقول أيضا:"....... وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " 31:34
4- كم مرة إرتكبت ذنب أو سيئة أو خطيئة، ألهمتك نفسك أنك مذنب، فهل ركعت لله العلى القدير وطلبت التوبة والإستغفار؟
" وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ " 11:90
" وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (3:135
5- كم مرة جاء بخاطرك أن الله يسمع ويرى، أم شغلتك الدنيا وزينتها؟
" وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ " 9:32
6- كم من الوقت قضيته فى تدبر آيات الله فى القرآن الكريم؟ ويقول سبحانه:
" كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ 39:29
وكم من الوقت أمضيته فى البحث عن منزل أو سيارة للشراء وللحصول على أحسن إتفاق لهذه السلعة ، فتقضى أياما وأسابيع تبحث عن أحسن سعر وأفضل شروط، ولكن مع كتاب الله سبحانه، هذه نقرة وهذه نقرة....
7- هل حمدت الله سبحانه حمدا يليق بجلاله حين سهل لك الطريق لإتباع القرآن وكفى بعد أن كنت سنى أو شيعى أو قضيانى أو مالكى ، أحمدى، حنبلى، شافعى أو درزى أو.....الخ؟
" ........وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ " 30:31,32
" اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ " 7:3
8- هل حمدت الله سبحانه أن أعطاك عقلا وقلبا وعينين ولسان وشفتين، وهناك من يمشى على قدم واحد، أو شخص ضرير يطلب منك المساعدة فى الطريق، أو صادفت سائل أو محروم لا يملك قوت يومه... هل حمدته على هذه النعم التى ليس لك دخل فيها إنما هى هبة ونعمة من الله سبحانه وتعالى؟
" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ " 16:18
9- كم مرة أشركت الله سبحانه معك فى أى قرار إتخذته أو أى مشكلة صادفتك فى الحياة، وعجبا أيها الإنسان تقضى أيام وأسابيع تخطط لمشروع أو فكرة معينة وتبذل كل ما تستطيع لتحقيق الهدف ولكن فى النهاية الفشل، هل وقفت برهة وفكرت وتعقلت لماذا الفشل؟ لم تشرك الله معك، فأنت تخطط وتدبر والله السميع العليم هو المُدبر وهو المُعين ولا تنسى : " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " 1:5
فلولا معونة الله جل جلاله ما إستطعنا أن نعبده.......
10- ماذا تفعل إن وجدت من حولك يخوضون فى آيات الله، ما هو رد فعلك؟
" وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " 6:68
11- ماذا تشعر وانت تقرا آيات الله الكريمات فى القرآن الكريم، هلى يقشعر بدنك، هلى تخر ساجدا للخالق الذى كتب على نفسه الرحمة؟
" اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" 39:23
12- هل أنت من الذين تنطبق عليهم وصف الله العليم فى هذا النص القرآنى من سورة الإسراء:
" قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا " 17:107,108,109
13- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " 3:102
هل وقفت برهة مع " وأنتم مسلمون " ماذا تعنى هذه العبارة القرآنية وما مدلولاتها ومتطلباتها؟ هل هى صلاة وصوم وزكاة وحج وإنتهى الأمر وبذلك فأنت من المسلمين؟
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ..... " 22:77,78
14- كم مرة مررت بهذه الآية الكريمة ووقفت برهة لتتدبر معنى كلمة قرين، ولماذا سبحانه قيض قرين وما هى مهمة هذا القرين؟ " وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ " 43:36
أكتفى بهذا القدر وكما قلت سابقا إنها نقطة فى بحر من الأسئلة التى لا نهاية لها....
يقول الله سبحانه فى سورة المجادلة (آية:7):
" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ......" 58:7
هذه آية عامة مطلقة ، وهناك آيات خاصة فى مواقف معينة يركز فيها سبحانه على وجوده الدائم فى كل الحالات:
فى حالة خوف موسى وهارون:
قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ " 20:46
مع المكذبين بالقرآن:
قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ " الطور 52:31
مع الملائكة لنصرة المؤمنين:
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ " 8:12
وَلَا أَدْنَىٰ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُو"
هذا المقطع من الآية الكريمة يقرر حقيقة إلهية بأنه سبحانه معنا أين ما كُنا، فكيف نكون مع الله سبحانه حتى نفوز برضاه. القرآن الكريم" ما فرطنا فى الكتاب من شيئ " ، يعطينا الحل لمن يتعظ ويرجو لقاء ربه بقلب سليم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً " 33:41
كل أنواع العبادات لها حد وينتهى وقتها، فالصلاة مثلا تنتهى بعد إتمام عدد ركعات الفرض، الصيام ينتهى بإنتهاء شهر رمضان المبارك، الحج ينتهى بعد أداء مناسك الحج والعودة إلى الوطن، والزكاة تنتهى بصرف قيمتها المقررة وتنتظر إلى المدة التالية لتقوم بدفع الزكاة مرة ثانية. أما ذكر الله فلا حدود ينتهى عندها ولو تدبرنا فى القرآن الكريم ونظرنا إلى كلمات ترددت فى كتاب الله سبحانه مرات كثيرة فعلى سبيل المثال:
سبح ومشتقاتها ما يقرب من 104 مرة، وكلمة حمد ومشتقاتها وردت 75 مرة، وكلمة شكر ومشتقاتها وردت 57 مرة، وكلمة ذكر ومشتقاتها وردت 312 مرة. وإذا تدبرنا أكثر لوجدنا أن الأوقات التى ذكرها الله سبحانه لذكره وشكره وحمده وتسبيحه : دلوك الشمس، غسق الليل، اوقات الفجر، بكرة وأصيلا، الغداة والعشى، قبل الغروب، ليلا طويلا، تضرعا وخيفة، سرا وجهرا، الغدو والآصال ....الخ فهى تشمل معظم الأربعة وعشرون ساعة عدا أوقات النوم. فما قيمة ذكر الله سبحانه، فلنقرأ:
" اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ " 29:45
ولذكر الله أكبر، أكبر من ماذا؟ أكبر من تلاوة الكتاب وأكبر من الصلاة، هذا فى نظر الله سبحانه.
ولنقرا أيضا الآية الكريمة التى تقرر أن رضوان الله اكبر:
" وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " 9:72
هنا الآية تقرر أن رضوان الله أكبر من دخول الجنة، فهنا يمكن أن نتعرف على معادلة بسيطة، ذكر الله يقود إلى رضوانه سبحانه وتعالى وبذلك يتحقق الفوز العظيم.
قلنا أن معظم العبادات لها نهاية وقتية ، وكذلك كلُّ جارحةٍ من جوارح الإنسان لها عبادة "، فعبادة العين أن تَغُضَ بصركَ، الأذن لها عبادة "وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ" ، اليد لها عبادة " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا "، أما عبادة القلب فهي الذِكر، ففي كل جارحةٍ من جوارح الإنسان عبادة مؤقتة والذِكر عبودية القلب واللسان وهي غير مؤقتة، عبادة القلب الذِكر لذلك ربنا عزّ وجل قال:
الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" 13:28
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي" 20:14
أحياناً الإنسان يشعر أنَّ هناكَ حِجاباً بينه وبينَ الله، يشعر أنَّ أبواب السماء مُغلّقةٌ في وجهه، يفتح القرآن ويقرأ لا يشعر بشيء أبداً، يجلس ليذكر لا يشعر بشيء، يقوم ليصلي لا يشعر بشيء ... معنى ذلك أنَّ البابَ مُغلق، لماذا أُغلقَ البابُ في وجهه، لِعلةٍ في عمله . فالمؤمن متبصّر، هؤلاء الذين يصلّون ويقرؤون القرآن ولا يعرفون ما إذا كانَ قلبهم متصلاً أو مقطوعاً هؤلاءِ على هامشِ الحياة.
الذي لا يملك الحس المرهف أن يشعر يقول لكَ اليوم أنكرت قلبي، اليوم شعرتُ أن صلاتي لا طعمَ لها اليوم قرأتُ القرآن فلم أشعر بحلاوة تلاوته، هذا الذي أحسَّ على قلبه وشعرَ بقربه هذا إنسان حيّ، أمّا الذي غفلَ عن الله عزّ وجل فاستوت غفلته مع صحوته .. يعني هو لم يصحو حتى يشعر أنه غَفل .. غفلَ مستمراً .. لذلك حينما يسأل هل أنتَ متصل يقول لكَ نعم، هو ما ذاقَ الاتصال حتى يشعر بالهجران.
إذاً : مقياس القرب : حلاوة الذِكرِ، حلاوة الصلاة، وحلاوة تلاوة القرآن . هذا مقياس فإذا كان الباب مغلقاً معناها في حِجاب، معناها الله عزّ وجل أغلقَ في وجهكَ الباب، لأنه ليسَ راضٍ عن عملك . ابحث في الخلل، ابحث في الزلل، ابحث في الانحراف، في التقصير.
الذِكر ورد فيه آيات كثيرة جداً ، إن ذِكرَ الله عزّ وجل وردَ في القرآن الكريم على عدة وجوه:
1- أنَّ الله أمر بالذِكرِ مطلقاً وأمرَ به مُقيّداً،
الذكر المطلق " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا " 33:41
هذا أمر مطلق والمُطلق على إطلاقه، يعني إذا قراتَ القرآن ذكرتَ الله، وإذا أمرتَ بالمعروف ذكرتَ الله، وإذا قلتَ الله الله ذكرتَ الله، وإذا حَمدته ذكرته، وإذا سبّحته ذكرته، وإذا وحدته ذكرته وإذا كبّرته ذكرته، وإذا دعوته ذكرته. "
الذكر المقيد .. قال تعالى:
" وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ " 7:205
2- نهى عن ضده وهو الغفلةُ والنسيان قال تعالى:
ولا تكن من الغافلين " غَفَلَ عن ماذا ..؟.. غَفَلَ عن ذِكر الله فكانت النتيجة فى قول الله سبحانه:
" فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ " 43:83
لذلك، العمل لو درَّ عليكَ ألوف الألوف واستهلكَ وقتكَ كله فأنتَ في خسارةٍ كبيرة، إذا استهلكَ عملكَ كلَّ وقتك فأنتَ في خسارةٍ كبيرة لأنه جعلكَ من الغافلين.
" وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " 59:19
أمركَ بالذِكرِ مطلقاً أمركَ به مقيّداً، تضرعاً وخيفة، سِراً وجهراً، بقلبكَ وبلسانك، ونهاكَ عن ضده ..
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ " 63:9
الله سبحانه وتعالى علّقَ الفلاحَ بذكر الله، الفلاح .. يعني ..تقول عن إنسان نجحَ في حياته يعني أتقن عملاً معيناً ودرَّ عليه هذا العمل رزقاً وفيراً تزوج وسكنَ بيتاً مريحاً وله مركبة وله مكانة اجتماعية واعتنى بصحته .. يقول الناس فلان ناجح في الحياة.
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " 8:45
3- الله عزّ وجل أثنى على أهل الذِكرِ وبيّنَ أنه أعدَ لهم الجنة والمغفرة
" وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً " 33:35
4- أخبرَ الله عزّ وجل أن أكبر شيء هو ذِكر الله ولذلك قال سبحانه فى سورة الأنفال 8:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ "
فى الصيام
الناس في رمضان في أيام العيد يُكبّرون الله عزّ وجل، لماذا شُرعَ التكبير بعدَ الصيام، هكذا قالَ الله عزّ وجل : "ولتكملوا العِدّة ولِتكبروا الله على ماهداكم ولعلكم تشكرون " 2:185
وختمَ به الحج
" فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ " 2:200
وختمَ به الصلاة
فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً " 4:103
وختمَ به الجمعة
" فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " 62:10
كلُ عملٍ ابتغيتَ به وجهَ اللهِ وذكرتَ الله فيه فأنتَ من الذاكرين .
يقول سبحانه فى سورة الأحزاب:
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (33:35)
المغفرة والأجر العظيم لمن تتوفر فيه الصفات الآتية:
المسلمين، المؤمنين، القانتين، الصادقين، الصابرين، الخاشعين، المتصدقين، الصائمين، الحافظين لفروجهم، والذاكرين كثيرا. 10 صفات.... فكم من هذه الصفات تنطبق عليك؟
هذه الاية إختبار لكل من يدعى انه مسلم ويتبع القرآن.....فحاسب نفسك قبل أن يحاسبك الملك..... !
أختم هذه المقالة بالآية الكريمة موعظة وتذكرة:
" فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ " 43:43,44
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...