المجلس العسكرى و أسماء محفوظ

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٦ - أغسطس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

1 ـ قبيل ثورة 25 يناير 2011 شاهدت على اليوتوب فتاة مصرية حسناء تتكلم بجرأة تدعو للمظاهرات فى التحرير ، كانت تتكلم بكل ثورية وصدق وبساطة وتلقائية ،أسرعت بنشر الفيديو على موقعنا(أهل القرآن ) ، وأقمت لأسماء محفوظ حفل تكريم فى قلبى . بوركت يا أسماء وبورك والداك والبيت الذى رباك . كان خطاب أسماء من العوامل المشجعة لقيام مظاهرات الثورة والتى انتهت بخلع الرئيس الكئيب وعصابته .  من وقتها وحتى الآن ، ومن بين (الأسماء ) ( المحفوظة ) فى قلبى يتربع اسم (أسماء محفوظ ) أدعو لها بكل خير . ثم كانت الفاجعة الكوميدية حين قرأت أن المجلس العسكرى الهمام احال اسماء محفوظ  الى محاكمة عسكرية فتذكرت قول المتنبى :

وكم ذا بمصر من المضحكات    ولكنه ضحك كالبكا ..!!

2 ـ المجرم المصرى (الأصيل ) مهما بلغ إجرامه فهو يتمتع بخفة الظل وبقدر من الظّرف يجعلك تتعاطف معه أحيانا ، ويترك مساحة من التواصل الانسانى معه، مع إنه مجرم وابن (جنية ) على رأى المصريين. وخلافا للسينما الأمريكية وغيرها فإن الشاشة المصرية فى أفلامها حرصت على تقديم المجرم المصرى طبقا للثقافة المصرية ـ اى  مجرم لا يخلو من الظرف ولا تملك سوى ان تحتفظ له باعجاب خفى ، بل وقد تبتسم له ، خصوصا حين تسمع تعليقاته التى تعكس ثقافة التنكيت والتبكيت المصرية . و نجوم السينما المصرية الذين قاموا بأدوار الشّر برعوا بهذه النكهة المصرية الفكاهية فتعاطف معهم الجمهور ، وصاروا نجوما محبوبين ، ولا ننسى  القمم الفنية أمثال محمود المليجى وزكى رستم وفريد شوقى وعباس فارس و الرائع استيفان روستى ( المتمصر ) و توفيق الدقن ثم عادل أدهم الى أن نصل الى وحيد سيف فى جيلنا ..

3 ـ ليس هذا ساريا فى عالم السياسة المصرية ، لأنه خلال ثلاثين عاما ظهر فى مصر مجرم عريق حكمها بالحديد والنار ، أطهر الفساد والاستبداد وقهر العباد وسرق أموال البلاد متفوقا على كل المجرمين . ومع هذا فلم يتمتع بظرف المصريين . كان ثقيل الظّل ثقيل الدم ، كآبته ( تفقع مرارة ) الميت فكيف بالأحياء ؟ الغريب إنه كان يستظرف ويحاول أن يقول نكتة فى سيناريو وحوار تم إعداده سلفا واختير له المتحدثون ، وذلك فيما كان يحدث فى جولاته المحدودة ، ولكنه برغم ذلك كان تظرفه يخلق حسرة لدى المصريين ويزيد من حنقهم عليه واحتقارهم له، إذ كان يخرج على (ألنّص ) إستظرافا فينطق بفواجع . الفاجعة الحقيقية هى  عندما يضحك ، فأطلق عليه المصريون لقب البقرة الضاحكة ، أخذا من اعلان لنوع من الجبنة الفرنسية بهذا المعنى ( لاباش كيرى ) ، لأن رسم البقرة الضاحكة يشبه ذلك المجرم حين يضحك . الكآبة وثقل الدم و(الغتاتة ) و (السماجة ) لم ينفرد بها هذا المجرم ، بل شاركته فيها زوجته ، ولقد أنجبا ولدا جمع بين صفات والديه وزاد عليها غرورا واستعلاءا وطموحا ليرث عرش مصر..يا نهار إسود ..!!؟؟

بقية الشلّة تنافست فى التحلى بالكآبة والغتاتة والكلاحة وثقل الظل الذى يفقع المرارة والخصيتين أيضا .

على أن الأمر لم يخل’ من بعض الظّرف ، وهو ظرف لا شأن لهم به ، يتجلى هذا الظّرف فى أسمائهم ، فهى تتناقض تماما مع سلوكياتهم ، فالنجس بأفعاله اسمه (مبارك ) بل و (حسنى ) من الحسن ـ ومحمد من الحمد ، وهو لم يكن سوى القبح والسوء ، بل عندما ينجب يسمى ( جمال ) مع التناقض بين الجمال وبين ما كان يفعله هذا الابن . ثم يتخصص الابن الأكبر فى السرقة وكل ما هو ( واطى ) بينما اسمه (علاء ) فأين العلاء من هذا الحضيض الذى وقع فيه (علاء )؟. بقية العصابة المجرمة تدفعك أسماؤها للضحك الدامع ، فوزير (الظلم) والتعذيب الذى أصبح (عدوا ) للمصريين اسمه (حبيب العادلى )، والذى (أبكى) المصرين فى مؤازرته للفساد و(أغلق) آمال الاصلاح اسمه ( فتحى سرور )، و(القوّاد) (أسود القلب ) اسمه ( صفوت الشريف )،صفوت من الصفاء و الشريف من الشرف ، فهل رأيتم قوّادا محترفا يوصف بالشرف والصفاء ؟ ثم هناك حرامى تخصص فى السرقة وصاحب سجل قذر فيها كان اسمه (نظيف ) . المقارنة بين أسماء هذه العصابة وأعمالهم يضحك منها الحزين .. ولكن هذا الاستطراد ليس بعيد عن عنوان المقال، عن نكتة هائلة ، هى أن (أسماء ) الفتاة الطيبة يرتعب منها جنرالات المجلس العسكرى .

4 ـ أسماء محفوظ صاحبة فضل فى قيام الثورة المصرية التى أنقذت مصر من سيطرة هذه العصابة التى جمعت بين الشّر والغّمّ وثقل الظّل . وأسماء محفوظ هى بالتالى صاحبة فضل على جنرالات المجلس العسكرى ، فلم يكن معظمهم قبل ذلك معروفا ، فأصبح مشهورأ ، وكان مأمورا فأصبح آمرا . بل كانوا لجمال مبارك خاضعين يرتعشون من احتمال أن يأتى هذا المخلوق اللزج الأملس المتغطرس رئيسا لمصر والقائد الأعلى للقوات المسلحة . بجرأة أسماء و بقية شباب مصر الأطهار إنزاحت تلك الغمّة عن أولئك الجنرالات ، بل وتصدروا الحكم فى مصر . وأصبح المشهد مأساويا و كوميديا سوداء تنبع من التناقض بين شباب الثورة وجنرالات مبارك الذين أتت بهم الثورة ليحكموا أو ليديروا شئون مصر بالوكالة عن قادة الثورة الشباب .

5 ـ الثورة المصرية الراهنة هى فريدة من عدة نواح :

5 / 1 ـ فريدة فى  التاريخ المصرى ـ أقدم تاريخ فى العالم ـ فهذا التاريخ له الآن صفحتان ، الأولى صفحة الاستبداد الفرعونى من عهد الملك مينا الى عهد حسنى مبارك ، وبدأت الثورة المصرية صفحة جديدة من 25 يناير 2011 ، هى صفحة الديمقراطية .

 5/ 2ـ  فريدة فى التاريخ الانسانى بأكمله ، فهى أول ثورة حقوقية يهب فيها شعب بأكمله خارجا الى الشارع فى احتجاج سلمى مستعد للموت فى سبيل حياة حرّة كريمة متحملا وحشية الشرطة .

5/ 3 : وهى أول ثورة حقوقية لا يطلب القائمون بها الوصول للحكم . كل الثورات قامت بها جماعات ايدلوجية دينية أو مذهبية أو عنصرية أو قومية أو (شيوعية )، أى تعبر ليس عن مجموع الشعب بل عن جزء منه ، ويسعى قادتها الى حكم الشعب واستعباده وفرض ايدلوجيتهم عليه ، اى استبدال استبداد باستبداد آخر . الثورة المصرية  ترفعت عن هذا ، وكانت شعاراتها حقوقية للجميع على اساس العدل والمساواة .

هذا النبل الفريد للثورة المصرية قوبل من المجلس العسكرى الذى (يدير البلاد ) بردود أفعال تنتمى الى الكوميديا السوداء . المفترض أن يقابل الجيش المصرى ثورة الشعب المصرى بايجابية تتمثل فى وقوفه الى جانب الشعب حاميا لثورته السلمية ، مؤديا واجبه الوطنى المعهود . الجيش المصرى هو فعلا كذلك ـ ولكن المجلس العسكرى ليس كذلك .

6 ـ جنرالات المجلس العسكرى فى ورطة حقيقية . هم فى الحقيقة ـ مثلهم مثل جنرالات الداخلية ـ من ابناء مبارك ، عاشوا تحت قيادته وطاعته وتقديسه وتبجيله ثلاثين عاما ، بل تفانوا فى اخلاصهم له مما جعله يبقيهم فى خدمته دون عزل او استيداع الى أن وصلوا الى رتب القيادة ، ثم هم شركاؤه فى الفساد ، لأن  ميزانية الدفاع وصفقات السلاح ومشروعات القوات المسلحة وانشطتها الاقتصادية شأنها كشأن اعتمادات الرياسة والصناديق الخاصة لا تخضع للرقابة ولا سلطة عليها من مجلس الشعب أو الجهاز المركزى للحسابات . ولأنهم شركاء مبارك فى الفساد  فهم أيضا يخافون من فتح ملفاتهم . ومبارك يعرف هذا ، وقد تسربت تهديدات من مبارك تنذرهم ، وتسريبات أخرى تصف ما يمس الفساد المحتمل للجنرالات بأنه (أمن قومى ) ، وهى عبارة كوميدية حين توصف السرقات والنهب بالأمن القومى .

لو أن الأمر بيد المجلس العسكرى لأقام مذبحة للثوار فى التحرير تنفيذا لأوامر مبارك . الذى منع الجنرالات هو جنود وضباط الجيش المصرى . تجول المشير فى التحرير وقت مظاهرات الثورة وتأكد أن جنود الجيش وضباطه هم مع الثورة وبالتالى فلو أصدر المجلس أمرا لهم باطلاق النار على أهاليهم المصريين فسيطلقونها على الجنرالات . بين الخوف من الجيش المصرى والخوف من كشف ملفاتهم فى الفساد مع مبارك عاش ويعيش الجنرالات فى مجلسهم العسكرى . ويتحكم هذا الخوف فى ردود أفعالهم ، فهم لا يتحركون ضد مبارك إلا بالضغط الشعبى الذى يمكن أن يصل الى نقطة الانفجار . ومقابل هذا البطء فى القضاء على نظام مبارك تجدهم يسارعون فى معاقبة الثوار أمام محاكم عسكرية لو كتبوا ضدهم ، أو لو تظاهروا ضدهم ، وفى نفس الوقت لا يستشعرون خطرا من السلفيين بل  تثور تساؤلات عن تعاون بينهم ، بل عن تعاون مع البلطجية والفلول والبلطجية وجنرالات الشرطة الموالين لمبارك .

7 ـ هنا يتميز الجنرالات عن سيدهم السابق مبارك . مبارك كان ثقيل الظّل ثقيل الدم أذا تكلم وإذا تحرك وإذا تنفس. أما الجنرالات فهم غاية فى خفة الدم وفى الظرف ، وليس هذا العجيب فى حدّ ذاته لأن الأعجب أنهم يتصرفون بهذا الظّرف رغما عنهم ، لأنهم فى الأصل جنرالات مبارك وكانوا أعمدة حكمه وشركائه فى الفساد . الظّرف يقطر منهم رغم أنوفهم ، يخرج منهم بتلقائية شديدة تذكّرنا بتلقائية محمود المليجى و استيفان روستى و توفيق الدقن ووحيد سيف ونجاح الموجى . يتجلى الظرف منهم حين يتدخل أحدهم بالتعقيب على متحدث فى أحد البرامج التليفزيونية فتتحسر على مستواه ، ولا تملك أن تدعو له بالهداية والغفران ،ولكن أفظع الكوميديا تتجلى فى تصرفات شريرة مثل قمع المتظاهرين الشباب وتعذيبهم واحالتهم للمحاكم العسكرية بينما تباطأوا فى احالة قائدهم العسكرى الى محكمة مدنية وهو الذى خان القسم وخان الوطن وارتكب جرائم تذهب به الى الجنائية الدولية .

ومن أعجب وأسوأ الكوميديا السوداء أن يكون الجنرالات هم الخصم والحكم فى احالة المدنيين المسالمين الابرياء الى محاكم عسكرية لمجرد انهم عبروا عن آرائهم فى إطار القانون (المدنى ) وبما تبيحه لهم المواثيق الدولية والقيم الحقيقية لحقوق الانسان .

الأعجب والأسوأ أن يستطيل الجنرالات بكل قوتهم وجبروتهم ورتبهم العسكرية على فتاة مصرية هى (أسماء محفوظ ) . المخزى والأكثر عجبا أن يرتعب الجنرالات من كلمة كتبتها (أسماء محفوظ ) فيحيلونها الى محاكمة عسكرية ، بينما لا يؤرقهم بلطجية الحزب الوطنى وبلطجية السلفية والتنظيمات السرية لضباط أمن الدولة . بل تثور اقاويل عن غرام غير شرعى وغير شريف متبادل بين هؤلاء واولئك ، وفيه يتفق الجميع على كراهية أسماء محفوظ ، بسبب ما فعلته أسماء محفوظ قبل وأثناء وبعد الثورة.

شنبات الجنرالات تفزع وترتعش من كلمة لفتاة مصرية ..هذه أحدث نكتة مصرية ..

أخر السطر :

ياللعار على الرتب والشنبات والرجال ..!!

إخص على كده ..!!

اجمالي القراءات 14940