متى يتعلم سلفيو مصر الانتماء لمصر ؟!!

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٢ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أولا

الوهابية ـ وهى الطبعة المعاصرة من الدين السّنى ـ سيطرت على مصر خلال الأربعين عاما الماضية ، وجعلت المصريين يوجهون وجوههم شطر نجد والدولة السعودية باعتبارها مركز الدين السنى الوهابى ، وأصبح التقديس للسعودية وباءا سائدا الى درجة أن عوام السلفيين يعتقدون أن النبى محمدا عليه السلام قد عاش ومات فى السعودية ، لا يعرفون أن الدولة السعودية الراهنة قد إنشئت عام 1932 ، أى بعد صدور جريدة الأهرام فى القاهرة بأكثر من 55 عاما ، كما لايعرفون أن محمد ابن عبد الوهاب منشىء الديانة الوهابية السنية مولود فى نفس المنطقة التى ولد فيها من قبل مسيلمة الكذاب ، وإن ابن عبد الوهاب قد تفوق على مسيلمة الكذاب فى الافتراء وفى سفك الدماء. تحالف الجهل مع الكذب والافتراء جعل عوام المصريين السلفيين ينتمون الى السعودية ويرفعون أعلامها فى مظاهرة ( وطنية ) ، كما جعلهم يجهلون مكانة مصر فى الاسلام وفى القرآن الكريم .

وفى عام 1998 أصدر مركز ابن خلدون مشروع إصلاح التعليم فى مصر بعنوان ( التعليم والتسامح )، وكان لى شرف وضع مقترحات للتربية الدينية الاسلامية بديلا مقترحا فى مادة التربية الدينية فى مراحل الابتدائى والاعدادى والثانوى .

وعرضنا المشروع بأكمله ( مقترحات التربيةة الدينية والقراءة و التاريخ والتربية القومية ) للنقاش العلنى وأرسلنا نسخا منه للأزهر والكنيسة ووزارة التعليم ورئاسة الوزراء ومجلس الشعب والاعلام والمفكرين والتربويين ، وعقدنا له جلسات علنية ، وكانت النتيجة تعرض د .سعد الدين ابراهيم وكاتب هذه السطور ومركز ابن خلدون لهجوم عات دون ان يحاول المهاجمون مجرد قراءة المناهج المقترحة والتى ليست سوى اقتراحات ندعو لمناقشتها للتنبيه على ضرورة اصلاح التعليم انقاذا لمصر من مستقبل محفوف بالمخاطر . الموضوع مؤلم ومحزن إذ انتهى الأمر الى تداعيات أدت الى القبض على د. سعد الدين ابراهيم وخروجى من مصر هاربا بحياتى .  

وفى مقترحات لمادة التربية الدينية للتعليم الثانوى كتبت هذا الموضوع فى أهمية الانتماء الى مصر من وجهة نظر اسلامية .  أرجو من القارىء أن يجيب على سؤال محدد : هل من يكتب هذا الموضوع يستحق التكريم أم التخوين والتكفير؟

ثانيا : الموضوع :

( فى الانتماء الى مصر

  ماهيةالانتماء

فى قصص الأنبياء يتضح أن الانتماء يكون للقوم الذين يعيشون معاً على أرض واحدة ووطن واحد، يسرى ذلك على النبى نفسه، إذ كان انتماء كل نبى لقومه، وكان يخاطبهم قائلاً "يا قومى" أى يا أهلى وعشيرتى، مع أن أولئك القوم كانوا أعداء النبى، ولذلك يتردد فى القصص القرآنى عن الأنبياء السابقين حديث النبى لقومه "يا قومى"، ويقول تعالى لخاتم النبيين عليه وعليهم السلام ﴿وَكَذّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقّ﴾. ويقول ﴿وَإِنّهُ لَذِكْرٌ لّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ (الزخرف 44) أى أنهم قوم النبى وإليهم ينتسب النبى، حتى لو كانوا ضد دعوة النبى.

وهناك أكثر من ذلك، فأولئك القوم المعاندون قد يهلكهم الله تعالى بسبب طغيانهم، ومع ذلك فإنه النبى يظل يبكى قومه بعد هلاكهم ويتحسر عليهم، فالنبى صالح أخذ يتحسر على قومه بعد هلاكهم ويقول ﴿يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاّ تُحِبّونَ النّاصِحِينَ﴾ (الأعراف 79) والنبى شعيب فيما بعد كرر نفس الحسرة بعد هلاك قومه ﴿يَقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَىَ عَلَىَ قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ (الأعراف 93) أى يسائل نفسه حزناً كيف يحزن على قوم كافرين، لأنه كان فعلاً حزيناً على قومه الكافرين. وبالتالى فإن الانتماء هو للقوم حتى لو كانوا كفره أهلكهم الله، والنبى نفسه ينتمى لأولئك القوم لأنهم ببساطة قومه وأهله عشيرته، والقومية فى مفهوم القرآن لا تعنى الانتساب إلى أصل عرقى واحد أو قبيلة واحدة، وإنما تعنى العيش فى وطن واحد مهما اختلفت الأنساب والأعراق والمذاهب الدينية والفكرية. ونعطى الدليل من القرآن من خلال قصة لوط وموسى عليهما السلام. فالمعروف أن لوطاً هاجر مع عمه إبراهيم عليهما السلام من العراق إلى الشام، وافترقا، فعاش لوطاً فى سدوم وعمورة بين فلسطين والأردن بين قوم أدمنوا الشذوذ الجنسى. ومع ذلك فإن وصفهم فى القرآن "قوم لوط" وأحياناً يصفهم القرآن بأنهم "إخوان لوط" (ق 13) أى أن لوطاً بعد أن هاجر إلى أولئك الناس أصبح منهم، وأصبحوا قومه طالما عاش معهم فى نفس المكان أو نفس الوطن، ولذلك كان يخاطبهم بهذه الصفة حتى فى معرض الاحتجاج يقول مثلاً ﴿يَقَوْمِ هَـَؤُلآءِ بَنَاتِي هُنّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رّشِيدٌ﴾ (هود 78).

وفى قصة موسى حيث طغى فرعون واستبد واضطهد بنى إسرائيل، وهم من سلالة يعقوب عليه السلام وعاشوا بمعزل عن المصريين، إلا أن القرآن الكريم اعتبرهم من أهل مصر، فقال عن فرعون ﴿إِنّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مّنْهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ﴾ (القصص 4) إذن بنو إسرائيل هم مصريون فى ذلك الوقت بحكم عيشهم المشترك مع المصريين فى نفس الوطن مصر. ولأن فرعون لم يفهم هذا واضطهد هذه الأقلية فإن الله تعالى اعتبره من المفسدين، وأرسل نبياً من نفس هذه الأقلية لينقذها من عسف الفرعون، فلما ازداد بغى فرعون أهلكه الله تعالى مع المستكبرين من جنده وقومه.ونخلص من هنا إلى أن الانتماء هو للوطن الواحد الذى يعيش فيه شعب تتعدد أنسابه وأعراقه وأديانه ومذاهبه، ولكن يعيشون فى أمن وسلام ووئام. فإذا تبدل السلم اضطهاداً حاق غضب الله تعالى بالظالمين، وتوجبت الهجرة على القادرين عليها . وهذا هو الدرس المستفاد من قصص القرآن الكريم.

وإذا كان هذا عاماً فى كل زمان ومكان فإنه يتجلى أكثر فى مصر حيث دار حول مصر أهم القصص القرآنى، وحيث كانت مصر أقدم وطن فى العالم ، وحيث عاش ولا يزال يعيش فيها أعرق شعب فى العالم، امتد فيها الوجود الإنسانى منذ فجر التاريخ المكتوب وغير المكتوب، وأقيمت فيها أول دولة فى العالم وتأسست فيها أقدم حضارات العالم، ويتصدر تاريخها القومى الفرعونى صفحات كل كتب التاريخ فى كل مدارس العالم. وهذا كله حافز لكل مصرى لكى يتشرف بالانتماء لهذا الوطن، مصر الوطن ومصر الشعب والبشر، وأن مصر هى الموطن الوحيد الذى سبق نزول القرآن وتحدث عنه القرآن ولا يزال حاضراً مستمراً بنفس الخصائص بعد نزول القرآن، بينما انتهت وهلكت الأمم الأخرى التى تحدث عنها القرآن.

  لمحة عن مصر فى القرآن الكريم

1- ورد اسم مصر فى القرآن الكريم أربع مرات بمعنى الوطن مصر، وهى ﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ وَأَخِيهِ أَن تَبَوّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ (يونس 87)، ﴿وَقَالَ الّذِي اشْتَرَاهُ مِن مّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ (يوسف 21)، ﴿وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ اللّهُ آمِنِينَ﴾ (يوسف 99)، ﴿وَنَادَىَ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ (الزخرف 51).والواضح أن اسم مصر ورد فى قصص موسى ويوسف.

وجاء اسم مصر مرة واحدة بمعنى المدينة المتحضرة فى قصة موسى حين قال لقومه ﴿اهْبِطُواْ مِصْراً﴾ (البقرة 61) ومصر هنا لا تدل على مصر الوطن وإنما هى كلمة عربية تعنى "مصّر المكان تمصيراً، أى جعلوا مصراً فتمصر" وهذا هو معنى مصراً فى القاموس. ولذلك يقال (الأمصار) ويقال (أنشأ عمر مصراً) أو (المصرين) الكوفة والبصرة. أى أنشأ مدينتى الكوفة والبصرة وهذه يعنى أن اللغة العربية حين نطق بها العرب لأول مرة فى الصحراء نظروا حولهم فلم يجدوا مدناً إلى فى مصر، فأصبحت كلمة مصر تعنى لديهم التحضر والمدن التى تنشأ. ومن هنا فإن القرآن الكريم يستعمل كلمة مصر الوطن مفعولاً به ممنوعاً من الصرف والتنوين، فيقول على لسان يوسف ﴿وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ اللّهُ آمِنِينَ﴾. ثم يستعمل كلمة مصر بمعنى المدينة المتحضرة وهى مفعول به أيضاً ولكن يجعلها مفعولاً به منصوباً بالتنوين، فيقول على لسان موسى ﴿اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنّ لَكُمْ مّا سَأَلْتُمْ﴾.والمقصود أن اسم مصر ورد فى القرآن الكريم بالمعنيين الموجودين فى اللغة العربية، بمعنى الوطن وبمعنى المدينة المتحضرة. وفى هذا شرف للمصريين، خصوصاً وأن الاسم ورد فى قصص الأنبياء. وهم مصريون بالموطن.

2- وجاءت مصر بمعنى الأرض 33 مرة، والنسق القرآنى يضفى وصف الأرض على وطن ما إذا بلغ قومه درجة كافية من القوة كقوله تعالى ﴿فَأَمّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُواْ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدّ مِنّا قُوّةً﴾ (فصلت 15) ولذلك استحقت مصر من القرآن أن توصف بأنها "الأرض" وتكرر ذلك فى القرآن كقوله تعالى فى سورة القصص ﴿إِنّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرْضِ.. وَنُرِيدُ أَن نّمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأرْضِ.. وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ.. إِن تُرِيدُ إِلاّ أَن تَكُونَ جَبّاراً فِي الأرْضِ.. وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرْضِ﴾ (القصص 4، 5، 6، 19، 39) ونفس الحال مع قصة موسى أيضاً فى سورة الأعراف (127، 128، 129، 137) أما فى قصة يوسف فيقول الله تعالى عن تطور مكانة يوسف فى مصر ﴿وَكَذَلِكَ مَكّنّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ﴾ (يوسف 21،56) وحين طلب يوسف وظيفة من ملك مصر قال له ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىَ خَزَآئِنِ الأرْضِ﴾ (يوسف 55) أى أن خزائن مصر كانت خزائن الأرض جميعاً. كما عبر القرآن عن تمسك المصريين بوطنهم واعتزازهم به حين كانوا يقولون "أرضنا" ﴿قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَمُوسَىَ﴾ (طه 57).

3- وفى مصر توفى أنبياء وإليها جاء أنبياء، وفيها ولد ونشأ أنبياء. جاء إليها الخليل إبراهيم وتزوج من هاجر المصرية، وتحدث القرآن عن مجىء يوسف صبياً إلى مصر حيث نشأ فيها وتقلب إلى أن أصبح عزيز مصر، ثم استقدم أبويه وأسرته، فجاء يعقوب إلى مصر، وفيا مات وهو يوصى أبناءه بالإسلام (البقرة 133) وهى نفس الدعوة التى قالها يوسف حين بلغ فى مصر الدرجة العليا ﴿رَبّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنتَ وَلِيّي فِي الدّنُيَا وَالاَخِرَةِ تَوَفّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ﴾ (يوسف 101) وفى مصر عاش ونشأ موسى، وفيها عاش ونشأ هارون.. ولم يتحدث القرآن عن كل الأنبياء، قال تعالى ﴿وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ (النساء 164) ولكن الله تعالى يؤكد أنه بعث فى كل أمة رسولاً ﴿وَإِن مّنْ أُمّةٍ إِلاّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ (فاطر 24) إذن فالأنبياء المصريين لم ينقطع وجودهم طوال التاريخ المصرى الممتد، أطول تاريخ مستمر فى العالم وأعرق تاريخ عرف الوحدانية.

4- ومصر يصفها القرآن بالأرض المباركة، يقول تعالى عنها ﴿الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ (الأعراف 137). وسيناء وجبل الطور بالذات لا نجد له نظيراً فى احتفال القرآن به، ففى جبل الطور فى سيناء كلم الله تعالى موسى لأول مرة أثناء عودته بزوجته إلى مصر، وفى نفس المكان استمر تكليم الله تعالى لموسى، وعلى نفس الجبل طلب موسى أن يرى الله فتجلى الله تعالى للجبل فجعله دكاً، وعلى نفس الجبل كان ميقات موسى مع ربه جل وعلا، وعلى نفس الجبل تلقى ألواح التوراة، وإلى نفس الجبل أخذ موسى سبعين رجلاً من قومه لميقاتهم مع الله تعالى، ورفع الله تعالى جبل الطور وأخذ العهد على بنى إسرائيل، وعشرات الآيات تحدثت فى ذلك كله، ولكننا نكتفى بإيراد الآيات الكريمة التى تصف هذه الأرض المصرية بالطهر والقداسة والبركة.

يقول تعالى لموسى حين ناداه فى جبل الطور ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدّسِ طُوًى﴾ (طه 12) ويقول تعالى عن نفس الموضوع ﴿إِذْ نَادَاهُ رَبّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدّسِ طُوًى﴾ (النازعات 16) ومن حق كل مصرى أن يفخر بأن فى مصر ذلك الوادى المقدس الذى لا نظير لقدسيته فى القصص القرآنى. والدليل على ذلك وصف القرآن لذلك الخطاب المباشر من الله تعالى لموسى فى الأرض المصرية، حين رأى موسى ناراً تخرج من الشجرة، فجاءه الخطاب من تلك الشجرة، ونقتطف بعض الآيات التى تؤكد بركة وقدسية المكان وما فيه، يقول تعالى عن موسى حين جاء للشجرة ﴿فَلَمّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ (النمل 8) فالقرآن يصف تلك المنطقة من سيناء بالبركة الإلهية، وفى سورة القصص (30) يقول تعالى ﴿فَلَمّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ الْوَادِي الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشّجَرَةِ أَن يَمُوسَىَ إِنّيَ أَنَا اللّهُ رَبّ الْعَالَمِينَ﴾ والبركة تلحق بتلك الشجرة، شجرة الزيتون، وقد قال تعالى عنها فى معرض التشبيه بنور الله تعالى وهدايته ﴿اللّهُ نُورُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزّجَاجَةُ كَأَنّهَا كَوْكَبٌ دُرّيّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾ (النور 35) وهذه الشجرة المباركة الزيتونة تخرج من طور سيناء، حيث خرج منها النور داعياً موسى لأن يأتى نحوه، ولذلك فإن الله تعالى بعد ذكر ألائه فى الخلق والنعم جعل منها تلك الشجرة، فقال ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِالدّهْنِ وَصِبْغٍ لّلاَكِلِيِنَ﴾ (المؤمنون 20).

وهذا التكريم لطور سيناء (الذى ذكره القرآن الكريم عشر مرات) يغرى بعقد صلة بين تكريمه وتكريم المسجد الحرام والبيت العتيق فى مكة المكرمة. وهنا نلاحظ أن مصر هى البلد الوحيد فى الأرض الذى اقترن اسمه بالأمن مع المسجد الحرام، يقول تعالى عن المسجد الحرام ﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ (آل عمران 97) ويقول تعالى عن مصر ﴿ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ اللّهُ آمِنِينَ﴾ (يوسف 99) هذا عن مصر عامة. أما عن طور سيناء المصرى، فقد جاء مقترناً بالبيت الحرام فى سورتين، فى سورة الطور ﴿وَالطّورِ. وَكِتَابٍ مّسْطُورٍ. فِي رَقّ مّنْشُورٍ. وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾ وفى سورة التين حيث يقول تعالى ﴿وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهَـَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ﴾. وفى السورتين يقسم تعالى بطور سيناء المصرية، وبالبيت الحرام فى البلد الأمين.

 بعض النماذج من تاريخ المصريين فى القرآن:

 & من هم أهل مصر؟

القرآن يحددهم بأنهم الذين يعيشون على أرض مصر حتى لو اختلفوا فى الثقافة والعقيدة عن الأكثرية. والدليل أن الله تعالى اعتبر بنى إسرائيل ضمن أهل مصر، فقال تعالى عن فرعون واضطهاده لبنى إسرائيل ﴿إِنّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مّنْهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ (القصص 4). وعليه فإن كل من استضعف طائفة من المصريين وظلمهم فهو من المفسدين وعلى سنة فرعون يسير، وعليه أيضاً فإن الأنبياء الذين عاشوا وأهاليهم فى مصر هم مصريون طبقاً لذلك التحديد القرآنى.

&: ونعطى نماذج من أولئك المصريين من غير الأنبياء والقيم المستفادة منهم:

1- أم موسى صاحبة الوعد الإلهى الذى خوطبت به، والتى لم تكتف بالوعد بل صنعت لوليدها موسى مهداً وألقت به فى النيل، ثم أرسلت ابنتها خلفه، ونجح سعيها فصارت مرضعاً لابنها وتحقق وعد الله لها ﴿إِنّا رَآدّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ (القصص 7).

2- امرأة فرعون التى جعلها الله تعالى مع السيدة مريم المثل الأعلى لكل المؤمنين ذكوراً وإناثاً. قال تعالى عنها ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لّلّذِينَ آمَنُواْ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنّةِ وَنَجّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ (التحريم 11) فهذه ملكة لم يلهها الجاه والجبروت عن اعتناق الحق، وصارت مثلاً أعلى لكل المؤمنين من الرجال والنساء مع أنها ملكة وزوج لأحد الجبابرة فى الأرض.

3- وهناك أمير آخر من الأسرة المالكة اعتنق الحق وطفق يدعو إليه سراً فى القصر الفرعونى، وخلد القرآن ذكره حين واجه خطة فرعون بقتل موسى ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مّؤْمِنٌ مّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّيَ اللّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِالْبَيّنَاتِ مِن رّبّكُمْ﴾ (غافر 28) وفى النهاية قال لقومه ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوّضُ أَمْرِيَ إِلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ. فَوقَاهُ اللّهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ﴾ (غافر 44،45) ومن خلال الآراء التى أوردها القرآن عن ذلك الرجل المؤمن نتعرف على عمق ثقافته وإيمانه وجرأته وحبه لوطنه وقومه. وتحليل أقواله يستلزم الكثير من الدراسة.

4- وهناك رجل مؤمن آخر من عامة الشعب جاء من أقصى المدينة يسعى وقد نصح موسى بالهرب فى شجاعة نادرة فلم يخف من بأس الفرعون وجبروته (القصص 20).

5- وهناك السحرة من خدم فرعون، والذين حين عرفوا الحق سجدوا لله تعالى وصمموا على التمسك بالحق وصبروا على تقطيع الأيدى والأرجل والصلب على جذوع النخل وقالوا لفرعون ﴿قَالُواْ لَن نّؤْثِرَكَ عَلَىَ مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنّمَا تَقْضِي هَـَذِهِ الْحَيَاةَ الدّنْيَآ. إِنّآ آمَنّا بِرَبّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السّحْرِ وَاللّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىَ﴾ (طه 72،73) وهو نموذج عظيم للتضحية لا يقارنه إلا نموذج أصحاب الأخدود.

6- وفى قصة يوسف نرى الرجل صاحب الجاه الذى شهد بالحق ونصر يوسف على امرأة العزيز مع أنه قريبها (يوسف 26) كما نرى الفراسة الصادقة فى صاحبى يوسف فى السجن حين توسما فى يوسف الصدق واستشاراه فى مناميهما وقالا له ﴿نَبّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف 36).

7- وحتى فى النواحى السلبية، ففى طغيان فرعون ومصيره نتعلم منه كيف يحيق المكر السىء بأهله، وكيف يؤدى الاستبداد بالبلاد والعباد، وكيف لا تنفع التوبة عند الاحتضار، إذ أن فرعون نطق بالإسلام عند الغرق فلم يفده ذلك شيئاً، وفى قصة يوسف نرى طغيان امرأة العزيز قد انقلب فى النهاية إلى توبة حقيقية واعتراف بالذنب على رؤوس الأشهاد وأمام الملك وقالت ﴿وَمَآ أُبَرّىءُ نَفْسِيَ إِنّ النّفْسَ لأمّارَةٌ بِالسّوَءِ إِلاّ مَا رَحِمَ رَبّيَ إِنّ رَبّي غَفُورٌ رّحِيمٌ﴾ (يوسف 53) ونفس الشهادة الصحيحة شهدتها معها النسوة المترفات.) انتهى ..

أخيرا : عار السلفية المصرية

هذه هى مصر فى القرآن والتى لا يفهم السلفيون المصريون قدرها ، بل يوجهون وجههم نحو محور الشّر فى العالم ، يرفعون علم الوهابية السعودية فى أرض مصر .  يا للعار ..!!

وهذا ما قلناه فى ( القرن الماضى ) خوفا من تحكم السلفية فى عقول المصريين . ومن أسف فما كنا نخاف منه قد تحقق ..ومرة أخرى .. ياللعار ..!!

السؤال الأخير : الى متى ؟

اجمالي القراءات 15529