أهلا وسهلا
1 ـ تأثر كثيرون بالتشابه بين قوله جل وعلا عن البعث :(يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ) وقوله جل وعلا فى قصة ملكة سبأ (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا )(النمل 44 )، واحتفل بذلك أصحاب الدين السّنى الذين يجسّدون رب العزة ويجعلون له صورة البشر وإستواءه على العرش مثل الانسان وامكانية رؤيته كأى مخلوق. من هنا يؤمنون بأن لله جل وعلا (ساقا ) وإنه يكشف عن ساقه يوم القيامة ليسجد له الناس فلا يستطيعون .
2 ـ ولكن كما أكّدنا فى برنامج فضح السلفية عن رؤية الله جل وعلا إنه لابد من إتباع المنهج العلمى فى فهم آيات القرآن وليس بأن ندخل عليه برؤية مسبقة ننتقى لها ما نريد من الآيات ونخرجها عن مفهومها ونتجاهل غيرها ثم نفترى حديثا ، لنفرض على القرآن الكريم أهواءنا.
3 ـ وبتطبيق المنهج العلمى فى البحث القرآنى يتضح فى النهاية الآتى :
3/ 1 : ألاية الكريمة تتحدث عن البعث من القبور: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ) ( القلم 42 : 43 ).
3/ 2 : فالبعث من القبور يبدأ بخروج الساقين وليس الراس ، وتلتف الساق بالساق ويبدا تجميع البشر الى لقاء الله جل وعلا ، وهذا هو المقصود بقوله جل وعلا : (كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ) ( القيامة 26 : 30 ).
3/ 3 : الله جل وعلا أوضح لنا أن البعث يشبه وضع النبات فى عالمنا ، يقول جل وعلا :( وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ) ( الحج 5 : 7 )، فالأرض الميتة ينزل عليها المطر فتحيا بالنبات ويزدهر النبات ثم لا يلبث أن يموت وتتكر قصة الخلق والبعث. وهذا ما سيحدث فى يوم البعث لنا.
3/ 4 : وفى تفصيل أكثر يقول جل وعلا :( وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ) ( ق 9 : 11 ). فكما يحدث فى الدنيا من ماء المطر الذى ينبت به النبات فكذلك (الخروج ) أو البعث. أى يبقى من كل إنسان بذرة بعد موته قد تكون نفسه ، ويوم البعث ينزل مطر على الأرض ينشأ عنه إنبات هذه البذرة فنخرج شأن النبات. والنبات حين يبدأ فى الخروج لا يبدأ بخروج الرأس ولكن بخروج وظهور الساق ، أو تنكشف الأرض عن الساق.عندها لا يستطيع الكافر فى بعثه أن يسجد . وهذا معنى قوله جل وعلا(يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)( القلم 42 : 43 ).
3/ 5 : ويتكرر التماثل بين البعث وخروج النبات فى قوله جل وعلا : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)( الأعراف 57 ).
3/ 6 : وفى إيجاز معجز يقول جل وعلا :(وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ) ( نوح 17 : 18 ). فالبعث لنا هو عكس الميلاد ،أو هو إعادة له بطريقة معكوسة ، فى الميلاد تخرج الرأس أولا ثم الساقان اخيرا، وعند البعث يحدث العكس: الساقان واخيرا الرأس.
تجد الوضع معكوسا بين الخلق والبعث: (خلق آدم من ماء وتراب وطين ثم أخيرا نفخ النفس فيه ، وخلقنا من نطفة جاءت من مواد غذائية مكونة من ماء وتراب ثم تتحول وتتمحور الى جنين ثم تدخل فيه النفس اخيرا) . فى الموت يحدث ترتيب عكسى ، فالنفس التى هى اخر ما يدخل الجنين وبه يصبح انسانا هى اول ما يخرج منه عند الموت . والماء والتراب والطين أول مراحل الخلق تكون هى نهاية جسد الانسان بنفس الترتيب إذ يعود فى النهاية ترابا ويتبخر منه الماء . فالاعادة هى بالترتيب العكسى.
يسرى هذا على الانسان وعلى الكون كله وعلى السماوات والأرض ، يقول جل وعلا عن يوم القيامة وتدمير العالم ليرجع الى نقطة الصفر التى بدأ بها : (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ )( الأنبياء 104 ).