نهاية الطاغية البلياتشو

محمد عبد المجيد في الأربعاء ١٧ - أغسطس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

خمسة من الطواغيت نشرت عنهم ( وقائع محاكمة ..) وهم مبارك وبن علي وبوتفليقة والبشير والعقيد، وشاهدت الأول على الشاشة الصغيرة راقداً على فراش خلف قفص يحميه ولداه من فضول الكاميرا، أما الثاني فحاكـَمـَهُ شعبه غيابياً بعد الهروب المذل والمخزي، فطواغيتـُنا لم يكونوا فرساناً في يوم من الأيام، إنما هم فئرانٌ تختبيء تحت جلود ذئاب، وأرانب تبدو كأنها ضـِباع.
والثالث في حماية العسكر، فأهالي المفقودين في جزائر الشهداء لن يهنأ لهم جفنٌ قبل أن يحاكموه على جريمة التستر، وجرائم الفساد التي دنـَّست أرض المليون ونصف المليون شهيد.
والرابع مطلوب للعدالة الدولية، ومحكمة مُجرمي الحرب، ولولا أنْ أسبغ عليه المزايدون، تـُرابياً، حماية دينية مزيفة لكانت أمهات الفتيات اللائي تم اغتصابهن على حواف بحيرات دارفور قد أكلن كبده، وشربن دمـَه، وعلـَّقن ما بقي من جثته علىَ جذع شجرة قديمة لا تستظل بها إلا الحيوانات المفترسة.
وأما الخامس فلم تنجب صحراء ليبيا شيطاناً مثله، ولعلي لا أبالغ إنْ قلت بأن إبليس لو تجسد رجلا ووقف بجانبه لكان أكثر وداعة، ولطفاً، وَرِقـَّة، وسماحة!
في 21 فبراير من هذا العام كتبت ( وأخيرا سيسحل الليبيون الطاغية المهرج)، وطال انتظاري لتهنئة الليبيين، لكنني لم أفقد الأمل لحظة واحدة في أن شعبـَنا الذي صمت على تهريج المستبد أكثر من أربعة عقود لن ينهزم بعدما عرف أن فيه روح عمر المختار، وأن السوط لا يـُلهب ظهراً معتدلا لمواطن يرى أن قيمته من كرامتـِه، وأن كرامتـَه من قدرتـِه على الغضبِ، وأن غضبـَه يُمثل أرقىَ مشاعر الحرية.
الحُلم يمثل خيالا في النوم، أما أحلامي في سقوط الطغاة فهي عين اليقظة، وهي تنتقل بي في دقائق معدودة بين قصور الطغاة وخيامـِهم في عالمنا العربي الممتد من الزنزانة إلى الزنزانة، فإذا رأيتُ قفصاً يقف فيه مستبد تداعىَ له قفص آخر ينام فيه طاغية، وإذا شاهدتُ قاضياً ينادي على ديكتاتور، لمحت على الفور سفـّاحاً آخر يُخفض رأسه خجلا أمام جماهير تلعنه علناً بعدما أفرغت كل ما في جعبتها من لعنات سـِراً و.. بين جدران أربعة.
أستعيد من ذاكرتي يوم أنْ قال سفير ليبيا في الدانمرك لصديق عزيز بأن محمد عبد المجيد كان محظوظا ( في العام الذي سبقه)، فقد دعوناه لزيارة الجماهيرية بحجة لقاء الأخ العقيد ولم يُلـَب الدعوةَ، وكان الهدف أن نشد أذنه ( يقصد تصفيتي )، ومنذ ذلك الحين ولأكثر من خمس عشرة سنة جعلت قلمي في عين سفاح ليبيا المهرج، فكتبت ( فلسفة التخلف في فكر العقيد) و ( عبقرية الحماقة لدى العقيد) و(لماذا لا يُحاكـَم العقيد معمر القذافي ) و ( أمريكا تطبع قبلة على جبين العقيد ) و ( المخرب أم المخرف ) و ( العقيد يلقي دروسا في الجنس ) و ( القول السديد في بلاهة العقيد ) و ( وقائع محاكمة العقيد معمر القذافي ) و ( ولكن الليبيين سعداء بالعبودية ) و ( ماذا لو حقن العقيد الليبيين بالإيدز؟ ) و ( المراحيض في خيمة العقيد ) و ( لماذا لا يبيع العقيد الليبيين؟ ) و ( التبكيت والتنكيت والتسكيت و .. التفتيت) و ( برونتو .. العقيد في ايطاليا ) و ( مقطع من يوميات معمر القذافي ) .. وغيرها الكثير.
ألم يهدد برزان التكريتي بتصفيتي؟
ألم يحاول صديق عزيز استدراجي لشد أذن آخر في عهد مبارك بحجة استضافتي في حديث تلفزيوني بالقاهرة، ثم اكتشفت أن لا وجود للبرنامج المزعوم؟
وللحق فقد غمرني الليبيون برسائل محبة شحنت قلمي بمداد لا ينقطع، فمعركتُهم هي معركتي كأنني ليبي سقط من بطن أمه في مصراتة أو زليطن أو طبرق أو بنغازي!
فرحتي بنصر قريب تعادل خوفي على سرقة ثورة فرسان ليبيا وأبطالها، فلصوص الثورات يتربصون عند كل مدخل، ويمكنك أن تعثر عليهم بسهولة على ناصية أو في مكتب أو في صحيفة أو حزب أو عضوية جماعة، وقد يرتدون أقنعة تقنعهم أنهم من أتباع النظام الجديد.
فالطغاة يقومون بتربية كلاب تظل وفية لأسيادها زمناً طويلا حتى لو هزّت ذيولها لأسياد العهد الجديد، لذا ينبغي أن يأخذ الثوار المنتصرون بفضل الله حذرهم من الحرباء التي تغير لونها لخداع بصر خصومها.
نصيحتي لأبطال الثورة أن يعيدوا ما خرّبه المهرج في أربعين عاما أو يزيد، وأن يتسلحوا بكل صور التسامح والحرية والديمقراطية، وأن يبتعدوا عن التطرف والمزايدة والتحالفات التي تصنعها جماعات متشددة لو سقطت ليبيا الحرة في براثنها لترحم الليبيون على عهد أعفن طغاة الصحراء.
ما أجمل أول عيد فطر بدون مبارك وبن علي والقذافي والأسد الشبل وكذاب اليمن المستبد!
من يدري فقد نحتفل بعيد الأضحى بدون عمر حسن البشير وعبد العزيز بوتفليقة وعسكره..
أحلم بعيد جديد بعدما يتخلص الفلسطينيون من كل زعمائهم وقياداتهم، يمينا أو يساراً أو إسلاميا أو علمانيا، في رام الله أو غزة أو المنفى أو الشتات أو مخيمات خارج الوطن المحتل، فكل القيادات الفلسطينية ترفع شعار النصر وقلوبها في تل أبيب.
معذرة، فلو استرسلت في أحلامي لوصلت إلى عراقنا الحبيب، وقد تخلـَّص من الاحتلال، وحاكـَمَ كل لصوص المنطقة الخضراء، وأنهى عصر الطائفية، ونزع من هويات مواطنيه أي كلمة تشير إلى المذهب والطائفة والجماعة، فالعراق باق وهم زائلون.
ما أكثر أحلامي التي أرهقت قلمي على مدى أربعة عقود!
الآن دعوني أستعد لإرسال تهنئة عاجلة بسقوط طاغية، لكنني لم أكتب العنوان بَعْدُ علىَ الرسالة!


محمد عبد المجيد
رئيس تحرير طائر الشمال
أوسلو في 16 أغسطس 2011

Taeralshmal@gmail.com

 

اجمالي القراءات 10817