-1-
تركي الحمد المفكر والروائي السعودي، أضاف الكثير إلى ما كتبه وتركه لنا الراحل عبدالرحمن منيف الروائي السعودي الآخر، الذي تُرجمت كثير من رواياته إلى عدة لغات. وتركي الحمد، قدم للمكتبة السعودية والمكتبة العربية العديد من المؤلفات الفكرية/السياسية المهمة منها: "الحركات الثورية المقارنة، 1986"، و"دراسات أيديولوجية في الحالات العربية، 1992"، و"عن الإنسان أتحدث، 1995"، وأخيراً "الثقافة العربية أمام تحديات التغيير، 1993". وهذا الكتاب الصغير الذي صدر عن "دار الساقي" ضمن "سلسلة بحوث اجتماعية"، كتاب كبير في موضوعه، وهو موضوع يتجدد يومياً. وعندما نقرؤه اليوم، فكأن تركي الحمد قد كتبه البارحة، ومن وحي ما يجري في العالم العربي الآن.
-2-
ولكن قبل الحديث عن "الثقافة العربية أمام تحديات التغيير"، هذه التحديات الماثلة الآن في العالم العربي أمام الثقافة العربية الممتحنة بهذه التحديات وغير المستعدة لها – برأينا – والتي جاءت ليس كمطر الربيع الناعم المنتظر، ولكن كطوفان الصيف والشتاء المفاجئ الماحق للدكتاتورية القروسطية العربية.. لا بُدَّ من التأكيد على أن العزل الثقافي الذي يمارسه المخالفون لتركي الحمد وغيره من مفكري، وكتّاب، وروائيي، وشعراء السعودية والعالم العربي، يعتبر جريمة كبرى في حق هذه الأنشطة، وسوف يُسجِّل التاريخ لنا هذا الإجراء باستنكار شديد، وبتقريع قاسٍ. فللآخرين المعارضين للحمد والمختلفين معه في الرأي والتوجه الحق ـ رغم استنكارنا الشديد ـ فيما يطلقون عليه من ألقاب قاسية كـ "شيطان العلمانية"، و"المرتد"، و"الزنديق" وغيرها من الألقاب، والصفات القاسية، التي لا تليق بالمثقفين في عصر ثورة المعلومات والاتصالات والعولمة التي يقول عنها الحمد: "فالرافضون للعولمة رفضاً مطلقاً، باسم حماية الخصوصية الثقافية والهوية، مصيرهم الاندثار. والتاركون أنفسهم للموج يحملهم كيف شاء، وأنَّى شاء، مصيرهم الاندثار أيضاً". ولكن ليس من حق هؤلاء أن ينكروا عليه قوله فيما يشاء، وكيفما شاء، ويحولوا بينه وبين هذا القول. فكل ذلك دليل مرض وليس دليل صحة. والمرض كل المرض هو الكلمة الواحدة، والرأي الواحد، والتوجّه الواحد، والفكرة الواحدة، وما دون ذلك فهو زندقة، وتجديف، وخروج على الإجماع، في عصر لم يعد فيه الإجماع الآن هو الحكم الفصل، حيث تعددت فيه الأفكار، واختلفت الاجتهادات. وأصبح لكل فكرة ولكل موقف آلاف الوجوه، بعد أن اتسعت الآفاق والمعارف، وانفتحت سبل تدفق المعلومات التي لم تعد محصورة بفئة من الفئات أو بمنهج من المناهج.
-3-
تركي الحمد، في كتابه "الثقافة العربية أمام تحديات التغيير"، الذي صدر عام 1993 يتحدث عن تحديات التغيير، وكأنه يتحدث عنها اليوم، حيث تواجه الثقافة العربية تحديات التغيير. وكأنه كان يرى عام 1993 (تاريخ صدور كتابه) حال العالم العربي اليوم قبل 18 عاماً. وتلك رؤى لا يتمتع بها غير القلائل من المثقفين والسياسيين ذوي البصر والبصيرة النافذة، كما قرأنا في رسائل جواهر لال نهرو لابنته أنديرا غاندي عام 1930-1933، لم يكن يعلم تركي الحمد عندما كتب هذا الكتاب، أن ثقافة العالم العربي ستقف أمام تحديات التغيير بهذه السرعة، وبهذه القوة أيضاً. وإن كان يتوقع أن يحدث ذلك في أي وقت، دون أن يكون على علم تام بموعد ذلك. وهو ما عجزت عنه كذلك دوائر الرصد الغربية. فقد اعترف الصحفي الفرنسي آلان جريتش في مقاله في "اللوموند ديبلوماتيك" بعنوان "اليقظة العربية تغير النظام الإقليمي" (16 /4 /2011)، بأن الدوائر الغربية لم تتمكن من التنبؤ بقيام الثورات، التي تجري الآن في العالم العربي. وقال إن "التهكم على الشارع العربي أصبح أمراً اعتيادياً في أروقة قصر الإليزيه، كما في وزارات الخارجية الغربية. فهل كان يجب الأخذ بعين الاعتبار ما كان يفكر فيه مئات الملايين من الأشخاص، الذين كان لا يُتوقع منهم في أفضل الأحوال سوى رفع شعارات معادية للغرب؟" وتقول عالمة الاقتصاد السياسي البولندية روزا لوكسمبورج (1871-1919) ـ وهي تشير إلى الثورات الأوروبية في القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين ـ إن "الثورة لا يمكن التنبؤ بها ساعة واحدة قبل اندلاعها". فرغم امتلاك أميركا أكبر جهاز مخابرات في العالم CIA، إلا أن هذا الجهاز عجز عن التنبؤ أو التحذير من ثورتي تونس ومصر مثلاً. ومن المعروف أن البيت الأبيض والكونجرس الأميركي، وجها انتقادات حادة إلى جهاز المخابرات الأميركية، لعجزه عن توقُّع الثورة في مصر، وسقوط بن علي ومبارك، حليفي الولايات المتحدة. وذكرت شبكة "سي بي إس" أن باراك أوباما، أبلغ رئيس المخابرات الأميركية السابق (جيمس كلابر)، خيبة أمله في العاملين بالمخابرات الأميركية، نظراً لإخفاقهم في التنبؤ باندلاع المظاهرات التي أدت إلى الإطاحة ببن علي وحسني مبارك. ولكن كان على أوباما أن يعلم، أن التنبؤ بالثورات، يكاد يكون مستحيلاً.
(وللموضوع صلة).